على جمال الدين ناصف الفجرنيوز بورسعيد - مصر مما لا شك فيه أن لأى أمة ذوقا عام ، و أيضا لها رأيا عاما ، و كذلك لها عرفا عاما ، فالرأى العام يدور فلكه حول الآراء و الافكار والمعقولات ، و العرف العام فلكة و مداره فى العادات و التقاليد ،أما الذوق العام فمداره فى فلك الفن و الجمال .
و من الجدير بالذكر بأنه يتبدى أن المصريين قدرا مشتركا من الملامح ، تجعلنا نميزهم عن غيرهم بسهولة من كل الجنسيات ، ولا شك بأن هناك قدرا مشتركا فى الرأى العام يسود المصريين فى النواحى السياسية والاجتماعية و يميزهم عن غيرهم من الامم الاخرى ، كذلك الحال بشأن الذوق العام .
و يتبدى الذوق العام فى كل أنواع الفنون والطعوم ، فنرى لكل أمة أنواع من الطعام تستلذها و تعز بها ، و قد يختلف أسلوب الطهى لكل أمة عن غيرها للصنف الواحد للطعام و يتعدى ذلك إلى كيفية إعداده ، ونستطيع أن نحكم على أمة بأنها تجيد كذا من ألوان الطعام و أنواعه ، على حين أن أمة أخرى لا تستسيغه ولا تتذوقه . و إنطلاقا من ذلك فإن الذوق العام المصرى يقدر من فنون الموسيقى المصرية أكثر ما يقدره من الموسيقى الغربيه ، و قد لا يستلذها ولا يرى فيها جمالا ، كما أن أكثر الغربيين لا يجد فى الموسيقى الشرقيه طعما ، ولا يقيم لها وزنا ، وربما إن قدر ذلك يكون من باب الفضول و دعوة غايتها التجريب . حتى فنون العمارة و أشكال البناء ، و أنواع الملابس و ألوانها ، و ما يستجمل منها وما يستهجن ، كل ذلك خاضع للذوق العام فى الامة ، لذا نرى أن لكل أمة من هذه الأمم شأنها و ذوقها الذى يميزها من غيرها و يضعها فى درجة خاصة من سلم الرقى الانسانى .
فهذا الذوق العام هو الذى يقوم الأدب و يتذوقه ، وهو يجعل لكل أمة أدبها الخاص ، و غناءها الخاص ، و طعومها الخاصه ، و يتذوقه و يألفه العموم فيكون الذوق العام ، ولا يتذوقه الغربيون بذوقهم العام ، كما لا يتذوقون طعومنا و غناءنا حتى نوادرنا المصريه التى تبعث على أشد الضحك و أعمه ، قد لاتحمل الأجنبى على التبسم . نعم قد يعجب المصرى بآيات من الآداب الغربية ، و لكنه لا يتم له ذلك إلا بعد أن يحور ذوقه و يمرنه تمرينا طويلا على تذوق هذا الأدب ، كما يمرن المصرى ذوقه على إستجادة الموسيقى الغربية ، فيستجدها بعد طول المران ، ولكن هذا ليس من الذوق العام فى شئ .
و ليس بخفى أن ننكر أن هناك نوعا من الآداب عالميا ، يستجاد إذا ما ترجم لأى لغه من اللغات ، و يعزى ذلك إلى وجود قدرا مشتركا بين العقول ، فإستجادة المصريين لبعض الفنون الغربية أو الغربيين لبعض الفنون المصرية ، شأه كشأن إشتراك الناس جميعا فى إستجادة بعض الطعوم أو بعض المقطوعات الموسيقيه ، فهذا يغير فيما ندعيه شيئا من أن لكل أمه ذوقا عاما خاص بها .
و لما كان الناس قد تخضع لأنواع شتى من الاستبداد ، كإستبداد النظم السياسية ، و استبداد العقول ، و إستبداد الرؤساء لمرءوسيهم ، و إستبداد الحكام لمحكوميهم ، و إستبداد القوى للضعيف ، و هذه الصنوف من الاستبدادل يمكن لها أن تتلاش أو نقلل من تأثيرها على الافراد ، فيما عدا هذا المستبد بالأفراد بلا حدود هو إستبداد الذوق العام ، فلا سلطان يشبه سلطانه ، و نرى أن بجانب الذوقثالعام للأمة ذوق خاص بالفرد ، يستجيد به بعض الاشياء ولا يستجيد البعض الاخر ، و يستحسن و يستهجن ، و يستجمل و يستقبح ، ولكنه فى كل ذلك مسلوب الحرية خاضع خضوعا تاما للذوق العام .