إن قصة بيت جونثان صورة مصغرة لما يحدث في القدس من عمليات التهويد المنظمة التي تقوم بها المؤسسات والجمعيات والجهات الرسمية . وقد تم فتح ملف تهجير السكان الفلسطينيين من القدس وتهويد المدينة منذ وقت طويل ، غير أن الحكومة الإسرائيلية تشارك المستوطنين الآن بصورة واضحة ومكشوفة في عمليات التهويد ، وتتحدى أوامر المحكمة العليا التي أصابها الضمور، ووصل الأمر إلى حد امتهان قراراتها وقضاتها ، فقد ضربت قاضية المحكمة العليا دوريت بينش بالحذاء وسط المحكمة وبالأمس أحرقت سيارة قاضي حيفا ، وتصل التهديدات اليومية بالقتل للقضاة ، وحتى لضباط الجيش ممن كانوا يقومون بإخلاء المستوطنين من البؤر الاستيطانية العشوائية ، وقد توقف الإخلاء منذ شهور طويلة، مما استدعى تعيين حراس لهم . قصة البيت يقع بيت جونثان وسط حي سلوان في القدسالشرقية ، وقد أسمته الجمعية الإسرائيلية الاستيطانية المتطرفة التي أنشأته ( عطيرت كوهانيم) باسم الجاسوس الإسرائيلي المعتقل في أمريكا جونثان بولارد وكان ضابطا في سلاح البحرية الأمريكي ، اعتقل عام 1986 بتهمة التجسس وتقديم معلومات للإسرائيليين واعترف بالتهمة وحكمت عليه المحكمة بالسجن مدى الحياة ، ولم تعترف إسرائيل بأنه كان عميلا لها ، فهو يحمل الجنسية الأمريكية ، غير أن المتطرفين الإسرائيليين ضغطوا على الحكومة وجعلوها تصدر قرارا بمنح جونثان بولارد الجنسية الإسرائيلية عام 2008 . وبنى المتطرفون بيت جونثان في سلوان منذ خمس سنوات بدون ترخيص ، وهو مكون من سبعة طوابق ، ثم أسكنوا فيه ثماني عائلات من المتطرفين . أصدرت المحكمة العليا في شهر يوليو من العام الماضي 2008 أمرا قضائيا بإخلاء المنزل ، ولم تنفذ البلدية أوامر الإخلاء ، وطالب قاضي المحكمة العليا رئيس البلدية بتنفيذ القرار ، فانضم وزير الداخلية إيلي يشاي من حزب شاس إلى معارضي الإخلاء ، وهو يسعى لترخيص طابقين من المبنى ، لذا فإنه يقوم بتجنيد أعضاء المجلس البلدي لمنع تنفيذ أوامر الإخلاء وإغلاق المنزل . وقام أعضاء من المجلس البلدي ممن ينتمون لليمين بزيارة تضامنية مع سكان البيت منهم دافيد حداري من حزب الاتحاد الديني وعليشا بلغ من الليكود، وطالب حداري بألا يكون هناك تمييز ضد اليهود في القدس، فلماذا يُغض الطرف عن البيوت الفلسطينية المقامة بدون ترخيص ، بينما تهدم منازل اليهود؟ ! ويسعى رئيس البلدية نير بركات لترخيص طابقين فقط من المبنى منعا لهدمه، وقال : هناك سبعون بيتا فلسطينيا تنتظر الهدم لأنها أقيمت بلا ترخيص ، وانتقد عضو المجلس البلدي الوحيد (يوسي هافيليو) الذي يطالب بإغلاق بيت جونثان. وهكذا فإن إخلاء البيت وهدمه سيمنح المتطرفين فرصة لتطبيق الأمر نفسه على بيوت الفلسطينيين في سلوان، ففيها وفق ادعاءات إسرائيل مئتا (200) بيت فلسطيني غير مرخصة ( إسرائيليا ) تنتظر الهدم ،كما أن عدم هدم بيت جونثان يعني أيضا أن تقوم الجمعيات والمؤسسات والمملون الإسرائيليون ببناء بيوت أخرى على شاكلة بيت جونثان، في القدسالشرقية ، التي كان يؤمل أن تكون عاصمة دولة فلسطين ! وللعلم فقط فإن الجمعيات والمنظمات الحريدية المتطرفة تبحث عن أوراق قديمة يملكها اليهود زمن الانتداب البريطاني ، وإن لم تجدها ، فهي تزيف أوراقا كثيرة تثبت الملكية لمنازل عديدة ، مع العلم بأن كثيرا من المحاكم الإسرائيلية تقبل مستندات ملكية العقارات البريطانية والعثمانية إذا كان مالكوها يهودا ، أما إذا كان مقدمو المستندات نفسها فلسطينيين فلهم رب العالمين !