تعيد أحدث دراسة أميركية حول سياسة الولاياتالمتحدة تجاه الشرق الأوسط طرح الأسئلة التقليدية والجوهرية في موقف أميركا من الإسلاميين، مقدمة دليلا إضافيا على تحول هذا الموقف إلى عنصر محدد لمجمل السياسة الشرق الأوسطية لأميركا، يصعب تجاهل تحديده في صياغة تلك السياسة. من هذه الأسئلة التي انطلق منها معدو الدراسة، والتي صدرت أواخر يناير الماضي عن معهد الولاياتالمتحدة للسلام، هي عودتهم لقضايا بحث "الأهداف الاستراتيجية المحلية والجهوية للإسلاميين"، وهل يمثلون "تحديا أو يهددون النظام السياسي المحلي المحدد من قبل الأنظمة"؟ فضلا عن العودة للتأكيد على ضرورة التمييز بين "الطبيعة الأيديولوجية للإسلاميين وأهدافهم" بحسب لغة الدراسة وبين "السياق السياسي الذي يشتغل في إطاره الإسلاميون"، وهي أسئلة كانت محط اشتغال فريق من الخبراء تجاوز الثلاثين أشرف عليه الباحث الأميركي دانييل برنبرغ الذي يشغل منصب مدير برنامج مبادرة العالم الإسلامي في المعهد، وكانت الأجوبة في الدراسة المعنونة ب "في السعي نحو الأمن والديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير" تعبيرا عن نقد عميق للأطروحة الإقصائية الرافضة لموقع الإسلاميين في عملية التحول الديمقراطي في المنطقة، والتي تضع الأهداف الأمنية كمحدد للسياسة. المثير أن هذه العودة لتلك الأسئلة المطروحة منذ أزيد من 30 سنة، أتاح تقييما عميقا للمرحلة التي تلت تفجيرات الحادي عشر من شهر سبتمبر وبشكل أخص للفترة التي تلت الانتخابات الفلسطينية ليناير 2006، وما عرفته من نمو نزعة الرفض للحركات الإسلامية والتراجع عن دعم الانفتاح السياسي، لاسيما أن الدراسة وسعت لتحليل حالات دول بعينها هي مصر والأردن واليمن ولبنان والمغرب لامتلاك تصور واضح عن تحديات الانفتاح السياسي والتطور الديمقراطي في تلك الدول، والاستناد إلى نتائج ذلك لبناء خلاصات وتوصيات تهم مجمل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولهذا وإن لم تخصص عنوانا بعينه للموضوع الإسلامي نجد هذا الموضوع ذا حضور لافت على مستوى الخلاصات الكبرى والتوصيات الأساسية. على مستوى النتائج، نجد أن معدي الدراسة كانوا صريحين، في التأكيد مجددا على أن المشاركة السياسية للإسلاميين تؤدي إلى "دفع الأحزاب الإسلامية إلى اعتماد مواقف أكثر اعتدالا وتوافقية"، كما قدمت اعترافا شجاعا بأن التطورات التي تتالت "منذ حرب لبنان في 2006 وبعدها حرب غزة في 2009 وكذا النزاع العربي الإسرائيلي أدت للكشف السافر عن ضعف الدولة العربية، وتوسع النفوذ الإيراني وتفاقم التوترات الشيعية السنية في لبنان والسعودية والبحرين وباكستان وأفغانستان، لتكون النتيجة توجه الشباب المسلم المحبط من ضعف الدولة والتجزئة الطائفية نحو الحركات الإسلامية من أجل إيجاد أجوبة عن ذلك"، لتضيف الدراسة أنه "بعد 8 سنوات من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر فإن استطلاعات الرأي تبرز أن القاعدة ما تزال تمثل رمزا قويا لمقاومة النفوذ العسكري والسياسي والثقافي الأميركي" وفي المقابل تبرز الدراسة في معرض ردها على الرأي المضاد أنه "رغم أن الانفتاح السياسي يمكن أن يسهل التعبئة الإسلامية لمعارضة الولاياتالمتحدة، فليس بالضرورة أن يؤدي ذلك إلى قطع جهود القادة الأردنيين في العمل مع واشنطن وإسرائيل. رغم أن العديد من السياسيين الإسلاميين يعارضون هذه الجهود فإن استطلاعات الرأي التي أخذت فجر اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل بنيت على أن %80 من الأردنيين تدعم الاتفاق، وذلك لأن الاتفاق سيجلب التنمية الاقتصادية وحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ومواقف إيجابية لأميركا في المنطقة، لكن بسبب من عدم تحقق ذلك، فإن بإمكان الإسلاميين استعمال الانتخابات كوسيلة لتعبئة المعارضة لواشنطن، وبالتتبع للسياسات المنحازة للغرب والمعتمدة من قبل الحكومات الغربية". تذهب الدراسة أبعد مما سبق، عندما عرضت في ثنايا التقرير نقدا حادا لمرتكزات الأطروحة الإقصائية الرافضة للاندماج السياسي للإسلاميين، وذلك بعد العرض المحكم لخلفيات الرأي الرافض للجمع بين تشجيع إصلاحات سياسية والأمن، والتي لخصتها الدراسة بقولها "إن ذلك سيضعف ويهدد المصالح الأمنية الأميركية من طريقين، الأول أنها ستقوي التأثير السياسي للقوى الإسلامية، وعدد منهم يرفضون التعاون مع أميركا في عدد القضايا السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، والثاني أن الإصلاح السياسي سيضعف تماسك الدولة بمفاقمة النزاعات بين الإسلاميين وخصومهم العلمانيين، وبين الاثنين والوطنيين، والذي يستدعي النزاع العنفي المدني، ودعاة هذا الرأي يقدمون كأدلة فلسطين، مصر، لبنان في 2005 و2006" والحل هو مقاربة واقعية الدعم الأميركي للإصلاحات الديمقراطية". الجواب عن هذه الاعتراضات، كان باختصار يقوم على أن "أدلة الرأي السابق ترتكز على تحليل سطحي للفترة القصيرة وغير المسبوقة لعمل واشنطن لمصلحة أجندة الحرية" ف "التحليل المحايد وغير المنفعل وغير العاطفي لما حصل في مصر وفلسطين يخلص إلى أن المكاسب الانتخابية للإسلاميين نتجت شروط محلية وجهوية خاصة أكثر منها بسبب امتياز تفضيلي تنظيمي وأيديولوجي تتمتع بها القوى الإسلامية" وتبعا لذلك ف "التعميمات المرتكزة على تلك الحالتين يمكن أن تقود إلى صنع سياسة رديئة وسيئة". هل سنشهد تغييرا في السياسة الأميركية تجاه الإسلاميين تبعا لذلك؟ سيكون من الصعب الجواب في الظرف الراهن، رغم أن التقرير صدر عن معهد أبحاث ممول من قبل الكونغريس، كما ساهمت في إعداده نخبة مؤثرة من الباحثين في دوائر واشنطن في مجال السياسة الخارجية، والسبب هو أن صنع هذه الأخيرة تتدخل فيه جهات عدة، يمثل الفاعل الأكاديمي جزءا منها، وإلى جانبه الفاعلون الأمنيون ولبويات الاقتصاد والمصالح، ولهذا نعتبر أن الدراسة ناقوس إنذار لفشل ذريع للسياسة المتبعة أكثر منها تعبير عن تحول كلي، والذي نعتقد أنه في طور التخصيب. العرب القطرية 2010-02-12