تتكرر الفضائح والتقارير التي تتحدث عن فساد موغل وعريض في أوساط السلطة الفلسطينية، فيما تتعامل تلك السلطة معها بلا مبالاة ومن غير اكتراث، فحين أحكمت حماس سيطرتها على القطاع، أعلنت عن ضبط وثائق وأفلام تفضح تصرفات غير أخلاقية في أوساط السلطة، ومع خطورة تلك الادِّعاءات كان ردّ فعل السلطة باهتًا وباردًا، مثل أن أعضاءها هم بشر وليسوا ملائكة. ومع تفجر فضيحة "جولدستون" وموقف عباس المتواطئ من خلال تأجيل طرح التقرير، ومع ظهور تقارير إعلامية تتحدث عن ثمنٍ بخس قايضت به السلطة بدماء أهل غزة مقابل تسهيل صفقة هاتف جوال لصالح أبناء عباس، بالرغم من كل ذلك لم تبالِ السلطة بالدفاع عن نفسها ومواجهة الاتهامات الخطيرة بحقها. فضيحة جديدة للسلطة الفلسطينية، وعلى الأرجح فلن تكون الأخيرة في سلسلة متواصلة من الفضائح الأخلاقية والأمنية والسياسية والمالية، فقد بثت القناة العاشرة للتليفزيون الإسرائيلي تقريرًا تحت عنوان "فتح غيت" حول أعمال فساد في السلطة وخصوصًا في مكتب رئيسها عباس استعرضت فيه مستندات وصورًا تتهم مدير المكتب رفيق الحسيني بالفساد والتحرش الجنسي، وعرض التقرير مستندات ووثائق دأب على جمعها المسئول في الأمن الوقائي الفلسطيني فهمي التميمي على مدار الأعوام الستة الماضية، وقال التميمي: إنه تم تقديم الوثائق والأدلة على أعمال الفساد ومنفذيها إلى عباس، ووجه تحذيرًا بأنه في حال لم يتخذ الرئيس إجراءات ضد المتهمين بهذه الأعمال خلال أسبوعين فإنه سيكشف المزيد من الوثائق. ووفقًا للتقرير فإن العديد من الأشخاص المحيطين بعباس وعلى رأسهم الحسيني بل وحتى أبناء الرئيس ضالعون في أعمال الفساد وسرقة الأموال والتي بلغ حجمُها مئات الملايين من الدولارات التي حصلت عليها السلطة من التبرعات الدولية، وجاء في البرنامج أن التميمي زرع كاميرات تصوير في عدد من البيوت لغرض التحقيق الذي يُجريه حول الفساد وسرقة الأموال، وتبيَّن أن الحسيني سعى لاستدراج نساء تقدَّمْن للحصول على وظائف في مقرّ الرئاسة لإقامة علاقة جنسية معه، وأنه في إحدى المرات طلب من إحدى السيدات أن يلتقي بها في منزل للحديث حول العمل، والتقطت الكاميرات التي زرعها التميمي في المنزل ذاته الحسيني عاريًا بينما ذهبت السيدة إلى المطبخ لإعداد القهوة وقد عرضت القناة العاشرة هذه الصور. النائب العام في سلطة عباس أحمد المغني نفى اتهامات الفساد تلك، معلنًا أنه ستتم ملاحقة تلك القناة، مؤكدًا أن التميمي الضابط الفلسطيني السابق "ملاحَق في قضايا يجري التحقيق فيها والمتعلقة بتسريب أراضٍ لدولة أجنبية وتهمة الشروع بالقتل والإيذاء والنيل من هيبة الدولة"، (وهل هناك دولة وهل بقيت هيبة؟؟!!)، في حين اعتبر المجلس الثوري لحركة فتح أن ما نشرته القناة الإسرائيلية يهدف إلى "التشهير" بالرئيس الفلسطيني وسلطته بسبب رفضه استئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل دون وقف الاستيطان"، وأدان الطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة في بيان له "الحملة المسعورة التي بدأتها بعض أجهزة الإعلام الإسرائيلية"، مؤكدًا أن التقرير "كاذب" والصور "مفبركة". اتهامات خطيرة يقابلها ردّ رسمي في غاية الغرابة، فمقاضاة القناة هذه للاستهلاك الشعبي، وإلا فإن الأمر سيفتح الباب أمام مزيد من المخازي والفضائح، وإذا كان التشهير بعباس وسيلة لدفعه للمفاوضات كما يقول المجلس الثوري فأي شريك ذلك الذي تتعامل معه السلطة؟ ثم هل مثل هذه الأساليب تستخدم للحصول على المزيد من التنازلات الفلسطينية عبر المفاوضات العبثية؟ الإقالات لا تكفي ولجان التحقيق لا تسمن ولا تغني من جوع، فعلى السلطة أن تجيب على سؤال يشغل بال المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني وهو يتابع ما فعله الحسيني: ما المعايير التي يتم بناءً عليها اختيار رجال السلطة ومفاوضيها؟ ما نشرته القناة الإسرائيلية يعطي مصداقية لما أعلنته حماس ومنعتها أخلاقياتها من نشره من امتلاكها لأفلام ووثائق تفضح الانحطاط والشذوذ الأخلاقي لرجالٍ من السلطة الفلسطينية، كما أن أسلوب وضع الكاميرات وتصوير الشخصيات العامة في أوضاع شائنة تفتح تساؤلاتٍ مشروعةً عن الأساليب المتبعة داخل السلطة لتصفية الحسابات بين رجالاتها، كما أن من حقنا أن نتساءل: هل تملك إسرائيل ومخابراتها من الأفلام والصور ما يمكّنها من ابتزاز أعضاء بارزين في سلطة عباس إن كان من الأجهزة الأمنية أو من طاقم التفاوض؟ وإذا كان ليس بعد الكفر من ذنب، فما الذي يمكن توقُّعه من سلطة ارتضت أن تكون أداةً في يد الاحتلال لتطويق المقاومة وتفكيكها وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية حاجات معيشية وتسول للمساعدات المالية والتي تخصص في إفساد الناس وشراء ذممهم، لقد أصبحت السلطة الفلسطينية حاجةً وضرورةً للاحتلال، ففي ميونيخ عتب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني آيالون على دولة عربية ثرية بأنها لم تدعم السلطة الفلسطينية ب"سنت" واحد، وكأن الحرص على تمويل السلطة وديمومتها هدف وغاية إسرائيلية، الطريف أن عباس –وكما جاء في تقارير إعلامية- هدَّد نتنياهو بالاستقالة إذا ما تم إذاعة حلقة "فتح غيت"، "تهديد عباس بالاستقالة يظهر قناعاته بأن بقاءه في منصبه وسياساته أعظم خدمة لإسرائيل". سلطة رام الله والتي لا نجد عندها الحزم والعزم والمواقف الصلبة إلا حين يتعلق الأمر بحركة حماس وحكومتها في غزة أو من خلال دخول معارك دنكشواتية مع عالم وداعية بوزن الشيخ يوسف القرضاوي، في حين تقف أمام الرغبات الأمريكية والإسرائيلية برضوخٍ وإذعان، لقد وصلت السلطة بمواقفها المهينة وسياستها المخزية بحيث أصبحت عبئًا ليس على الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين فحسب، بل وحتى على القِيَم الإنسانية، ففي الوقت الذي يتحرك نشطاء غربيون احتجاجًا على حصار غزة، تقف حكومة رام الله بكل قوتها لإحكام الحصار مؤيدةً وبكل الوسائل التوجه الإسرائيلي-الأمريكي-المصري في تشييد الجدار الفولاذي لقطع شرايين الحياة عن أطفال ونساء غزة. الاسلام اليوم الثلاثاء 02 ربيع الأول 1431 الموافق 16 فبراير 2010