إن إغتيال محمود المبحوح خسارة للشعب الفلسطيني، وليست لحركة حماس فحسب. فالمبحوح قائد فلسطيني اوجع إسرائيل ولاحقته حتى تمكنت من اغتياله على ايدي خلية للموساد ساعدها اثنين من العملاء الفلسطينيين، وربما اكثر. ليس امرا جديدا ولا غريبا أن يكون هناك عملاء لاسرائيل في صفوف الفلسطينيين،وليس امرا جديدا ولا مفاجئا ،ان يتمكن الموساد من إختراق الفصائل الفلسطينية . لقد حدث الاختراق سابقا من الموساد وغيره من الاجهزة الامنية الاجنبية ايام عز الثورة ، ومن عاش التجربة في لبنان وتونس، يتذكر الجاسوس الذي كان مزروعا في مكتب الشهيد القائد ياسر عرفات في بيروت الذي تم اعدامه بعد محاكمته ، ويتذكر القيادي الجاسوس في الجبهة الشعبية الذي تم اعتقاله. وقصة الجاسوس الذي قبض عليه في تونس بعد ان زرع اجهزة التنصت في مكتب القيادة الفلسطينية، ومكتب ابو مازن لا تزال طرية في الذاكرة. ومثلما اخترق الموساد فتح والجبهة الشعبية اخترق حماس والجهاد الاسلامي، ولا ينفع هنا انكار ما حدث سابقا وحاليا ، وما يمكن ان يحدث لاحقا ، لان اي عملية اغتيال لقائد يعمل تحت الارض تتطلب وضع احتمال الاختراق في مقدمة الاحتمالات. ولا ينفع هنا استغلال حادثة اغتيال المبحوح للتشهير بحماس،فهي ولية الدم، ولا لتصفية الحساب معها، بل المطلوب من الجميع الفلسطيني التضامن معها وخوض معركة مشتركة ضد ارهاب الدولة الاسرائيلية، المتمثل هذه المرة بجريمة اغتيال المبحوح.مثلما استهدف سابقا او جهاد وفتحي الشقاقي وابو علي مصطفى وياسر عرفات . فاذا كان العملاء المقبوص عليهم من قبل شرطة دبي اعضاء في "فتح" او "حماس" او من افراد الاجهزة الامنية حتى الان او سابقا ، فهذا لا يعني ان "فتح" او"حماس" او الاجهزة الامنية تغطي على العملاء، ومشاركة في الجريمة. ان الاخفاق الاسرائيلي الذي كشفته شرطة دبي، التي اظهرت مهنية عالية تستخق الشكر والتقدير ، و تجلى في الكشف عن اعضاء خلية الموساد وعن استخدامهم جوازات سفر لعدة بلدان اوروبية صديقة لاسرائيل ، بعضها جوازات دبلوماسية ، وفي انتهاك سيادة دولة عربية معتدلة ليست معادية لاسرائيل ، وكشف تحركاتهم مع الامساك بالدلائل، كما دلت الصور التي رصدت تحركات المجرمين،الامر الذي مكن شرطة دبي من الوصول بسرعة قياسية الى معرفة اشخاصهم ، والتوصل الى معرفة غرفة العمليات التي اقامتها في النمسا لقيادة تنفيذ الجريمة . واكبر دلالة على الاخفاق الاسرائيلي ان هنالك انتقاضات واسعة في اسرائيل للموساد ومطالبة متزايدة ومتلاحقة بعزل رئيسه مائير داغان، الذي اختير منذ اسابيع فقط كافضل رجل في اسرائيل لعام 2009، تقديرا للجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين . فاسرائيل في معظمها لا يهمها الجريمة وانما الاخفاق فيها وكشفها . ان اغتيال المبحوح سبب بوادر لازمة في علاقات اسرائيل مع عدد من البلدان الاوروبية الصديقة لاسرائيل (بريطانيا ،فرنسا،المانيا،ارلندا) ، لانها استخدمت جوازات سفر تابعة لهذه البلدان للتغطية على تنفيذ هذه الجريمة ، التي يجب ان تدان لانها انتهاك لحرمة وسيادة بلد عربي عضو في الجمعية العامة للامم المتحدة ، ولانها استفزازا سيؤدي الى ردود فعل انتقامية ، وستجر المنطقة الى حرب باردة قد تتحول الى حرب ساخنة عندما يتوفر الوقت المناسب . لو اي دولة في العالم ارتكبت مثل هذه الجريمة واستخدمت جوازات سفر لبلدان اوروبية لقامت الدنيا ولم تقعد ولادرجت في قائمة الارهاب وكانت هدفا للحرب العالمية على الارهاب. ان واجب القيادة الفلسطينية والسلطة وحماس ان يرتفعوا الى مستوى المصلحة الوطنية العليا، وان يتجاهلوا الانقسام ويساهموا معا بقيادة الحملة الفلسطينية السياسية والقانونية والاعلامية، وبالتعاون مع شرطة دبي لادانة اسرائيل وجعلها تدفع ثمن باهظ لهذه الجريمة عربيا ودوليا . ان هذه الجريمة ليست الاولى ولن تكون الاخيرة ، وتدل على ان اسرائيل دولة ارهابية تستحق العقاب، وتضاف الى سلسلة الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني وقياداته منذ تاسيسها وحتى الان . كما من واجب "حماس" ان تنظر بكل جدية الى تصريحات قائد شرطة دبي حول امكانية وجود اختراق في صفوفها، لان هذا لا يعيبها، فكل البلدان الكبرى تم اخترقها الواحدة للاخرى طوال التاريخ القديم والحديث ،و ابان الحروب العالمية الاولى والثانية، وفي الحرب الباردة التي استمرت منذ عام 1945وحتى عام 1990 . ان الذي يعيب "حماس" ان تتجاهل احتمال الاختراق وتكتفي باجراء تحقيق سريع او دفع تهمة الاختراق بالحديث عن اتصالات اجراها المبحوح مع اهله في غزة ،وعن حجزه تذكرة الطائرة عبر الانترنت، وهذا ان صح، يعني وجود اهمال واستخفاف وعدم اتخاذ الاجراءات الامنية الضرورية لحماية قادتها وكوادرها التي تطاردهم اسرائيل ، ويشكل نجاحها في اغتيال اي واحد منهم انتصارا لها وضربة قوية للفلسطينين، وليست لحماس فقط ! ان هناك فرصة لادانة اسرائيل على حريمتها باغتيال البحبوح ولا بجب ان تضيع ضحية اخرى للانقسام المدمر !