بقلم / المصطفي ولد الشيخ الطالب اخيار منذ ما يعرف بالمسلسل الديمقراطي في تسعينيات القرن الماضي ، فإن السلوك السياسي للمعارضة الموريتانية التي وصفت طويلا بأنها تقليدية ، كان أبعد ما يكون عن الدور الوطني المسؤول لنخبة سياسية واعية ترفع شعار المصلحة العامة للشعب الموريتاني فوق كل اعتبار . ففي عهد الرئيس الأسبق معاوية و لد الطايع ، و بدلا من أن تسعى إلى تشجيع الممارسة الديمقراطية السليمة و تدخل في الانتخابات التشريعية و البلدية التي أعقبت رئاسيات 1992 ، فإنها رفعت شعار " المقاطعة " لكل الاستحقاقات و هو ما استمر سنينا طويلة حتى نهاية آخر انتخابات في عهد ولد الطايع في نوفمبر 2003 ، حيث شاركت تلك المشاركة الهزيلة التي لم تجني منها أي مكسب سياسي يذكر ، و كانت تلك المقاطعة الشاملة هي التي جعلت النظام المباد ينساق إلى تعزيز قبضته الديكتاتورية التي تطاير شررها حتى أصاب المعارضة التقليدية في مقتل ، حيث ظل ولد الطايع يقتنص كوادرها وقادتها واحدا بعد آخر ، ولو طال به الأمد لاختفت المعارضة التقليدية نهائيا من المشهد السياسي الوطني . وبعد الانقلاب في 2005 و إسدال الستار على حقبة العهد الطائعي ، فإن المرحلة الانتقالية لم تكن أكثر تألقا لأداء المعارضة التقليدية ، حيث لم تستطع قياداتها التاريخية أن تتجاوز خلافاتها و نرجسيتها الشخصية و تعمل على توحيد مرشحيها وقوائمها الانتخابية ، بل إنها دخلت مشتتة و منقسمة ، الشيء الذي أضعف مكاسبها في الاستحقاقات التشريعية و البلدية التي شهدتها المرحلة الانتقالية ، فلم تستطع تحقيق اختراق سياسي كبير ، بل إنها حققت حضورا هزيلا بصعوبة بالغة . وحين انتخب رئيس مدني في سنة 2007 ، الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ، الذي اعترفت به المعارضة التقليدية دون عناء أو نقاش ، فإنها لم تعمل على تعزيز الديمقراطية و تقبل المشاركة في المرحلة السياسية الجديدة ، بل رفضت ذلك بشراسة ، مما فتح الباب أمام بشائر الديكتاتورية و الانفراد السياسي ، الذي لم تتراكم أخطاؤه كثيرا حتى جاءت أحداث أغشت 2008 برجاء ، قيل على رؤوس الأشهاد ، إنه كان توصية ملحة من أحد القادة التاريخيين للمعارضة التقليدية ، وهو ما تجلي في المساندة السريعة للخطوة التي وصفوها ب " حركة تصحيحية " . وبلغت المفاجأة مداها حين تبني قادة هذه الحركة التصحيحية في أغشت 2008 أنفسهم الشعارات ذاتها التي أفنت المعارضة عمرها السياسي في تبنيها من قبيل " الإصلاح " ، و " الحرب على الفساد " ، و " قضايا الفقراء و المهمشين " ..الخ . و يبدو أن دعم المعارضة للوضع الجديد كان ، فيما ظهر ، مقايضة من أجل انفرادها بالسلطة بعد ذلك ، و هو ما لا يمكن أن يتم إلا بتفويض إرادة الجماهير الانتخابية التي يجب أن تقول رأيها في منتديات عامة من أجل الديمقراطية شاركت فيها المعارضة التقليدية بحماس كبير في البداية ، وخرجت منها ساعات فقط قبل نهايتها على نحو أثار كثيراً من الأسئلة و قليلاً من الأجوبة . وكانت خطوة متقدمة لدفع السلطة الحاكمة إلى الانفراد بالحكم و اليأس من حل الأزمة ، و السير في اتجاه الديكتاتورية الشاملة ، و هو ما لم يتحقق ، و قدمت السلطة تنازلات هائلة ، وربما غير متوقعة من البعض ، في سبيل الديمقراطية و المشاركة السياسية التعددية ، حين تنازلت و قبلت باتفاق دكار الموصي بانتخابات تعددية مفتوحة للجميع يوم 18 يوليو 2009 ، حيث شاركت فيها المعارضة التقليدية و منيت بشر هزيمة انتخابية سببت صدمة قوية لها حين أرجعت خسارتها إلى قوى غيبية غير محسوسة أو إلى جمادات غير ناطقة " نظرية الباء الطائرة " . وبعد أن أفاقت أرادت إرجاع أوضاع البلد إلى مربع الديكتاتورية حين لم تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية ، و كان شعارها " كن ديكتاتورا نعترف بك " و " كن ديمقراطيا نعارضك .." . وبعد شهرين من استتباب الأمور للحكم الجديد بقيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي بدأ بتنفيذ برنامجه الانتخابي ، الذي يحمل كافة شعارات المعارضة التقليدية وهي الحرب على الفساد و انصاف المظلومين و العدل و المساواة ، وغير ذلك ، و حين بدأت العجلة في الدوران في ملف ما عرف ب " ملف رجال الأعمال " تفاجأ الرأي العام بأن المعارضة تتظاهر على رؤوس الأشهاد بشعارات تفيد أن المعتقلين هم رجال الوطن المخلصين الأوفياء متناسية أن أولئك أنفسهم ظلوا مضرب المثل لها في الفساد طيلة حكم معاوية ولد الطايع . فبأي حق سمحت المعارضة التقليدية لنفسها بذلك ، ليس للأمر من تفسير سوى أنها في الواقع كانت أبعد ما تكون عن الدعوة إلي الإصلاح الحقيقي و الجاد و الحازم ، وهنا انتبه الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، كما انتبه في الماضي ، إلى الشعار " كن مفسدا نزكيك " و " وكن مصلحا نعارضك " فاختلط الحابل بالنابل ، الإصلاح يؤدي إلى انسداد سياسي ، و الفساد يؤدي إلى انفراج و تجاوز للأزمة ، و كل ذلك في مخيلة المعارضة التقليدية المتعطشة للوصول إلى السلطة بأي شكل و بأي ثمن ، وهنا لا نستغرب صناعتها للديكتاتورية على مستوى الوطن لأنها صنعتها قبل ذلك بسنين في أحزابها و هياكلها المهترئة . و ما يطمئن له أن السلطة الحالية تفهم الأوضاع جيدا و لن تسقط في الفخ الذي تنصبه المعارضة التقليدية لها ، لأنها خبرتها جيدا و تعرف مخططاتها و سياسياتها . و بالتالي يكون مفهوما الخطاب السائد للمعارضة التقليدية حول تفاقم الأزمة و التخبط و غياب الحكمة و عجز السلطة عن إدارة البلد و الوصول به إلى بر الأمان ، لأن هذه المعارضة لم تجد ديكتاتورية تتعامل معها ، و لهذا يكون خطابها على هذا النحو المثير . . و بعد هذا يحق للمرء أن يتساءل ماهي أهداف المعارضة التقليدية في موريتانيا ، هل هي تقوية الديمقراطية ، وهذا هو المفترض لدورها و ماهيتها ، أم خلق ظروف سياسية تؤدي الى انسداد ثم تأزم ثم انقلاب ثم مرحلة انتقالية ثم هزيمة انتخابية ثم العودة الى المربع الأول وهو المشاركة في صنع الديكتاتورية .