القيروان.. البرد يتسبب في اضرار بمحاصيل الحبوب والاشجار المثمرة    القصرين.. حجز 2147 قرصا مخدرا بحوزة شخصين على متن سيارة    صفاقس : عودة متميزة لمهرجان سيدي عباس للحرف والصناعات التقليدية في دورته31    أخبار النادي الصفاقسي...اختلافات حول بقاء الضاوي وشواط مطلوب    بنزرت: إلغاء إضراب أعوان الشركة الجهوية لنقل المسافرين المبرمج ليوم الأربعاء 07 ماي    في الصّميم ...«قرش الشّمال» بروح الكبار.. بنزرت معقل النضال وفلسطين دائما في البال    مهرجان محمد عبد العزيز العقربي للمسرح...دورة العودة والتجديد و«ما يراوش» مسك الختام    لأول مرة في السينما المصرية/ فيلم يجمع هند صبري بأحمد حلمي    إلزام الناشرين الأجانب بإرجاع كتبهم غير المباعة إجراء قانوني    وفاة 57 طفلا والمأساة متواصلة ... غزّة تموت جوعا    هبة يابانية    نسبة التضخم تتراجع الى مستوى 6ر5 بالمائة خلال شهر أفريل 2025    قابس: مستثمرون من عدّة دول عربية يشاركون من 07 الى 09 ماي الجاري في الملتقى العربي للاستثمار السياحي والاقتصادي بقابس    شراكة تونسية قطرية لتعزيز القطاع الصحي: 20 وحدة رعاية صحية جديدة خلال 3 أشهر    الحماية المدنية تنبّه من الممارسات التي تساهم في اندلاع الحرائق    عاجل/ إعلام إسرائيلي: تم تدمير ميناء الحديدة في اليمن بالكامل    بطولة الرابطة الأولى: برنامج الجولة الأخيرة لموسم 2024-2025    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: ايقاف مباراة الملعب القابسي ومستقبل القصرين    زغوان: رفع 148 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 22 طنّا من السكر المدعم    الجمعية التونسية للزراعة المستدامة: عرض الفيلم الوثائقي "الفسقيات: قصة صمود" الإثنين    ثلاث جوائز لتونس في اختتام الدورة 15 لمهرجان مالمو للسينما العربية    برلمان: لجنة العلاقات الخارجية تنظر في أولويات برنامج عملها    انخفاض أسعار البطاطا في نابل بفعل وفرة الإنتاج والتوريد    أريانة: سرقة من داخل سيارة تنتهي بإيقاف المتهم واسترجاع المسروق    وزير الاقتصاد والتخطيط في الكاف : لدينا امكانيات واعدة تنتظر فرص الاستثمار    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    عاجل/ رفض الإفراج عن هذا النائب السابق بالبرلمان..    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    في قضية مخدرات: هذا ما قرره القضاء في حق حارس مرمى فريق رياضي..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    دوار هيشر: 5 سنوات سجناً لطفل تورّط في جريمة قتل    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب:إسلام دوت كوم: الخطابات الإسلامية المعاصرة في الفضاء الإلكتروني


مناقشة: صالح سليمان عبد العظيم
تكمن أهمية الإنترنت في قفزها على الجوانب الفردية والمجتمعية والإقليمية إلى الجوانب الكونية، وهي إمكانية ربما لم تستطع أية أداة من أدوات الاتصال الأخرى تحقيقها بمثل هذه السهولة واليسر. فالإنترنت ساعدت بدرجة كبيرة في خلق سياق كوني للجماعات الإنسانية المختلفة بغض النظر عن الحدود الجغرافية والتقسيمات السياسية والانتماءات الدينية. كما أنها سهلت عملية الاتصال بين البشر بدرجة غير مسبوقة في التاريخ الأمر الذي ساعد على تشكيل رأي عام تجاه العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. لكن رغم ذلك فقد ساعدت الإنترنت على تعميق حدة الخلافات بين البشر وتبلور العداءات وتصاعدها من خلال المواجهات التي تتم عبر مختلف المواقع. فإذا كانت الإنترنت قد سهلت التواصل بين مختلف الجماعات الإنسانية من جانب فإنها قد عمقت حدة العداء فيما بينها من جانب آخر.
أولا: الإسلام والإنترنت
ثانيا: تساؤلات تدفع لممزيد من الدراسة
ثالثا: الإسلام على الإنترنت بين المنهج والنظرية
رابعا: الأمة الإسلامية الافتراضية حقيقة أم وهم
أولا: الإسلام والإنترنت
يرتبط موضوع الكتاب الراهن بتحليل طبيعة العلاقة بين الإسلام والإنترنت وكيفية إسهام هذه الأخيرة في نشر الأفكار الإسلامية المختلفة واكتساب أعضاء جدد. فمنذ ظهور الإنترنت اتجهت العديد من التيارات الإسلامية المختلفة لاستخدامها والاستفادة من انتشارها في كل مكان في العالم، الأمر الذي ساعدها على نشر أفكارها وتوضيح رؤاها وتدعيم حضور الإسلام بصفة عامة. ومما ساعد على زيادة الإقبال على الإنترنت ما تقوم به الحكومات العربية والإسلامية من مراقبة وقمع للتيارات الإسلامية سواء الراديكالية منها أو المعتدلة. وهي مسألة دفعت بالكثير من الإسلاميين والدعاة إلى تأسيس مواقع لهم عبر الإنترنت يتواصلون من خلالها مع محبيهم ومشايعيهم وغيرهم من المهتمين بالشأن الإسلامي العام، الأمر الذي أدى بالبعض إلى توصيف هذه الظاهرة ب "إسلام الإنترنت" Cyber-Islam أو "الإسلام الالكتروني" Electronic Islam. وتبرز أهمية هذه المواقع في ضوء قدرتها على تجاوز الحدود القومية والمصالح الضيقة والثقافات المحلية لخلق إطار كوني يحقق بدرجة أو بأخرى مفهوم الأمة الإسلامية من خلال خطابات جديدة ومعاصرة.
منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 زاد الاهتمام بالمواقع الإسلامية على الإنترنت وبشكل خاص من قبل الغرب سواء في إطار الدراسات الموجهة لفهم الإرهاب، أو تلك المتعلقة بعمليات الاتصال. ولم يعكس هذا الاهتمام في مجمله اهتماما أكاديميا واسع المدى بقدر ما عكس اهتماما أمنيا يهدف بالأساس إلى مراقبة المواقع والتعرف على اتجاهاتها والتنبؤ بردود أفعالها. وهو أمر يدل على مدى تأثير هذه المواقع على صانع القرار الغربي والمساحة الكبيرة التي اكتسبتها من الاهتمام من قبل مؤسسات ومراكز بحثية غربية عديدة، وبشكل خاص المواقع الراديكالية التي تناصب الغرب العداء. وينتمي الكتاب الراهن إلى نوعية الدراسات المتعلقة بالاتصال والكيفية التي تمارس من خلالها المواقع الإسلامية أدوارها وتأثيراتها المختلفة، إضافة إلى كيفية التواصل بين المشاركين عبر هذه المواقع الأمر الذي يسمح بخلق "فضاء عام" Public Sphere جديد وفقا لتحليلات كل من يورجين هابيرماس Jürgen Habermas ولنكولن دالبرج Lincoln Dahlberg.
ثانيا: التساؤلات
يطرح الكتاب مجموعة من التساؤلات الهامة تبدو أكبر من قدرة الكتاب على الإجابة عليها، الأمر الذي يستدعي المزيد من الدراسات المستقبلية التي يمكن أن تغطي ظاهرة هامة ومؤثرة بحجم وجود الإسلام عبر صفحات الإنترنت. فالتساؤلات شملت طبيعة الإنترنت كوسيلة اتصال حديثة وعلاقاتها بالإسلام، وآليات التواصل فيما بين المشاركين، ودور ذلك في خلق هويات جديدة بالنسبة لهم، وبالتبعية تشييد الأمة الافتراضية (الأمة الإسلامية) عبر الفضاء الالكتروني. وفي ضوء ذلك يطرح الكتاب التساؤلات التالية:
*
ما هي الأنماط والاتجاهات العامة لخطابات هذه المواقع؟
*
هل أضعفت هذه المواقع أم قوّت من سيطرة المؤسسات الإسلامية المهيمنة على إنتاج وتوزيع الخطابات الدينية؟
*
وهل يمكن لهذه المواقع أن تختلف عن السلطة التقليدية للعلماء أو حتى تتحداها؟
*
وهل يمكن أن تقدم أيضا منابر للأصوات المقاومة التي يمكن أن تتحدى السلطات السياسية الداخلية مثل الحكومات في العالم العربي والإسلامي بالإضافة إلى تحدي قوى الهيمنة والسيطرة الخارجية؟
*
وإلى أي حد يمكن لهذه المواقع الإلكترونية أن تتصرف بوصفها منابر لنشر الهويات الجمعية ضمن سياق الأمة الافتراضي في العصر الرقمي؟
*
وإلى أي مدى يمكن أن توفر أيضا منابر للهويات المعارضة للتعبير عن نفسها بحرية؟
*
وهل تقوم هذه المواقع بدور تفتيتي أم دور تجميعي، أو كليهما معا، للهويات المسلمة المختلفة من ناحية، وبين المسلمين في مواجهة غير المسلمين من ناحية أخرى؟
*
وما هي أنماط ومستويات الهويات المقاومة المشكلة والمعاد تشكيلها التي تبرز من خلال هذه المواقع الإلكترونية؟
*
وما هي مساهمات هذه المواقع في خلق الفضاء أو الفضاءات الإسلامية العامة؟
وفي ضوء تعدد هذه التساؤلات الكبرى يمكن القول بأن واحدا من أهم أهداف الدراسة هو اختبار ما إذا كانت الإنترنت قد استطاعت فعلا أن تُبني درجة من التماسك الافتراضي للأمة من خلال منح المسلمين المشاركين عبر العالم قدرة كبيرة على الشعور بالانتماء إلى أرضية عامة مشتركة رغم الاختلافات الكبيرة فيما بينهم على المستوى الكوني.
ومما لا شك فيه أن الوقوف على طبيعة المواقع الإسلامية قد أصبح من أهم الأولويات الكونية بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وما لحقها من تصاعد المفاهيم والأحداث العديدة المرتبطة بذلك، وعلى رأسها صراع الحضارات، والحرب على الإرهاب، والغزو الأميركي للعراق، وتفجيرات لندن. فما كان صامتا قد فرض نفسه بقوة على خارطة الصراعات بين الإسلام والغرب، بل وعلى خارطة الصراعات الإسلامية/الإسلامية ذاتها. وتنبع ميزة الكتاب الراهن من محاولته تجاوز الرؤية النمطية للمسلمين التي تقف عند التنميط المشوه والسلبي الذي يراهم بوصفهم إما متطرفين أو إرهابيين مع رغبة في التعرف على التنوع المرتبط بواقعهم وممارساتهم المختلفة عبر دراسة منتديات النقاش الخاصة ببعض المواقع الإسلامية الهامة والذائعة الصيت.
ثالثا: الإسلام على الإنترنت بين المنهج والنظرية
تُعتبر مقاربة المواقع الإسلامية مسألة على قدر كبير من التعقيد خصوصا في ظل ندرة الدراسات التي تعاملت مع هذه الظاهرة. ورغم محاولة الكتاب الراهن الوقوف على جوانب التشابه والاختلاف بين المواقع الثلاثة المختارة وهي "عمرو خالد" Amrkhaled.net، "إسلام أونلاين" Islamonline.net، و"طريق الإسلام" Islmaway.net إضافة للأقسام والمحتويات التي تتشكل منها، فإن التركيز تم على مناقشات المنتديات الخاصة بها. ويرجع ذلك لإيمان مؤلفي الكتاب بأن هذه المنتديات توفر منابر تساعد على ظهور التنافس، بل وحتى الصراع والرؤى والمشاورات الحادة والهويات وآليات المقاومة بين مختلف المشاركين. فالكتاب يركز على المواقع الإسلامية المعتدلة التي يمكن من خلال تحليل منتدياتها الوقوف على توجهات المشاركين، وبالتالي التعرف على التيارات والتوجهات الإسلامية المختلفة. وتزداد أهمية الكتاب في ضوء الحقيقة القائلة بأن معظم مرتادي هذه المواقع من الشباب الأكثر تعاملا مع وسائل الإعلام الحديثة وبشكل خاص الإنترنت، وهو أمر يساعد ليس فقط على تلمس الاتجاهات الفكرية السائدة عبر هذه المواقع لكنه يساعد أيضا على التنبؤ بمسار هذه الأفكار مستقبلا.
ومن الأمور الهامة على مستوى المنهج هنا أن مؤلفيْ الكتاب مصريان عربيان مسلمان، لكنهما من جهة أخرى نالا تعليما غربيا وعلى صلة قوية بالغرب سواء من خلال التعليم أو من خلال السفر أو من خلال عملهما الآن في إحدى جامعاته. من هنا فهما يضعان قدما في الشرق وأخرى في الغرب مما يُكسب تحليلهما زخما يجمع بين التوجهات الذاتية والرقابة الموضوعية. فمن خلال تعدد هويات المؤلفين أمكن لهما التعامل مع هذه المواقع سواء أكان مرتادوها مسلمين أم غير مسلمين، كما أمكن لهما فهم توجهات المسلمين القابعين ضمن حدودهم الجغرافية وتوجهات الغرب تجاههم.
وفي هذا الإطار يقدم الكتاب تحليلا لعلاقة الإسلام بالإنترنت لا يقوم على الحدس بقدر ما يقوم على دراسات تجريبية تستند إلى تحليل ثلاثة مواقع هامة هي "عمرو خالد" Amrkhaled.net، "إسلام أونلاين" Islamonline.net، و"طريق الإسلام" Islmaway.net. وهي مواقع تم اختيارها في ضوء المكانة الكبيرة التي حازت عليها من قبل المستخدمين، وهو أمر يعني مدى ملاءمتها كعينة بالنسبة للتعرف على أهداف الدراسة المختلفة. كما تتميز هذه المواقع بأنها لا تتبنى أيديولوجيات راديكالية بقدر ما تتميز بعرض مواد إسلامية للمشايعين لها الساعين للحصول على النصح والتوجيه وتشكيل الهويات الجمعية.
وهناك نقاط مشتركة بين هذه المواقع الثلاثة أهمها أنها سنية التوجه وتتسم بالاعتدال والتوجه الكوني وتهدف إلى نشر الدعوة الإسلامية بشكل كبير بين المتابعين سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين من المتطلعين لمعرفة الجوانب المختلفة المرتبطة بالإسلام. كما أن هذه المواقع تشتمل على منتديات أو ساحات للنقاش، وهي محور تركيز الكتاب من حيث أنها ترتبط بالفعل التواصلي، من جانب المشاركين والجدل الدائر فيما بينهم. وهو أمر يحقق أسس الفضاء العام وفقا لكل من هابيرماس ودالبرج، كما يتفق أيضا مع تصورات الإجماع والشورى والاجتهاد وفقا للسياق الإسلامي.
ورغم ذلك هناك بعض أوجه الاختلاف فيما بين هذه المواقع فموقع "عمرو خالد" و "إسلام أونلاين" يعتمدان على الزخم الهائل الذي توفره شخصية عمرو خالد بالنسبة للموقع الأول وشخصية القرضاوي بالنسبة للموقع الثاني على عكس موقع "طريق الإسلام" الذي لا يستند لشخصية ذائعة الصيت والتأثير. كما أن هذين الموقعين مفتوحان للجنسين وكافة المشاركين حول العالم مسلمين وغير مسلمين، بينما موقع "طريق الإسلام" يقتصر إلى حد كبير على المسلمات حديثي الإسلام ممن يبغين التعرف على قضاياه وأبعاده المختلفة.
لقد أدى الترابط بين الجوانب الذاتية والموضوعية إلى تبني إطار نظري يجمع بين نظريات الهوية والفضاء العام مما ساعد على التحليل النصي للنقاشات عبر منتديات المواقع المختلفة. من هنا تبنى المؤلفان نظرية "الفضاء العام" للفيلسوف الألماني يورجين هابرماس التي يدعو من خلالها لتواصل نقدي عقلاني خارج الحدود المؤسساتية للسلطة. وهو يعرف الفضاء العام بوصفه يقع بين المجتمع المدني والدولة حيث تستحوذ المناقشات النقدية على اهتمام عام من قبل الأفراد. وتستفيد الدراسة أيضا من مفهوم الفضاء العام من خلال محاولة التعرف على ما إذا كان توسع الأمة الإسلامية اليوم يساعد على ولادة اتجاهات عامة تحقق الإجماع بين المجتمعات الإسلامية المختلفة. من هنا فإن منهجية العمل تتم من خلال المقارنة بين محتوى الخطابات السائدة في هذه المنتديات والمتطلبات التي حددها هابرماس للفضاء العام. ويعتمد الكتاب على منهجية تحليل الخطاب النصي للمواقع المختارة من أجل التعرف على كيفية تطبيق مفهومي "الفعل الاتصالي" و "الفضاء العام" على هذه المنتديات الدينية.
ويدمج الكتاب مجموعة أخرى من متطلبات خطاب الفضاء العام كما حددها لنكولن دالبرج في كتابه عن "الإنترنت والخطاب الديمقراطي" تشمل التبادل العقلاني للحوار والنقاش، إعادة تقييم الأعراف الثقافية الفردية والمجتمعية، الحوار البناء، الإخلاص في إطلاع الآخرين على المعلومات المطلوبة للقضايا موضع النقاش، المساواة بين أفراد الحوار والنقاش، وأخيرا الاستقلالية عن الدولة والقوى الاقتصادية. وهي تمثل مجموعة من المتطلبات يمكن من خلالها الوقوف على طبيعة الحوارات والنقاشات المختلفة عبر منتديات المواقع المدروسة.
ورغم هذا المدخل النظري التركيبي الذي يبدو متماسكا فإن المؤلفين قد بينا وعيا كبيرا بمدى تعقيد وصعوبة التوصل لفضاء عام من خلال تحليل منتديات النقاش عبر الإنترنت، واضعين في الاعتبار تعدد الحوارات والقضايا، ووجود العديد من الجماعات المتفاهمة والمتصارعة في الوقت نفسه. وهي مسألة تؤدي لإمكانية وجود العديد من الفضاءات العامة الصغرى، خصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار حجم الخلافات بين المسلمين حول العالم وطبيعة القضايا العديدة غير المحسومة في الواقع الفعلي.
ولا يكتفي المؤلفان بالجمع بين هذه العناصر من أجل تشكيل إطار نظري مركب ومتماسك بغية التعرف على الفضاء العام الإسلامي لكنهما يربطان ذلك بأساس نظري آخر أكثر يتعلق بالهوية الإسلامية التي يمكن التوصل إليها عبر مشاركات المسلمين على مواقع الإنترنت. ولا يتعامل المؤلفان مع مفهوم الهوية بمنطق متعسف لكنهما يضعاه ضمن تشكيل جمعي أعم في الوقت نفسه، وهو ما يجعلنا نقف أمام هويات عديدة مثلما نقف في الوقت نفسه أمام فضاءات عامة عديدة ومتنوعة.
رابعا: الأمة الإسلامية الافتراضية عبر الإنترنت، حقيقة أم وهم
يشكل الخطاب الإسلامي عبر الإنترنت عالما مشابها لما يحدث في الواقع المعيش، فهو صورة مكتوبة ومُدونة ومصاغة لجملة الأيديولوجيات المتصارعة في الواقع الفعلي العربي والإسلامي. صحيح أن هذا الخطاب يمكن أن يتسم بقدر ما من المثالية أو المغالاة في جوانب كثيرة منه لكنه يظل في جوهره أقرب لإعادة تشكيل مجريات الواقع وأحداثه المختلفة، أو يظل بلغة هابيرماس امتدادا للفضاء العام الواقعي بكل تجلياته وتعقيداته.
فمثلما يتجه كل منا إلى الإنترنت بخبراته وعوالمه الخاصة ليعيد تشكيلها من جديد عبر صفحاتها فإن الإسلاميين يلجئون إليها أيضا بخبراتهم وعوالمهم الخاصة ليعيدوا تشكيلها من جديد بذات الأيديولوجيات التي يمارسونها في الواقع الفعلي. ورغم ما توفره الإنترنت لهم من مساحة كبيرة من الحريات، فإن الرؤى المحركة لهم تظل هي نفسها التي تحركهم في الواقع الفعلي. من هنا يمكن القول بأن ما يحدث على الإنترنت يشكل امتدادا لما يحدث في الواقع الفعلي، وإن بأطر وآليات ومستويات أيديولوجية وخطابية جديدة، وهي مسألة بديهية بدت غائبة إلى حد ما عن منطق الكتاب وافتراضاته. فالتعامل مع الفضاء الالكتروني بوصفه يشكل فضاء مخالفا لمجريات الواقع الفعلي فيه قدر كبير من المبالغة، بخصوص تأثير هذا الفضاء وتصوره بمعزل عن صانعيه ومستخدميه. فمواقع الإنترنت ذاتها هي في التحليل النهائي تجلّ للممارسات الفعلية على أرض الواقع وانعكاس طبيعي لها مثلها في ذلك مثل وسائل الإعلام الأخرى. وهي إلى جانب ذلك انعكاس معقد يتأثر بالتأكيد بمقتضيات وسياقات الإنترنت وحجم تأثيرها وطبيعة انتشارها الكوني، الأمر الذي يؤدي لا محالة لتعديل وإعادة تشكيل الخطابات المرتبطة بها بالتوافق النسبي مع التوجهات الفعلية الواقعية وليس بالمخالفة التامة لها.
كما أدت زيادة المواقع والتوجه نحو الإنترنت إلى تشظي السلطة الدينية التي فقدت تمركزها حول رجال دين معينين على نحو ما كان عليه الأمر في الاجتماع السياسي الإسلامي على امتداد قرون متتالية. فالواقع يشير إلى زيادة الأفراد المهتمين بالدين وتفسيراته عبر الإنترنت، وهي مسألة أدت إلى تفكيك السلطة الدينية من خلال ظهور الكثير من الأسماء الدينية الجديدة التي زاحمت رجال الدين الرسميين سلطاتهم من خلال اكتساب مشايعين جدد. وفي هذا السياق يتزايد الأفراد الذين يخلقون العديد من الفضاءات العامة ويسهرون عليها، فلم يعد الفضاء العام قسرا على المؤسسة الدينية الرسمية ورجال الدين التابعين لها، أو حتى قسرا على رجال الدين المشهورين المستقلين بقدر ما ارتبطت بالعديد من الأسماء الوافدة الجديدة المهتمة بالشأن الإسلامي. ويبرز ذلك بوصفه انعكاسا لتفتت الواقع والصراعات المرتبطة به على قيادة وتفسير الإسلام والقضايا المرتبطة به. لكن رغم ذلك هناك مشكلة أخرى تتعلق بهذه المواقع بسبب عدم معرفة القائمين عليها في بعض الأحيان ومدى الثقة في نصائحهم وتفسيراتهم الدينية؛ فبعض هذه المواقع غير معروف مؤسسوها أو حتى المسؤولين عنها.
إن واحدا من أهم النتائج المتعلقة بالدراسة الراهنة يتعلق بالهويات الناجمة عن طريق النقاشات المتواصلة عبر هذه المواقع. فمن خلال مشاركات أبناء الأمة الواحدة تنشأ هويات متماسكة وقوية، ورغم ذلك فإن هذه الهويات تواجه هويات أخرى مضادة لها عبر الموقع نفسه، سواء أكانت بين المسلمين وغير المسلمين أو بين المسلمين أنفسهم من ذوي التوجهات المتعارضة والانتماءات المتباينة. فبقدر ما تساعد النقاشات التي تتم عبر هذه المنتديات على توليد المشاعر الجمعية والإحساس بالانتماء لأمة واحدة، فإنها تولد أيضا مشاعر التمايز والاختلاف عن الآخرين، وبشكل خاص تجاه غير المسلمين المختلفين في العقيدة ونمط الحياة.
وفي ضوء ذلك لم تستطع الدراسة أن تصل من خلال التحليل النصي لمنتديات النقاش إلى وجود فضاء عام وفقا لتصور هابرماس أو إلى تحقق الشورى والاجتهاد والإجماع وفقا للمفاهيم الإسلامية. فظهور الفضاء العام عبر الإنترنت وإعادة تشكيل الأمة الافتراضية Virtual Umma قد أدى لخلق هويات ومواجهات عديدة عبرت عن نفسها من خلال مواقع كثيرة عبر الإنترنت الأمر الذي أدى لتعدد الإجماع والاختلاف والتفاوض. ورغم ذلك التنوع فإن التحليل التجريبي للنقاشات قد كشف عن وجود قطبين رئيسيين نجما عن النقاش والجدل والتفاوض الجاري عبر الانترنت يرتكزان أساسا حول ثنائية الإجماع والاختلاف . وتؤدي هذه الوضعية إلى كبح إمكانية الوصول إلى مشاورات وتفسيرات متبادلة وحقيقية وفقا للسياق الإسلامي، أو تداول عقلاني نقدي وفقا للإطار النظري الخاص بهابرماس ودالبرج.
ووفقا لنتائج الدراسة يظهر الإجماع في المواقف العاطفية والانفعالية الذاتية التي تبتعد عن أي تفكير موضوعي وعقلاني مثلما الحال في المواقف التي تعبر عن تأييد بعض القضايا العربية مثل الصراع العربي الإسرائيلي، أو في بعض القضايا الإسلامية مثل قضية الرسوم الدانمركية المسيئة للرسول. ومما لا شك فيه أن هذه النوعية من القضايا تساعد على تنامي الإحساس بالأمة الإسلامية، كما تساعد على تقليل حدة الخلافات السياسية التي تقوض أركانها وتزيد حدة الانقسامات فيما بينها.
من جهة أخرى تظهر حدة الاختلاف عبر المواقع وبشكل خاص الناقشات القائمة باللغة الإنجليزية عبر موقع "إسلام أونلاين"، الذي يشتمل على أيديولوجيات أثنية وعرقية ودينية وسياسية مختلفة. وهي توجهات تبرز بالتعارض مع رؤية هابرماس الخاصة بتجانس الفضاء العام التي يمكن الوصول إليها بتجاهل الأعضاء للاختلافات القائمة فيما بينهم، وتحولهم نحو بعض القضايا المؤسسة لحالة من الإجماع من خلال النقاشات النقدية العقلانية. وهنا يتناول المؤلفان ما نراه بديهيا، حيث يدهشهما أن يجدا أن المشاركين عبر موقع "إسلام أونلاين" يصعدون خلافاتهم الحادة عبر النقاش والجدل، الأمر الذي يؤدي إلى خلق "فضاءات عامة متنافسة. وهو أمر أدى بالطبع لمواجهات حادة بين هؤلاء المشاركين عبّر كل منهم من خلالها عن حدة عدائه واختلافه مع الآخرين المخالفين له في التوجهات والأيديولوجيات والانتماءات المختلفة. وتظهر هذه الحالة بشكل واضح من خلال العداء المستعر بين المشاركين السنة والشيعة، وبين المسلمين وغير المسلمين، وبين الذكور في مواجهة الإناث. ورغم أن محور الخلاف بين المشاركين يؤدي لا محالة إلى النيل من السلطة الدينية الرسمية وفتح المجال أمام العديد من المسلمين العاديين من أجل الفتوى وتفسير المسائل الدينية المختلفة، فإنه يفتح الباب أيضا أمام التفسيرات الخاطئة التي لا تمت للإسلام بصلة. من هنا فإن هذه المواقع مطالبة عن طريق القائمين عليها بضبط هذه المشاركات والتركيز على ترشيد عملية الإفتاء حتى لا تصبح شغلا شاغلا لكل من ليس له عمل أو مؤهلات حقيقية تخول له التدخل في الشؤون الدينية.
وفي النهاية فإنه لا يمكن تعميم نتائج هذه الدراسة في ضوء محدودية المواقع المدروسة، وهي مسألة لم ينكرها المؤلفان، الأمر الذي يؤكد أهمية إجراء المزيد والمزيد من البحوث الموجهة لدراسة هذه المواقع التي أصحبت بمرور الوقت مرآة عاكسة للواقع العربي الإسلامي المعاصر، أو بشكل أكثر تحديدا مرآة عاكسة لأمة حقيقية تتجه أكثر وأكثر للانقسام والتشرذم.
_______________
- محمد النواوي، أستاذ مساعد في قسم الاتصال، جامعة كوينز، شارلوت، نورث كارولينا، الولايات المتحدة الأميركية.
- سحر خميس، أستاذ مساعد في قسم الاتصال، جامعة ماري لاند، كوليدج براك، ماري لاند، الولايات المتحدة الأميركية.
- سليمان عبد العظيم: باحث مصري
نوافذ:
اسم الكتاب: إسلام دوت كوم: الخطابات الإسلامية المعاصرة في الفضاء الإلكتروني
تأليف: محمد النواوي وسحر خميس
سلسلة: بالجريف ماكميلان للاتصال الدولي السياسي
طباعة: بالجريف ماكميلان، نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية.
الرقم الدولي: ISBN 9780230600355
عدد الصفحات: 269
السنة: 2009
Islam Dot Com, Contemporary Discourses in Cyberspace
Mohammed el-Nawawy and Sahar Khamis
The Palgrave Macmillan Series in International Political Communication
Palgrave, Macmillan, New York, USA
ISBN 9780230600355
269 pages
2009
المصدر:مركز الجزيرة للدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.