لسنا من أنصار الذهاب إلى قمة سرت العربية ، ولا إلى أي منتدى عربي أو إقليمي أو دولي ، بوفدين فلسطينيين ، فهذا تكريس للانقسام السياسي والجغرافي وتأبيد لصراع الشرعيتين المتنازعيتن ، الذي لا يخدم فلسطين شعبا وقضية وحقوقا وكفاحا ، وهو أمر لطالما رفضناه من قبل ، زمن جبهات الرفض والصمود والانقاذ و"التحالف الرباعي" ، ومن على قاعدة مبدئية مفادها أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، بصرف النظر عمن يقودها أو يهيمن عليها ، في هذه المرحلة أو تلك. ولسنا أيضا من أنصار دعوة حماس لتمثيل الفلسطينيين في القمة المنتظرة ، فنحن وبرغم مآخذنا الكبرى على المآلات التي انتهت إليها منظمة التحرير والسلطة والرئاسة ، ما زلنا نؤمن بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، وأنها بهذه الصفة ، هي "الوطن الجامع" للفلسطينيين في الوطن والشتات ، إلى أن يتحرر وطنهم ، كما أننا نعتقد بأن حماس مهما حظيت بدعم وتأييد من هنا أو هناك ، لا تمتلك الوضعية القانونية التمثيلية التي امتلكتها المنظمة بعد مسيرة سنوات وعقود من الكفاحات والعذابات والتضحيات ، وهي وضعية لا يجوز تبديدها أو المقامرة بها تحت أي ظرف وبأي حال. على أننا ونحن نقول هذا وذاك ، نرفض وبشدة ، إصرار القيادة الفلسطينية على رفض إدراج ممثلين عن حماس في عداد الوفد الفلسطيني إلى قمة سرت ، ونستنكر هذا التهافت على وسائل الإعلام الذي يبديه غير مسؤول فلسطيني للتأكيد على هذا الموقف المتعنت ، الذي لا نرى شبيها له في "صلابته" حين يتعلق الأمر بالتفاوض مع الإسرائيلي أو التنسيق معه أمنيا ولوجستيا ، فمن مصلحة السلطة والمنظمة والشعب الفلسطيني ، أن تتمثل حماس في الوفد الفلسطيني ، وأن يجلس خالد مشعل أو اسماعيل هنية في المقعد التالي لمقعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، حتى وإن لم تحسم الخلافات ونتوصل إلى المصالحة المنتظرة والمنشودة . ونذكّر بأن التجربة الفلسطينية لطالما حفلت بصيغ ونماذج من هذا النوع ، زمن القيادات التاريخية المؤسسة للحركة الوطنية المعاصرة ، ففكرة "الممثل الشرعي الوحيد" نهضت في الأصل ، في مواجهة حالة غياب وتغييب الهوية والشخصية الفلسطينيتين ، وفي زمن التنازع على من يمثل الشعب الفلسطيني وينطق باسمه ، ولهذا دعمتها جميع الفصائل حتى وهي تجلس خارجها وتقاطع هيئاتها القيادية ، أما أن يكون "الممثل الشرعي الوحيد" شعارا يرفع في وجه الفلسطيني الآخر ، وورقة تستخدم في حرب الاقصاء والإلغاء الداخلية الفلسطينية ، فهذا ما لم نعتده ونرفضه ونستنكره. هناك جهود حثيثة لإحداث اختراق على مسار الحوار والمصالحة الفلسطينيين قبل قمة سرت وفي أثنائها ، ويبدو أن المملكة العربية السعودية قد دخلت على الخط بقوة مؤخرا ، وهناك انقسام عربي بشأن من يجب أن يدعى من الفلسطينيين إلى القمة ، وهناك ما يشي بأن حماس بصدد تليين أكبر في مواقفها من قضايا المصالحة وأجندتها ، وهناك مسلسل من الخيبات والصفعات التي تعرضت له رام الله نحسب أن كاف لإقناعها بالتوقف عن "ركوب رأسها" والجنوح لنداءات الحوار والمصالحة ، ومن الواجب والمصلحة أن تبادر مختلف الأطراف إلى بناء التوافق والشروع في الحوار وإنجاز المصالحة ، بدءا بحل المشكلة الإجرائية المتمثلة في "تركيبة الوفد الفلسطيني" ولا أقول في "من يمثل الفلسطينيين" ، فالمنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد ، كانت كذلك وما تزال وستبقى طالما ظلت مستمسكة بتمثيل الشعب في الوطن والشتات على حد سواء. أنصح الأخ أبو مازن وبكل إخلاص ، بأن ينزل عن شجرة "شرط توقيع الورقة المصرية" في تعامله مع حماس ، تماما مثلما نزل عن أشجار عدة في الأسابيع والأشهر القليلة الفائتة ، وهذه المرة سنصفق له ونطلق صيحات الترحيب والمباركة لخطوته ، نحن الذين أطلقنا سهام النقد والغضب في وجه خطواته السابقة ، وهذه المرة من أجل فلسطين وقضية شعبها وحقوقه ، وهي الأكبر والأهم من مصلحة فصيل أو كرامة فرد ، أيا كان الفصيل وأيا كان الفرد ، فهل يفعلها أبو مازن؟ وهل تبدأ عجلة المصالحة بالدوران بدءا من سرت ، أم أن دخان الأوهام والرهانات الخائبة ما زال يحجب الرؤية ويعمي البصر والبصيرة؟. *جريدة الدستور الأردنية