رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    مستقبل سليمان اتحاد بنقردان (0 1) خبرة الضيوف كانت حاسمة    النجم الساحلي الاتحاد المنستيري (0 0) ..المنستيري يفرض التعادل على النجم    بعد توقف دام 19 عاما: مهرجان الحصان البربري العريق بتالة يعود من جديد    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    سهرة تنتهي بجريمة قتل شنيعة في المنزه التاسع..    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 58 قتيلا و67 مفقودا    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    تونس تشارك في المعرض الدولي 55 بالجزائر (FIA)    نبيل عمّار يُلقي كلمة رئيس الجمهورية في مؤتمر القمة لمنظمة التعاون الإسلامي    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    الاعتداء على عضو مجلس محلي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    عاجل/ أحدهم ينتحل صفة أمني: الاحتفاظ ب4 من أخطر العناصر الاجرامية    تمّ التحوّز عليه منذ حوالي 8 سنوات: إخلاء مقر المركب الشبابي بالمرسى    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    قاضي يُحيل كل أعضاء مجلس التربية على التحقيق وجامعة الثانوي تحتج    نابل: انتشار سوس النخيل.. عضو المجلس المحلي للتنمية يحذر    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    التوقعات الجوية لليوم    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف الخروج من الضبابية السياسية الى الوضوح والشفافية:بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ


بسم الله الرحمان الرّحيم
كيف الخروج من الضبابية السياسية الى الوضوح والشفافية
ومن الاقصاء الى المشاركة ؟
نداء لبعث مجلس او لجنة عليا للحوار الوطني
(الجزء الاوّل)
من اجل تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة

"قل هذه سبيلي ادعو على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله"
(سورة يوسف 108)
" و انّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل..." (الانعام 153)
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ،
احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
باريس في 18 ديسمبر2007
كيف الخروج من الضبابية السياسية .
في هذه الايام تستعدّ البلاد التونسية للاحتفال بعيد الاضحى المبارك و قلوب المسلمين تتطلّع الى الواقفين في عرفة من البقاع المقدّسة نسأل الله تعالى ان يتقبّل من الجميع صالح الاعمال في فجرهذا العيد السعيد.
انّ كلمات " لبيّك اللهمّ لبّيك لا شريك لبيك " هذه الكلمات كانت من اجمل ما سمعناه و نسمعه في مثل هذه الايام من كلّ عام . انّ هذا اليوم يذكرنا بيوم كان ابريم عليه السلام يصاحب ابنه اسماعيل عليه السلام لكي يذبحه قربانا و طاعة لله عزّ و جلّ وفداه الله بكبش أقرن. و يبتلى المرء على قدر ايمانه.
في هذه الايام لا يحلو لنا العيد ولا الاكل والشرب واخوان لنا في غياهب السّجون. نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر أسماء المساجين الذين لا تزال معاناتهم متواصلة منذ ما يقارب العقدين
و هم السادة: الصادق شورو- ابراهيم الدريدي - رضا البوكادي - نورالدين العرباوي - عبدالكريم بعلوش - منذر البجاوي - الياس بن رمضان - عبدالنبئ بن رابح - الهادي الغالي - حسين الغضبان - كمال الغضبان - منير الحناشي - بشير اللواتي - محمد نجيب اللواتي - الشاذلي النقاش - وحيد السرايري - بوراوي مخلوف - وصفي الزغلامي - عبدالباسط الصليعي - لطفي الداسي - رضا عيسى - الصادق العكاري - هشام بنور – منير غيث – بشير رمضان نسأل الله لهم ولجميع مساجين الرأي فرجا عاجلا قريبا.
بمناسبة هذا العيد السّعيد نسأل الله تعالى أن يتقبّل الله تعالى الحجّ و الطواف من جميع المسلمين الواقفين في عرفة من البقاع المقدّسة اوافدين اليها من مشارق الارض و مغاربها عموما و كذلك مسلمي اوروبّا و لا ننسى اخوان لنا في غياهب السجون في تونس الحبيبة للقلوب. هم جميعا رافعين أكفّهم يتضرّعون الى الله طالبين منه التوبة والمغفرة والانابة والاستغفار من الذنوب والمعاصي استجابة لقوله تعالى في سورة النّور "... و توبوا الى الله جميعا ايّها المؤمنون لعلّكم تفلحون" (النور 31)
السجين السياسي الصادق شورو حالته الصّحية خطيرة
أن الحالة الصحية للسجين السياسي الصادق شورو هي عيّنة عمّا يعانيه المساجين، فالرئيس الأسبق لحركة النهضة ، المضرب عن الطعام منذ يوم 03 ديسمبر2007 ، قد تدهورت بشكل كبير حيث لم يعد قادرا على الوقوف على قدميه عند زيارة أهله له يوم 10 ديسمبر 2007 ، علما بأنه في إضراب مفتوح عن الطعام للمطالبة بإنهاء السجن المسلط عليه و وقف العقوبات الجماعية المسلطة على أقاربه كحرمان زوجته من جواز السفر و منع شقيقه من التدريس بالجامعة.
هل من مجيب لدعاء هؤلاء الاموات بلا أكفان و بلا قبور؟
هؤلاء الصامدون المحتسبون الصابرون طوال السنين الطوال‘ نسال الله العلي القدير ان يفرّج عليهم قريبا‘ انه سميع عليم‘ ولا ننسى بقية اخواننا المسرّحين الممنوعين من العمل و من السفر‘ ولا ننسى المشردون في جميع اصقاع العالم‘ نسال الله تعالى ان يجمعنا و اياهم على ارض الخضراء الحبيبة‘.
هذا الوضع الذي وصلنا اليه في تونس الحبيبة هو نتيجة اخطاء ارتكبها بعض الفاعلين في الساحة السياسية التونسية وبعض الاطراف من الوسط الاسلامي غرورا منهم من جهة. وبعض الاطراف من داخل السلطة الذين دفعوا نحوتحويل مقاليد الدولة الى ادارة القمع البوليسي الذي لا يعتمد على الحوارو لا الوفاق بين الفرقاء والشركاء في الوطن.
حتّى ان ننسى لابدّ من التذكير لاصحاب الذاكرة الضعيفة ان تصرّف النظام الجديد في نوفمبر1987 كان قد تصرّف بشكل جيّد مع الاسلاميين وهو ما دفع الاستاذ راشد الغنوشي للإطناب في مدحه. اذ سرّح النظام حوالي 2000 من المساجين السياسيين من بينهم الاستاذ راشد الغنوشي المحكوم عليه بالمؤبّد، و حفظ ما يسمى بقضية "المجموعة الأمنية" او "مجموعة الانقاض الوطني" مثلما يحلو للبعض تسميتها و هي في الحقيقة محاولة انقلابية أقدمت عليها بعض العناصر القريبة من الحركة الإسلامية.
ثم أعلن عفوًا عامًا، ظهر فيما بعد أنه انتقائي، و أعاد المساجين المسرحين إلى وظائفهم و أعمالهم السابقة . و عوّض للمحكومين بالبراءة منهم، ثم منح رخصة قانونية للإتحاد العام التونسي للطلبة و سمي الاستاذ عبد الفتاح مورو، الرجل الثاني في النهضة آنذاك في المجلس الإسلامي الأعلى، و أشرك الاستاذ نورالدين البحيري، في صياغة و التوقيع على الميثاق الوطني الى جانب الأحزاب السياسية القانونية و سمح بالمشاركة بقوائم مستقلة في الانتخابات التشريعية لسنة 1989، و رخص للسيّد حمادي الجبالي لإصدار صحيفة أسبوعية "الفجر" القريبة من الحركة الاسلامية. كل هذه الخطوات كانت ايجابية من الواجب عدم تغافلها او نسيانها.
ولكن في سنة 1990 مع احتلال القوات العراقية لدولة الكويت هذا الموقف الذي سانده الاستاذ راشد الغنوشي ،هو موقف نشاز و لا يقبل به عاقل في صلب الحركة الاسلامية تزامن مع بداية قمع الاسلاميين بشاركة مع و مساعدة و مساندة وقتها من العديد من "الزعماء الديمقراطيين" و "المناضلين الحقوقيين" المعارضين حاليًا وهذا امر لا يجب اغفاله او نسيانه.
وللحقيقة لانّ الحقّ مرّ كما قيل و " قل الحقّ ولو على نفسك" و الاعتراف بالحقّ فضيلة و بصراحة و للتاريخ على قيادة النهضة آنذاك،أن لا تنسى مسؤوليتها السياسية و الاخلاقية في مبادرتها بمواجهة النظام ، وضمنيّا في مأساة المساجين السياسيين. و صدق الله العظيم اذ قال في سورة فصلت " من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها و ما ربّك بضلاّم للعبيد" (فصلت 46) و قال تعالى في سورة الانعام " .. ولا تكسب كلّ نفس الا عليها و لا تزر وازرة وزر أخرى ثمّ الى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون " (الانعام 164) .
و على كل حال، يمكن أن نتفهّم ان من حق النظام أن يدافع عن نفسه و عن المجتمع الذي يتحمّل مسؤولية امنه وضمان الاستقرارفيه. و لكن في إطار الاحترام لحقوق الإنسان، و دون نظام العقوبات الجماعية و تعميم القمع الى الأسر بأكملها وانتهاءا بتدمير المجتمع بأكمله.
و للحقيقة التاريخية ايضا ان النظام لم ينجح فقط في دوام حكمه طيلة عشرين عاما فحسب بل نجح ان يحقّق الاستقرار الاجتماعي. في الوقت الذي فشل خصومه ان يزيحوه او ان يشكّلوا قوّة ضغط ذات بال تجبره على اخذ مطالبهم بعين الاعتبار. وهذا ينطبق على من كانت في الثمانينات القوّة الثانية في البلاد. ان قيادة هذا التنظيم الذي فقد ما كان له عزّ و ريادة و ما بقي له الا تعداد المصابين والمرضى و المعاقين و العاطلين عن العمل.
" ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الادبار و كان عهد الله مسئولا قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل واذا لا تمتّعون الا قليلا" (سورة الاحزاب 15- 16). وهذا الاستاذ راشد الغنوشي يقول لصوت الحقّ" النظام التونسي غير قابل للاصلاح لانه ليس فيه آليات للاصلاح " ([1]) .
مع العلم انني لا الوم الاخوة الذين خرجوا من البلاد هروبا بدينهم و عوائلهم و انما لومي ينحصر على الطاقم القيادي فقط لا غير. هذا الطاقم الذي اختار تأبيد القيادة في المهجر مسؤوليته عظيمة امام الله اولا ثمّ مسؤوليته امام الاجيال اعظم . هذه القيادة ان كانت تتوهّم انها سوف تعود للبلاد غانمة نسيت او تناست ان النضال لا يكون بالوكالة من وراء البحار بل الساحة و مشاركة شعوبهم الآلام و الآمال والجوع والحرمان.
لقد شهدت البلاد في اوخر شهر ديسمبر من السنة الماضية 2006 احداثا للعنف وقد توقّعها الكثير من المراقبين و قد حذروا منها في تحليلاتهم ومقالاتهم سابقا، وليس هذا الاهم فالجميع تنبأ بالعنف ويتنبأ بوقوعه مستقبلا تمنيا له او خشية منه.
ان المناسبات التي تواجه المجتمع عنف الدولة بعنف مضاد قليلة، و الحمد لله اذ لا يذكرالعنف في تاريخ تونس الحديث الا احداث قفصة وهي احداث كانت تقف وراءها دولة اما الاحداث الاخيرة فهي احداث تعبر شعورباليأس عند من يتبنّى العنف في التغيير. هذه الفئة من المجتمع التونسي التي اختارت فكرة مفادها ان العنف وسيلة مناسبة لتحقيق اهداف سياسية او فكرية هي نتيجة انسداد آفاق الحوار.
و الدكتور منصف المرزوقي الذي يريد أن يقنع من اختاروا المقاومة المسلحة وهم أكثر مما يتصوّربأن تونس المعروفة ب"الاعتدال " ، ويذهب بعض غلاة البورقيبية الذين إلى حد اعتبار هذا" الاعتدال" خاصية بيولوجية تفرّقه عن الشعب الجزائري المتهم ضمنيا " بالتشدّد " وحتى بالدموية والوحشية لسرعة التجاءه للعنف لتصفية مشاكله مع إرهاب الدولة. ما فات أصحاب هذه النظرية أنه اعتدال فرضته الجغرافيا وليس الجينات الطيبة لشعب يريدونه أكثر تحضرا من الشعب الجزائري. فتونس بلد صغير، وأرض مبسوطة سواء كانت سهولا أو صحاري، لا يكاد يوجد فيها أنهار واقية أو جبال عالية أو غابات مترامية الأطراف يسهل فيها الاختباء وتنظيم حرب عصابات كما هو الحال في الجزائر.
ويقول الدكتور المرزوقي انّ التونسي يسكن مدنا صغيرة وقرى متفرقة يسهل على أي قوة تطويقها وتركيعها في ساعات معدودات. هذا العامل الموضوعي هو الذي فرض على شعب أعزل مواجهة قوى الاستبداد الخارجي والداخلي باستراتيجية استبعدت الالتجاء للسلاح إلا في أندر الحالات .
ولو تأملنا طريقة تعامل الشعب التونسي على مرّ العقود مع أنظمة الاستعمارلاكتشفنا ثباتا في المواقف تتمحور حول خيارين أساسيين.
الأول هو التعاون مع المحتل الأجنبي وتاريخ تونس حافل ب"مآثر " من يسميهم الشعب القوادة.
أما الخيار الثاني فيقول بإدارة الظهر للظالم القهار والتعامل معه كما مع الموت ،أي كشرّ يجب تناسيه والعيش كأنه غير موجود.
هذا الطرف هو الذي نمى مقاومة سلمية يمكن وصفها بالسلبية منها رفض التعاون مع المستبد،واعتماد التقية بخصوص المشاعر الحقيقية، والانكفاء على الشأن الخاص، وممارسة التخريب في كل ما يتعلق بالشأن العام بالتقاعس في العمل وتعويم إرادة السلطة في اللامبالاة والحماقة المفتعلة والجهل المدروس. الا ان ظاهرة العنف و قد تولاها العديد من الاقلام بالتحليل .
ولكن تناولنا مع الاحداث"احداث سليمان" التي وقعت في بداية هذه السنة والتعتيم الاعلامي الذي طبعت بها والمواجهات التي وقعت في البلاد. لقد فتح المجال للتنبؤ وللاشاعات مع الملاحظ بان عمل هذه المجموعات نال بالبحث من قبيل الكثيرمن المراقبين الاجانب لهذه المجموعات القتالية و هم يجمعون على ان هذه المجموعات الصغيرة في العدد تستعمل أحدث مناهج القتال ووسائله اضافة الى ذلك انها توسع تجاربها وخبرتها الفنية بفضل امتداداتها الدولية.
هذا في ما يخص القدرة الفنية للشباب الذي واجه القوات التونسية. الا ان بعض المصادر تقول أن هذه المجموعة ليست المجموعة الاولى ولكنها المجموعة التي بلغ خبرها للعموم والتي كادت ان تنفذ خططها الا بمبادرة السلطة في الدخول معها في مواجهة مسلحة. وهذا يعني ان هذه المجموعة نجحت في اختراق خط دفاعي امني كان من المفروض ان لا يخترق بحسب الخطة الامنية التي تعمل بها السلطة في تونس.
وهذا يعني كذلك ان مثل الامر قد يتكرر و يبدو ان السلطة مدركة لذلك، ولعل هذا ما يفسر توسيعها لمجالات الاعتقال وشدة التعذيب. والواضح ان السلطة مدركة ان المسالة مسالة وقت. ان هذه الاحداث التي ادت لموت 12عنصر من الشباب وكذلك عدد من قوات الجيش والامن بتكتّم كامل و دون أي تحقيق. وبعد عشر ايام من الاحداث اعلن النظام انه سيطر عليها وكأن موضوع هذه المجموعة انتهى وكتم الاخبار عن عمليات الدفن وهوية المشاركين فيها وضحاياها.
ان المحاكمة التي تجري في حق "مجموعة سليمان" القضية رقم 75910- 10 امام الدائرة الرابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس و أجّلت ليوم 22 ديسمبر2007. - 31 عنصر من هذه المجموعة التي تتراوح اعماهم بين 24 و 36 سنة والمعتقلين في الفترة ما بين النصف الثاني من شهر ديسمبر 2006 و بداية شهر جانفي من سنة 2007.
ويؤكد معظم هؤلاء الشباب تعرّضهم لتعذيب وحشي بمقرات وزارة الداخلية حيث يجري استنطاق كل المتهمين بالإرهاب وفقا لقانون 10 ديسمبر 2003 الذي يحمل عنوان "دعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال".
وتتمثل أساليب التعذيب في نزع ثياب الموقوف وشدّه إلى السقف من يديه حيث يصبح جسمه متدليا فيقع ضربه بالعصا على كافة أجزاء جسمه وخاصّة على المناطق الحساسة منه والتعليق في وضع الدجاجة المصلية والضرب على القدمين وعلى مختلف أعضاء الجسد الأخرى و استعمال الصعقات الكهربائيّة.
كما اشتكى العديد من الموقوفين من التعرّض إلى اعتداءات جنسية وذلك بإدخال العصا في الدّبر والتحرّش الجنسي والتهديد بالاغتصاب ويذكر بعض الموقوفين أنه جرّد من ثيابه جميعا وأجبر على التنقّل في أروقة مركز بوشوشة أمام أنظار النساء العاملات بالمكان. كما يذكر آخر أنه جرّد من ثيابه ووضع بزنزانة بوزارة الداخلية حيث تعرّض إلى التحرّش الجنسي من قبل امرأة يعتقد الضحية أنها من أعوان البوليس السياسي.
كما يذكر البعض الآخر أنه تعرّض إلى الحرق في أماكن حسّاسة من جسده، أو إلى التعليق من الساقين في السّقف وتغطيس رأسه في "بانو" ماء ومواد حارقة إلى حد الاختناق (طريقة "البانو")... ولا تزال أثار هذا التعذيب الجسدي والمعنوي بادية لدى البعض منهم.
وقد تواصل التعذيب وسوء المعاملة داخل السجون، فقد صرّح الموقوفون في قضيّة الضاحية الجنوبية "سليمان" أنهم تعرّضوا خلال الأسابيع الأولى من نقلهم إلى السّجن المركزي بالمرناقية إلى حصص يومية من الضرب على كامل أجسادهم من قبل مجموعة من الأعوان يقودهم أحد المسؤولين بالسجن.
وقد شمل الضّرب موقوفين آخرين خارج المجموعة المذكورة من بينهم وليد العيوني (29 سنة) الذي لاحظ محاميه وجود عديد الكدمات في رأسه، وهو ما أدى إلى اختلال مداركه العقلية (فقدان الذاكرة، عدم التعرّف على أفراد عائلته ومحامييه، فقدان مفهوم المكان والزمان..)
تطلعاتنا للمستقبل
ان الوضع في تونس لا يبشر بانفراج بل ان السلطة لا تزداد الا تصلبا وهروبا الى الامام فهي لا تتصرف تصرف المطمئن لوضعه الواثق من سياسته بل هي تسلك في الناس سلوك الذي ظهره للجدار ولا منجا له ولا امل له الا الخوض في الناس ودوس أنوفهم في التراب ووطئ احلامهم واعراضهم.
ان السلطة لا تحاوراحدا داخل البلاد ومخاطبها الوحيد هي الجهات الدولية التي عليها تعتمد في مواصلة حكمها وفي ضمان استمراره.
اما عن المعارضة فهي في مازق حقيقي فهي بقي امامها ان تنهض للقيام بدورها او ان تنتظر جيل جديد من المجتمع التونس من اجل بعث نخب جديدة تكون اجدر بقيادة هذا المجتمع والدّفاع عن مصالحه وهذا ما لا يريده النظام و يسعى الى تأجيل وقوعه.
أسئلة كثيرة تطرح حول الحل لما نعانيه من سجن ونفي وإقصاء.
نريد أن تنتهي هذه المرحلة من الركود والجمود. ولكن لما لا يكون الاستضعاف الذي يُوقَََعُ بنا ونحن نقاومه بأبداننا وقلوبنا وأموالنا هو طريق النصر والتمكين وكم نصر الله من مستضعفين. قال تعالى: ((وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) (الأنفال 26). نحن مطالبون بالعمل بما تبقى لنا من جهد وعمر من أجل آخرتنا ومصلحة الإسلام والمسلمين في بلادنا. ونحن لا ننسى ما لحق بنا وبدعوتنا مع أنا نحتسب ذلك عند الله. وعدم نسياننا هذا: بِأمرٍ شريعَتنا فإنه ما حمد النسيان قط، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
وأما البحث عن التحالف مع من يحارب الاسلام من معارضين أو متسلطين، بحكم الشراكة في الوطن والديموقراطية، فهو مرفوض فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ((مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)) (الحج 15) وقد نزلت هذه الآية في قوم من المسلمين استبطأوا نصر الله لاستعجالهم وشدة غيظهم وحنقهم على المشركين
إذا كان لابد من التحالف فهو مع من يماثلنا في الاستضعاف جائز، ولكن له شروط وهي ان نحدد مع من نتحالف بشرط ان لا يكون مخالف لعقيدتنا وهويتنا و عروبتنا و على ان لا يتعارض مع المصلحة العامة التي نرسمها لانفسنا ليست لارضاء هن نختلف معهم في العقيدة.غملا بقوله تعالى في سورة يونس : "قل يا ايها الناس ان كنتم في شكّ من ديني فلا اعبد الذين تعبدون من دون الله..." (يونس 104). و علينا ان لا نتحالف مع من يعادي المسلمين على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم ..
فهل لتحالف 18 أكتوبر يخضع لهذه الشروط؟
بقي أن أشير إلى أن الذاكرة التونسية قد حفظت الكثير من الظلم والبغي في العقود الأخيرة، وليس من السهل على أي حزب من الأحزاب الموجودة على الساحة أن يجمع القلوب ويحملهم على إصلاح ما فسد. فما بالك بتناسي همومها ومآسيها فلا يحقّ لاحد ان يقفز على آلام الناس ومظالمهم و مؤاسيهم.
تواصل المعاناة
فمتى يرفع الحظر على جريدة "الفجر" لتحقيق الحق في الاختلاف في ضلّ الوطن الواحدّ والمنظمة النقابية الطلابية المستقلّةعن أي جهة اجنبية "الاتحاد العام التونسي للطلبة". هذا وقد صرّح الزعيم الطلابي السابق والسجين السياسي المسرح المهندس عبد الكريم الهاروني (الحوار.نت) في اجابة على سؤال يوم 13 نوفمبر2007 "لقد حان الوقت لنأخذ الدروس من تجاربنا لأننا لا نحتاج دروسا من خارجها. نريد مستقبلا ونناضل من أجل تقدم سياسي لا شك في أنه سيكون عاملا حاسما في تحقيق نتائج إقتصادية وإجتماعية كبيرة لبلادنا وبدون ذلك فحتى لو تم تحقيق بعض النتائج الظرفية فلن يكون المستفيد منها أوسع قطاعات المجتمع وإنما أقلية قليلة." هذا وكان الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للطلبة المهندس عبد الكريم الهاروني قال في تصريح صحفي له مع موقع "الحوار" حيث سئل عن العبرة من تجربة السجن "لازلت أدرس هذه التجربة والعبر الكثيرة التي علينا أن نخرج بها منها ومن أهمها فشل الحل الأمني في معالجة القضايا السياسية".
في حوارعلى موقع الحوار.نت مع الاستاذ محمد القلوي بمناسبة اطلاق سراحه في 25 جويلية من هذه السنة قال: " إذا كانت سياسة القطرة قطرة في الري الزراعي مفيدة فإنها في معالجة القضايا السياسية والإجتماعية للبلاد لا تكفي إذ البلاد بحاجة إلى كل أبنائها وقواها بمن فيهم المساجين والمشردين والممنوعين داخل البلاد"
و قال ايضا: " لقد أكدنا في حركة النهضة وظللنا نؤكد على مدى أزيد من ربع قرن كامل بأن النظام الجمهوري في تونس قيمة نتمسك بها وندافع عنها وليرجع كل من يرتاب في ذلك إلى بيانات الحركة وأدبياتها. ولكن عندما يقضي شاب مثلي نصف عمره كله في سجن الجمهورية ماذا عساه يكون؟ لو حصل هذا مع غيرنا ربما كان لهم موقف آخر. لا. نحن نؤكد من جديد تمسكنا بالنظام الجمهوري ولكن نريدها جمهورية قائمة على الأسس الديمقراطية المتعارف عليها في الدنيا كلها". هذا نموذج من ان المفهوم السلمي للتغيير هوّ متأصل و راسخ عند ابناء الحركة الاسلامية.
مع العلم ان الشعب التونسي لا ولن يقبل بقيادات من وراء البحار مهما كانت كفائتهم و موهبتهم و قدراتهم . "ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الادبار و كان عهد الله مسئولا"(الاحزاب 15.) ان القيادة التي من المفروض ان تعطي المثال في الصبر والمصابرة وبعد النظرعند المواجهة. انّها لم تثبت سوى بضعة أشهر وجدوا أنفسهم خارج اللعبة تماما فقد خيّروا الهروب على الصّمود. " قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل واذا لا تمتّعون الا قليلا" (سورة الاحزاب 16).
ان اعتقال أكثر من ثلاثين ألف وتعذيبهم أشد التعذيب، ادّى الى قتل العشرات في ظروف مشبوهة ، و سجن عدد مهول منهم قرابة العقدين من الزمن. هل كلّ هذا مبرّر لتشريد الآلاف ، هل هذا مبرّر لخنق الحريات وقطع الأرزاق ونهب الثروات ؟
ففي أواخر سنة 2007 انتشرت ظاهرة الفساد المالي والثراء الفاحش في البلاد وهو ما لا يبرّر القمع و استوجبّ المزيد من التخويف والترويع و تكميم الافواه وتجويع البطون ومحاصرة الاعلام المحترف و الهادف بكلّ الوسائل واحكام القبضة على القضاء.
لقد طالت المحنة التي لم تنته المحنة بقضاء العقوبة بل اتبعتهم عقوبات اخرى اشدّ على النفس في خارج السجن اذ تتعدد الإنتهاكات والاعتداءات الى ما بعد السجن بداية بالحدّ من حرية التنقل و الحرمان من الشغل و قطع الأرزاق و المراقبة الإدارية و تكثيف المتابعة الأمنية .
و رغم هذه المعانات التي لا يتحمّلها الكثير من البشر دون السقوط في ردود الفعل اليائسة هي دليل على طبيعة الحركة الدعوية الرّافضة للعنف.
هل يمكن للسلطة أن تسترد ثقة العامة والنخب فيها وفي خطابها ووعودها بالغد الأفضل في الوقت الذي تتردد في إتخاذ خطوات حاسمة وجريئة لا تكلفها شيئا تنقذ بها حياة الكثيرين من الموت البطيئ الذي يتهددهم في كل لحظة وتضع بها حدا لما يعاني منه اللآلاف من أبناء هذا الوطن من تمييز وشعور بالإضطهاد الدافع للإحباط واليأس وتحمي بها البلاد من الإنقسام والإنشطار ومن العواصف والهزات والمنزلقات وتؤهلها لمواجهة تحديات المرحلة ؟
وهل يمكن للمعارضة الوطنية وهيآت المجتمع المدني وفعالياته أن تعيد للنخب والعامة الثقة في جديتها و قدرتها على الفعل وأن تحيي فيهم الأمل في إمكانية الخروج مما هم فيه بما يهيئ الظروف الملائمة لإنخراط جماعي في المعركة من أجل تحقيق الحريات والديمقراطية؟
هذه مجموعة من الاسئلة سوف نحاول الاجابة عليها في الجزء الثاني من موضوعنا هذا ان شاء الله تعالى.
باريس في 18 ديسمبر2007
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
------------------------------------------------------------------------
[1] - (المصدر: موقع "صوت الحق والحرية" (فلسطين المحتلة) بتاريخ 7 ديسمبر 2007)
الرابط: http://www.sawt-alhaq.com/ar/modules.php?name=News&file=article&sid=8770
المصدر: بريد الفجر نيوز [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.