عاجل/ قضية فساد بشركة فسفاط قفصة..هذا ما قرره القضاء..    هيئة البث: مسودة قرار أميركي تدفع نحو إقامة دولة فلسطينية    الصين تندد بموافقة أمريكا على صفقة أسلحة لتايوان    تحكيم تونسي يدير مواجهة المنتخب الأردني ونظيره المالي    يتسللان الى منزل طالبة ويسرقان حاسوب..    إنطلاقا من 20 نوفمبر مهرجان غزة لسينما الطفل في جميع مدن ومخيمات قطاع غزة    يوم صحي متعدد الاختصاصات يوم الخميس 20 نوفمبر بالمكتبة الجهوية بقابس    شوف تونس ضد الأردن اليوم: وقتاش وين وكيفاش تتفرج!    صدمة في مصر: سيدة حامل ب9 أجنة دفعة واحدة    عاجل: وزارة التربية تفتح مناظرة نارية...فرص محدودة    آبل تطلق جواز السفر الرقمي...    ردّا على برنامج أيام قرطاج المسرحية: الجمعيّة التّونسيّة للنّقّاد المسرحيّين غاضبة    تونس: كلّ التفاصيل عن أسعار ''العُمرة''    رشفة واحدة ليلاً قد تكلفك صحتك: كوب الماء بجانب السرير خطر صامت!    إيصالات التسوق قاتلة بصمت: مواد كيميائية تهدد صحتك!    السكّر كيف يطيح ينجّم يتسبّب في الموت...كيفاش؟    عاجل/ وزير أملاك الدولة يكشف عدد العقارات التابعة للأجانب التي سويت وضعيتها..    عاجل/ ديوان الزيت يعلن عن موعد انطلاق قبول زيت الزيتون من الفلاحين..    7 سنوات سجناً لشاب ابتزّ فتاة ونشر صورها وفيديوهات خاصة    سفارة تونس ببلجيكا تنظم تظاهرة ترويحية للتعريف بأهمية زيت الزيتون التونسي    ثنائي يرفع راية تونس في نهائيات سباقات السيارات الإلكترونية    الكاف : إفتتاح موسم جني الزيتون    نابل: 2940 زيارة مراقبة خلال الشهرين الاخيرين تسفر عن رصد 1070 مخالفة اقتصادية    الرابطة الأولى: تعزيز جديد في صفوف الترجي الرياضي    مباراة ودية: تشكيلة المنتخب الوطني في مواجهة نظيره الأردني    الجزائر: 22 حريق في يوم واحد    عاجل/ "الأونروا" تطلق صيحة فزع حول الوضع في غزة..    الحماية المدنية : 179 تدخلا للنجدة والإسعاف على الطرقات خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    محرز الغنوشي: عودة منتظرة للغيث النافع الأسبوع القادم    مونديال قطر 2025: المنتخب التونسي يواجه النمسا في ثمن النهائي..هذا الموعد    خطير/ قلة النوم تدمر الانسان..دراسة تكشف وتحذر..    وزير البيئة: 10 آلاف طن نفايات يوميا وتجربة لإنتاج الكهرباء منها    تصفيات مونديال 2026 : إيطاليا تنتظر للحظات الأخيرة لتفوز 2-صفر في مولدوفا    ''حُبس المطر'': بالفيديو هذا ماقله ياسر الدوسري خلال صلاة الاستسقاء    النائب طارق المهدي: ضريبة على الثروة... ضريبة على النجاح    رعب في طريق العودة: رشق حافلات مدرسية بالحجارة أمام التلاميذ في جندوبة!    حفل تسليم جائزة العويس الثقافية/ المؤرخ عبد الجليل التميمي ل"وات" : تتويجي هو دليل على مواكبة ذكية لمسيرتي    واشنطن تدرج 4 كيانات أوروبية في قائمة الإرهاب العالمي    رونالدو يرتكب المحظور والبرتغال تتكبد خسارة قاسية تهدد تأهلها المباشر إلى مونديال 2026    فرنسا تهزم أوكرانيا وتحسم تأهلها رسميا إلى كأس العالم 2026    اتحاد الشغل بصفاقس: إضراب ال68 مؤسسة "خيار نضالي مشروع" وسط تعطل المفاوضات الاجتماعية    البيت الأبيض: الحزب الديمقراطي الأمريكي يتحول إلى حزب شيوعي    ولاية تونس: جلسة عمل حول الاستعدادات لتنظيم الدورة 26 للمهرجان الدولي لأيام قرطاج المسرحية    الجمعة: الحرارة في ارتفاع طفيف    أيام قرطاج المسرحية ..يحيى الفخراني نجم الدورة و«حلم» الجعايبي يتحقّق    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    على مدار السنة وخاصة التمور وزيت الزيتون ..وزير التجارة يؤكد دور البنوك في تمويل الصادرات    خطبة الجمعة ...استغفروا ربّكم إنه كان غفّارا    الاختلاف بين الناس في أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم سنّة إلهية    حالة الطقس هذه الليلة    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    عاجل: للتوانسة... ديوان الافتاء يحدد مقدار زكاة الزيتون والتمر لسنة 1447 ه    عاجل/ اتحاد الفلاحة يحذّر التونسيين من استهلاك هذه المادة..    اتّحاد الفلاحة يطالب بتخفيض أسعار الأجبان لحماية صحة المواطن    انطلاق مناقشة مشروع ميزانية مهمّة أملاك الدولة والشؤون العقارية لسنة 2026    سوسة: طفل العاشرة يحيل شيخ إلى غرفة الإنعاش    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوقوف في منتصف الطريق : العجمي الوريمي
نشر في الفجر نيوز يوم 02 - 04 - 2010

انعقدت القمّة العربيّة في مدينة سرت بالجماهيريّة في توقيت يمكن وصفه بالتّوقيت الحزين للواقع العربي ولعلّها قمّة لا يمكن الحكم عليها بمقياس مستوى التّمثيل وعدد الحاضرين وعدد الغائبين، فاللاعبون الكبار حتّى وإن حضروا ليس منتظراً منهم الشيء الكبير، فمصر التي تستقبل رئيسها العائد بعد رحلة علاج تعاني أزمة قيادة وأزمة نظام، إذ يطبع الشكّ في المستقبل نفوس المصريين وقلوبهم فأزمة الثّقة في مستقبل النّظام بلغت حدّا لم تبلغه من قبل، وتبدو عمليّة ترتيب المرحلة القادمة في غاية من الصّعوبة إذ ليس من اليسير تحديد الخيار الأقلّ كلفة ولا ينتظر من نظام يهيمن عليه الهمّ الدّاخلي أن يكون فعّالا على المستوى القومي والدّولي إلاّ أن يكون ذلك نوعا من ترحيل الأزمة أو حجب عمقها وحدّتها، ومتى كان الهروب إلى الأمام في مثل هذه الحالات مجديا. إنّ أولويّات مصر وحتى الانتخابات القادمة ليست هي أولويّات الأمّة العربيّة رغم أنّ مصر بقيت تنازع من أجل الحفاظ على موقعها في الخارطة العربيّة نظرا لثقلها الإقليمي والدّولي ولكنّ مصر منذ زيارة السّادات إلى القدس بقيت في منتصف الطّريق لا تعرف كيف تعود إلى العرب، وقد أخرجت نفسها من الصّراع العربي الصّهيوني ولا تعرف كيف تمضي في مسارها المنفرد لتكريس سلام مستحيل.
أمّا السّعوديّة صاحبة خطّة السّلام العربيّة، والتي لها صعوبات مع الجماهيريّة ناتجة عن اختلاف المزاج وسوء التّفاهم الذي تسببت فيه صعوبة التّواصل بمفردات مختلفة، فهي بغياب عاهلها الملك عبدالله والاكتفاء بتمثيلها عن طريق وزير خارجيتها ضمنت لخطّة السّلام العربيّة البقاء على الطّاولة رغم إعلانها أنّها لن تبقى مطروحة إلى الأبد في ظلّ التعنّت الإسرائيلي فقد أعفت نفسها وأعفت القمّة من سحب المبادرة ومن جدل صعب حول بديل عنها يرفع السّقف أو لا يتضمّن مزيدا من التّنازلات المخلّة بالشّرف العربي فقد بلغ السّخاء الرّسمي العربي حدّا لا يُرجى بعده سخاء ولا كرم.
كما غابت القيادات الكارزميّة القادرة على الضّرب على الطّاولة ومخاطبة الآخرين بلغة الاقتدار ولغة الحقّ غير القابل للتصرّف من أمثال الملك فيصل والرئيس جمال عبدالنّاصر وحافظ الأسد وصدّام حسين ومن تبقّى أو خلفهم من القيادات لا يملكون التصرّف بالتّفريط الإرادي في إرث ثقيل وضعهم في منتصف الطّريق بين الحرب الكفيلة بإعادة الحقوق بواسطة القوّة وبين السّلام الذي تحول دونه القوّة العسكريّة المقابلة للمحتلّ الذي يعمل للحرب ولا يصنع سلاما مع ضعفاء زادهم ضعفا تفرّق كلمتهم.
الزّمن العربيّ الرّاهن مرّ من المراجعات الأيديولوجيّة التي قام بها مفكّرون كبار من أمثال مالك بن نبيّ وعبدالله العروي وأنور عبدالملك وقسطنطين زريق وبرهان غليون إلى المراجعات الفكريّة العقائديّة لمنظّري الحركات الإسلاميّة والأصوليّة الجهاديّة إلى النقد الذّاتي العدمي أحيانا لشرائح من مثقّفي اليسار العربي المتحوّلين إلى الليبراليّة أو إلى أيديولوجيات حقوق الإنسان، وقد دخلنا مطلع القرن الجديد طور المراجعات السياسيّة للمنظّمات الثوريّة والأنظمة القُطريّة مع استحضار فاعل جديد دخل على ساحة الأحداث العالميّة بمنطقه الخاصّ ورؤيته الاستراتيجيّة هو تنظيم القاعدة الذي جمع آلام الأمّة كلّها في جرح واحد هو فلسطين وآلى على نفسه مصاولة العدوّ الذي جسّده في أميركا وسياساتها على كلّ الجبهات، ربّما اعتقاداً منه أنّ فشلا جديدا لن يكون كارثة على أمّة لم تعرف إلا الفشل وأنّ أيسر الطّرق إلى خلاصها تعريضها لمعركة الوجود والبقاء وكأنّما لا يوقظها إلا الحرب المفتوحة.
وقد أشار عبدالباري عطوان تعليقا على قمّة سرت إلى أنّ الحكام العرب صاروا يتكلّمون لغة الشّعوب أي يزايدون بالاعتراف بالأخطاء والإقرار بواقع العجز والتّراجع إذ لا مناص من مصارحة الشّعوب، هذه الشّعوب التي انهال عليها بالمناسبة الدّكتور حسن التّرابي تقريعا يذكّرنا بخطبة الإمام علي مشنّعاً على أتباعه تقاعسهم وضعف همّتهم وهم في صفّ الحقّ في مواجهتهم مع جيش معاوية.
كلّ هموم الأمّة كانت حاضرة في سِرت تتزاحم على جدول الأعمال، كما أنّ الرّسائل إلى القمّة جاءت من كلّ حدب وصوب، وقد يندرج ضمنها التّسجيل الصّوتي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ورسالة للقائد عزّت إبراهيم الدّوري الذي نذكّر أنّه حضر بنفسه آخر قمّة عربيّة قبل الحرب، وقال فيها للقادة العرب في أنفسهم قولا بليغا ولكن لا حياة لمن تنادي.
كما التقى قائد الثّورة الليبيّة وفدا من الشّتات العراقي استمع إلى وجهات نظرهم التي يعرفها بالتّأكيد مسبقا، كما استغلّ أقطاب المعارضة السّودانيّة ومنهم مرشّح الرّئاسة الصّادق المهدي وحسن التّرابي زعيم المؤتمر الشّعبي انعقاد القمّة لإعلان سحب الثّقة من الرّئيس عمر البشير وتحميله مسؤوليّة تعقيد الأوضاع في السّودان وسوء إدارة أزمة دارفور.
أمّا رسالة الفلسطينيين التي جاءت من الدّاخل ومن الشتات وتحديدا من دمشق حضن المقاومة وعنوان الممانعة فهي واضحة: ارفعوا سقف المطالب، أوقفوا مسلسل التنازلات، أنقذوا القدس. دمشق التي لا تغيب عن أيّة قمّة وهي همزة الوصل مع طهران ومع لبنان الغائب بسبب قضيّة اختفاء الإمام موسى الصّدر.
غاب الغائبون وحضر الحاضرون بكامل همومهم، ولكنّ العرب قدموا إلى سرت بلا خطّة ولعل ذاك ما عناه رئيس القمّة بأنّ الإجماع العربيّ لم يعد ملزما أي لم يعد ممكنا، ولأنّ الإلزام بالمستحيل مخالف للمنطق، إنّ قمّة سرت بهذا المعنى ليست قمّة عابرة حتّى إن اقتضت الرّجوع إلى نقطة البداية في المشروع العربيّ. إن ليبيا تقف لأوّل مرّة على نفس المسافة بين دول الاعتدال ودول الممانعة لدفع العرب أن يخرجوا من الوقوف في منتصف الطّريق بين الممانعة الحقيقيّة المنشودة وبين الاستسلام الذي جاءت كلمات التّرابي فاضحة له لأنّ المنطقة تعيش تهديداً حقيقيّاً وفي غياب موقف عربيّ مسؤول يمكن أن تضيع القدس وتصفّى القضيّة الفلسطينيّة والعربيّة ويمتدّ التّهديد إلى كافّة العواصم مثلما أشار إلى ذلك رئيس الوزراء التّركي رجب طيّب أردوغان الذي اعتبر أنّ الخطر الذي يتهدّد القدس إنّما يتهدد دمشق والقاهرة واسطنبول.
إنّ استضافة قمّة سرت لتركيا ممثّلة في رئيس وزرائها واستدعاء الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أعطى ثقلا إضافيّا للقمّة وقد يفتح آفاقا جديدة للقضايا العربيّة بعد أيّام من لقاء نجاد الأسد نصر الله في دمشق. فقمّة سرت ستعطي شرعيّة لمحور سوريا إيران تركيا، وتساعد على الانفتاح على الجوار العربي ذي التّأثير القويّ على الأوضاع في العراق ولبنان وفلسطين وفي غياب الإجماع العربي باعتراف رئاسة القمّة يمكن توقّع تجاوز اللحظة الحزينة التي عبّر عنها رئيس القمّة المتخلّي أمير دولة قطر بصياغة تصوّر جديد مشترك للمنطقة بأسرها يبدأ من النّظام الأمني ليصل إلى النّظام السّياسي. إنّ حالة العرب اليوم في تردّدهم وتذبذبهم وارتباكهم تشبه ذلك الموقف المؤسف الذي وجد أو وضع نفسه فيه الأمين العام للجامعة العربيّة في دافوس بين بيريز وبين أردوغان فالجامعة العاجزة التي دعا الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى تحويلها إلى اتحاد عربي في حاجة إلى التّصميم التّركي في الدّفاع عن الحقّ وإلى الاستعداد الإيراني لدعم المقاومة والممانعة وإعادة التّوازن في موازين القوى مع الكيان الصّهيوني، إذ لأوّل مرّة منذ سايكس بيكو يجد العرب تركيا وإيران في صفّهم مناصرتين لقضاياهم وهي لحظة تاريخيّة قد تضيع إذا لم يحسن العرب استثمارها.
كلمة أخيرة عن ليبيا التي قبلت رئاسة القمّة في مرحلة حرجة… إنّ ليبيا تسير بسرعتين مختلفتين، بقوّة دفع من سيف الإسلام وقوّة جذب إلى الوراء من أجنحة وأجهزة ترفض التّغيير وقد تحسب منجزات القمّة لفائدة القوى الجديدة التي استبقتها بالإفراج عن دفعة من قيادات وعناصر الجماعة الإسلاميّة المقاتلة، وقد يحسب لها نقل ليبيا من الدّبلوماسيّة الاحتجاجيّة وهي الوجه الآخر للهروب من المسؤوليّة إلى مقاربة جديدة تقوم على مراعاة التّوازنات، وحفظ المصالح المشتركة ومزيد من الوعي بمعطيات التاريخ والجغرافيا والتّوفيق بين رفض القبول بالأمر الواقع وفرض دور طبيعيّ طليعي وطموح تمليه ضرورات داخليّة وتغذّيه تطلّعات مشروعة.
ستبقى ليبيا بمواقف قياداتها المثيرة للجدل وتصريحاتهم هي ليبيا الأسلوب وقد أثبتت أنّ لكلّ طور ولكلّ قضيّة أسلوبا يناسبهما ويبدو أنّها اختارت المضيّ في طريق الإصلاح والمصالحة وعدم التوقّف في منتصف الطّريق وهي بذلك تقدّمت مسافة عن عديد الأقطار العربيّة.
العرب
2010-04-02


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.