قبل أكثر من ثلاث سنوات تقريبا قمنا باستطلاع الموقف الصيني حول احتمال احتضان الصين لإسرائيل إذا ما انهارت الولاياتالمتحدة أو تراجعت في ضوء صعود الصين الاقتصادي. وفي دراسة موثقة بعنوان: « الصين تحت مجهر السلفية الجهادية»، طرحنا في ذلك الحين سؤالا مركزيا هو: « هل يمكن أن يحل التنين الصيني ذو الرؤوس المتعددة، في مرحلة ما، محل رأس الأفعى في حماية إسرائيل ورعايتها؟ كيف؟ ولماذا؟ وبأي محتوى أو مبررات؟ » ، وحينها لاقت الدراسة رواجا واهتماما من الصحف ومراكز الأبحاث الغربية والصينية. لكن في العالم العربي لم تجد من يلقي لها بالا سوى صحيفة الوقت البحرينية التي نشرتها على حلقات ابتداء من 7/1/2007. ورغم أن الدراسة كانت ذات طبيعة تنبؤية إلا أن ردود الفعل عليها كانت تبعث على الدهشة، كما لو أنها فضحت شيء خفيا!! خلال المؤتمر الأمني التاسع الذي انعقد في مدينة هرتسيليا اليهودية، في شهر شباط / فبراير 2009، بحضور نخبة من الأكاديميين والباحثين والخبراء اليهود، زالت الدهشة!! فقد توصل المؤتمر إلى قرارات حاسمة تقضي بترقية العلاقات بين الصين وإسرائيل لتصل إلى مستوى «الحليف الإستراتيجي الجديد». ورغم أن كل المؤشرات كانت تدل على هذه النهاية إلا أن العرب ذهبوا للحوار مع الصينيين كما لو أنهم في وليمة أيديولوجية. إلا أنهم ازدادوا، هذه المرة، كيل بعير من الصفعات والإهانات. فقد وجهت الصين صفعات بالجملة للعرب خاصة وللعالم الإسلامي عامة في أعقاب اختتام أعمال الدورة الرابعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني الذي انعقد في 13/5/2010 في مدينة تيانجين الصينية الساحلية. أما أبرز الصفعات فكانت حين رفض المسؤولون الصينيون التوقيع مع الوفد العربي الذي يشارك به وزراء الخارجية، على الوثيقة المشتركة التي تعتبر القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة. وجاءت أكثر الصفعات إهانة حين منعت أي من المسؤولين العرب بالقوة من التعقيب على القرار الصيني أمام وسائل الإعلام. أما أشدها وقعا على النفس فكانت حين فوجئ العرب بالموقف الصيني خاصة وأن البيان الذي صيغ مسبقا، كالعادة، لم يختلف عن سابقه من البيانات التقليدية. بل أن الفضيحة العربية في المؤتمر كانت مدوية وجارحة وشخصية لدرجة أن الصينيين تعاملوا مع أعضاء الوفد الوزاري كأسرى أو سجناء بلا أية حقوق أو حتى كرامة، وبلا أية أعراف دبلوماسية. الطريف في الصفعات أن العرب الذين عجزوا عن احتواء الموقف الصيني في اللحظات الأخيرة من المؤتمر الذي انعقد تحت شعار: « تعزيز التعاون الشامل وتحقيق التنمية المشتركة» لم يتوانوا عن تلبية مطالب الصين. فقد نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة « شينخوا» أن الأطراف المجتمعة دعت في البيان الختامي، إلى بناء عالم متجانس يعم فيه السلام الدائم والرفاهية المشتركة، وإلى حل كل النزاعات الدولية والإقليمية عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية، ومعارضة كل أنواع «الإرهاب والتطرف». بل أنهم وافقوا، بدون أية مراجعة أو تقييم للعلاقات العربية الصينية، على تحديد موعد الاجتماع المقبل الذي سيعقد في تونس في عام 2012 ! والأطرف هو ما صرح به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لقناة الجزيرة الفضائية حين قال: « على الصين أن تقف إلى جانب العرب في قضاياهم كي يقفوا إلى جانبها في القضايا التي تهمها»! ولسنا ندري عن أي قضايا يتحدث موسى؟ فما يهم الصين في هذا العصر مسألتان: الوضع الداخلي والاقتصاد. فهل يقصد موسى تبني دعم قضية تركستان الشرقية؟ أم فرض عقوبات اقتصادية على الصين؟ بالتأكيد لا هذه ولا تلك. وعلى العكس تماما. وكعادة العرب، بلا استثناء، وبلا أي ثمن، فقد كانوا أباطرة أكثر من الإمبراطور نفسه. فالعرب يعرفون أن التعاون المشترك بالنسبة للصين هو تأييد السياسة الصينية في قمع شعب الأويغور؟ ووصف احتجاجاته وجهاده ب «الإرهاب والتطرف» وتزكيتهم لهذه السياسة الوحشية باعتبار العرب قلب العالم الإسلامي بما يكفي لتعزيز الجرائم الصينية وتشريعها ونزع أية شرعية عن كفاح الأويغور. وللحق فقد كانوا أول من أدان ثورة الأويغور في 5/7/2009 أو ما عرف بأحداث أروميتشي عاصمة تركستان الشرقية التي تغتصبها الصين وتسميها إقليم سينكيانغ. واعتبروا ضحاياها وأصحابها إرهابيين!!! ورفضوا حتى التحرك الهزيل الذي دعت إليه منظمة المؤتمر الإسلامي على مستوى المندوبين للقاء السفير الصيني أو حتى أصغر موظف في السفارة الصينية في السعودية للاحتجاج على جرائم بلاده بحق الأويغور المسلمين. أما على المستوى الاقتصادي فالعرب يرتبطون مع الصين بعلاقات تجارية تزيد قيمتها السنوية عن 150 مليار دولار. وبعض الدول العربية تسعى لرفع حجم تجارتها مع الصين خلال السنوات الخمس القادمة إلى 65 مليار دولار! هذا هو النوع الوحيد من العلاقات الذي يروق للطرف الصيني، والذي أبلغ العرب مرارا أنه يحبذ أن تقتصر العلاقات على الجانب الاقتصادي، دون أن تمتد إلى القضايا السياسية وعلى رأسها الملفين الإسرائيلي والنووي الإيراني. ومن الطبيعي أن من يقبل بمثل هذه الأطروحات والسياسات عليه أن يتلقى، في النهاية، ما يلائمه من الصفعات بحيث لا تعود القدس عربية ولا إسلامية، ومن لا يعجبه فليفتش عن حليف آخر أو أيديولوجية جديدة تدر عليه من المواقف المزيفة والغادرة ما يطفئ ظمأ العجزة والمتواطئين على جريمة العصر بحق القدس. ليس للصين ذنب في التخلي عن القدس كونها دولة تبحث عن مصالحها كغيرها في عالم تسابق فيه التكنولوجيا الزمن، والتغيرات فيه تحسب بموجب dot.net. وليس لها من ذنب في حق المسلمين إلا في كونها دولة استعمارية متوحشة وهي تغتصب أمة وتعمل على تصيين بلاد برمتها. وليس لها من ذنب بحق البشرية إلا لأنها دولة مخادعة قدمت نموذجا رديئا من الصناعات استنزفت بموجبه ثروات الشعوب الضعيفة. أما الذنب وكل الذنب فهو من نصيبنا نحن العرب والمسلمين الذين لم تعد لنا كرامة ولا أية حرمة لأي مقدس. نحن الذين نراهن على مواقف أيديولوجية بائسة لا نلتفت خلالها لحالنا طوال عقود وعقود حتى إذا ما تعرضنا للصفعة والإهانة قلنا: فوجئناااااااااا !!!!! ذهب الاتحاد السوفياتي وأورث لنا أكثر من مليون يهودي، وذهبت الصين وبيعت القدس بحق النووي الإيراني والحليف الاستراتيجي، وذهب العرب من أجل الكراسي، وتاه المسلمون، وسالت الدماء في أفغانستان والصومال والعراق واليمن وفلسطين ولبنان ونيجيريا ثم يقولون لنا فوجئنا .. هذا كل ما استطاعوا فعله أو التعبير عنه. فعلا شر البلية ما يضحك. 18/5/2010