فلسطيني - جنين المستشفى هادء مثل قبر ، يبدو أن لا أحد يمارس البطالة اليوم سوى ثلاثة : المُستضعَفين ، والصحفيين ، ونحن الأطباء .. كدنا نعيا ، وفجأة جاء الفرج ، سدّ مدخل المستشفى حشد من الناس يحملون مصاباً ، نظرت إليه ، كان شاباً وسيماً في العشرين من عمره ويرتدي قميصاً أسوداً ودمه ينزف مثل ماء زمزم ، أما ظهره فمخروق برصاصة واسعة الأثر ، حملناه وأسرعنا به لغرفة العمليات ، ثم اسندناه على السرير برفق ، وقبل ان نخلع عنه ملابسه أعطيناه إبرة ضخمة من البنج ، وكلٌ منا رفع عدته المعدنيه للبدأ، ولكنا تراجعنا حين رأينا خطورة الإصابة ، إن ظهره مخروماً بإتقان والجرح مشوّه ، ودمه الأحمر مختلط بسواد الحروق ، فأستدعينا عجوز الإطباء المختص بالعمليات الحرجة ، جاء الحكيم مسرعاًى، أقترب من المريض ، وقبل أن يباشر العمل ، توقف فجأة ، شدّ القميص انتباهه ، فأخذ يقلّبه ، قلّب القميص أكثر من مرة مثل ترزي ، وفجأة ظهرت علامات اليأس على وجه الحكيم ، فخلع قفازيه وأحنى كتفيه ، ومشى ببطىء مغادراً غرفة العمليات ، فركضت وراءه مسرعاً .... - ألن تبدأ العملية يا دكتور ؟ فقال دون أن يلتفت وراءه : لن تنجح - لنحاول!! - حتى لو حاولنا لن تنجح .. - لماذا ؟ لقد عالجنا إصابات أشد خطورة منه. أكمل الحكيم خطواته المسرعه حتى وصل باب المستشفى وهو يحاكي نفسه بصوت عال : لقد توفيّ والده بين يديّ قبل عشرين عاماً ، وكان يرتدي ذات القميص الأسود ومصاباً بذات المكان في الظهر ، دعوه يلحق أبوه ، اتركوه ينفذ الوصية !!! ألقى الحكيم قفازيه على الأرض وهو يصرخ "عائلة لا تتعلم.. عائلة تُهاجِم بظهورها.. عائلة لا تتقد..م..."