"الله وحده يعلم من يخلفني" إجابة الرئيس مبارك على السؤال الصحفي الخاص بخلافته على مقعد الرئاسة، وهي إجابة متوقعة ومنسجمة مع السياق العام لنمط إدارة مصر الذي لا يعلم فيه أحد على الإطلاق ما ينتظر المصريين اليوم أو غدا! إجابة تزيد الوضع غموضاً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، الكل في حيرة حتى مراكز الأبحاث العالمية عجزت عن وضع السيناريو الراجح للمرحلة المقبلة وانتقال السلطة فطرحت 20 تصوراً وهو دلالة على ضبابية المشهد القادم، وبالتالي مازالت الأسئلة الحائرة لم تبرح مكانها بعد، من الرئيس القادم؟ وما هي السيناريوهات المطروحة لوصوله ؟ وما مدى الشرعية والشعبية التي يتمتع بها ؟ وما هو موقف المعارضة المصرية من التدافع والمنافسة في هذا السجال ؟ وهل هناك جديد متوقع على الساحة بغض النظر عن شخص الرئيس القادم ؟ الخريطة السياسية المصرية مازالت تعاني الهشاشة وغياب التأثير في ظل نظام حكم لا يعتبر الضغوط الداخلية والخارجية بل يوظف الحراك القائم على المستوى الاجتماعي والسياسي في مصلحته حين يجمل صورته أمام العالم بهذا الوهم الديمقراطي، هذا الواقع المأزوم والمسدود فرض ندرة في الخيارات على مكونات الخريطة السياسية المصرية ** الحزب الحاكم تحول من حزب سياسي إلى ناد للمسنين وأصحاب المصالح التجارية وبقايا التيارات الفكرية المندثرة ، يقدر عدد أعضائه بثلاثة ملايين ونصف المليون ويقوده مجموعة العشرة بقيادة الطموح جمال مبارك ،هذا الحزب وضع مصر كلها أمام خيار واحد هو انتقال السلطة للوريث القادم ، فكانت غالبية التشريعات والممارسات تمهد الطريق لهذا السيناريو وبالتالي فهناك خطورة متوقعة في كلتا الحالتين ،حال نجاح السيناريو ،سيقود البلاد رجل لا يملك تاريخ ولا رصيد يتناسب و دولة بحجم وتاريخ مصر ، وإذا تغيرت الظروف وفشل السيناريو سنعاني من فراغ نسبي فرض على الساحة وأزاح كل الخيارات والبدائل الممكنة و الآمنة ** المعارضة تعاني حالة تعثر ، أكثر من 24 حزباً يلاحقها الإخفاق وغياب الشعبية والميدانية لأسباب الاختراق الأمني والاستيعاب الحكومي بل والعداء والخصومة الشخصية ، لذا فهي تفضل نظام الصفقات عن خوض غمار التجارب والممارسات مخرج يعاني الندرة
من غير المتوقع خوض المعارضة لتجربة سياسية نوعية من خلال الاتفاق على تكتل مشترك يخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة ضد الحزب الوطني ومن المتوقع ألا يُحدث هذا التحالف- إن تم - تأثيراً جوهرياً على نتائج الانتخابات لكنه فرصة نوعية للعمل المشترك ورسالة شديدة اللهجة لنظام الحكم المستبد والدول الداعمة صاحبة المصالح ، رسالة قد تجعل البعض يعيد النظر والحسابات و في حالة تعذر البديل السابق - وهو متوقع لأسباب تتعلق بعدم جاهزية المناخ السياسي - يتم الدعوة العامة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية والرئاسية بسبب افتقاد النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص ، وليهنأ النظام بعدها بكل المقاعد والمناصب والكراسي منزوعة الشرعية والشعبية ويصبح معزولاً لا يمثل إلا نفسه ومصالحه ، ومع ذلك ففرصة هذا المخرج تعاني الندرة لأسباب كثيرة أهمها الحسابات الشخصية وغياب ثقافة العمل السياسي المشترك وفقدان الثقة بين مكونات الخريطة السياسية المصرية وأخيراً نحن بحاجة لإعادة النظر في مشروع الإصلاح و العمل في المساحات المتفق عليها ، وبحاجة لمعارضة وطنية يقظة وطموحة ، و قواعد شعبية تؤمن بالإصلاح وتمتلك إرادته وتتحلى بصفاته وتتحمل تبعاته ، كما أننا بحاجة لاستكمال الرصيد التراكمي للاحتجاجات الاجتماعية والمناكفات الالكترونية والتواجد الميداني لأصحاب الأفكار السياسية، المشوار طويل وصعب لكننا قطعنا أشواطاً مؤثرة وفي الأفق محطة الوصول ..... حفظك الله يا مصر ..... *مدير المركز المصري للدراسات والتنمية