عاجل: مداهمة أمنية لدار المحامي وإيقاف سنية الدهماني    عاجل/ الاحتفاظ بسائق تاكسي "حوّل وجهة طفل ال12 سنة "..    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    المهدية.. إفتتاح "الدورة المغاربية للرياضة العمالية والسياحة العائلية"    النادي الإفريقي.. إصابة الشريفي على مستوى الأربطة الصليبية للركبة    سليانة.. يحول مستودع لتخزين الغلال الى مستودع لتجميع محركات السيارات    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    الجمعية التونسية للفضاء: الشمس تطلق توهجات قوية باتّجاه الأرض    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    وزير الخارجية يعقد جلسة عمل مع نظيره العراقي    غدا الاحد.. انقطاع التيار الكهربائي بعدد من المناطق من ولاية المنستير    منذ بداية سنة 2024.. إعادة قرابة 2500 مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم    وزير الشؤون الدينية يصدر هذا القرار    عاجل : رفض الإفراج عن المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بالداخلية    عاجل: الاحتفاظ ب"انستغراموز" معروفة..وهذه التفاصيل..    عاجل/ السجن لموظف ببنك عمومي استولى على أموال..    رئيس الجامعة بالنيابة جليّل: اعجاب كبير بعمل الوحيشي وسنبقي عليه    نيوزيلندا تتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الكبرى    يوم تاريخي في الأمم المتحدة: فلسطين تنتصر.. العالم يتحرر    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ تأجيل دربي العاصمة..    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    تونس تشهد موجة حر بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    عاجل/ الاحتفاظ برئيس بلدية سابق و موظف من أجل شبهة..    الجلسة العامة للجامعة: حضور جميع الأندية باستثناء الترجي والقوافل    في إطار الاحتفال بشهر التراث...«عودة الفينيقيين» إلى الموقع الأثري بأوتيك    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    المسابقة الأوروبية الدولية بجنيف: زيت الزيتون 'الشملالي' يفوز بميدالية ذهبية    المهدية: هذا ما قرره القضاء في حق الأمّ التي عنّفت طفليها    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناهج الأدلة في الكشف عن المأمول من أهل القمة
نشر في الفجر نيوز يوم 29 - 03 - 2008

أعتقد صادقا جازما حازما أن القائد الأعلي لجميع النبوات ومجمل الرسالات صلي الله عليه وسلم قد نصح الأمة وأدي أمانة الكلمة والفعل إزاء الآدميين من النساء والرجال الذين أرشدنا إلي التعويل علي كلامهم بعد كلامه والركون إلي آرائهم في المرسل من المصالح والمستحدث من الوقائع، فما أوسع رحاب الدين الخاتم وما أصدق المؤرخ الألماني الذي رأي في التاريخ حاصل الممكنات التي تحققت ، وما أخطر أن أقول منذ البداية ان الممكنات العربية المستقبلية القابلة للتحقيق علي مستوي الوعي والفعل للشارع العربي والمواطن العربي والقصر العربي تلامس تخوم العدم والمراوحة في الدائرة النارية للعطالة الحضارية الصرفة، والفعل السياسي الارتدادي والمستهلك لحقبة متخلفة من التاريخ العربي، التي بقيت تجتر تجارب تعاطي الحكم وفق ميكانيزمات غير ذات أرحام بواقعنا الأرضي والزمني الراهن إلا من حيث الشكل دون المضامين في إطار شيخوخة فلسفة للحكم تعمل آليا علي تأبيد المسلمات الضامنة لاستمرار رفض التغيير الثقافي والسياسي حتي في حدوده الدنيا الضرورية لحياة الأمير والإمارة خارج المجال الغوانتانامي الذي يطبع العلاقة بين المواطن العربي والقصر العربي.
إن طموحات الشارع العربي تتمثل بالتطلع الي سلطة وسطية تتمتع بقدر كاف من الوطنية والحس المدني المرهف والقدرة المادية والأدبية علي توفير الماء والكلأ! بالمشاركة المباشرة والحرة للمواطن في تقاسم المؤاكلة الحسنة والمشاربة الجميلة ، وما أعزهما أيامنا هذه، عبر برلمانات ذات كرامة وسيادة وهيبة تسمح لها بمساءلة حكومة الأمير وإن علي استحياء خاصة فيما يتعلق بالاستلاب السياسي والتبعية المخلة بكرامة الأمير والمأمور.
هذه بعض الميكانيزمات التجديدية التي أخشي أن تدخل الرؤوس الكبيرة العربية الخيمة وعودة كل أمير إلي همومه القسرية دون التفكير في مصير القدس عاصمة الدولة البوشية وفي الجولان المغصوبة بقوة السلاح والفرجة الأوروبية وسلام إسرائيل واندماجها في الأسرة الأوسطية. وعند هذا الحد أدرك تماما أنني أمسيت أخرف تخريفا قد يجعلني عرضة للاتهام زورا بأنني أقلب المواجع العربية من أجل التعمية والتعتيم علي مصائر يتامي الفلسطينيين وأرامل الفلسطينيين وتجويع الفلسطينيين عمدا، وكل قمة والموت للفلسطينيين والإسرائيليين وعلينا الفرجة وعليكم ولكن ليس إلي يوم الدين!
في مثل هذه الأيام من العام الماضي ارتدت الرياض أبهي حلتها وزينت شوارعها أعلام العواصم العربية بما في ذلك راية الجماهيرية العظمي التي اختار يومها زعيمها المشاكس قمة فضائية شهدها العرب في المشرق والمغرب عامتهم وخاصتهم، وتعانق الملك عبد الله والرئيس الأسد عناقا غنت له الغوطة ونامت له نواطير نجد وبغداد وبيروت هادئة.. ومن الرياض إلي دمشق الزاهية هذه الأيام بالأعلام العربية استعدادا لأول قمة يعتزم زعماء الوطن العربي إقامتها في سورية، حيث جرت مياه كثيرة في نهر العلاقات السعودية السورية الذي كانت مياهه صافية عذبة طوال حكم الأسد الأب وآل سعود، تحول بموجبها لبنان المتعدد المشارب السياسية بكل تلويناتها مستحيلا إلي دولة فاشلة خذلها سبتمبر الأسود وأعجزها عن مجرد انتخاب ربان ينوء بسفينة اللبنانيين عن الارتطام بثلوج النكوصية التي عمل علي إذابتها قبل الأوان غابات العرب المدفونة في تراب الخليج.
ولقد حيرني الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه عندما أعلن أن 5 سنين من الحكم العسكري الأمريكي في ثاني أكبر دولة عربية في الخليج يعد نجاحا كبيرا للولايات المتحدة. لم أعجب من إعلان سيادة الرئيس عن النصر المبين علي الإرهاب والقاعدة والذي كلف الجيش الأمريكي أربعة آلاف من شهداء الديمقراطية، في حين أن الشعب العراقي نكب في مليون واحد من بني الإنسان حسب بعض التقديرات. ولعل سيدي الرئيس قد نسي وهو يلقي خطابه أن هذا النصر كلف خزينة أمريكا وحدها دون خزائن التحالف الأخري ثلاثة تريليون من الدولارات، وليسمح لي سيادته أن هذا العدد الذي أجهل كم يستلزم من صفر لكي أتمكن شخصيا من قراءته يكفي للقضاء علي الفقر نهائيا في كل الوطن العربي.
ولئن كنت في وضع لا يسمح لي بمحاسبة السيد الرئيس الذي جاد علينا بمصالح هذا النصر الوهم والمتلخص في إزاحة صدام حسين عن الحكم وكف أذاه عن الجيران، علما بأن هذين العنصرين لم أسمع لهما ذكرا، مثلي مثل أفراد الشعب الأمريكي وبقية شعوب العالم يوم أن قرر البيت الأبيض الأمريكي شن حرب علي العراق بتعلة وجود أسلحة دمار شامل، التي ما زالت جيوش التحالف تبحث عنها تحت عباءات النساء وجلود الرجال والشيوخ والأطفال.
ولقد فعلت بي قنواتنا البريطانية خير ما يفعل الناصح الأمين بمنظوريه حين عرضت علي أبصارنا وعلي قلوبنا وعلي أسماعنا ضابطا أمريكيا يصفي جسديا أسرة تتكون من أطفال وشيوخ ونساء بالرصاص البارد، حيث أعدمهم في أزقة حديثة فقط لأن مقاوما عراقيا قتل جنديا أمريكيا واستطاع أن يفلت، ثم رأينا بعد ذلك هذا الضابط يسبح في بحر دموعه بين زملائه: ويحي ويحي كيف سأكمل مشوار حياتي وأنا في مقتبل العمر وقد صفيت جسديا أطفالا وأباهم الشاب وجدهم وجدتهم ثم مددت يدي لأنتشل الزوجة الشابة وهي تنوح فوق جثة الشهيد الزوج، وهذه إحدي معالم النصر التي حدثنا عنها الرئيس بوش في خطابه الذي لم يخل من نبرات المنتصر.. ولا شك أن الكثيرين من أمثالي سوف تفشل كل محاولاتهم لفهم هذا النصر.
هذا عن النصر العسكري الذي تحدث عنه الرئيس جورج بوش، ولكن ما الذي يمنعني من الحديث عن انتصارات حلفاء الإدارة الأمريكية وأقصد بهم الحكومات العربية جملة التي يدور معظمها في فلك الولايات المتحدة بل إن بعض أنظمتها قد تتهاوي إلي السقوط لو لم تكن مدعومة بأمريكا التي لم يسفر جميع قادتها منذ الحرب العالمية الثانية عن مثل هذه السياسات الخاطئة وما انطوت عليه من حقد وضغينة؟ وتعال ليس علي الحكام العرب فحسب، ولكن علي الواقع الذي لا يتمتع بواسع من المنطق يسمي بموجبه هزيمة عسكرية وسياسية أثقل من فيتنام، وأكاد أجزم أن الشعب الأمريكي ومن ورائه شعوب العالم سوف تتألم ولأحقاب طويلة من امتدادات هذه الحرب الخاسرة عبر الزمان والمكان.
وإني لأتحرق أسفا لأن بعض الساسة في أمريكا وحتي في أوروبا لا يزالون ينظرون إلي هذه الحرب علي أنها حرب شرعية كما لو أنها قامت لترد عدوانا أو تدافع عن شعوب مقهورة بشهادة بوش نفسه، غائلة الجوع البطني منه والروحي والنفسي، حيث أن لا أحد ينكر أن الشعوب العربية محكومة بدول ببساطة لا تؤمن بأن هذه الشعوب تستحق أن تحكم بغير العصي، وإني لأتحدي كل سياسيي العالم أن يتجرأ أحدهم بالشهادة علي غير ما ذهبت إليه.
وما يدمي قلوب العرب ويضنيها أن قمة زعمائهم الذين قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، في مرحلة من التاريخ أهم مميزاتها شيخوخة الأرض وعقمها إذ لم يعد بمقدورها أن تلد من يعقل فينظر إلي ما هو أبعد من الرياض والقاهرة وتل أبيب وعواصم أخري كبيرة مكتنزة لكنها تفتقر إلي أدني ما يتبقي للإنسان من قيم العدل والتراحم، حتي وهو يجدف عوالم التيه والغطرسة والكبرياء والجحود والخلود إلي المصالح الأرضية ليتفرج سبع من البلايين البشرية علي المحارق المصغرة المعاصرة التي يشعلها في غزة أحفاد من نجا من محارق النازيين ليذكرونا بمآسي اليهود في إسبانيا وألمانيا ولكن علي أراضي غزة الفلسطينية بفارق بسيط في عدد من قتلوا وعذبوا وأحرقوا من اليهود وأحسب أنهم بالملايين يقابلهم ملايين من الفلسطينيين قتلوا وشردوا وعذبوا.
ويا لها من مفارقة متعجرفة إذ أن المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون ونري فصولها حية علي الشاشات وعبر الهوائيات تعرض يوميا أمام أنظارنا كأفلام العنف الأمريكية لا تطرف لها عين الزعيم ولا تثير في أرباب الديمقراطيات الضاربة جذورها في عمق الأرض حتي مجرد التحرك المصلحي لإنهاء مأساة إنسانية بلا أهل وبلا نصير وبلا نفير، فقد مات أهل الخليج كلهم جميعا أو أميتت قلوبهم واهتزت أركان المشروع الغربي برمته فيما بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) الأليم، فلم يعد لديهم من قيم التمدن ما يكفي للإغراء وسد جوعة الدول الكبري إلا المزيد من السدور في غياهب التسويف والتزييف بل والضحك علي الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بالتبشير بالسلام علنا في حين يشحن القادة الإسرائيليون بنقيض هذا السلام الموهوم والذي أساسه التقسيم وتقسيم التقسيم والتجويع والقتل والتدمير والعزل، وباختصار شديد إعادة الهولوكست بالتقسيط، والغريب في صنعها هذه المرة أن الصانع ما زال يحمل في الجسد والنفس آثار ما يمارس علي الغزاويين العزل. وعلي الغرب أن يتحمل مسؤولية إصلاح ما أفسد بتدخله في الشرق الأوسط لما يزيد عن قرن، وأحسب أنه لن يتسني له ذلك ما لم يبلغ زعماء العرب هذه المرة درجة معقولة من العفة السياسية والتخلي عن الاتكال علي العمود الأبيض وتصحيح مفهوم الاعتدال علي أنه لا يعني الفرجة علي جريان الدماء الفلسطينية والعراقية كما لو أنهم أيتام.
كاتب وإعلامي تونسي مقيم في بريطانيا
29/03/2008
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.