" إننا أحفادُ العثمانيين" قالها أردغان في سياق استنهاض همّة الأتراك قبالة امتهان الأوروبيين لهم إذ ظلوا يرفضون لسنوات انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي ... التذكير بالإمراطورية العثمانية أو "دولة الخلافة" ليس فقط تذكيرا بالهوية العقدية لتركيا باعتبارها دولة إسلامية في أغلبها ولكنه أيضا إحياءٌ لروابط حضارية وعقدية وتاريخية مع جغرافيا ظلت طويلا مرتبطة بالباب العالي حين كانت اسطنبول عاصمة "الخلافة" وحين كانت الدول العربية "إيالات" تابعة لها. هل فعلا أن حكومة "حزب العدالة والتنمية" ذاهبة إلى القطع مع ارتباطات تركيا السابقة تجاه أمريكا وتجاه الكيان الصهيوني؟ هل أصبحت تركيا " الجديدة" حليفا مبدئيا لقضايا العرب خاصة والمسلمين عموما؟. تركيا تدفع اليوم بعض الثمن بتعرض سفينتها إلى عمل عسكري صهيوني وحشي وهي تتجه ضمن " قافلة الحرية" حاملة مساعدات إلى أهل غزة. لقد تابع العرب والمسلمون المظاهرات العارمة في الشوارع التركية منددة بالعدوان الصهيوني على غزة في ديسمبر 2008/ جانفي 2009 وشاهدوا الدور التركي في تحشيد الدعم وتجميع المساعدات وشاهدوا وبكل إكبار واعتزاز رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردغان أثناء قمة دافوس يتجلى في وقار الدولة المستقلة والسيادة الوطنية والمواقف المبدئية التحررية بوجه رئيس دولة الكيان الصهيوني... هذه السنة منعت الحكومة التركية الطيران الإسرائيلي من مناورات مشتركة بسبب تورطه في قصف غزة .. بعدها اعتذر المسؤولون الصهاينة عن إساءة تقدير السفير التركي لديهم ولم يكن ذاك من عادتهم! هل إن حكومة " حزب العدالة والتنمية " بصدد ممارسة قناعاتها العقدية باعتبار صدورها عن مرجعية إسلامية وما تدعو إليه من وجوب الانتصار لكل قضايا الحق وللمسلمين خصوصا ؟ هل إنها تتوفر على كل هذه الشجاعة السياسية بحيث تصطف إلى جانب خصوم أمريكا و"إسرائيل" من مثل حركة حماس والنظام السوري وحتى النظام الإيراني إذ دافع الأتراك عن حق الإيرانيين في الطاقة النووية السلمية وإذ وقفوا ضد فرض عقوبات أو شن هجمات وإذ تجرأوا على إثارة ملف الترسانة النووية الإسرائيلية؟ وأخيرا تجتهد تركيا مع البرازيل في محاولة إيجاد مخرج للأزمة النووية الإيرانية بإمضاء "اتفاقية التبادل" وهو ما قد أحرج الغرب وأغضب الصهاينة. إن القول بالإنجذاب التركي عقديا نحو منطقة الشرق الأوسط والخليج لا يمنع الظن بأننا بصدد مشهد في فنون السياسة بوعي تركي وضوء أخضر أمريكي. أمريكا المنهكة بضربات المقاومة في العراق وأفغانستان والمحرجة بضغوطات اللوبي الصهيوني والكيان الصهيوني بسبب الملف النووي الإيراني، أمريكا في وضعيتها تلك بحاجة لمن يلعب دور العاقل المهدئ لغليان المنطقة . والقول بالإشارة الأمريكية لا ينالُ من صوابية أو صدقية الإنحناء التركي إلى " الجغرافيا العربية الإسلامية" وقد تكون المصالح مشتركة رغم اختلاف زوايا النظر. إن حكومة العدالة والتنمية تستمد جماهيريتها من سياستها الداخلية ولكن أيضا من مواقفها الخارجية تجاه قضايا العالم الإسلامي وهي تتمتع بإرث تاريخي في المنطقة قد يمنحها أولوية التسلل إليها عبر المواقف أو عبر قوافل المساعدات الاستهلاكية وليس العسكرية قد تكون تركيا " السنية" وهي "أعجمية" هي الدولة الأكثر حظوظا في تبريد التوهج " الشيعي" في المنطقة خاصة بعد حرب تموز 2006 وما كشفت عنه من أثر الدعم الإيراني في المنطقة.... لقد سُمح لإسماعيل هنية رئيس حكومة حماس باعتلاء منبر الجمعة في طهران ليقول أمام العالم السني بأن إيران هي العمق الإستراتيجي للمقاومة! هل كان لا بد من دولة سنية وأعجمية أيضا لتبريد التوهج الشيعي الأعجمي في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان ؟ تلك سياسة تقصِّي المصالح وصناعة التوازنات لا علاقة لها بحسن النوايا والأعمال الخيرية. ربما يكون التوجه التركي المتحمس نحو العالم العربي هو بمثابة ردة فعل تجاه رفض انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي... وربما أيضا يكونتوجها توافقت عليه مصالح تركيا مع مصالح الغرب كله فإذا كان الأتراك يرون مصلحة في تمددهم داخل الجغرافيا التاريخية فإن الغرب كله يرى في ذاك التمدد " تصديا" للتمدد الشيعي وسيكون سعيدا لو تحول هذا " التصدي" إلى عداوة ونزاع . صحيفة الوطن التونسية 11 جوان 2010 المصدر بريد الفجرنيوز