عاجل/ عميد المحامين يدعو مجلس الهيئة للانعقاد بصفة طارئة..    تفاصيل صادمة في قضية اعتداء أربع فتيات على تلميذة أمام معهد بسيدي حسين    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): اسراء بالطيب تهدي تونس الميدالية الذهبية الثانية    وديّة تونس وموريتانيا: تعادل 1-1 في رادس استعدادًا لكأسي العرب وإفريقيا    أخبار النادي الصفاقسي .. مطالبة بصافرة أجنبية لمباراة سوسة وبشة يَتمادى    في ذكرى وفاة عبد القادر بن الحاج عامر الخبو    نبض الصحافة العربية والدولية ... إطلاق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزّة    أولا وأخيرا .. على أكل الحشيش نعيش    بنزرت: يوم إعلامي حول السّجل الوطني للمؤسسات    من المجاهدين الأفغان إلى الجولاني ... «الجهاديون»... خدم للإمبريالية!    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    تستوعب 10 آلاف جندي: غزّة... قاعدة أمريكية ؟    المهدية: مواد خطيرة وحملة وطنية لمنع استعمالها: طلاء الأظافر الاصطناعية و«الكيراتين» مسرطنة    أنس بن سعيد تتألّق في "ذو فويس" وتعيد للأغنية التونسية بريقها    قبلي: عملية بيضاء لرفع جاهزية فرق الحماية المدنية في مجابهة حوادث المرور    استماعات بخصوص مشروع قانون المالية    وزير الدفاع يلتقي قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    العجز التجاري لتونس يبلغ 18,435.8 مليون دينار مع موفى أكتوبر 2025    الرئيس الجزائري يوافق على طلب نظيره الألماني بالعفو عن الكاتب بوعلام صنصال    عاجل/ الزهروني: "دقبونة" و"ولد العيارية" و"العروسي" في قبضة الامن    مشروع السدّ يتحرّك: مفاوضات جديدة لإنهاء ملف انتزاع الأراضي بجندوبة!    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    عاجل/ صدور أحكام سجنية في قضية هجوم أكودة الارهابي    القصرين: 126 ألف شتلة جديدة لتعزيز الغطاء الغابي خلال موسم التشجير 2025-2026    الإعلان عن الهيئة المديرة للدورة الجديدة لأيام قرطاج المسرجية    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    كاس افريقيا للامم لكرة اليد - المنتخب التونسي في المستوى الاول    مدير المركز الوطني لنقل الدم: هدفنا بلوغ 290 ألف تبرّع سنوي لتلبية حاجيات البلاد من الدم ومشتقاته دون ضغوط    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    انقلاب سيارة في جسر بنزرت..#خبر_عاجل    النائب على زغدود حول مشروع قانون المالية: اعددنا حزمة من التعديلات وهذه تخوفاتنا    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    عاجل/ بشرى سارة لأصحاب هذه الشهائد: 1292 انتداب جديد..    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذا ما كشفته وثائق سرية حول اتفاق غزة..    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    عاجل: زبير بية يعلن استقالته رسميًا من رئاسة النجم الساحلي    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    المهد الوطني للرصد الجوي: ظهور ضباب محليا كثيف صباح غد الأربعاء    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الشعوبية السياسية" تهدد أي إضراب بمصر
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 04 - 2008

img height="75" alt=""الشعوبية السياسية" تهدد أي إضراب بمصر " src="/images/iupload/idhrab.jpg" width="75" align="right" style="WIDTH: 75px; HEIGHT: 75px" /القاهرة - حذر خبير سياسي مصري من أن "الشعوبية" السياسية" - بمعنى مطالبة كل فئة نقابية أو عمالية بمصالح ذاتية لها فقط وليس بمطالب عامة تمثل أصل المشكلة - تهدد بإفشال أي إضراب
عام أو احتجاجات عامة تقوم بها قوى المعارضة، وشدد على أن هذه "الشعوبية" بدأت تأخذ صورة "التقوقع" على الذات، وهو أمر يضر بالعمل العام؛ بحيث ينكب كل فرد على "أكل عيشه" لأن "السلطة السياسية أرادت أن تصرف الناس للبحث عن أكل عيشهم والبحث عن أرزاقهم بشكل أو بآخر".
وفي مقابلة مع "إسلام أون لاين.نت"، قال سيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة: إن هذه "الشعوبية السياسية" أو المهنية والفئوية أدت إلى حالة من انغلاق كل أصحاب مهنة على أنفسهم والمطالبة بمطالب خاصة بهم كعمال أو مدرسين أو أطباء وهكذا، معتبرا أن "هذا الانغلاق أدى إلى مطالبات تنحصر في إطار المهنة فقط رغم أنه قد تنتهك حقوق الإنسان بالنسبة إلى أدنى مواطن مصري دون أن يسانده أحد".
ورأى أن أي إضراب عام أو احتجاج عام لا بد أن تشارك فيه كافة القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان المسلمون "كي يكون فاعلا"؛ لأن الإخوان ليسوا فصيلا هينا أو صغيرا في العمل السياسي، مؤكدا أن مواجهة أي نظام سياسي لا يمكن أن تكون إلا بمواجهة جماعية.
وحدد د. سيف مفاتيح معادلة التغيير السياسي في مصر أو أي دولة بأنها تتضمن أربعة عناصر أساسية هي: القيادة والجماهير والخطاب العام - لا الخاص - فضلا عن التدريب والتثقيف السياسي، مؤكدا أن هناك "إرهاصات وبدايات مبشرة ومشجعة" لما أسماه "حركة شعبية عامة"، ولكنه مع ذلك رأى أن مقومات هذه الثورة الشعبية أو "الحالة الشعبية العامة" - كما فضل تسميتها - لا تتوفر في مصر حاليا وتحتاج لوقت.
وحول مشكلة نقص الخبز التي تشهدها مصر حاليا، رأى الخبير في العلوم السياسية أن المشكلة ليست في رغيف الخبز وإنما في "أننا نتجرع خبز الفساد يوميا"، و"هؤلاء الذين ماتوا في الطوابير ليسوا سوى موتى من أجل الفساد الذي شاع بفعل هذا التحالف غير النزيه بين ما يسمى أهل البيزنس - أو أصحاب الأعمال - وأصحاب السلطان".
وفيما يلي نص الحوار مع د. سيف عبد الفتاح:
متى يمكن القول بأن الإضراب العام قد نجح أو فشل؟

د. سيف الدين عبد الفتاح

أي نوع من الاحتجاج العام هو حركة أمة بأسرها، لا يرتبط بتنظيم بعينه أو بقوى سياسية معينة لديها رصيد لدى الشارع السياسي وينجح إذا شاركت فيه الأمة وكل القوى، والأمر هنا يتعلق بتربية الناس والجماهير على أن تقوم بعمل احتجاجي منظم تستطيع من خلاله أن تعبر عن رؤاها ورؤيتها الحقيقية حيال انسدادات الواقع السياسي والواقع المعيشي المر الذي أصبح في أسوأ حالاته، أو أمور تتعلق بالواقع الثقافي والأخلاقي الذي تدنى إلى الحد الأدنى، ولا أظن أن السلطة السياسية بعيدة عن هذه المسائل وعما أحدثته داخل المجتمع من تجفيف سياسي ومن تجفيف أخلاقي.
الأمر الثاني: أن كل عمل احتجاجي لا بد أن تتكتل له كافة القوى السياسية وكافة القوى الاجتماعية ومن غير تكتيل هذه القوى أو الاعتماد على فئة بعينها يكون الأمر خطيرا ويفشل هذا النوع من الاحتجاج.
وقد انتشرت في المجتمع المصري في الآونة الأخيرة مسألة في غاية الخطورة وهي ما يمكن تسميته "الحالة الشعوبية" في الممارسة السياسية، وهي تعني أن أصحاب كل مهنة أو فئة صاروا يتحدثون عن آلامهم وعن آمالهم بصورة ذاتية فقط، في حين أن من يتحدث عن احتجاج لا بد أن يتحدث عن "أمة" لأن المشكلة صارت مشكلة أمة ولم تعد مشكلة فصيل بعينه كالأطباء أو المهندسين أو المدرسين وإنما أصبحت تنال الجميع في مجتمع تتآكل مكانته، ونظام سياسي يحتكر الحياة السياسية، ومعيشة أصبحت تتدهور يوما بعد يوم.
أي أن هذه المسائل (الاحتجاج أو الإضراب) تحتاج لحركة أمة من باب التكاتف بين الناس والجماهير التي لها مصلحة حقيقية في هذا الأمر.
والأمر الثالث لنجاح هذا الاحتجاج هو أن حركة الأمة تحتاج لنوع من التدريب والثقافة والتربية، خاصة أن المسألة ترتبط بنوع من التكتيك والتكرار.
لكن هذه الاحتجاجات الفردية أو النقابية المستقلة غالبا ما تكون هي لبنة أو بذرة هذا الاحتجاج أو الإضراب العام.
حالة "الشعوبية السياسية" هذه أو المهنية والفئوية أدت إلى حالة من انغلاق كل مهنة على نفسها، وهذا الانغلاق أدى إلى مطالبات تنحصر في إطار المهنة فقط رغم أنه قد تنتهك حقوق الإنسان بالنسبة إلى أدنى مواطن مصري دون أن يسانده أحد.
كما أن هذه الشعوبية بدأت تأخذ صورة "التقوقع" على الذات، وهو أمر يضر بالعام والعمل العام الذي يشكل احتجاجا مدنيا، بحيث أصبح كل فرد يبحث أو ينكب على "أكل عيشه" لأن السلطة السياسية أرادت أن تصرف الناس للبحث عن أكل عيشهم والبحث عن أرزاقهم بشكل أو بآخر، وهو أمر خطير أن يبحث الإنسان عن حله الذاتي ثم يُطَالب بعمل عام فيبحث أيضا عن حله الذاتي في هذا العمل العام - في إطار مهنته أو نقابته - أي من خلال جماعة أو مهنة.
والخطورة هنا أنه حينما يحدث شيء لمحام يقوم المحامون لنصرته، وحينما يحدث شيء لصحفي يقوم الصحفيون وهكذا، أما حينما يحدث شيء لأي مواطن عادي فإن الجميع يسكتون، رغم أن المواطن العادي هو بشر وهو أيضا يشكل طاقة مؤكدة داخل هذه الأمة، ولا بد أن ندافع عن حرية أي إنسان لأن هذا يعتبر دفاعا عن حرياتنا نحن وعن مستقبلنا نحن.
وأنا لا أقصد أن كل احتجاج من قبل فصيل نقابي معين هو من أعمال الشعوبية، فهي احتجاجات مهمة، ولكن الأمر هنا هو كيف نُسكن كل عمل من هذه الأعمال ضمن تيار عام؟ حينما تريد أن تواجه سلطة بهذا الحجم توغلت وتضخمت وفسدت واستبدت يجب أن يكون هناك نوع من العمل العام والتيار العام الذي تستطيع من خلاله أن تُسَكن هذه الأعمال الجزئية في هذا التيار الكلي، بمعنى ألا يكتفي كل واحد بالعمل داخل نقابته أو تياره أو عمله ويطرح مطالبات خاصة بأهل مهنته وأهل تخصصه، ولكن عليه أن يطالب بمطالبات عامة، ف "العام يعم والخاص يخص"، وغالبا ما تقوم السلطة بعملية التفافية حول المطالبات الخاصة، ولكن حينما تكون المطالبات عامة لا تستطيع السلطة أن تلتف عليها بشكل من الأشكال إلا أن تجهضها على نحو معين كما يحدث الآن في عملية الإضراب العام الذي نودي به يوم 6 أبريل الجاري.
هل يمكن أن ينجح إضراب عام في مصر بدون مشاركة جماعة الإخوان المسلمين؟
الإضراب كي يكون فاعلا لا بد أن تشارك فيه كافة القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان؛ لأن الإخوان ليسوا فصيلا هينا وليسوا فصيلا صغيرا في العمل السياسي وما يتعلق بمصالح الناس ومعاشهم، ومشاركة الإخوان - لا شك - تشكل عنصرًا غاية في الأهمية، ومشاركة كل الفصائل والقوى المختلفة هامة، ومواجهة النظام لا يمكن أن تكون إلا بمواجهة جماعية، وكما يقول المستشار طارق البشري: "الحاكم يظل فردا ما دام الناس أفرادا".
ما هو الفارق بين الإضراب وبين العصيان المدني؟
الإضراب وكل أشكال الاحتجاجات هذه تدخل تحت مسمى عنوان كبير هو "العصيان المدني"، وهذا العصيان المدني يدخل تحت كلمة مهمة وهي "المقاومة السلبية"، فإذا كنت لا أستطيع أن أؤثر على مراكز صنع القرار مباشرة فأنا أقوم بإبداء رؤى ومواقف احتجاجية، هذه المواقف الاحتجاجية قد تأخذ شكل الإضراب السلمي، وقد تأخذ شكل الإضرابات الجزئية أو المتسعة وأشكالا أخرى مثل التباطؤ في العمل وعدم المشاركة في أمور يقوم النظام السياسي بالتعبئة فيها، وكل هذه الأمور تكون مقصودة من جانب الجماهير، والمطلوب والمفترض أن تكون منظمة.
وهذه الأشكال من الاحتجاج أو الإضراب تحدث حينما تنسد القنوات السياسية، وحينما تنحرف هذه القنوات عن وظيفتها، وحينما لا يقوم البرلمان بالرقابة وتعطل أجهزته التي تقوم على عملية الرقابة، وحينما تتعطل الأجهزة الرقابية داخل المجتمع إلى الدرجة التي نستطيع أن نقول فيها: إن كشف الفساد صار فسادا!! أي أنه نوع من "تخليص الحسابات" ما بين قوى سياسية معينة وليس كشف فساد حقيقي!
قل: حالة شعبية عامة، ولا تقل: ثورة!
هل مصر مقبلة على ثورة شعبية كما يتنبأ بعض السياسيين بمبرر الغلاء والانسداد السياسي؟
نحن نتحدث عن أنواع من الثورات صارت تنشأ في الآونة الأخيرة، هذه الثورات ليست من النوع الذي كنا نتحدث عنه سابقا من ثورات تقودها فئات معينة مثل الجيش وغير ذلك، فالآن أصبحنا نرى نوعًا من "التعبئة الشعبية" تقوم بحالة احتجاج طويل المدى نسبيا على هذه السلطة لإظهار أنها لا تعمل لمصلحة الجماهير، وتحاول أن تفك ارتباط هذه السلطة بمصادر قوتها التي تستخدمها ومصادر البطش التي تستخدمها مثل الأمن المركزي وغيره.
هذه التعبئة الشعبية تحتاج إلى وقت طويل ونوع من التدريب والتربية والتدقيق كي تصل إلى حالة شعبية عامة. وأنا لا أحب أن أسمي هذه ثورات وإنما أحب أن أسميها "حالة شعبية عامة" أو "حالة احتجاجية عامة" تستطيع من خلالها أن تمارس كل أنماط المقاومة السلبية في إطار يؤكد أن الجماهير هي التي تختار.
والشاعر العظيم "تميم البرغوتي" يقول: إن "السلطان ليس إلا في خيالك"، وهذه المقولة ترجمتها أن السلطان هو الذي يحد من طاقتنا وأفعالنا ونشاطاتنا، وذلك السلطان المستبد حينما يزحف على عقولنا وساحة أفعالنا فإننا نتصور أننا في حالة منعزلة أو مزرية وأن السلطة هي التي تستطيع البطش بنا، ولكن هذا السلطان يجب أن يعرف أنه لا يحكم إلا بنا ومن أجلنا وأنه يقوم على خدمة الناس، فالسلطة هنا تكليف لا تشريف، وحينما يتحول السلطان إلى حالة استبدادية فإنه يتحول هنا إلى حالة استبدادية في عقولنا ثم يكون كذلك على أرض الواقع!
إذن أنت ترى أن مقومات هذه الثورة الشعبية أو "الحالة الشعبية العامة" لا تتوفر في مصر؟
أستطيع أن أقول هذا باطمئنان شديد، لكن أستطيع أن أقول: إن هناك إرهاصات وبدايات مبشرة ومشجعة ويمكن أن تحدث عملا متراكما وتحدث على المدى المنظور والمتوسط عملا مؤثرا وفاعلا، ومن ثم يجب ألا نحقر من كل هذه الأمور والاحتجاجات على طريق السلطة التي لا تعرف سوى الاستبداد.
ما هي المعادلة التي لو توافرت يمكن الحديث عن تغيير حقيقي في مصر؟
أول بنود هذه المعادلة نحو التغيير الحقيقي الذي يمكن أن يأخذ وقتا هو (الجماهير)، وهناك نوعان من هذه الجماهير: ففي لبنان مثلا نستطيع أن نقول: إن حزب الله يستطيع أن يجيش في بعض مظاهراته مليونًا ونصف المليون، ولكن نحن لا نستطيع هنا أن نجمع الآلاف مثلا كجماهير، فهذا لا بد له من وقت خصوصا بعد تلك الممارسات المستبدة والفاسدة والفجة، وبالممارسة والتواتر ستكون هناك عناصر قيادة جيدة لهذه الجماهير، فقد حدث "تكتيف سياسي عام"، كما أن القيادات الشعبية الحالية ليست على المستوى المطلوب.
والمستبد يريد أن يجعل المجتمع على مقاسه وأن يكون هو من يرمي بسقفه، وبما أن المقاس الذي يتعلق بهذه السلطة لا يعرف إلا الاستبداد والفساد فقد أدى هذا لغياب قيادات كبرى حقيقية - وهو البند الثاني المطلوب للتغيير - بحيث تستطيع من خلالها أن تقود هذا العمل الجماهيري والشعبي، وهذه القيادات لا تنشأ فجأة.
أيضا الجماهير لا بد أن تتعلم.. الجماهير المصرية حاول النظام السياسي أن يقنعها أن كل طرف منها يجب أن يبحث عن حل ذاتي لمشاكله، بحيث تقوقع كل طرف على ذاته فصار يلهث ويجري على رزقه ومعاشه، وهذا أدى به دائما لحالة من حالات البحث عن أحواله الذاتية فقط، فأصبح لا ينال حاجته الذاتية ولا يؤثر على المسار العام في هذا الإطار الذي يكمل هذا الجانب العام.
وطالما خرجت القيادة تطلب لفصيل معين أو لقوة سياسية أو نقابة معينة فإن السلطة تقول: إنها كفيلة بذلك لأنها تستطيع أن تلتف عليها وستخرج لأي نقيب لأي مهنة وتقول: إنها ستبرم اتفاقًا معه بشرط أن تتوقف الاحتجاجات!
ولذلك فالأهم هو تكتيل كافة القوى الشعبية والجماهيرية على امتداد الوطن في إطار مطالب عامة مثل الفساد والاستبداد، فهي ما وراء ما نراه الآن من بيع وتفكيك مصر، وبدون ذلك سيكون أي عمل آخر مجزأ أبتر لا يؤتي ثماره إلا في وقتها، وبعد ذلك لا يكون له أثر يذكر، أما الأثر الأهم المتين فيأتي عبر العمل الجماهيري المنتشر والعام والممتد، والذي يملك خطابا عاما.
أي أن القيادة والجماهير والخطاب العام - لا الخاص - هي مفاتيح معادلة التغيير في مصر؟
نعم.. وهناك عنصر رابع يقوم بعمل اللُّحْمة أو الناظم بين هذه العوامل الثلاثة، ألا وهو "التثقيف السياسي والتنمية والتدريب للجماهير"؛ فقد أهملنا هذا التثقيف السياسي وتركناه للسلطة فيما سمي بعملية (التعبئة)، في حين أن ثقافة التعبئة هي التي تخلق مباشرة "ثقافة الأبوة"، ولذلك تعتبر السلطة السياسة هي المسئولة عن الذين تطرفوا في دينهم أو فكرهم؛ فمن يعبئ العقول سيأتي آخر ويعبئ العقول مثله ولكن بمدخل آخر وعناصر أخرى من الأفكار، فيؤدي ذلك بدوره لتفجير المجتمع. فحين تتلاعب السلطة بعمليات التثقيف السياسي يتلاعب الآخرون بها ويؤدي ذلك لحالة من ثقافة التعبئة ومن ثم ثقافة الأبوة.
وهل ما قاله بعض السياسيين وكذلك المستشار محمود الخضيري من أنه لو نزل مليون مواطن لميدان عام ستسمع لهم السلطة يدخل ضمن هذه المعادلة؟
حينما يتحدث البعض عن مؤشرات رقمية أو عددية فهذا فقط كنوع من التقريب، ولكن أصول هذه المعادلة - قبول التغيير - تتحدد عناصرها الثلاثة في القيادة والجماهير والعمل العام، فضلا عن التدريب والتثقيف والتربية والاتصال السليم؛ لأن السلطة لا تستطيع أن تواجه تيارا رقميا عاما.
الأمر ليس في رغيف الخبز وإنما هو في أننا نتجرع خبز الفساد يوميا؛ فهؤلاء الذين ماتوا في الطوابير ليسوا سوى موتى من أجل الفساد الذي شاع وبعضهم من أهل السلطة والسلطان.. هذا التحالف غير النزيه بين ما يسمى أهل "البيزنس" أو أصحاب الأعمال وأصحاب السلطان هو الذي يحدث هذه الحالة. وسبق لابن خلدون قديما أن نبّه إلى أن هذه المسألة من الخطورة بمكان على أي مجتمع سياسي أو اقتصادي فقال: إن "تجارة السلطان مضرة بالرعايا، مفسدة للجباية".

محمد جمال عرفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.