كانت حركة «الإخوان المسلمين» بقيادة مرشدها حسن البنا تلميذ رشيد رضا محاولة في التعبير السياسي عن الفكرة الإصلاحية الإسلامية غير أنها انتهت في هذه المحاولة من التعبير عنها في مشروع سياسي حزبي إلى إجهاضها كمشروع فكري، فقد أدت اتجاهات الأجيال التالية المرتكزة إلى أفكار أبي الأعلى المودودي إلى نشوء بُنى سياسية متطرفة أساءت استخدام فكرة الجهاد وفتحت المجال السياسي والاجتماعي (التكفير والهجرة وجماعة الجهاد،....) وقد جاءت تجربة المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي لتعطي زخماً لهذه الحركات على صعيد قدراتها المادية الضاربة بعد أن زودتها الثورة الإيرانية بالطاقة الفكرية والنفسية. وقد حاولت بعض الاتجاهات في الحركة الإسلامية استعادة طبيعتها الإصلاحية إدراكاً لخطورة التطرف والعنف في مجتمع وسطي معتدل كالمجتمع العربي وفي ظل توازنات قوى مختلفة لصالح السلطة والعودة إلى أفكار المؤسس حسن البنا منطلقاً فكرياً وسياسياً كما حدث في السودان بقيادة الترابي وفي تونس بقيادة راشد الغنوشي اللذين مثّلا أعلى حالات الانفتاح والاجتهاد في الفكر الإسلامي «الصحوي» المعاصر، ولكن الترابي سقط سريعاً في الإغراء الانقلابي العسكري ناقلاً ميدان الدعوة من مؤسسات المجتمع المدني إلى السلطة مغامراً بتصفية تراثه الفكري الاجتهادي. وثمة مثقفون إسلاميون كثيرون ينتمون إلى الإخوان المسلمين أو ممن جاء إليها من ضفاف الفكرة القومية والاشتراكية، مثل أحمد كمال أبوالمجد، ومحمد الغزالي، ومحمد سليم العوا، وطارق البشري، يؤمنون بالعودة إلى مشروع الفكر الإصلاحي واستئنافه، وتطوير الوعي الإسلامي بمتغيرات العالم. لقد بدأت جماعة الإخوان المسلمين إصلاحية وكانت امتداداً للتيار الإسلامي الإصلاحي وبخاصة الشيخ رشيد رضا الذي كان أستاذ حسن البنا وكان بينهما علاقة قوية حتى أن البنا استأنف بطلب من ورثة رشيد رضا مشروعه في تفسير القرآن «المنار» ولم يختر البنا أن يؤسس حزباً سياسياً كما الأحزاب التي كانت قائمة وتعمل بحرية وتتنافس في الانتخابات النيابية وتشكل الحكومات كالوفد والأحرار الدستوريين، وكانت أيضاً مشاركة الإخوان في الانتخابات النيابية في الثلاثينيات والأربعينيات محدودة ورمزية ولم يحاولوا المشاركة الواسعة في مجلس النواب، وقد ترشح البنا بنفسه عام 1942 ثم انسحب في صفقة مع حزب الوفد الحاكم مقابل مكاسب أخرى في العمل العام، وربما لم يترشح غيره من الإخوان في الانتخابات النيابية برغم أن الفرصة كانت متاحة للمشاركة الواسعة ولدخول البرلمان والمشاركة في الحكم بتشكيل الحكومة منفردين أو بالائتلاف مع الأحزاب القائمة كما كان يحدث بالفعل في مصر في الثلاثينيات والأربعينيات، ولكن الانسحاب من هذا المجال في العمل كان اختيارياً لأن البنا لم يكن يرى جماعة الإخوان حزباً سياسياً يسعى للحكم ولكنه يسعى في إصلاح وتغيير المؤسسات والأوضاع القائمة لتكون الأمة بأسرها مسؤولة عن الدولة والحكومات القائمة ولتكون مسؤولية تطبيق الشريعة وتحقيق المصالح العامة منوطة بالمجتمع بجميع أفراده وليس برنامجاً لحزب أو جماعة، وكان خروج الإخوان من المغانم والممارسة اليومية فرصة للرقابة والمصداقية والنزاهة وأن تكون حكماً ومرجعيةً للأفراد والسياسيين وموضع تنافس من جميع الأطراف على كسب تأييدها، وهي بخلوها من الأغراض والمنفعة المباشرة وحيادها كانت أقدر على التوفيق والإصلاح والدعوة ومساعدة المجتمعات على الاختيار. وفي تركيا كان النشاط الإسلامي مرتبطاً بالحركات الصوفية حتى نهاية ستينيات القرن العشرين، وشهد عام 1970 أول ظهور علني للعمل الإسلامي السياسي بقيادة البروفيسور نجم الدين أربكان مؤسس حزب النظام الوطني ثم حزب السلام الوطني والذي شارك في ثلاث حكومات إحداها برئاسة بولنت اجاويد اليساري، ومرتين مع سليمان ديميريل اليميني. واستمرت الحركة الإسلامية في صعود تدريجي حتى كان حزب الرفاه الإسلامي هو أقوى الأحزاب السياسية وأهمها في تركيا في منتصف التسعينيات، وشكل أربكان حكومة ائتلافية بالتحالف مع تشيلر إلى أن أجبر على الاستقالة عام 1997. ودخلت الحركة الإسلامية التركية في أزمة داخلية ومنهجية، فقد بدأت تفقد تأييد الطرق والحركات الإسلامية التقليدية التي اتجهت لتأييد الأحزاب العلمانية مقابل مكتسبات عامة تراها مناسبة للمجتمع والأمة، وتعرض المشروع السياسي للحركة الإسلامية لضربات قوية ومؤثرة. وبرز في حزب الفضيلة الذي أنشئ بعد حظر حزب الرفاه تياران، أحدهما تقليدي بقيادة رجائي قوتان، والآخر تجديدي بقيادة عبدالله غول ورجب طيب أردوغان، واستطاع التيار الجديد (العدالة والتنمية) أن يستقطب تأييد قطاع واسع من المتدينين غير المسيسين من أمثال جماعة النور التي أسسها سعيد النورسي، وهي جماعة تحظى بتأثير واسع في تركيا، برغم أنها لا تعمل في السياسة. وهكذا فإن خريطة العمل والإصلاح الإسلامي بلغت مستويات من التعقيد لم تعد الأفكار والوسائل السابقة والنمطية ملائمةً في فهمها وتحليلها. العرب القطرية 2010-07-29