القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    بجامعة لوزان..احتجاجات الطلبة المؤيدين لفلسطين تصل سويسرا    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    حالة الطقس ليوم الجمعة 3 ماي 2024    القبض على منحرف خطير محلّ 19 منشور تفتيش    وزير الداخلية يدعو لانطلاق أشغال اللجنة المشتركة لمراقبة العودة الطوعية للمهاجرين    منزل جميل.. تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي ومحلات السكنى    ساقية الزيت: حجز مواد غذائية مدعّمة بمخزن عشوائي    العدوان في عيون الصحافة العربية والدولية: قمع الاحتجاجات الأمريكية يصدم العالم    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    ماذا في لقاء لطفي الرياحي بمفتي الجمهورية؟    النادي الافريقي يراسل الجامعة من أجل تغيير موعد الدربي    منوبة: مشتبه به في سرقة المصلّين في مواضئ الجوامع في قبضة الأمن    قيس سعيد: الامتحانات خط أحمر ولا تسامح مع من يريد تعطيلها أو المساومة بها    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    رئيس الجمهورية يتسلّم دعوة للمشاركة في القمة العربية    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    اليوم: جلسة تفاوض بين جامعة الثانوي ووزارة التربية    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    هذه حقيقة فتح معبر رأس وعودة حركة العبور..#خبر_عاجل    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    تونس:تفاصيل التمديد في سن التقاعد بالقطاع الخاص    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوسط التونسية تنشر بحثا أكاديميا حول الحركة الاسلامية في تركيا

شهدت مرحلة نظام مصطفى كمال أتاتورك ( من 1923 حتى وفاته عام 1938 ) و خلفه عصمت انونو ( من 1938 حتى 1950 ) مواجهة حقيقية بين الدين و الدولة .
حيث صبغ نظام الحزب الواحد ( حزب الشعب الجمهوري ) تلك المرحلة و شهدت فترات استبداد ضيقت الخناق على العديد من التيارات خاصة الاسلامية منها . (1 ) الأمر الذي دفع الى ظهور أحزاب جديدة ما بين 1945 و 1948 كان المشترك بين هذه الآحزاب معارضتها غير المعلنة للأيديولوجية الكمالية و الدعوة الى الديمقراطية و القطع مع مرحلة الحزب الواحد .
أعلن عام 1945 عن تأسيس الحزب الديمقراطي ، و حزب التنمية الوطني ، و عام 1946 حزب العدالة الاجتماعية و عام 1947 حزب المحافظين الأتراك و عام 1948 حزب الملّة و غيرهم من الأحزاب الصغيرة .( 2 )
سعت جميع هذه الأحزاب لاستقطاب الشخصيات الدينية و شيوخ الطرق الصوفية بهدف كسب التأييد من أنصار هذه الجماعات ، و نظرا لأن الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس كان اكثر شجاعة في ابراز معارضته للنهج الكمالي نجح في استقطاب طلاّب رسائل النور ( جماعة النور اليوم ) بتشجيع من شيخهم بديع الزمان سعيد النورسي ( 3 ) بالاضافة الى عدد من شيوخ الطرق الصوفية و خاصة النقشبندية ، أما بقية الأحزاب المشار اليها فلم تحظى بثقة الجماعات الدينية بسبب اغراق بعضها في القومية التركية أو ارتباطها بالقيادة العسكرية الكمالية بشكل مباشر أو غير مباشر آنذاك ( 4 ) باستثناء حزب الملّة الذي أسسه عثمان بولوك باشي استطاع ان يجد له انصارا من بعض مشائخ الصوفية ، حيث لا يزال هذا الحزب موجودا حتى اليوم و يصنف ضمن أحزاب التيار القومي الاسلامي في حين اندثرت معظم الأحزاب الأخرى أو تحولت الى أسماء أخرى لكنها بقيت محدودة الانتشار و التاثير .
لم تقتصر المشاركة السياسية للجماعات الدينية في تركيا على الجماعات أو التيارات الدينية التي شكلت أحزابا سياسية ، فجماعة النور بفصائلها المختلفة و برغم أنها تعتبر أقدم جماعة اسلامية اصلاحية في تاريخ تركيا الحديث الاّ انها ترفض حتّى اليوم تأسيس حزب سياسي و تكتفي بمساندة الأحزاب السياسية القائمة بما في ذلك العلمانية اللبرالية التي تحقّق لها بعض مصالحها ، كما أن الطرق الصوفية و خاصة النقشبندية الواسعة الانتشار في تركيا و التي تعتبر رقما انتخابيا كبيرا كما هو الحال لجماعة النور تحرص جميع الأحزاب على ارضائها و التفاوض سرّا أو علنا مع زعماء هذه الجماعات في كل حملة انتخابية لنيل اصواتها وفق تعهدات محددة من الطرفين .
و باستثناء الطريقة القادرية في تركيا التي أسست حزبا سياسيا في 25 ايلول 2005 تحت اسم ( حزب تركيا الحرة ) بزعامة شيخ الطريقة البروفيسور حيدر باش ، فإن بقية الطرق الصوفية المنتشرة في تركيا كالنقشبندية و الرفاعية و المولوية و الجراحية و الخلوتية و الزينية ، بالاضافة الى الجماعات المتأثرة بالصوفية لكنها تصنف جماعات اصلاحية كالنورسية و السليمانية ( مؤسسها سليمان حلمي تونهان 1988-1959 ) و اتحاد الجماعات الاسلامية ( مؤسسها جمال الدين كبلان ) و جماعات صغرى أخرى لا تزال تحافظ على كياناتها كجماعات دينية غير مرتبطة بحزب سياسي معيّن .
عرفت تركيا الحديثة في تقديري 5 مراحل أساسية حتى اليوم في المشاركة المباشرة للتيار الاسلامي التركي في العمل السياسي ، و أودّ في هذه الورقة أن أعرض هذه المراحل مع قراءة موجزة لأبرز النجاحات أو الاخفاقات التي حققها التيار الاسلامي التركي في كلّ مرحلة.
و هي فترة حكم الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس : في هذه المرحلة كان لمساندة الحركة الاسلامية التركية للحزب الديمقراطي في انتخابات عام 1950 نتائج بارزة أهمّها اتخاذ عدنان مندريس ( كان رئيسا للوزراء أنذاك ) قرارا في 14 حزيران 1950 بعودة الآذان الى اللغة العربية ، بالاضافة الى اتاحة الفرصة لطلاب رسائل النور الدخول الى البرلمان التركي في صفوف الحزب الديمقراطي و الحصول على مناصب مختلفة في أجهزة الدولة ، و عودة النشاط للتعليم الديني ، و في هذا الاطار على سبيل الذكر لا الحصر كان عدد معاهد الأئمة و الخطباء عام 1951 لا يزيد عن 6 معاهد فقط بلغ عدد هذه المعاهد 71 معهدا عام 1969 ، كما بلغ عدد الجمعيات التابعة للجماعات الدينية 5104 جمعية عام 1960 بعدما كان لا يزيد عددها عن 154 جمعية عام 1950 .
بالاضافة الى حالة الانفراج العام بعد مرحلة من الاستبداد المطلق للحزب الواحد دامت 28 عاما .كما أن هذه المرحلة دفعت الحزب الممثل للجناح الكمالي ( حزب الشعب الجمهوري ) الى تقديم تنازلات للجماعات الدينية و لم يعارض مشروعات قرارات عديدة في البرلمان انذاك لاعادة الاعتبار للتعليم الديني و التكايا الصوفية ، بل سعى ايضا لفتح ابوابه أمام عدد من شيوخ الطرق الصوفية خاصة النقشبندية لكسب مساندة أنصارها .
كما سعت هذه الأحزاب الكمالية أو العلمانية اللبرالية في تلك الفترة الى استثمار قوة التيارات الدينية للوقوف أمام المدّ الشيوعي الذي بدأ يطرق أبواب تركيا انذاك . الأمر الذي أتاح للجماعات الدينية فضاءات واسعة للنشاط تحت غطاءات رسمية في غالب الاحيان و هو ما ساهم في تهيئة أرضية متينة لواقع الحركة الاسلامية التركية اليوم .( 7 )
و هي فترة تعاقبت عليها أحزاب ليبرالية و قومية تركية : تعتبر هذه المرحلة البداية الحقيقية للمشاركة السياسية للحركة الاسلامية التركية ،حيث ظهرت لأول مرة أحزاب ترفع شعارات اسلامية ففي 26 يناير 1970 أسس نجم الدين اربكان حزب النظام الوطني ( وهو مزيج من الطرق الصوفية و طلاب رسائل النور و تيار من الاصلاحيين المتأثرين بجماعة الاخوان المسلمين )
و البروفيسور أربكان ذو التربية الصوفية النقشبندية و الذي كان مرشحا لزعامة احدى الجماعات الصوفية نجح في استقطاب انصار العديد من الجماعات النقشبندية الى حركته التي اطلق عليها اسم ( ملّي جوروش ) أو ( حركة الاتجاه الوطني أو النظرة الوطنية ) و التي شكلت حزب النظام الوطني ( عام 1970 ) الى حين حظر نشاطه ليرثه حزب السلامة الوطني في 11 اكتوبر عام 1972 و الذي كان فاعلا في الحياة السياسية آنذاك حيث شارك هذا الحزب في ثلاث حكومات ائتلافية مع كل من حزب العدالة ( امتداد للحزب الديمقراطي ) بزعامة سليمان ديميرال ، و حزب الشعب الجمهوري ( امتداد للنهج الكمالي لكنه تحول الى مزيج بين الكمالية و اليسار اللبرالي ) بزعامة بولند أجاويد حتى انقلاب 12 ايلول 1980 .
برهنت الحركة الاسلامية التركية في هذه المرحلة على أنها تيار وطني و أن الشعور القومي التركي لديها لا يقل عن بقية التيارات السياسية التركية و تجلّى ذلك بوضوح عام 1974 في تعامل نجم الدين اربكان مع ملفّ قبرص ( كان أربكان انذاك نائبا لرئيس الوزراء ) ، حيث وقع أربكان قرارا بصفته وكيلا لرئيس الوزراء ( رئيس الوزراء انذاك بولند أجويد ) أمر فيه الجيش التركي القيام بعمليات انزال جوية فورية في قبرص لنصرة القبارصة الاتراك من الاضطهاد و حملات الابادة التي كانت تمارس ضدهم من قبل القبارصة الروم الارثوذكس .
و برغم حالة الانسجام النسبي التي شهدتها تلك المرحلة بين الحركة الاسلامية و التيارات العلمانية و المؤسسة العسكرية خاصة ، لكنّ تعاظم نشاط التيار اليساري في تلك الفترة و تحوّله الى قوة سياسية منافسة في الساحة التركية جعله يختار التيارات الاسلامية هدفا مباشرا ، و بدأ حملة تشويه منظمة ضد الحركة الاسلامية و التشكيك في وطنيتها و الترويج لارتباط بعض تياراتها و خاصة الحركة الأربكانية بجهات أجنبية ، و نشرت وسائل الاعلام في ذلك الوقت تقارير ( أعتقد أنها من نسج الخيال ) تحدثت عن قيام شركة ( أرامكو ) السعودية بضخ أموال بملايين الدولارات عبر رابطة العالم الاسلامي الى بعض التيارات الاسلامية منها حركة أربكان و فصيل ( يني آسيا ) من جماعة النور ، بل و كتب الكاتب اليساري التركي المعروف ( أوغور مومجو ) كتابا من الحجم الكبير تحت عنوان ( رابطة ) سعى فيه لاثبات علاقة الحركة الاسلامية بتنظيمات و دول أجنبية تحديدا ( ايران و السعودية ) .
و نتيجة لتجاهل الحركة الاسلامية للاتهامات اليسارية و عدم التعامل معها بجدية نجحت التيارات اليسارية في تحويل تلك الاتهامات الى سلاح لمحاربة هذا الخصم القوي ( الحركة الاسلامية ) ، و في الوقت نفسه نجحت في استعداء العديد من الأطراف العلمانية و العسكرية الكمالية خاصة ضد هذا التيار و نجحت فيما بعد في تحقيق التحالف مع العسكريين الكماليين الأمر الذي اعتبر سببا مباشرا في تنفيذ الانقلاب العسكري في 12 ايلول 1980 .
و هي فترة حكم حزب الوطن الأم بزعامة تورغوت أوزال : لقد صبغ الزعيم تورغوت أوزال هذه المرحلة بلون خاص حيث حوّل تركيا الى النهج اللبرالي في مختلف القطاعات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و سياسات التعليم و الاعلام و غيرها ، و تورغوت أوزال يصنّف اسلاميا لبراليا حيث نشأ في عائلة كردية ذات تربية صوفية نقشبندية الأمر الذي ساعده في استقطاب العديد من هذه الجماعات حيث أسس حزب الوطن الأم في مايو 1983 ليحصل على الأغلبية المطلقة في انتخابات نوفمبر من العام نفسه ، و يتسلّم السلطة من الجنرالات الانقلابيين .( 5 ) و نجح في تحقيق توازن بين حكومته و مراكز النفوذ في الدولة من القيادات العسكرية أو المؤسسات الكمالية نتيجة خبرته الطويلة في وظائف الدولة و البنك الدولي .
فنشط في عهده التعليم الديني و تنظمت معاهد الأئمة و الخطباء و الكليات الشرعية و سمح لطلاب المعاهد الدينية لأول مرة الالتحاق بكليات الشرطة و الاكاديميات العسكرية ، و توسعت الحركة الاسلامية التركية في تأسيس الأحزاب السياسية و الأوقاف و الجمعيات في مختلف المناشط ، و برزت الحركة الاسلامية التركية كقوة سياسية و اقتصادية أو في ما اصطلح عليه بمثلث ( الجماعة / السياسة / و التجارة ) ( 6 ) حيث تنبّهت الحركة الاسلامية التركية الى أهمية اكتساب القوة الاقتصادية و استفادت من عهد تورغوت أوزال الذي فتح الباب امام المصارف الاسلامية و ظهرت مجموعات اقتصادية تابعة لجماعات دينية مختلفة استثمرت في مجالات التجارة و الصناعة و الصحة و الاعلام و التعليم ..
و برغم ما حقّقته مرحلة حكم تورغوت أوزال من فضاءات واسعة للحركة الاسلامية التركية و اتاحت لها فرصة النشاط في مجالات كانت غائبة عنها ، الاّ ان الحركة الأربكانية كانت تعارض بشدة سياسيات تورغوت اوزال و تتهمه دوما بالولاء المطلق للادارة الأمريكية و انبهاره بالنموذج الغربي ، و يحمّلونه مسؤولية تفاقم الديون الخارجية لتركيا و انه فتح الباب على مصراعيه أمام الاستدانة من الخارج .
المرحلة الرابعة : من 28 حزيران 1996 حتى 30 حزيران 1997 :
و هي مرحلة الحكومة الائتلافية بين حزب الرفاه بزعامة نجم الدين اربكان و حزب الطريق الصحيح بزعامة طانسو تشيلر ، هذه الحكومة التي تزعمها نجم الدين اربكان و استمرت 11 شهرا شهدت ازمات متتالية حتى قبيل تشكيلها حيث رفضت معظم الأحزاب علمانية أو قومية التحالف مع حزب الرفاه برغم أنه كان الحزب الأول في الانتخابات و حصل على ما يزيد عن 18 بالمائة من أصوات الناخبين لكنها لا تؤهله لتشكيل حكومة بمفرده ، مما اضطرّه لتقديم تنازلات لطانسو تشيلّر التي افتكت من حزبه العديد من الوزارات السيادية مقابل التحالف معه في الحكومة ، و بالتالي كانت حكومة أربكان غير متجانسة منذ التأسيس ، بالاضافة الى أن النجاحات التي حققها حزب الرفاه في ادارة البلديات بعد فوزه الكاسح في انتخابات 27 مارس 1994 ( يعني قبل عامين من تشكيل حكومة الرفاه ) و التي حصل فيها على 23 بالمائة من أصوات الناخبين مما رشحه لادارة 6 بلديات كبرى منها أسطنبول و أنقرة ، هذا النّجاح في ادارة البلديات اثار حفيظة مختلف التيارات العلمانية و العكسريين الكماليين الأمر الذي دفعهم لعرقلة حكومة أربكان على خلفية أن نجاح هذه الحكومة ستجعل من قوة التيار الاسلامي تتعاظم و قد يفتح ذلك الباب أمام تغيير هيكلة النظام العلماني في تركيا و يفتح ملف اعادة صياغة الدستور الذي صاغه الجنرالات في انقلاب 1980 .
و برغم قصر عمر حكومة الرفاه و تلك الأجواء المضطربة التي عاشتها الاّ انها حقّقت مكاسب وطنية كبيرة لعلّ أبرزها توقيع اربكان ( بصفته رئيسا للوزراء ) على اتفاقية الغاز الطبيعي مع ايران رغم المعارضة الشديدة للادارة الأمريكية لهذه الاتفاقية ، بالاضافة الى أن نسبة الدخل القومي ارتفعت الى 7 بالمائة الأمر الذي انعكس ايجابيا على رواتب القطاع الحكومي ( 8 ) .
و كان تأسيس أربكان لمجموعة الدول الاسلامية الثمانية ( D 8 ) خطوة عملية نحو مشروع السوق الاسلامية المشتركة الذي يتبنّاه حزبه ، لكن و برغم هذه النجاحات كانت بعض الاخفاقات واضحة خاصة في السياسة الخارجية التي انتهجها اربكان منها في تقديري البدء في زياراته الرسمية بايران و ليبيا و نيجيريا و اندونيسيا و باكستان والتي أزعجت مراكز النفوذ داخل تركيا ناهيك عن عدد من العواصم الغربية وواشنطن بشكل خاص ، بالاضافة الى أن ثقة أربكان المبالغ فيها في الديمقراطية و دولة القانون حيث كان يطمئن نفسه بأنّ سنده الحقيقي هو الشعب الذي انتخبه في حين أن آليات اتخاذ القرار في تركيا مختلفة تماما و ذات خصوصية فريدة من نوعها في العالم و هو ما يعني أن القرار لا يمكن أن يكون بيد اية حكومة ذات اغلبية في أنقرة ( و الأمر نراه بوضوح اليوم مع حكومة حزب العدالة و التنمية ) لذلك لم ينجح أربكان في تحقيق توازن بين حكومته و بقية مراكز النفوذ في الدولة بل كان هناك أزمة ثقة حقيقية ( 9 )بين الطرفين الأمر الذي أتاح لمراكز النفوذ العلمانية ان تستثمر وجود حكومة أربكان لتشن حملة واسعة النطاق على التيار الاسلامي و مكتساباته و يكفي أن أشير في هذا الاطار الى امثلة موجزة : عام 1997 كان عدد طلاب معاهد الأئمة و الخطباء يزيد عن 512 الف طالب و بسبب حملة التضييق على التعليم الديني تناقص عدد الطلاب عام 2000 الى 92 الف طالب ، بالاضافة الى تناقص عدد مدرّسي المواد الدينية الى 12 الفا بعدما كان عددهم يزيد عن 19 الف مدرس عام 1997 ، و شملت حملات التضييق العديد من المؤسسات الاخرى و البلديات ووسائل الاعلام و أشير هنا الى انه تم في تلك الفترة اغلاق 14 محطة اذاعية من مجموع 150 محطة و 19 محطة تلفزيونية من مجموع 51 محطة تلفزية .( 10 )
المرحلة الخامسة : من 3 نوفمبر 2002 حتى اليوم
و هي مرحلة حكومة حزب العدالة و التنمية بزعامة رجب طيب اردوغان ، و هنا أود الاشارة في البداية الى الجدل الدائر في تركيا حول اسلامية هذا الحزب ، فقادة هذا الحزب يعرّفون أنفسهم بأنهم حزب محافظ ديمقراطي أو ( المحافظين الديمقراطيين ) ، و هو حزب مشكل من ثلاث تيارات رئيسية ، التيار الأقوى فيهم و صاحب المبادرة هو التيار الاسلامي المنشق عن حركة أربكان ، و التيار الثاني هو التيار القومي المنشق عن حزب الحركة القومية ، و التيار الثالث وهو التيار العلماني اللبرالي المنشق عن احزاب علمانية مختلفة ، و ما يجمع هذه التيارات الثلاثة هو الرفض غير المعلن لقدسية الايديولوجية الكمالية و هيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي ، و يتوضّح هذا من خلال تركيز هذا الحزب على عملية الاصلاح السياسي و العمل على تجذير الديمقراطية و تحويلها الى ثقافة شعبية ، و تفعيل مفهوم دولة المؤسسات و عدم التراجع عن مشروع تركيا للانضمام للاتحاد الأوربي الذي يعتبره حزب العدالة و التنمية الحاكم اليوم صمّام الأمان لاصلاحاته السياسية الهادفة ايضا لتقليص هيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي .
اذا هذا الحزب بهذه الفسيفساء من التيارات لا يمكن وضعه في خانة التيار الاسلامي ، لكنّه بكل تأكيد يعتبر مدرسة جديدة في التفكير و الممارسة لدى بعض الاسلاميين الاتراك ، هذه المدرسة أو هذا التوجه لا زال يتشكّل و يحقّق ذاته ، و برغم أنّه من المبكّر في تقديري الحكم على هذه التجربة الحرية بالرصد و المتابعة ، لكنّني أشير الى نجاح بارز في هذا التوجه الذي يقوده رجب طيب أردوغان و عبد الله غول ( باعتبارهما قادة التيار الاسلامي في هذا الحزب ) و هو ثقافة التحالف تحت مظلة حزبية و احدة ، و سبق بها اربكان أيضا حينما شارك في حكومات ائتلافية مع احزاب علمانية ) .
حزب العدالة و التنمية و برغم أنه أسس قبل وقت وجيز جدا من انتخابات 3 نوفمبر 2002 الاّ انه و نتيجة للنجاحات التي حققها رجب طيب اردوغان في ادارته لبلدية اسطنبول في سنوات سابقة ، و لرفض الناخب التركي لأداء الاحزاب التقليدية خيّر ان يعطي الفرصة لجيل جديد من السياسيين الأتراك ، فحصل حزب العدالة و التنمية على نسبة 34 بالمائة من أصوات الناخبين ليحقق الأغلبية المطلقة في البرلمان بحصوله على 365 مقعدا ، بالاضافة الى حصوله على نسبة 42 بالمائة في الانتخابات البلدية ليتولى ادارة 12 بلدية كبرى من مجموع 16 بلدية .
و خلال ثلاث سنوات من عمر حكومة حزب العدالة و التنمية في تركيا نجح في الرفع من حجم التجارة الخارجية عام 2005 الى ما يقارب عن 200 مليار دولار ، و حجم الصادرات التركية الى 70 مليار دولار ، و استطاعت ان ترفع احتياطي البنك المركزي التركي الى 58 مليار دولار في حين انه كان لا يتجاوز 26 مليار دولار قبل تسلم اردوغان السلطة .
و على المستوى السياسي نجح أردوغان في تحقيق حدّ أدنى من التوازن بين حكومته و مراكز النفوذ العلمانية و خاصة المؤسسة العسكرية ، و استطاع لأول مرّة أن يعدّل توجهات السياسة الخارجية لتركيا ليوازن بين مشروعها الاوروبي و بين مصالحها مع بقية الأطراف الدولية .
أما خصوم حكومة العدالة و التنمية فيعيبون عليها الاعلان عن نفسها كشريك استراتيجي في مشروع الشرق الأوسط الكبير و يستغربون حماس حكومة اردوغان لتمرير مشروع القرار لفتح القواعد التركية امام القوات الامريكية ابان التدخل العسكري الامريكي في العراق ، و الذي رفضه البرلمان التركي برغم اصرار حكومة اردوغان انذاك ، و يعتبرونها أيضا قد فشلت رغم الأغلبية التي تحظى بها في التوصل الى حلّ لقضية الحجاب التي تزال مطروحة و التي وعد أردوغان بحلّها في حملته الانتخابية ، و تراجعت حكومته أيضا عن سنّ قانون يجرّم الزنا ..
خلاصات :
تعرف الأحزاب التي تصنف اسلامية في تركيا من خلال الشعارات التي ترفعها أو من خلال تديّن قادتها و انصارها و أيضا من خلال الأنشطة و المشروعات التي تطرحها و ليس من خلال مشروع التأسيس للحزب أو الأدبيات لأن الدستور التركي يمنع تأسيس أحزاب ذات مرجعيات دينية أو عرقية .
مسألة أسلمة الدولة غير مطروحة كشعار أو مشروع لدى التيار الاسلامي التركي لكنهم يتفقون جميعا على العمل من أجل أسلمة المجتمع دون التصريح بذلك .
القيادة العسكرية و الكمالية تدرك بأن الحركة الاسلامية تيار وطني قومي أيضا و غير مرتبط بتيارات خارجية .
التيار القومي التركي ( اسلامي بالضرورة ) و يمكنه التحالف مع التيارات الاسلامية اللبرالية .
التيار الاسلامي التركي قوة اقتصادية و يكفي أنه يمتلك ما يزيد 5 فضائيات و العشرات من المحطات الأرضية ، بالاضافة الى المئات من الاذاعات و عدد من الصحف اليومية و الاسبوعية و المجلات و مراكز أبحاث متخصصة ، و نشط أيضا في تأسيس المدارس الخاصة و الجامعات و دور النشر ، و تحول الى قوة اقتصادية هائلة حيث تمتلك بعض الجماعات مصارف اسلامية ، و استثمارات في مجال الصناعة و السياحة و الفندقة ، و توجد للتيار الاسلامي ما يزيد عن 5 جمعيات لرجال الأعمال ، و التنظيمات المهنية كالنقابات ، كما يدير التيار الاسلامي الاف من الأوقاف الخيرية و التعليمية و الصحية و جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان و المرأة و الطفل و البيئة و غير ذلك ..
المراجع :
1 – دراسة ( الطرق الصوفية ) بتريك فاتيكان
2- دراسة ( الطرق الصوفية ) بتريك فاتيكان
3- كتاب حياة النورسي / احسان قاسم الصالحي
4- كناب " الاسلاميون ضمن مصالح الدولة ) روشان شكير
5 – كتاب " شاهد على التاريخ " لافنت باستورك .
6- كتاب " أية و شعار " روشار شكير
7- كتاب " حقيقة الطرق الصوفية " جوستوس لايت
8- مقالة بجريدة ملليت بتاريخ 2 نوفمبر 2002 للكاتب حسن بولور
9- مقالة للكاتب محمد بيناي بتاريخ 9 اكتوبر 1996 بصحيفة تركيا نت الالكترونية
10 – مقالة كاموران اكوش بجريدة أكيت .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.