بيروت :بدأ (حزب الله) يعد العدة الكاملة للخطة الاحتوائية للقرار الاتهامى للمحكمة الدولية، وتنطلق هذه الخطة من مجموعة عناصر سياسية إعلامية تعبوية وأمنية لاستباق التقرير الاتهامى أو لمحاولة منع المحكمة من إعلانه أو تأجيله بسبب ما يعتقد (حزب الله) أنه سيؤدى إلى اضطراره إلى القيام بخطوات غير تقليدية لمواجهة هذا التقرير الذى يوصف بأنه يشبه الحدث التاريخى على صعيد لبنان والمنطقة . فى السياسة، لفت الاجتماع الذى جمع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مع العماد ميشال عون الذى صدر بأثره بيان عن إعلام (حزب الله)، وضع المحكمة فى أولى أولويات البحث، وهذا ما فسره مراقبون على أنه تكليف (حزب الله) لعون بأن يلعب دور رأس الحربة فى التشكيك بالقرار الاتهامى وبالمحكمة وبوضعها فى خانة العمل المبرمج الهادف إلى ضرب (حزب الله) وإثارة الفتنة الطائفية فى لبنان، وعمليًا فإن عون بدأ يمارس مهامه أو ربما لم ينتظر اجتماعه مع نصر الله للبدء باستهداف المحكمة ويسعى عون من وراء هذا التكليف إلى المزيد من تحقيق المكاسب الداخلية وإعطاء (حزب الله) دفعات على الحساب تؤدى بالحزب إلى دعم عون بشكل كامل ضمن سياق واضح هو ما يعتقده الطرفان لجهة مواجهة الطائفة السنية . ولوحظ فى هذا الإطار أن (حزب الله) دعم عون دون شروط فى موضوع رفض إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية وقام الحزب بتنفيذ سياسة ازدواجية فى هذا الموضوع إذ أعلن أنه يؤيد الإجماع على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم ولكنه فى المقابل أوعز إلى رئيس مجلس النواب نبيه برى بتسهيل تعطيل مشروع القانون وبتأجيله إرضاءً لعون وخوفًا من إهداء ملف مجانى للفلسطينيين قد تستفيد منه السلطة الوطنية الفلسطينية والمعروف أن (حزب الله) يتعاطى مع الملف الفلسطينى بخشية أن يتحول الفلسطينيون إلى قوة احتياط للطائفة السنية وهو لذلك لم يتورع عن دعم عون رغم الأضرار الكبيرة التى يسببها له هذا الأمر أمام الرأى العام العربى والإسلامى . وفى تفاصيل الخطة السياسية لاحتواء القرار الاتهامى لن يكون عون المكلف الوحيد من قبل (حزب الله) بالقيام بالتشويش على المحكمة الدولية فلقد بدأ حلفاء الحزب وأدواته السياسيون تنفيذ حملة تهويل عبر وسائل الإعلام من مخاطر اتهام (حزب الله) ومن القدرة على القيام بسبعين (7 أيار) وكل ذلك لا يهدف فقط إلى التهويل على الداخل بل إلى إيصال رسالة للعالم أجمع بأنه وفور اتهام (حزب الله) باغتيال الحريرى فإن (حزب الله) سوف يقضى على كل مقومات الواقع السياسى الحالى وسيستلم مع حلفائه بالقوة العسكرية زمام الأمور وأن كل لبنان مرشح لأن تتكرر فيه مشاهد (7 أيار) أى بصريح العبارة إن (حزب الله) قادر على السيطرة العسكرية على كل لبنان وعندها ستصبح المحكمة الدولية حبرًا على ورق، لا بل سيصبح الواقع السياسى مختلفًا عما سبق لأن سيطرة الحزب عسكريًا ستؤدى إلى إقصاء كل مجموعة (14 آذار) وإلى تركيب واقع جديد لا عودة فيه إلى الوراء . ويعتقد المراقبون أن (حزب الله) بدأ بإرسال هذه الرسائل عمليًا وهو ينتظر أن تفعل فعلها وألا تضطره إلى اللجوء إلى الخيارات الصعبة التى ربما يفضل استبعادها . استباق التحقيق غير أن الفصل الأخطر من خطة احتواء القرار الاتهامى بات يكمن فيما كشف عن وجود عملاء للموساد الإسرائيلى فى إحدى الشبكات الخليوية وهو كشف يعول عليه (حزب الله) كما بات معلومًا بضرب صدقية التحقيق الدولى الذى انطلق من موضوع تحليل الاتصالات وباعتقاد أكثر من مراقب مطلع على مسار المحكمة فإن موضوع عملاء شبكة الخليوى لا يبتعد عن كونه حلقة إضافية فى مسلسل إطلاق القنابل الدخانية قبل ظهور مضمون القرار الاتهامى . وبغض النظر عن صحة كون هؤلاء عملاء للموساد فإن أسئلة كثيرة سوف تطرح مع الاستمرار بالتركيز على مسؤولية هؤلاء بتغيير خارطة الاتصالات ويمكن تلخيص هذه الأسئلة بالآتى : 1- هل يشكل موضوع عملاء الخليوى استمرارًا لمسلسل تضليل التحقيق الدولى الذى بدأ بتسريب خبر تورط اللبنانيين من أصل أسترالى بعد ساعات من الاغتيال إلى أستراليا وهل سيضاف ملف التضليل هذا إلى المحكمة الدولية كملف إضافى يثبت نية تضليل التحقيق ؟ 2- هل سيضاف ملف عملاء الخليوى إلى ملف ردم الحفرة التى خلفها الاغتيال وما تبع هذا الردم من أدلة موثقة ومسؤولين حاولوا طمس الحقائق ؟ 3- هل سيضاف ملف عملاء الخليوى إلى ملف تضليل التحقيق الدولى المسمى بملف الأصوليين إلى 13 الذين وضعوا فى الواجهة الإعلامية على اعتبار أنهم مسؤولون عن الاغتيال ثم تبين بعد أن حققت معهم لجنة التحقيق الدولية ألا علاقة لهم بكل هذه القضية ؟ 4- هل سيضاف ملف عملاء الخليوى وادعاءات تلاعبهم بالاتصالات إلى ملف شريط أبوعدس الذى تمت فبركته فى أعقاب الجريمة للإيحاء بأن الحريرى اغتيل بواسطة أصوليين سلفيين ؟ يقول المراقبون إن كل ما ينشر فى محاولات تضليلية للتحقيق سيكون مادة أمام المحكمة الدولية التى ستستعرض حين بدء المحاكمة فصلا خاصا يسمى التضليل الذى هو أحد روافد الاتهام لأن الجهات المضللة للتحقيق سوف تسأل عن مصلحتها وعن دوافعها للقيام بذلك وعن ارتباطها بالجهة التى أمرت بالاغتيال . وبالنسبة لعملاء الخليوى فإن المسار الذى سلكته قضيتهم تنتظر أن تقوم مديرية المخابرات فى الجيش اللبنانى ببث أمرهم فإذا ما أثبت تورطهم فى التلاعب بالاتصالات فإن المحكمة الدولية ستكون جاهزة لاستلامهم ولإجراء المقتضى القانونى لتثبت طبيعة الدور الذى لعبوه أسوة بما فعلت مع شبكة ال13 التى تحققت بعد التحقيق معهم بألا أدوار لهم فرادى أو جماعة باغتيال الحريرى ولاحظ المراقبون أن أيًا من الذين يربطون بين عملاء ألفا والتحقيق الدولى لا يطالبون بأن يشملهم التحقيق بل يقومون فقط بحملة دعائية هدفها التشويش على هذا التحقيق . بعد القرار الاتهامى قد يبدو للكثيرين أن القرار الاتهامى للمحكمة الدولية سيؤدى إلى حصول زلزال كبير فى لبنان وأن أمر احتواء هذا الزلزال سيستعصى على قدرة اللبنانيين خصوصًا فريق 14 آذار الذى بات ضعيفًا إلى درجة عدم القدرة على تحمل أى صفعة إضافية توجه له كالسابع من أيار وتستعرض أوساط 14 آذار هذا الواقع بتأكيد الخشية من أن القرار الظنى للمحكمة إذا اتهم (حزب الله) فإن أى شبكة أمان تقى هذا الخطر ليست موجودة فعلى الصعيد الداخلى فإن (حزب الله) قادر على تحييد الجيش اللبنانى فى أية حركة قد ينفذها على الأرض نظرا لأن تركيبة المؤسسة العسكرية قد أصبحت أقرب من (حزب الله) أكثر من أى وقت مضى لدرجة أنه تم إقصاء كل عناصر القوة التى كان يمتلكها رئيس الجمهورية داخل الجيش من خلال تشكيلات ومناقلات أدت إلى إمساك كل المفاصل الدقيقة . أما على الصعيد الدولى والعربى فإن أية قوة مؤثرة غير جاهزة لاحتضان الواقع اللبنانى تواجه أية محاولة فى (حزب الله) لإمساك الوضع عسكريًا فالتوقيت الدولى والعربى يشبه إلى حد بعيد ظروف السابع من أيار التى استطاع (حزب الله) من خلالها أن يسيطر عسكريًا على العاصمة والكثير من المناطق بساعات معدودات وصحيح اليوم أن قدرته هذه ستوضع تحت الاختبار نظرا لتعذر السيطرة المباشرة على المناطق ذات الأكثرية المسيحية أو السنية -باستثناء بيروت- إلا أن ذلك لا يكون طائفيا للاطمئنان بأن الحزب لن يكرر سيناريوهات الفوضى فأمامه العديد من الخيارات كإقامة اعتصامات وإقفال الطرق وشل الوضع الاقتصادى لإجبار 14 آذار والحريرى تحديدا على التنصل من المحكمة الدولية وعلى اعتبارها محكمة تعمل لصالح إسرائيل وأميركا . وما هو واضح إلى الآن أن (حزب الله) سيرفض قطعا توجيه الاتهام لأى من عناصره وكوادره وسيرفض اعتبار هؤلاء مخترقين لأية جهة خارجية ما سيؤدى إلى إنتاج قرار لديه بمواجهة أى قرار اتهامى بخطوات دراماتيكية وعندها سيكون سعد الحريرى أمام الاختبار الأقسى لأن هامش خياراته سيضيق بين احتمال التراجع عن تأييد المحكمة أو الذهاب بهذا التأييد إلى النهاية ولكل خيار أكلافه ونتائجه .