في سياق طمأنة الجمهور الفلسطيني بشأن مسار المفاوضات الذي يمضي من دون توقف منذ شهور ، أوضح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن أي اتفاق سيجري التوصل إليه مع الإسرائيليين سيعرض على استفتاء شعبي ، بينما كان السيد صائب عريقات الذي يعرف بكبير المفاوضين رغم تركه التفاوض لزميله أحمد قريع يبشرنا بأن الطرف الإسرائيلي لم ينفذ أياً من التزاماته المنصوص عليها في خريطة الطريق. ما ينبغي قوله ابتداءً هو أن التصريح الذي أدلى به الرئيس الفلسطيني إنما يأتي على خلفية اتساع دائرة القناعة بأن صفقة تسوية يجري طبخها على نار هادئة ، إذا لم تكن قد استوت بالفعل ، الأمر الذي يستند إلى تحليل تدعمه الكثير من المعلومات والمعطيات. كل ذلك ، إلى جانب تصريحات مختلفة للرئيس نفسه ، يدفعنا إلى مزيد من القناعة بأن الطبخة قائمة بالفعل ، وأن الحديث عن اتفاق ، وأقله إعلان مبادىء يتم التوصل إليه وإعلانه قبل نهاية العام ليس أمراً مستبعداً بحال ، إن لم يكن مرجحاً إلى حد كبير. ما يعنينا في هذا السياق هو موضوع الاستفتاء الذي سيشهره البعض في وجوهنا كلما انتقدنا المسار التفاوضي القائم ، على اعتبار أن القوم لن يطبخوا شيئاً من وراء الشعب الفلسطيني ، بل سيجري استفتاء جماهيره على أي اتفاق سيتم التوصل إليه. لقد سبق أن تحدث البعض في مراحل سابقة حول موضوع الاستفتاء ، لكن الحديث شكلاً ومضموناً كان يتعلق بالفلسطينيين الذي يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وهم كما يعرف المعنيون لا يشكلون سوى ثلث الشعب الفلسطيني الذي يعيش ثلثاه الآخران في الشتات ، وفي الأراضي المحتلة عام ,48 يمكننا أن نجزم أن اتفاقاً يتنازل عن حق العودة للاجئين ، إلى جانب تنازلات عن مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية والقدس ، وأقله مبادلتها بأراض في صحراء النقب ، فضلاً عن التنازل عن السيادة الحقيقية ، نجزم أن اتفاقاً كهذا لا يمكن أن يكون مقبولاً من طرف الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، لكن ذلك لا يعفينا من رفض مبدأ استبعاد فلسطينيي الشتات من أي استفتاء ، على رغم قناعتنا أنه حتى كامل الشعب الفلسطيني ليس مخوّلاً بالتنازل عن أكثر من 80 في المئة من فلسطين ، فهذه التجزئة التي رسمها سايكس بيكو ليست مقدسة بحال من الأحوال. إن اتفاقاً مشوّهاً يجري تمريره عبر استفتاء شعبي عام (لا يستبعد تزويره ما دام مدعوماً من حركة فتح) سيكون أسوأ بكثير من اتفاق تمرره فئة من فئات الشعب الفلسطيني كما وقع لاتفاق أوسلو ، والنتيجة أن هذا الاستفتاء الذي يعدوننا به إنما يزيدنا خوفاً على خوفنا من المسار القادم ، وإلا فهل يعقل أن يقرر هؤلاء كل تلك التنازلات المتوقعة بتوقيع الشعب الفلسطيني برمته؟، لا قيمة هنا للحديث عن اتفاق مقبول ، فالكل يدرك أن ما سيعرضه الإسرائيليون على السلطة لن يصل بحال من الأحوال سقف ما عرض خلال قمة كامب ديفيد عام 2000 ، والأسوأ إذا جرى الاستفتاء على اتفاق مبادىء جوهره الدولة المؤقتة وما تنطوي عليه من جعل النزاع مع العدو مجرد نزاع حدودي بين جارين. إنهم يعولون على الرفاه وعلى المعونات لتمرير ما يريدون ، إلى جانب الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين ممن تنتهي مدة محكومياتهم في غضون السنوات القليلة المقبلة ، وممن يقبلون بالولاء للوضع الجديد ويوقعون على ذلك. لذلك كله نعود إلى القول إن وعد الاستفتاء لا يزيدنا إلا رفضاً على رفضنا للمسار القائم ، أكان مستنداً إلى خريطة الطريق ، أم استند إلى الرغبة الأمريكية الإسرائيلية في إنجاز اتفاق تحت سقف كتاب الضمانات (وعد بوش لشارون). التاريخ : 09-04-2008