لا يكتفون بصمتهم وبعدم إدانة المجازر والإعتداءات الصهيونية والإمبريالية بل يمتلكون من «الجرأة « ما يسمح لهم بترويج خطاب رخو يسعى إلى نحت ملامح « ثقافة الهزيمة» إنهم الرخوانيون المقيمون في الأفكار والمواقف والفنون يطلعون على العالم من خلال وسائل إعلام عربية !تروج لهم عسى أن يتخذ منهم الآخرون نموذجا يتأسون بهم! يطلعون شاخصة أبصارهم في صورهم الثابتة بالألوان ... لا يرون دما ولا دموعا ولا خرابا...! بعضهم متخصص في ترصد المقاومين بما هم فكر وموقف ومبدأ وممارسة يُصنفهم في قائمة الموعودين بالحرب ... يُسوّق أولئك خطابا رخوا حول «الإنسانية» و« السلام» و«المحبة « وكأنهم يتكلمون من وراء حجاب لا علاقة لهم بعالم ينزف من كل مواضعه ... وبعضهم تسلل إلى النص الديني يقذف به المتحصنين فيه يؤول الآيات بما ينسجم مع جعجعة الطاحونة الكونية يزعم أن الدين يحث على القبول بالأذى حماية للأخوة الإنسانية ويدعو إلى مد خدنا الأيسر لمن صفعنا على خدنا الأيمن حتى ندفعه إلى الندامة حين يكتشف بعد فنائنا بأنه جلاد! وإذا ما قتلنا السفاحون دون أن نمد أيدينا إليهم لقينا الله وهو راض عنا! هكذا يقول مفكر « عربي » في حوار مع مجلة « عربية» : « فلما أعطيك خدي الثاني لا يبقى عندي خد آخر فأدفعك إلى نفسك حتى تقول لقد استوفيتُ الخدين فأنا هنا في وضع الجلاد... فما دمتُ حيا علي إثمٌ وأنت كذلك أما إذا قتلتني فستأخذ إثمي معك وتبرئني..»!! تلك ثقافة الموت والهزيمة والمذلة يروج لها من يبحثون لأنفسهم عن موضع في عيون قتلة الأطفال والشيوخ والنساء ... لا يجرؤون على نقد القتلة بل يدعون الضحايا إلى الصبر على المذلة والمهانة حتى يكونوا مسلمين صالحين! هكذا يقول «مثقف عربي». إن الضحايا لا يحتاجون من يزين إليهم السلم والأخوة الإنسانية، إنهم يأملون ذلك ولكن ليس بأيديهم منع حروب هم ضحاياها فلماذا لا يتوجه « مثقفونا « الإنسانيون أولائك إلى القتلة بنصائحهم تلك يقنعونهم بأن الناس جميعا إخوة في الإنسانية وإن الشعوب من حقها تقرير مصيرها بحرية على أرضها وثرواتها ومخزونها الثقافي وإرثها الحضاري... لماذا يتوجه الرخوانيون أولائك إلى الضحايا يعطونهم « دروسا « في الإنحناء وفي مد الخدين للصفع؟ إن الشعوب المستميتة في الدفاع عن كرامتها وأرضها وعرضها لا تنتظر من الرخوانيين مناصرة ولا حتى تغييرا لمواقفهم ولكن تعلمهم بأنها لا تستمع إليهم ولا تحترمهم ولا تثق بهم كما لا يحترمهم من يظنون أنهم يقدمون إليه خدمة على حساب أوطانهم وأهلهم وتاريخهم. إن خطاب الهزيمة الملتحف بالدين أو بالعقلانية يجد له منابر ومؤسسات وحتى مراكز بحث يريد أصحابه التوفق في التسلل إلى وعي الجماهير العربية المسلمة يمارسون عليها التجريع الناعم لسوائل ثقافية من منتجات اللوبيات الساعية إلى تحقيق « التطبيع « بين أصحاب الحق وغاصبيه... يُدرك أولائك أن التطبيع لا يمكن أن يتحقق بمجرد قرارات سياسية أو تبادل بروتوكولي يدركون أن حصانة الشعوب والأمم تكمن في وعيها وثقافتها ومعتقداتها لذلك هم يحرصون على النفاذ إلى عمق شخصية ضحاياهم في محاولة دائمة لاغتيال الوعي والتشكيك في المبادئ والثوابت وتبريد مشاعر الإعتزاز بالإنتماء إلى أرض وحضارة وتاريخ. خطاب الهزيمة مجهز بوسائل حديثة وبمناهج معقدة في المخاتلة والتضليل، فعلى مثقفي الإرادة ومُبدعي الحياة تعرية زيفه حتى لا يظن أن الأوطان خاوية على عروشها وأن « الزبيبة الملوثة « آخذة طريقها نحو الهضم الجماعي ... لا يكفي الإنتباه إلى ما يصدر من حين لآخر عن بعض فاقدي السند المعرفي ممن يُصنفون فنانين أو حتى كتابا وباحثين إذا ما اقتربوا من مودة العدو، بل لابد من الإنتباه قبل ذلك إلى العقول المؤسسة للتطبيع بأساليبها الماكرة ومنطقها الساحر وإنسانويتها الخادعة... ولا يقتضى الأمر أساليب تقليدية في التصدي من جنس التنديد والتشهير والمطالبة بسحب الجنسيات فالقضية ليست بهذا المستوى من السطحية إنها متعلقة بعمق الشخصية بما هي بناء نفسي وذهني،وهو ما يستدعي خوض « معركة» الأفكار والمفاهيم والقيم وتلك مهمة تحتاج قدرة على المداومة وصبرا على المقاومة.. مقاومة مشاريع التسويات المائلة والعناق الخانق! بحري العرفاوي كاتب وشاعر تونسي الصباح التونسية الثلاثاء 10 أوت 2010