ان المقاومة العربية تاريخيا لم تدخر أي جهد في سبيل معركة التحرر من نير الاستعمار والامبريالية والصهيونية العالمية . ففي الحقيقة والواقع كان أجدادنا في الماضي هم من تطوعوا وقادوا الملاحم البطولية ضد المستعمر الفرنسي الغاشم في كل من تونسوالجزائر بقيادة الحركة الوطنية في تونس وقيادة جبهة التحرير الجزائرية في الجزائر وضد المستعمر الاسباني والفرنسي في المغرب بقيادة عبدالكريم الخطابي الذي تعلمت منه الشعوب فن حرب العصابات في الريف والمدن كاحدى الطرق الناجعة و الحديثة للقضاء على الاستعمار وفي ليبيا بقيادة عمر المختار شيخ المجاهدين ضد المستعمر الايطالي وفي العراق بفعل ثوة العشرين أي سنة 1920 بقيادة رؤساء العشائر ثم بمواصلة الكفاح السياسي والعسكري الذي تزعمه حزب البعث العربي الاشتراكي في كل من سوريا والعراق طيلة نهاية الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي وفي مصر ضد المستعمر التركي أولا بقيادة الزعيم والمصلح محمد علي مؤسس مصر الحديثة ثم بقيادة الزعماء الوطنيين أحمد عرابي ثم مصطفى كامل وسعد زغلول و محمد فريد وصولا الى الزعيم جمال عبد الناصر مفجر ثورة 23 يوليو 1952المجيدة .وأما الحركة الوطنية لتحرير فلسطين فمنذ بداية القرن الماضي وهي متأججة بالثورات والانتفاضات المتعددة والمتنوعة تعبد الطريق بمئات الآلاف من الشهداء ودمائهم الزكية الطاهرة بقيادة العديد من الزعماء والقادة التاريخيين من الشيخ عزالدين القسام الى أبو علي مصطفى الى الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي الى الزعيم أبو عمار من أجل التحرر من الاحتلال والاستيطان الصهيوني الذي غرسه الاستعمار الغربي في قلب الوطن العربي للحيلولة دون تقدمه وتطوره وضرب وحدته. كانت هذه نظرة تاريخية خاطفة لتسليط الضوء على المقاومة العربية وتاريخها في الوطن العربي في القرن الماضي ولنبين مدى استجابة الجماهير العربية للفعل المقاوم منذ ذلك الوقت الى العصر الراهن . حيث لاتزال المقاومة منذ القرن الثامن عشر بكافة أشكالها تلعب الدور الحاسم في مواجهة الاستعمار ومشاريعه التخريبية والتدميرية .فهي باعتبارها مشروعة في كل الدساتير والقوانين والمواثيق الدولية الوضعية والتي تبيحها كل التشريعات السماوية هي ردة الفعل الطبيعي والمباشر ضد الاستعمارالأجنبي وهي بذلك تعد الظاهرة النبيلة في العصر الراهن التي تمثل الخيار الوحيد الذي لا غنى عنه للتصدي للعدوان الهمجي والبربري للمستعمرين و المحتليين .
فمنذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر ونار حرب التحرير تشتعل على امتداد حدود الوطن العربي ولا تزال نار المقاومة تستعر الى يوم الناس هذا مسطرة أروع أنواع الملاحم البطولية والأسطورية في تاريخنا العربي . فلقد نجحت المقاومة الوطنية في كل من العراق وفلسطين ولبنان في تحقيق عديد الانتصارات على العدو متحدية آلة الحرب والدمار العسكرية الأمريكية والصهيونية والبريطانية المتطورة تكنولوجيا في زمن العولمة المعسكرة بزعامة أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي . بل وأسقطت مشاريعهم وعلى رأسها مشروعي الشرق الأوسط الكبير الذي سقط بفعل المقاومة الوطنية العراقية الصامدة ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سقط بفعل المقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة حزب الله وبزعامة السيد حسن نصرالله حيث مني العدو الصهيوني بهزيمة عسكرية مذلة و نكراء في العتاد والأرواح ولطخ جنود حزب الله أنف ما يسمى بجيش النخبة الصهيوني في التراب وفي الوحل في الحرب العدوانية الأخيرة في صائفة 2006 حيث انتصرت المقاومة انتصارا تاريخيا . وها نحن نحتفل بالمناسبة بالذكرى الرابعة لانتصارها في تموز 2010 لنستلهم منها المعاني والعبر لشحذ الهمم وتأكيد العزم والاصرار على التحرير الكامل وصد العدوان بارادة قوية وعزيمة صلبة كلها أمل في النصر وسحق لأعداء الأمة وتعريتهم وكشف وفضح كل الأنظمة العربية الرجعية المتواطئة معه والتي تسير في ركابه . الا أن الذكرى الرابعة للاحتفال بالنصر والصمود في وجه العدو الصهيوني لهذه السنة أي في سنة 2010 ليست ككل سنة وليست ككل سابقاتها اذ أنها تجيء في ظل أجواء تدق فيها طبول الحرب وفي ظل اتهامات خطيرة لسوريا ولبنان على حماية حزب الله ومساعدته سرا في تهريب السلاح وفي ظل وضع مشحون ومتفجر على الحدود مع لبنان بالمحاولات المتتالية في اختراق لمجاله الجوي والبري . ومن نافلة القول التذكيربأن العدو الصهيوني اذا أراد شن حرب عدوانية على الأمة لايحتاج الى مبررات ولا الى أسباب فلعله هو الذي يخلق الذرائع تلو الذرائع ويصنع كل الحجج الواهية لتحرشاته العسكرية واعتداآته المتكررة والمستمرة على كل من فلسطين ولبنان. وفي هذه المرة هاهو يخلق ذريعة شجرة على الحدود داخل لبنان قرب الخط الأزرق في قرية العديسة تحت تعلة أن هذه الشجرة الكثيفة تعطل مراقبته للحدود .وبنا ء على تلك الذريغة السخيفة تجاوز الحدود الوطنية للبنان ودخل الجيش الصهيوني يقتلع الشجرة في محاولة منه يائسة لاستفزاز حزب الله وجره الى المعركة . لكن كان الجيش الوطني اللبناني هذه المرة على الخط وسباق اذ سرعان ما كان جاهزا لرد الفعل . وهكذا يفاجىء الجيش الصهيوني بالتصدي الشجاع والجريء للجيش الوطني اللبناني الذي كان في الموعد من أجل الدفاع عن حرمة لبنان وسيادته واستقلاله . وهكذا كانت الرسالة التي بعث بها الجيش اللبناني بمناسبة الذكرى الرابعة لانتصار المقاومة فيها العديد من المعاني والرموز التي تدل على وطنيته واستعداده المبدئي والفعلي في الدفاع عن أرض الوطن وعن كل شبر من أرضه وعدم التساهل مع العدو في اختراق الحدود واعتبار ذلك خط أحمر لا يمكن التنازل عنه من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية للبنان وعدم التفريط في أي ذرة تراب والتسامح مع الجيش الصهيوني . وفي هذا الموقف الوطني التاريخي الذي مارسه الجيش اللبناني درس للعدو الصهيوني أولا ولأمريكا ثانيا ولبعض الأطراف في الداخل اللبناني ثالثا وللرجعية العربية رابعا . كما أنه يعتبر أكبر رسالة يبعث بها الجيش بعد الحرب العدوانية الأخيرة والانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة الوطنية بقيادة حزب الله حيث أسندت للجيش اللبناني مهمة حماية القرار1701 لوقف اطلاق النار. وفي الختام نقول فاذا كان مبرر العدو الصهيوني هو قطع الشجرة التي عطلت حسب زعمه مراقبته للأراضي الواقعة في الجنوب اللبناني لمعرفة مدى جاهزية الجيش على رد الفعل فهاهو استبسال واستماتة الجيش الوطني في التصدي للعدو يفاجئه أولا ويثبت له ثانيا بأن ولاء الجيش اللبناني هو أولا وأخيرا للوطن . ألا يصح وصف تلك الشجرة الكثيفة التي ادعى العدو أنها أفسدت عليه المراقبة و أزعجته بحراستها للحدود الوطنية على طريقتها بأنها شجرة مقاومة أو بالأحرى هي تسند وتدعم المقاومة . ألا يمكن بهاته الطريقة أن ينخرط الحجر والشجر والصخور الواقفة بشموخها على طول الحدود في الدفاع عن حرمة الوطن وسيادته ؟ والجواب يأتي من لبنان المقاومة والصمود أيضا فهاهي الشجرة العالية التي تعلمت كيف تقاوم لا يغمض لها جفن تحرس البلد وتدافع عن التراب الوطني بكل كبرياء وتحد . وهكذا يصح قولنا : و الشجر في لبنان يقاوم أيضا . مقالة بتاريخ :14 آب \أغسطس \أوت 2010