فيما يتطلع أكثر من 25 مليون عراقي لمعالجة معضلة انقطاع الكهرباء في عز الصيف. وفي شهر الصيام وبينما يتابعون حلمهم بتوفر حد أدنى من الاستقرار الأمني يسمح بإعادة بناء ما دمرته الحروب، تتواصل الصراعات حول تشكيل قائمة الحكومة العراقية داخل البلاد وخارجها وفيما تستعد غالبية القوات الأمريكية للانسحاب قبل موفى الشهر الحالي تنفيذا لتعهدات الرئيس باراك أوباما قبل الانتخابات تكثفت التحركات الأمريكية والإقليمية والعراقية لمحاولة إخراج العراق من عنق الزجاجة، وإقناع الأطراف السياسية المؤثرة ب حل وفاقي يدعمه بالخصوص فريقا نوري المالكي وإياد علاوي والزعامات الكردية والقيادات السنية. من خلال سلسة من المقابلات أجرتها الصباح مع عدد من المسؤولين والشخصيات العراقية على هامش ندوة علمية سياسية دولية في العاصمة اليونانية أثينا يتضح أن أغلب الرموز السياسية العراقية باتت تبحث عن الخروج من مأزق ما بعد الانتخابات البرلمانية التي نظمت قبل حوالي نصف عام كامل ..ولم يتمكن الفرقاء بعدها من الاتفاق على إسم شخصية تكلف برئاسة الحكومة الجديدة، رغم دقة الموقف الأمني وتعاقب التفجيرات والأعمال الدامية، واستفحال معضلات البطالة ونقص الكهرباء والماء الصالح للشراب والأدوية، وبالرغم من اقتراب الموعد الذي حددته الإدارة الأمريكية لسحب غالبية قواتها من العراق أي موفى الشهر الجاري. حكومة برأسين؟ مستشار الأمن القومي العراقي بالنيابة السيد صفاء حسين الشيخ اعتبر في تصريح للصباح أن Œالأوضاع ليست كارثية في كل المجالات في العراق بخلاف ما تصوره عديد وسائل الإعلام والتقارير السياسية العربية الدولية، وقلل مخاطبنا خاصة من تهويل بعض الجهات لتدهور الأوضاع الأمنية في العراق، لكنه سجل أن تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت بات متأكدا ومن الأرجح أن يحسم ملف تشكيلة الحكومة في أقرب وقت، سواء عبر إجماع حول نوع من الحكومة الائتلافية تضمن إعادة تعيين السيد نوري المالكي وإعطاء صلاحيات واسعة إلى السيد إياد علاوي (وهو ما يعني تشكيل حكومة برأسين)، أو عبر تعيين شخصية ثالثة برئاسة الحكومة.. ورجح مخاطبنا حسم ملف تشكيلة الحكومة خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة، أي على هامش انسحاب القوات الأمريكية من العراق المقرر لموفى الشهر الجاري.. رئيس شيعي ب "جبة سنية" في المقابل لا يستبعد عدد من الخبراء العراقيين بينهم السيد بختيار أمين وزير حقوق الانسان سابقا والخبير الكردستاني المعروف أن تحسم قضية رئاسة الحكومة وتوزيع الحقائب والمناصب قبل الانسحاب الامريكي من العراق، وفي كل الحالات قبل موفى الشهر الجاري، لكن مع ضمان إسناد رئاسة الوزراء إلى شخصية شيعية ترضى عنها في نفس الوقت إيران والسعودية ومصر والولايات المتحدةالامريكية، أي أن رئيس الحكومة القادم سيكون على الأرجح شيعيا بجبة سنية وهي الصيغة التي كانت تسند إلى السيد إياد علاوي، الشيعي العلماني الذي حصل خلال الحملة الانتخابية على دعم خليجي مصري أمريكي، ثم ربط بدوره خيوطا جديدة مع طهران ومع القوى السياسية العراقية الأكثر ولاء لها والتي يحارب بعضها منذ سنوات خصمه السيد علاوي انسحاب رمزي؟ في المقابل اعتبر الجامعي العراقي السني محسن الرشيد أن شخصية ثالثة قد تكلف بتشكيل الحكومة، بينها السيد عادل عبد المهدي أو نائب الرئيس طارق الهاشمي وفي كل الحالات لا بد لهذه الشخصية أن تحصل على دعم من السنة والشيعة والأكراد في نفس الوقت ومن طهران والرياض وواشنطن معا، أي انه لا بديل في كل الحالات عن الجمع بين الجبة السنية والعباءة الشيعية والحزام الكردستاني على حد تعبير الجامعي العراقي حسين الشيخ.. لكن مخاطبنا على غرار عدد من الخبراء العراقيين الآخرين مثل السيدة هدى الحبيبي والمهندس نواف الأحمدي قللوا من أهمية مثل هذه المبادرات وغيرها، ومن جدية ما يقال عن الانسحاب الامريكي من العراق لأن الانسحاب سيكون رمزيا ومجرد خطوة إعلامية موجهة إلى الناخب الامريكي الذي صوت لفائدة تعهدات أوباما، ولفائدة سحب القوات الامريكية من العراق هذه الصائفة ومن أفغانستان العام القادم، وهي تعهدات باتت مهددة، لأن بغداد وكثيرا من المدن العراقية قد تشتعل في صورة انسحاب القوات الامريكية قولا وفعلا، وهو ما يعني أن الانسحاب الامريكي لن يؤدي إلى اعادة الاعتبار للمكانة المهزوزة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط والعالم عموما، لأن أوضاع العراق الامنية والاقتصادية والمعيشية أسوأ مما كانت عليه عام 2003 في كل الحالات.. وحسب مصادر أخرى فإن من بين السيناريوهات الجديدة الواردة في المشاريع الامريكية والكردية والحزبية المتفرقة الابقاء على المالكي رئيسا للحكومة مع الحد من صلاحياته وإحداث منصب رئيس مجلس الامن الوطني يسند إلى السيد إياد علاوي، وهو منصب ستعطى له صلاحيات أمنية وسياسية تنفيذية واسعة ..كان أغلبها مسندا إلى رئيس الوزراء.. نفوذ طهران.. القواعد أمريكية وفي كل الحالات فإن مغادرة القوات الأمريكية المقاتلة العراق موفى الشهر الجاري ستكون رمزية لإيهام ب قطع إدارة أوباما مع كل ميراث الادارة الامريكية السابقة بزعامة بوش وديك تشيني ورامسفيلد ورايس. وحسب المعطيات الاولية فإن ستة ألوية امريكية في 94 قاعدة عسكرية خارجة المدن ستبقى في العراق في وقت تضاعف فيه التأثير الامني والسياسي والاقتصادي على القوات الايرانية والميليشيات الموالية لها بشكل غير مسبوق ولانهائي حسبما أورده المبعوث العربي والاممي الأسبق في العراق السفير المغربي المختار لماني في حديث للصباح.. وإذا تأكد هذا السيناريو واستمرت سلبية السلطات العراقية الممزقة سياسيا وأمنيا وتعمقت التناقضات بين واشنطنوطهران، فإن العراق قد يكون مقبلا على مرحلة أشد قتامة تستفحل فيها المذابح والتفجيرات والاغتيالات وتتعمق فيها معاناة ملايين العراقيين المحرومين من الماء الصالح للشرب والكهرباء والشغل والمسكن اللائقين. كمال بن يونس الصباح التونسية الثلاثاء 17 أوت 2010