تستعد الحكومة السويسرية لعقد اجتماع خاص يوم الأربعاء 18 أغسطس، لمناقشة إستراتيجيتها بخصوص مستقبل العلاقات بين الكنفدرالية والإتحاد الأوروبي. ويأتي هذا الاجتماع بعد مرور شهر على إبلاغ زعماء الإتحاد للرئيسة السويسرية دوريس لويْتهارد، أن عصر الاتفاقيات الثنائية المفصلة على المقاس مع الأعضاء ال 27، يقترب من نهايته بعد مرور أكثر من عشرية على انطلاقته. وقد اتفق الجانبان على القيام بمراجعة للعلاقات في غضون الأشهر القليلة القادمة، مع إمكانية التوجّه إلى إطلاق مفاوضات حول اتفاق إطاري شامل. على صعيد آخر، تحدّثت تقارير عن احتمال تقديم سويسرا لموارد مالية إضافية إلى الإتحاد الأوروبي، كجزء من الجهود الرامية إلى تقليص الفوارق الإجتماعية والإقتصادية داخل بلدان الإتحاد وخاصة في شرق القارة. وكانت برن وبروكسل قد توصّلتا إلى إبرام حوالي 20 اتفاقية ثنائية كبرى و100 اتفاق ثانوي إضافي، لكن بمرور الوقت، تحوّلت إدارة وملاءمة الاتفاقيات، التي تغطّي العديد من المجالات الحيوية، إلى عملية شديدة التعقيد والصعوبة، لذلك، فإن مِحور النقاش يتركّز اليوم على مسألة الاعتماد الآلي للتشريعات الأوروبية من طرف سويسرا وعلى إنشاء محكمة تُعنى بحلّ الخلافات بين الطرفين. في عام 1992، رفض الناخبون السويسريون بأغلبية ضئيلة، انضمام بلادهم إلى المجال الإقتصادي الأوروبي، وهي مرحلة تأتي في منتصف الطريق المؤدّي إلى العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. هذا القرار، طبع علاقات سويسرا مع أهمّ شريك تجاري لها منذ ذلك الحين، واعتُبر ركْنا أساسيا (في السياسة الخارجية للبلاد) من طرف حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) بقيادة زعيمه الكاريزمي كريستوف بلوخر. في الأعوام الأخيرة، تراجع النقاش العمومي حول دور سويسرا في أوروبا بل اختفى بشكل شِبه تام من عناوين الأخبار، في ظلّ تمسّك جميع الأطراف داخل الكنفدرالية بمواقفها، لكن الحكومة كررت دائما، أن نهج الإتفاقيات الثنائية هو الخيار الوحيد المتاح، مضيفة بأن هذه السياسة مُنحت تأييدا متجددا من طرف الناخبين في ست اقتراعات وطنية أجريت في سويسرا منذ عام 1997. انشغالات عشية انعقاد اجتماع الحكومة المرتقب، عبّرت كل من مجموعة الضغط المعروفة باسم "الحركة الأوروبية السويسرية الجديدة"، المؤيدة للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، والمجموعة المناقضة لها، وهي "الحملة من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة"، عن مشاعر تشي بالإنشغال. ويقول هانس فيهر، مدير "الحملة من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة": "إنني أخشى أن تستغلّ الحكومة، المحدودية المزعومة للاتفاقيات الثنائية، لتقترح بدلا من ذلك المضي قُدُما باتِّجاه المجال الاقتصادي الأوروبي، الذي ليس سوى مقدِّمة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي". وأضاف فيهر أن منظمته ستصعِّد الكفاح من أجل استقلال سويسرا، كما اتّهم الحكومة بفِقدان "القدرة على الدفاع عن مصالح البلاد". في المقابل، يوجد شعور قوي لدى "الحركة الأوروبية السويسرية الجديدة"، بأن الحكومة لن تكون لها الشجاعة لاقتراح علاقات أوثق مع بروكسل. ويقول ميكائيل فوشت، رئيس الحركة "إننا نخشى أن تتمثل أولوية الحكومة، على المدى المتوسط، في مواصلة العمل بالإتفاقيات الثنائية". ويرى فوشت أن الحكومة قد لا تتوفّر على الشجاعة الكافية، لاستخلاص النتائج الصحيحة من الجمود القائم (في العلاقة) مع الاتحاد الأوروبي، ومن المحتمل جدا أن يكون انشغالها منصبّا بالأساس على احتمال عدم موافقة المواطنين على إحداث تغيير في سياستها الأوروبية. مناقشات وتأجيل ويقول مراقبون، إن الحكومة قد تختار أيضا إطلاق نقاش داخلي حول الموضوع هذا الأسبوع أو مراعاة الأوضاع القائمة وتأجيل اتخاذ القرار لبضعة أسابيع. ويقول ديتر فرايبورغهاوس، الخبير في الشؤون الأوروبية: "من الممكن أن تقول الحكومة إنها تحتاج إلى المزيد من الوقت، للتعمّق في بحث الوضع". من جهته، صرّح جورج لوتس، خبير العلوم السياسية في جامعة لوزان، أنه سيفاجأ إذا ما اتخذت الحكومة موقفا واضحا، وتوقّع أن الأمر سيحتاج إلى "القراءة بانتباه شديد بين السطور، لمعرفة ما الذي تريد الحكومة إنجازه فعلا". وقال لوتس: "إن الحكومة قد تختار الحل السهل من خلال الإعلان بأنها تدرُس جميع الخيارات. ومن الممكن أيضا أن تُعلن عن خيارات محددة تريد النظر فيها". ولم يستبعِد الخبير في الشؤون السياسية، أن تتقدم الحكومة باقتراح لإجراء تصويت جديد، حول المعاهدة الخاصة بالمجال الإقتصادي الأوروبي أو حول اتفاق إطاري ما مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنه استبعد تماما إقدامها على طرح خيار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، باعتباره "انتحارا سياسيا"، على حد قوله. الخبير جورج لوتس قال أيضا: "إن الحكومة قد تكون متردِّدة بشأن اتخاذ موقف، لأن بعض الأحزاب والمنظمات لم تشكِّل بعدُ رؤية واضحة بخصوص الإندماج الأوروبي، وربّما أيضا بسبب المخاوف من إمكانية استغلال اليمين الشعبوي، لأي تغيير في التوجّه نحو الاتحاد الأوروبي في حملته الإنتخابية، التي تسبِق الانتخابات البرلمانية العام المقبل (أكتوبر 2011)". أورس غايزر – swissinfo.ch (ترجمه وعالجه: كمال الضيف)