بأيّ مسجد تمر في سراييفو, أو في أي من المدن الأخرى, قبل صلاة الظهر، أو بين العصر، والمغرب, أو قبل السحور، إلا ويرقى إلى مسمعك أصوات مختلفة, ترتل القرآن ترتيلًا. وعند صلاة المغرب في أي مسجد كنت تسمع الهمسات عن أماكن الإفطار الجماعية, ومن سيقدم الدروس الرمضانية من الدعاة المشهورين وغيرهم. شبكة "الإسلام اليوم" رصدت طرفًا من ذلك الحراك الرمضاني البوسنوي, لتنقله لقرائها, فالعود لا يشتعل إلا بأخيه, والمؤمن مرآة أخيه, وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته. والحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها, أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ديدن المؤمنين في رمضان هذا ديدن المؤمنين في رمضان, صوم, وقيام, وعمل صالح يتقرب به إلى الله تعالى. وقال فضيلة الشيخ عصمت سباهيتش (نائب رئيس العلماء) في خطبة أول الجمعة في الشهر الفضيل: "رمضان يطهرنا, كما تطهرنا الصلاة, ويطهرنا الحج, وتطهرنا الزكاة, والصدقة, والحسنات, قال تعالى: "الحسنات يذهبن السيئات", وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر). وتابع: "شهر رمضان المبارك يهيّئنا بالزاد للاستمرار, لأن الكثيرين لا يؤدون النوافل والسنن ومختلف أصناف العبادات كما يفعلون في رمضان". وأشار الشيخ معمر زوكارليتش (المفتي العام في صربيا), إلى البعد التحرري لرمضان, ليس على مستوى الانتصار للروح على رغبات الجسد, والتزوُّد من رمضان بطاقة روحية يستعان بها على كدح الإنسان في الحياة نحو ربّه, ونحو نفسه, وأسرته, ومجتمعه, والإنسانية فحسب, بل من أجل حصول المسلمين في صربيا على حقوقهم, والتحرُّر من الخوف والفقر, وخوض المعركة من أجل الحرية. ودعا المسلمين, ليكون رمضان "عامل قرب ومصالحة بين المسلمين, فمن لا يلين قلبه في هذا الشهر, ويفتح للخير وحب الغير, وترك الضغينة والكراهية, يحتاج لمراجعة نفسه, ومحاكمة نفسه لإيمانه, ليعرف في أي طريق هو سائر, وكم هو عن سبيل المؤمنين, وعلى الطريق المستقيم, هو مُبْعَد". وأضاف المفتي العام في صربيا: "رمضان هذا العام, ننتظر المعركة من أجل الحرية, والعدالة, والاحترام, فالإسلام يعلمنا أيضًا أن نكون عادلين, و أن لا نرضى بالذل والهوان المخالفين لكرامة الإنسان", ودعا المسلمين في صربيا للتضامن والوحدة, ومواجهة التهديدات التي يتعرضون لها, وفي مقدمتها الكراهية السياسية والدينية التي ازدادت في المدة الأخيرة. تجديد الروح أما الداعية المعروف, الحافظ, سليمان بوجاري, والذي صدرت له العديد من الكتب الإسلامية, فقد قال: "إنّ رمضان "يجدد الروح, بمعنى يزيل ما ران عليها, كما قال تعالى: "بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون". وتابع: "رمضان يزيل الغبار عن الروح, وعن النفس البشرية, بل إن رمضان علاج للروح, ولا سيما تلك التي تظلّ طوال العام هزيلة تعانِي أمراض الروح, وقلة الغذاء الروحي, فمشاكل الإنسان المعاصر, تفرض عليه الكثير من الضغوط, فيأتِي رمضان ليقلل من أهمية الحرص الزائد على المال, أو الاهتمام بالمظاهر الفارغة, وطبعًا لا يتأتَى هذا سوى لمن يعظم شعائر الله, ويصوم رمضان إيمانًا واحتسابًا, حيث إن الأدوية الخاصة بالإنسان لا تفيد بقية المخلوقات الأخرى, وكذلك الأدوية الروحية المخصصة للمؤمنين قد لا تفيد غيرهم". ودعا بوجاري والذي يعرف أيضًا ب"عمرو خالد البوسنة" إلى جعل "رمضان توقيت سنوي مهم لإجراء المراجعات الذاتية, لعام مضى, ما ارتكب فيه, وما جناه الإنسان من خير وشر, وما يمكن أن يغفر بصوم رمضان, وما يحتاج لتوبة نصوح, وإجراءات خاصة للتخلص من الذنوب التي لا تمحوها الصلاة والجمعة ورمضان وهي الكبائر". كما دعا المسلمين لتحقيق النصر الذي يكمن في القدرة على استمرار الوعي بمراقبة الله تعالى, واليقين بلقائه لكشف الحساب أمامه سبحانه, وقال: إنّ "الجوع والعطش ليس لتذكر المحرومين فقط, بل تذكير للإنسان بيوم طويل مدته 50 ألف سنة, لا يكون فيها قادرًا على الأكل والشرب بمحض إرادته, وإنما بما يسمح به الرحمن, سبحانه وتعالى, لذلك الصوم من أجل الشعور بالذات قبل الشعور بعذابات الآخرين". محاربة الفقر في رمضان وإلى جانب العبادات في البيوت والمساجد, يحظى النشاط الاجتماعي في البوسنة, بأهمية كبرى حيث تنظم المشيخة الإسلامية, عددًا من موائد الإفطار الجماعية. وهو أمر ليس جديد في حد ذاته هذا العام (1431/2010) ولكن الجديد فيه, السماح لفقراء الأديان الأخرى, كالكاثوليكية, والأرثوذكسية, بمشاركة المسلمين إفطارهم الجماعي, وذلك لأول مرة في تاريخ البوسنة. وتقوم المشيخة الإسلامية بتنظيم هذه الموائد بالتعاون مع المطابخ الشعبية في سراييفو, وغيرها من المدن البوسنية, حيث لا يفرق الإسلام بين الحاجة المادية والروحية للإنسان, ومملكته في الأرض كما هي في السماء. وأشارت المشيخة الإسلامية في بيان لها أنّ "الإسلام يحارب الفقر, كما يحارب المظاهر غير الأخلاقية, لوجود علاقة في أغلب الأحيان بين الاثنين", وأنْ "لا يجب السماح بوجود إنسان جائع بقطع النظر عن دينه أو جنسه, لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما آمَن مَن بات شبعان وجاره جائع), ولم يقل ومسلم بجواره جائع, وإنما كان الخطاب بصيغة إنسانية بحتة". وقالت العمة, زليخة, كما يدعونها في سراييفو: إنَّ "الإفطارات التي تُعَدّ بالمئات يوميًّا, لا تقتصر على سراييفو فحسب, بل تشمل مختلف الضواحي والمدن الأخرى. ومن ضواحي سراييفو, اليجا, والياش, وحاجيتش, وهراسنيتسا. إلى جانب مدن مثل بنيالوكا, وزينتسا, وفيشي غراد, وجوراجدة, وموستار, وتوزلا, وغيرها. وتابعت: "ليس الفقراء فقط من يستفيدون من المطبخ الشعبي, بل المرضى والمتقاعدون مِمّن لا يجدون من يطبخ لهم, أو لا يستطيعون ممارسة الطبخ لأسباب العجز والهرم" وتقوم المشيخة بتوزيع سلال رمضانية تزن الواحدة 44 كيلو جرامًا من المواد الغذائية الأساسية لإعداد وجبات رمضانية لعدة أيام. وقد زار رئيس العلماء في البوسنة الشيخ مصطفى تسيريتش, المطبخ الشعبِي، وقدم تبرعات شخصية وأخرى باسم المشيخة الإسلامية لصالح المسلمين الصائمين والفقراء عمومًا, دعمًا لجهود المطبخ الشعبي الذي يقوم على التبرعات, ويوزع وجبات مجانية في رمضان, وفي سائر الأيام. مشاركات من خارج البوسنة حتّى البوسنيين الذين يعيشون في الخارج لم ينسوا شعبهم, فنظموا أنفسهم وجمعوا التبرعات لإقامة الإفطارات الجماعية للمسلمين المنسيين في سريبرينتشا, وغيرها من الأماكن التي تخضع للإدارة الصربية في البوسنة. ومن ذلك تنظيم البوشناق المسلمين في تركيا إفطارات جماعية ل1500 شخص في سريبرينتشا يوم الجمعة الثالث من رمضان. حيث تَمّ إعداد الطبخ قرب مقبرة الشهداء في بلوتتشاري, وألقى إمام سريبرينتشا الشيخ دامر بيشتاليتش, درس بهذه المناسبة. وتزامن مع ذلك وجود وفد طبي تركي قدم خصيصًا للإقامة في سريبرينتشا بعض الوقت لمعالجة المرضى من السكان, بعد صلاة التروايح من كل يوم. الاسلام اليوم