ماهي إلا أيام قلائل، ويحل علينا ضيف عزيز كريم، وشهر مبارك معظم. شهر الخير والإحسان، شهر البر والعفو والمغفرة والإحسان.. شهر ينتظره المؤمنون الصادقون بلهفة وشوق، ويتطلعون إلى لياليه وأيامه بحب وحنين، كيف لا وهو كما أخبر ربنا سبحانه وتعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" وبشرنا حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام بما فيه من عظم المبرات والمسرات والأجر في الدنيا والآخرة فقال عليه الصلاة والسلام: "لو تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان" . ففي رمضان يصح البدن ويتعافى من كثير من الأدران حيث يستهلك الصائم المخزون الفائض من الدهون والسكريات التي علقت في أنحاء الجسد على مدى عام كامل كما يطرح العديد من السموم التي لا يتاح له التخلص منها إلا في حالة الصيام ويتخلص من عادات وإدمانات لا يستطيع تركها إلا في رمضان، وقد أخبرنا عن هذا حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام حيث قال: "صوموا تصحوا" وفي رمضان يعتدل مزاج الصائم المتأدب بآداب الصيام النفسي والخلقي حيث لا رفث ولا فسوق ولا عصيان وبالتالي لا توتر ولا ضيق ولا ضجر بل هدوء وسكون واطمئنان حتى ولو استفزه أحد أو أغضبه أو حتى لو شتمه فيكون حاله وجوابه دائما "اللهم إني صائم. اللهم إني صائم" مع استشعار الأجر العظيم والخير العميم في ذلك.. بل يتعدى ذلك إلى أن يعفو الصائم ويسامح لما يتمتع به من سمو روحه عمن ظلمه، وأساء إليه ويصل حتى من قطعه. وفي رمضان تزداد همة المسلم ويشتد نشاطه ودأبه وعمله بل تراه أكثر إبداعا في رمضان عما سواه من الشهور ويشعر كل من حوله أنه متألق حيوية ونشاطا وإبداعا وعملا.. بل إنّ حماسه وإقدامه على العمل يزداد فلا يترك واجباته لغيره بل يساعد غيره في واجباته وأعماله يعمل كل ذلك طمعا في الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى ولا يدع لأحد أن يقول: أنظروا إلى المسلمين كم يكثر خمولهم وكسلهم ونومهم وغيابهم عن العمل أو الدراسة في رمضان فيكثر سؤال الآخرين متى ينتهي رمضان؟؟ فيكون بذلك فد شوه صورة رمضان. وفي رمضان تجتمع العائلة ويزدلد أفرادها حبا وألفة ويعوضون عما فقدوه من التواصل أثناء العام.. يجتمعون على موائد السحور والإفطار ويتناولون بغير إسراف ما أعدت لهم ربة البيت من أطعمة رمضان الشهية اللذيذة. وفي الدانمرك تتألّق المساجد في رمضان وتعمر بالمصلين وتكثر فيها حلقات القرآن ويتسابق المسلمون في عدد الختمات مع خشوع وعبرة وتدبر. وتستضيف الدعاة والعلماء والقراء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ليتحفوا المصلين الصائمين بتلاواتهم الرقيقة ومواعظهم المؤثرة وعلومهم العالية.. كما تكثر فيها الإفطارات الجماعية فتجتمع القلوب المؤمنة وتتجلى الأخوة الإسلامية في أكمل صورها ويتقابل الناس فيها عند الغروب تقابل الأحبة على معرفة أو غير معرفة متقدمة فيتساءلون ويتحدثون ويتبادلون المودة والمحبة والصلة ثم يتسابقون في تقديم التمر وما أعد لهم من أطايب الطعام ويختموا ليلتهم المباركة بالقيام والدعاء. وتتهيأ المحلات لرمضان. وتستورد له كل لوازمه من تمر وزبيب وقمر الدين وخبز رمضان المطعم بالسمسم والحبة السوداء ويزدحم فيها المتسوقون لشراء حاجاتهم ولوازمهم الرمضانية على اختلافها وتنوعها فأهل المغرب يبدؤون "بالحريرة" ويختتمون "بالكسكس" بأنواعه المختلفة الشهية وأهل المشرق يحبون "الفول المدمس" أو "الفتوش" يقلبون "المقلوبة" ويشوون أو يقلون أو يدعون "الكبة" ويحشون "المحشي" ويلفون "ورق العنب أو اليبرأ أو الضولمة" على اختلاف أسمائها وكل هذا يضفي على رمضان في الدانمرك رونق خاص وألفة وبهجة ومتعة وسرور ومحبة وحبورا وجمالا متنوعا.. فأهلا وسهلا ومرحبا بالضيف الكريم.. أهلا وسهلا ومرحبا بخير الشهور شهر رمضان المبارك في الدانمرك وفي جميع أنحاء العالم...
اللهم أهل علينا رمضان باليمن والإيمان والسلامة والإسلام.. هلال خير ورشد.. ربي وربك الله.
د.جهاد عبد العليم الفرا الدّنمارك في 01 أغسطس 2010