الإدارة الجهوية للصحة بالكاف: قريبا يتحول قسم الاشعة إلى قسم جامعي    فرنسا.. مدينة نيم تفرض حظر تجوال على القاصرين    مساعدو ترامب يسعون للإفراج عن وثائق هيئة المحلفين بقضية إبستين    تعاون تونسي-جزائري لمواجهة تحديات النقل وتغير المناخ    وزارة التجهيز: غلق وقتي لجزء من الطريق الجهوية رقم 36 للقادمين من تونس    لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان تستمع إلى ممثلين عن وزارة الداخلية حول مقترح قانون    مع النفاذ العاجل .. 12 سنة سجنا ل«ر.م.ع» سابق بشركة الحلفاء    أخبار النادي الصفاقسي: «كانتي» في تنزانيا وقريبا رفع العقوبات    اتصالات تونس تجدّد شراكتها مع النادي الرياضي الصفاقسي... التزام متجدد لخدمة الجماهير ودعم الرياضة التونسية    الجمهور يطالب بفرض الانضباط: هل يُعاقب الترجي نجومه «المُتمرّدة »؟    تاريخ الخيانات السياسية (19) الرّاوندية يتخذون المنصور إلاها    الشيخ العلامة يونس بن عبد الرحيم التليلي (فريانة) .. موسوعة علوم ومعارف عصره    استراحة صيفية    اتفاق تونسي - عراقي لتصدير الأدوية ونقل تكنولوجيا التصنيع    مهرجان الفسقية الدولي في دورته الرابعة... من اجل بعث الحياة في المدينة    بطولة افريقيا لالعاب القوى (الناشئين و الناشئات): غفران لحمادي تتحصل على الميدالية الفضية في رمي القرص    تخريب واعتداءات متواصلة... النقل العمومي تحت التهديد    وزير الشؤون الاجتماعية يوضّح موقف الوزارة من منظومة أمان وملف المناولة وصندوق البطالة والسكن الاجتماعي    الدورة الأولى للبرنامج الجهوي للرفاه الاجتماعي وأنماط العيش السليم بمشاركة أكثر من ألف شاب وشابة    الستاغ تضع حزمة اجراءات جديدة لتسريع دراسة وربط محطات الطاقة الشمسية الفولطاضوئية    وزارة التجارة: خبر الألياف يتطلّب خطّة.. #خبر_عاجل    قابس: السيطرة مستودع العجلات المطاطية المستعملة ببوشمة    عاجل/ بعد غياب طويل: كلمة مصورة لأبو عبيدة.. وهذا ما جاء يها    التنس: البيلاروسية سابالينكا تنسحب من بطولة مونتريال بسبب الارهاق    بعد حملة تلقيح واسعة: خطر الجلد العقدي يتراجع في الكاف    وزارة الفلاحة تعلن عن فتح موسم جني الحلفاء في هذا الموعد    لطيفة العرفاوي حول حفلها في عيد الجمهورية: "هذا شرف لي"..    10 روائح...التونسي يعرفها من بعيد    عاجل/ الكشف عن موقع عسكري اسرائيلي سرّي في غزّة    حفلة تتحوّل لكابوس بسبب سقف: رزان مغربي تصاب إصابة خطيرة    رقدت لباس؟ يمكن السر في صوت المروحة    6 أعشاب يمكنك زراعتها بسهولة في الصيف...حتى في الشباك!    كرة اليد: منتخب الكبريات يشرع في التحضير لبطولة العالم بتربص في الحمامات من 21 الى 25 جويلية    زغوان: تقدم موسم حصاد الحبوب بحوالي 98 بالمائة    مهرجان قرطاج 2025: انتقادات قبل الانطلاق وسجالات حول البرمجة وسط تطلع لتدارك العثرات    الموسيقار محمد القرفي يفتتح الدورة 59 من مهرجان قرطاج بعرض "من قاع الخابية": تحية للأصالة برؤية سمفونية معاصرة    باريس ....تحتفي بالشاعر الجليدي العويني    عاجل/ موجة حرّ متوقعة آخر هذا الأسبوع و الأسبوع القادم.. أهم مميزاتها والتفاصيل..    القرآن والتنمية الذاتية: 10 آيات تغيّر الحياة    الجامعة العامة للتعليم الأساسي تطالب بالتعجيل بفتح حوار جدّي ومسؤول مع وزارة التربية    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصادق على استثمارات ومشاريع لفائدة ولايتي نابل وقابس بقيمة 19،1 مليون دينار    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بداية من يوم غد السبت    30٪ من الناجحين يرسبون في أوّل عام جامعي... علاش؟    في سهرة مشتركة على ركح الحمامات: "سوداني" و"جذب" يحلّقان بالجمهور بجناحي البوب والإنشاد الصوفي    حفل كولدبلاي في بوسطن يفضح علاقة سرية للملياردير آندي بايرون    قريبًا: التونسيون بالخارج يمكنهم التصريح بالعُملة عن بُعد..كيفاش    أستاذ تونسي يُفسّر ''ناقصات عقل ودين''    باريس سان جيرمان يتعاقد مع حارس المرمى الإيطالي ريناتو مارين ل 5 مواسم    عاجل/ البيت الأبيض يكشف الوضع الصحي لترامب..    معهد الرصد الجوي يؤكد أن شهر جوان 2025 كان أشد حرّا من المعتاد    محكوم بالسجن : ليلة القبض على بارون ترويج المخدرات في خزندار    إجراءات صحية يجب على ترامب اتباعها بعد تشخيصه ب"القصور الوريدي المزمن"    اليوم درجات حرارة عالية والشهيلي داخل على الخط    وزيرا الفلاحة والتجارة يشرفان على اجتماع لمتابعة وضعية تزويد السوق بالمنتجات الفلاحية ومواجهة الاحتكار    غزة.. عشرات الشهداء والجرحى وقصف يستهدف النازحين والمنازل والبنى التحتية    نقابة الصحفيين تنعى الصحفي يوسف الوسلاتي: وداعًا لأحد أعمدة الكلمة الحرة    موجة حر تضرب تونس خلال هذه الفترة... درجات الحرارة قد تصل إلى47°    مهرجان الحمامات الدولي: مسرحية "ام البلدان" تستعير الماضي لتتحدث عن الحاضر وعن بناء تونس بالأمس واليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد المهدي: "الشباب المصري افتقد العمل والأمل فأقدم على الإنتحار!"
نشر في الفجر نيوز يوم 05 - 10 - 2010

اعتبر الدكتور محمد عبد الفتاح المهدي، الخبير النفسي المصري وأستاذ الطب النفسي وعضو الجمعية الإسلامية العالمية للطب النفسي، أن "حالات ومحاولات الإنتحار، التي وقعت في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة، هي أقرب إلى كونها مظاهر اعتراض ورسائل غضب موجّهة إلى الحكومة والنظام الحاكم"، مشيرا إلى أن "الفقر والبطالة والعنوسة، أشهر دوافع الانتحار وأن انعدام الأمل وقلة الحيلة، أبرز عوامل الانتحار وأن الشباب المصري قد افتقد العمل والأمل، فأقدم على الانتحار".
لخّص الدكتور المهدي، عضو الجمعية المصرية للطب النفسي ومستشار التحرير بمجلة "النفس المطمئِنة"، الوصفة العلاجية للقضاء على أو التقليل من ظاهرة الانتحار في "تحقيق العدالة من خلال التوزيع الجيد للثروة، فتقل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وإعادة قِيم التراحم والمساندة والدّعم والتكافل، فتقوى شبكة الأمان الاجتماعي، فضلا عن ضرورة السّعي لإعادة القيم الإسلامية الأساسية"، مشددا على "أهمية تنمية الوعْي الثقافي لدى العامة بأمراض الإكتئاب والإنفصام والإدمان والقلق"، ومحذرا "الشباب والفتيات من تسلّل اليأس إلى نفوسهم".
المزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي:
اسمح لي في البداية أن أسألك: كيف يقنع الإنسان نفسه بقرار الانتحار؟!
د. محمد المهدي: هو يعتقد أن الألم سينتهي بعد لحظة الإنتحار وأنه سيتخلص من الصراعات والألم إلى الأبد، وأحيانا يفكِّر في أن الذهاب إلى الله أفضل من البقاء بين الناس وفي ظل هذه الظروف التي يعيشها. وأحيانا، يرى أنه سبب رئيسي في آلام الآخرين، فيقرر الإنسحاب من حياتهم بهدوء، وربما يقْدُم على الإنتحار ليَشعر ظالموه بأنهم السّبب في إنهاء حياته، فتؤنبهم ضمائرهم. وأحيانا، يتردد في تنفيذ القرار، فيستخدم أساليب أقلّ خطورة: كالحبوب أو محاولة قطع الشرايين، بدلا من الشَّنق وإطلاق الرصاص والحرْق بالنار، كما أن المتردّد يرغب في تحقيق هدفه من الانتحار دون تنفيذه..
وما هي عوامل الخطورة التي تجعل الإنسان عُرضة للانتحار؟
د. محمد المهدي: هناك عوامل كثيرة تجعل الإنسان عرضة للانتحار، وكل مجتمع له عوامله الخاصة، وكل شخص له دوافعه الخاصة، ورغم أن الإيمان حاجز قوي ضدّ الانتحار، لكن حينما يختلّ التوازن بين الرّغبة في الحياة والرّغبة في الموت، يتلاشى هذا الحاجز، ويظهر ذلك في حالات الإكتئاب الشديد. كما أن هناك عوامل خطيرة مثل: المرض النفسي، وخاصة الإكتئاب الحاد والانفصام والإدمان، وتتراوح نسب الإنتحار فيها بين 15 – 18%، فضلا عن ضعف شبكة الأمان الاجتماعي، إضافة إلى أن هناك أمران على درجة عالية من الخطورة، هما: قلة الحيلة وانعدام الأمل (اليأس)، Hopelessness and Helplessness)).
ولو أردنا تطبيق المعايير الدولية على العالم العربي، سنجد أن هناك تغيرات كثيرة حدثت، جعلت العديد من الدول العربية خارج حِزام الأمان للإنتحار، وهو أقل من 10 أشخاص لكل 100 ألف من السكان، كما أن هناك حِزام الخطر للإنتحار وهو من 25 – 40 شخص لكل 100 ألف، وهو موجود في الدول الاسكندنافية وأوروبا الشرقية وألمانيا واليابان.
وأين تقع مصر بين هذين الحزامين، حزام الأمان وحزام الخطر؟
د. محمد المهدي: شهدت مصر في السنوات الأخيرة تزايدا ملحوظا في معدّلات الانتحار، حتى أصبحت ظاهرة لافتة تستحِق التوقف والدراسة. ففي عام 2009، أقدم 114 ألف مصري على الإنتحار، نفّذ 5 آلاف منهم ما أقدموا عليه، وهذه النسبة تمثل 5 أضعاف ما كانت عليه في عام 2005.
وما الذي تقرأه في حالات أو محاولات الإنتحار التي وقعت بمصر في السنوات الخمس الأخيرة؟
د. محمد المهدي: المتابع، يلحظ أنها لم تكن محاولات انتحار بقدْر ما كانت محاولات لتوصيل رسائل شكوى من المجتمع وغضب من الحكومة، التي لم تمد له يَد العوْن لحلّ مشكلته، ولم تساعده للعيش في أمان بعيدًا عن المشكلات. ويبدو هذا واضحًا من اختيار المنتحِر للمكان (جسر قصر النيل/ جسر عباس/ ميدان عام/...)، والطريقة التي أنهى بها حياته (الشنق/ الغرق/ السم/ القفز من مكان مرتفع/....)، فكلها دلالات واضحة على أنها رسائل غضب ورفض.
والمتفحص لأغلب حالات الإنتحار، يجد أن الدافع وراءها إجمالا، هو اليأس وقلة الحيلة، سواء كان ذلك بسبب البطالة المتفشِّية في المجتمع أو العنوسة، التي أصبحت ظاهرة مُقلقة للفتيات، فضلا عن الفقر، الذي ضرب بجذوره في قلب الغالبية العُظمى للشعب المصري، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وتدني الخدمات والازدحام الشديد وارتفاع نسب التلوث، فضلا عن إهدار كرامة وآدمية الموطن.
حديثك يشير إلى أن الفقر مِن أبرز دوافع الإنتحار في العالم العربي. فلماذا تزداد هذه النِّسبة في دول الخليج العربي مثلا رغم حالة الثراء والوفرة؟
د. محمد المهدي: قُلتُ سابقًا، إن عوامل الخطورة تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. وفي الخليج، توجد عوامل خطورة، مُغايرة لتلك الموجودة في الدول العربية الفقيرة، فضلا عن أن الفقر هناك نِسبي، فليس الكل على درجة متساوية من الغِنى. ومن أبرز هذه العوامل: العجز عن تحقيق الرفاهية وتعاطي وانتشار المخدّرات بين الشباب والوحدة وافتقاد التواصل والتلاحم، وأيضا تغير مفهوم الأسرة. فلم يعد مرادفا للدِّفء العائلي والتواصل الحميم.
كما أن المجتمع الخليجي لم يعُد المجتمع العربي التقليدي، المعروف بترابطه وتماسكه وحسن الجوار وصلة الأرحام، أضف إلى ذلك، التطلعات العالية والأحلام المستحيلة، التي يعجز الشباب عن تحقيقها في واقعه، وكذا القِيم الدِّينية التي لم تعُد بالعُمق الكافي، حيث صارت مجرّد مظاهر وشكليات، أكثر منها واقع وحياة، ومن ثَمََّ، لم تعد دِرعا واقيا للشباب الخليجي من الإقدام على الإنتحار.
وهل هناك عوامل أخرى تُساهم في تزايُد نسبة الانتحار؟
د. محمد المهدي: بالتأكيد. فهناك عوامل اجتماعية، أخطَرها العُزلة، وهناك أيضا عوامل نفسية. فمن خلال الدراسات الاسترجاعية لتاريخ الأشخاص المنتحِرين، وجد أنه كانت لديهم تخيّلات مرضية مثل: الرّغبة في الانتقام أو القوة والسيطرة أو العقاب، والرغبة في التكفير أو التعويض أو التضحية أو العودة أو الهرب، هذا بالطبع بخلاف العوامل البيولوجية، وفي مقدمتها: الوراثة والكيمياء العصبية والإضطرابات والأمراض العضوية المزمنة والأدوية التي تؤدّي إلى حالات الإكتئاب الشديد.
وما علاقة المرض النفسي بالانتحار؟ وهل هناك دراسات في هذا الشأن؟
د. محمد المهدي: في بحث أجْرِيَ عام 1957، لدراسة حالات الانتِحار لوحظ أن 98% منهم كانوا يعانُون من أمراض نفسية أو جِسمانية، وكانت أشهر الإضطرابات المصاحبة للإنتحار، هي الإكتئاب وإدمان الكحوليات. وعندما أجري بحث تتبعي للمقارنة بين مجموعتيْن: الأولى، مصابة بأمراض نفسية مختلفة، والثانية، مصابة بأمراض جسمانية، وجد أن نسبة الإنتحار في الأولى تصل إلى 5,5%، بينما في الثانية، لم تتجاوز 0,6%.
كما أثبتت دراسة أخرى أن 15%‏ من مرضى الاكتئاب والانفصام ينتحرون وأن 17%‏ من المُدمنين يُمارسون هذا السلوك، وأن نسبة الانتحار بين مرضى الإنفصام (الشيزوفرينيا)، تصل إلى 10%، كما توجد أعراض اكتئابية لدى ثلثي مرضى الإنفصام المنتحِرين، ولهذا، يُعتبر المرض النفسي من أقوى دوافع الانتحار، وتزيد خطورة الانتحار في المرضى النفسيين من 3 - 12 مرّة، بالمقارنة بعموم الناس.
أليست هناك مظاهر ومؤشرات يُمكن من خلالها اكتشاف الراغبين في الإنتحار؟
د. محمد المهدي: بالطبع، هناك... اضطرابات النوم وفقدان الشهية‏ والحديث الدائم عن رفض الحياة وتفضيل الموت،‏ وقد ساهمت دراسات عديدة في تحديد بعض علامات الخطر، التي يمكن ملاحظتها مثل: السن (فوق 45 سنة) وتعاطي الكحوليات (يزيد 50 ضعفا عن عموم الناس) والإستثارة والغضب والعنف والقيام بمحاولات انتحارية سابقة ورفض المساعدة وطول نوبة الإكتئاب وفقد شيء غالٍ أو الافتراق عن عزيز وتراجع الحالة الصحية والبطالة والعنوسة، كما لوحظ أن المُتديِّنين، أقل انتحاراً من غير المتديِّنين.
كلامك يُوحي بأن هناك علاقة عكسية بين التديُّن والإنتحار.. فهل تعني هذا؟
د. محمد المهدي: نعم.. فقديما، كان التديُّن مانعا للإنتحار بمصر، أما اليوم، فالمجتمع يعاني من نقص الإيمان، رغم كثرة مظاهر التديُّن. وهناك أمر نرصده خلال تعامُلنا مع المرضى، ذوي الميول الانتحارية. فحين نسألهم: ما الذي منعكم من الانتحار؟ تكون الإجابة دائماً: الخوف من الله (!!)، ويبدو أن التديُّن يعطي الإنسان دعماً روحياً واجتماعياً، يجعله لا يسقط في اليأس والقنوط، ويمدّه بحالة من الرِّضى، تجعله يتقبَّل إحباطه ومعاناته بدرجه أفضل من غير المتديِّن، وهذا بالطبع راجع إلى أن التعاليم الدِّينية مليئة بالزّجر والتخويف من خِيار الانتحار.
فبدلاً من اعتباره نوعا من الراحة والخلاص في خيال المريض، يجعله التصوّر الدِّيني مصيراً مُخيفاً، حيث يخلد المنتحر في جهنّم ويُعَذّبُ بالوسيلة التي انتحر بها، وهذا التصوّر يعكِس المنظومة الانتحارية برمّتها ويغلق باب الخيار الإنتحاري ويفتح باب الأمل واسعا، وهذا الموقف الدِّيني الحاسم من مسألة قتْل النفس، له أثر كبير في خفْض معدّلات الإنتحار في الدول الإسلامية.
قلت في تفسيرك وتحليلك لمحاولات الانتحار بالعالم العربي، أنها أقرب إلى رسائل غضب من الحكومات والنظم.. فما علاقة الحكومات بالانتحار؟
د. محمد المهدي: لا شكّ أن جزءا من معاناة الناس في العالم العربي، هي من نظم الحُكم الجاثمة على صدورهم لسنوات طويلة. والمشكلة، أن الشعوب العربية تفتحَّت أعينها على العالم من حولها من خلال ثورة الإتصالات وعبْر شبكة الإنترنت، فرأت وقرأت عن شعوب غربية تعيش في أجواء من الديمقراطية الحقيقية وتمارس كافة حقوقها التي كفلتها لها القوانين والدساتير، وعندما أرادت أن تقارن بين ما تعيشه وما تسمع عنه وتراه، وجدت أنها أقرب إلى الموت منه إلى الحياة!
وعلى هذا، فالحكومات العربية ليس أمامها إلا أن ترحل وتترك الحُكم لمن يأخذه بحقّه أو أن تسعى لإجراء تغيير حقيقي يعيد الحياة إلى الناس، بدلا مما تقوم به من تكريس السلطة والثروة في يَد عدد قليل من رجال الأعمال، وهو أمر يجعل المجتمع غير مستقِر. وقد سادت العدالة في مصر، لكن في توزيع الفقر والإهانة على المواطنين وهو ما يدفع المواطن المغلوب على أمره، قليل الحيلة إلى توجيه عُدوانه إلى نفسه، فيقتلها ليخلّصها من الحياة التي تعاني فيها.
وما واجب المجتمع تجاه مَن حاولوا الانتحار من قبل؟
د. محمد المهدي: محاولات الانتحار السابقة، هي أفضل مؤشّر لمعرفة مدى خطورة الحالة. فحين ندرس المحاولات السابقة للانتحار، يجب التركيز على شيئيْن أساسيين، هما: نيّة المريض في أن يموت وجدية المحاولة التي قام بها. وقد أثبتت دراسة عِلمية أن 40% من المكتئِبين الذين انتحروا، كانت لهم محاولة سابقه للانتحار وأن 10% ممَّن قاموا بمحاولات انتحار، انتحروا فعلاً خلال السنوات العشر التالية للمحاولة.
وإذا كان المجتمع لا يملك أن يقدِّم شيئاً لأولئك الذين انتحَروا، فإنه يستطيع أن يفعل الكثير للأشخاص الذين يفكِّرون في الانتحار أو أولئك الذين أقدَموا من قبْل على محاولات انتحار، خاصة وأنه في 70% من حالات الإنتحار، كانت توجد رسائل إنذار، لكن أحداً لم ينتبِه إليها أو لم يُدرك مدى خطورتها وجديَّتها. وقد تبلغ فترة حضانة فكرة الانتحار، 3 أشهر أو أكثر.
وبعد دراسة تاريخ الحالة المرضية ودراسة عوامل التدعيم والمساندة المحيطة بالشخص والقيام بالفحوصات الطبية اللازمة، يقرر الطبيب النفسي، ما إذا كان المريض يحتاج لدخول مصحّة نفسية أو أنه سوف يعالَج من اضطراباته النفسية وسط أسرته. وفي كل الأحوال، تتلخص خطة العلاج في ثلاث نقاط، هي: تخفيف الألم النفسي بكل الوسائل والتدعيم والمساندة وتقديم بديل للإنتحار.
وما أنسب الطُّرق لتقديم الدّعم النفسي لأولئك الذين أقدَموا على الانتحار؟
الدكتور محمد المهدي: لابد أن ننتبِه جيدا لهولاء الأشخاص الذين يعيشون في مثل هذه الظروف، وأن يسألهم الطبيب النفسي المعالِج، بشكل واضح وصريح، عن أفكارهم نحو الموت، ثم يستفسِر منهم عن خُططهم للانتحار، بعدما يتعرّف بشيء من التفصيل على محاولات الانتحار السابقة، ثم يبحث مصادر التدعيم الذاتية للشخص، مثل: إنجازاته الحياتية السابقة وبصيرته ومشاعره، ثم مصادر التدعيم الاجتماعية مثل: الأسرة أو الأصدقاء أو الجمعيات الخيرية المساندة. وبناءً على ذلك، يقرر الخطوات التالية المطلوبة لمساعدة هذا الشخص.
وهنا، لابد من الاعتراف بضعف الشبكة الاجتماعية بمصر. ففي الماضي، كان الترابط الأسَري سِمة المصريين، أما اليوم، فالمرء يواجه مشاكله منفردا ولا نستطيع أن نغفل ازدياد معدّلات العنف، اللفظي أو البدني. فقد أصبحت الناس مشحونة بالغضب والاحتقان، الذي سرعان ما يخرج. فإذا توجه نحو الآخر، يحدث القتل، وهو ما يفسِّر ازدياد معدلات الجرائم. واذا توجّه ناحية النفس، يخرج في صورة انتحار.
وما هي في تقديرك وصفة (روشتة) العلاج التي يجب الأخذ بها للتخلّص من ظاهرة الانتحار؟
د. محمد المهدي: تتلخص الوصفة العلاجية في: تحقيق العدالة من خلال التوزيع الجيِّد للثروة، فتقل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما يجب العمل على إعادة قيم التراحم والمساندة والدعم والتكافل، فتقوى شبكة الأمان الاجتماعي، فضلا عن ضرورة السَّعي لإعادة القِيم الإسلامية الأساسية، مثل الثقة في رحمة الله وأن ننمي الوعْي الثقافي لدى الناس بأمراض الإكتئاب والانفصام والإدمان والقلق.
وأوصي الشباب بأن لا ييأس، فمهْما أعلنت الأرقام أنه لا أمل، فإن الأمل يظل في الله، الذي ضمن لنا المُقلقين: الرزق والأجل، كما أن معظم الشباب المقبل على الإنتحار، إما ضعيف أو مستسلم أو كسول، وهي صفات أبعد ما تكون عن كلمة الشباب، التي تعتبر مرادفا للأمل، كما أهمس في أذن الفتيات اللاتي تأخّر زواجهن فأقول: إن الزواج رزق والرزق بيد الله، فلا تستسلمي لليأس والقنوط، واملئي حياتك أملا بالاجتهاد في فعل شيء نافع ومفيد، كاستكمال دراستك أو الإتجاه للتطوع في القيام بأعمال البِر في الجمعيات والمؤسسات الخيرية، التي تُعْنَى بالفقراء والأيتام والمرضى.
همام سرحان- swissinfo.ch
القاهرة
05 أكتوبر 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.