لئلا يفهم من المحاكاة أنني أنسب هذا المشوه فكرياً إلى يهود التاريخ، أو أنني اعترف بنقاء الجنس اليهودي، وأجد رابطاً عرقياً بين يهود اليوم والأمس، إنما على العكس من ذلك، فكل من درس تاريخ اليهود عرف أن دولة "الخزر" التي قامت قريباً من المكان الذي جاء منه "ليبرمان" إلى فلسطين، لتؤكد أن الذين اعتنقوا اليهودية عبر العصور هم من كل الأجناس والألوان، ولا علاقة بينهم وبين اليهود الذين اتبعوا ملة موسى عليه السلام. ومع حقيقة الخلاف الشديد في النسب، وفي أصل الجذر اليهودي، ومع كذب النقاء العرقي لليهود، إلا أن هنالك حقيقة لا يمكن نكرانها، وهي أن يهود اليوم، ويهود الأمس، ويهود ما قبل أمس، جميعهم قد درس التعاليم اليهودية ذاتها، وتتلمذ عليها، وكبر وشاب وهو يشرب ويرتوي من طريقة تفكير اليهود، رغم تنوع أصولهم، واختلاط أجناسهم. التوضيح السابق كان ضرورياً لإيجاد المقاربة بين سلوك "ليبرمان" السياسي، وسلوك يهود التاريخ، حيث المنطلق الفكري الواحد؛ وهو الشعور بالتفوق والقوة والتفرد والاستعلاء على الآخر والاستخفاف فيه، فعندما يطلب اليهودي "ليبرمان" من نظيريه الإسباني والفرنسي التوقف عن التدخل في الصراع في الشرق الأوسط، فإن هذا التصرف المتعجرف لا يختلف عن تصرف ملك اليهود "صدقيا" مع الكلدانيين قبل آلاف السنين، وعندما يحتقر "ليبرمان" قبل ذلك السفير التركي، فإن هذا السلوك لا يختلف عن سلوك ملك اليهود مع المبعوث الروماني قبل ألاف السنيين. إن التحقير الذي يتعرض له وزراء خارجية أوروبا على يد يهود اليوم في إسرائيل لا يختلف عن التحقير الذي تعرض له الحاكم الروماني عبر التاريخ، حين كان اليهود يعملون على ترقية هذا الوالي إذا سار وفق هواهم، وهم الذين كانوا يعزلونه إن خالفهم الرأي، لقد هجر أحد ولاة الرومان أورشليم، وأسماها "عش الدبابير" واتخذ له مقراً بعيداً عنها في "قيسارية" كي يتفادى خبث اليهود. يعرف "ليبرمان" أنه قادر، وأنه من يؤثر في نجاح وفشل الحزب الذي كلف ماراتينوس ليكون وزير خارجية أسبانيا، وأنه من داخل إسرائيل لقادر على عزل "كوشنير" عن وزاره الخارجية الفرنسية، أو تعيينه في منصب آخر، فاليهودي صاحب القرار داخل الدار الذي جاء منها موراتينيوس وكوشنير. ما تجاهله "ليبرمان"، ويحاول أن ينساه؛ أن هذا السلوك المتعجرف المتغطرس الفوقي الذي سلكه يهود التاريخ قد جر عليهم غضب الأمم والشعوب، فجاءهم الكلدانيون مرة ودمروا ما علوا تدميراً، وجاءهم الرومان مرة أخرى ودموا ثانية ما علو تدميراً، ويبدو أن "ليبرمان" وأمثاله الذين حفظوا سيرة التسلط اليهودي؛ سينجحون في استنهاض الأمم لكراهية اليهودي العائد من التاريخ ليدوس بحذاء معتقده على رأس الجميع، يحتقر وزراء الخارجية، ويهين السفراء، ويستصغر كل الأشياء، ولا يرفع إلا من شأن اليهودي.