الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحرير فلسطين الكامل وعودة كلّ اللاجئين حق دائم وغير قابل للتصرف
في وثيقة خاصة بالشعب لا وجود لشعب يهودي ولا جنس يهودي ولا أمة يهودية
نشر في الشعب يوم 21 - 10 - 2006

كتبت هذا النّص منذ أربعة أشهر في افريل 2006 وكان من المفروض أن يقدّم في «مؤتمر عربي دولي للتضامن مع حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه هذا المؤتمر الذي كان من المفروض أن يعقد في بيروت يومي 15 و16 ماي 2006 .
كن في نهاية شهر أفريل 2006 قرّر منظّمو المؤتمر لأسباب عديدة تأجيله إلى موعد لاحق .وبعد مرور شهر عن العدوان الصهيوني المجرم والهمجي ضدّ الشعبين اللبناني والفلسطيني يبقى هذا النّص في صلب الحدث جديرا حسب اعتقادي بأن ينشر ويوزّع، وهو ما أقوم به اليوم لأؤكّد مرّة أخرى على أنّ السلام الحقيقي والطمأنينة، والأمن، والحريّة والمساواة، والعدالة، لا يمكن تحقيقها واستتبابها بصفة طبيعيّة ومشروعة في هذا الشرق الأوسط الذي يتعرّض للعدوان والنهب والهيمنة والاحتلال الأجنبي إلاّ بالتحرير الكامل لفلسطين من الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة إلى إيلات على البحر الأحمر، ومن حيفا إلى القدس، ومن تل أبيب إلى أريحا، ومن نابلس إلى غزّة، إلاّ إذا استعاد كلّ الفلسطينيين وكلّ اللاجئين منهم في عديد البلدان من العالم وبصورة كاملة ممتلكاتهم، ومنازلهم القديمة ومقابرهم وأراضيهم ومصالحهم العموميّة.
ولا يسعني أن أختم هذه الأسطر إلا بالتعبير مجدّدا عن قناعتي العميقة بأنّ فلسطين سوف تكون بعد عشر سنوات أو خمسين سنة حرّة بالكامل وسوف تتخلّص نهائيا من أولئك الذين ألحقوا بها إساءة كبرى. وإذا كانت قناعتي هذه تبدو للبعض مثاليّة أو طوباويّة، فإنني أفضّل أن أموت وأنا على قناعتي وحلمي هذا.
جورج عدة


إنّي قادم، كما تعلمون، من بلد صغير عرف خلال تاريخه الطويل مختلف أشكال الغزوات والاستعمار والتدمير وتلاقح الحضارات والانتساب الديني الطوعي أو المفروض على سكانه والانبعاثات .وقد عرف أجدادي البربر، الفينيقيين والرومان والوندال والعرب والنّورمان والأتراك والفرنسيين، كلّهم تعاقبوا على احتلال بلدي وبسطوا هيمنتهم على شعبي الذّي أصبح حقيقة مستقلا وذا سيادة منذ نصف قرن. بعض هؤلاء البربر، أجدادي، تخلوا عن وثنيتهم واعتنقوا ديانة موسى، وتصدى أبناؤهم لضغوطات المسيحيين الجدد، ولجيوش عقبة ابن نافع، وحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم وطبخهم وموسيقاهم، وتبنوا اللغة العربية التي أصبحت لغة الجميع. وهكذا فإنّ تونس هي بلدي والشعب التونسي هو شعبي. لكن قناعاتي الفلسفية ليست هي قناعات أمّي وأبي. كلّ النساء وكلّ الرجال في جميع البلدان الرّازحة تحت وطأة الظلم السياسي والاجتماعي الذّي يمارسه حكامهم أو المحتلون الأجانب هم أخواتي وإخوتي، وأؤكّد لهم تضامني الكامل. لقد عرفت من أجل تحرير بلدي وفي مناسبات عديدة السجون والمحتشدات والمنافي على يد المستعمرين الفرنسيين. واليوم أحل بينكم لأنقل إليكم دون أدنى احتراز مساندتي التّامّة للشعب الفلسطيني البطل والباسل والضحيّة. بمثل هذه الروح أساهم في هذه التظاهرة لأعرض عليكم بعض الأفكار والمقترحات المتواضعة التي أنقلها إليكم في هذه المراسلة لأنّ أصدقائي الأطباء عارضوا سفري من تونس إلى بيروت نظرا لسنّي وحالتي الصحيّة. إنّي أحييكم وأتمنّى النّجاح لملتقاكم.

أعتقد أنّه من الضروري قبل كل شيء الاتفاق على معنى بعض الكلمات والصيغ التي تتردّد كثيرا ويعطيها كل مستعمل لها معاني أو تعريفات تناسبه. ويتعلق الأمر ب «المجموعة الدولية» و»الشرعية الدولية» و»القانون الدولي»..الخ، ففي شهر نوفمبر 1947، أصبح القرار الأممي الذي تمّ بمقتضاه سلب الفلسطينيين وتجريدهم من وطنهم، بأتمّ معنى الكلمة، أصبح هذا القرار يمثّل في نظر القوّتين العظميين ولدى الصهاينة «شرعيّة دولية» و «قانونا دوليا»، في حين أنّ الحقيقة تتمثّل في أنّ فلسطين وجميع الفلسطينيين كانوا ضحايا، نعم ضحايا، «المجموعة الدولية». ويمثّل هذا القرار الأممي بالنّسبة للأجانب القادمين من بلدان مختلفة من أقاصي الشمال والغرب والشرق تعويضا لهم عن هدم الهيكل، وعن الشتات المزعوم لأبناء كنعان، وعن المذابح الجماعيّة اليوميّة المقترفة في روسيا وفي بولندا، وعن حملات الإبادة الجماعيّة المريعة، والتي لا جدال في حدوثها في القرن العشرين، والتي كان ضحاياها ومقترفوها وسيظلّون هم الأوروبيون، دون سواهم. أمّا بالنّسبة للفلسطينيين، فيمثل هذا القرار عملا شنيعا قامت به «المجموعة الدولية» المزعومة التي تسيطر عليها الولايات المتّحدة الأمريكية التي أقيمت بعد إبادة أقوام عديدة كانت تعيش في طمأنينة فوق أرض هذه القارّة الشاسعة في الغرب، تلك الإبادة التي اقترفها أجانب قدموا من أقصى الشرق. لا يذهب في ظنّكم أبدا أنني من أنصار إلغاء منظّمة الأمم المتّحدة. فهذه المنظّمة يجب أن تستمرّ في الوجود و أن تتطوّر وتتغيّر نحو الأفضل. يجب على هذه المنظمة أن تقيّد حركة من يعتدون على البلدان كما وقع في شيلي الرئيس أليندي، ومن يعلنون الحرب كما في العراق دون موافقة أو مشاركة من الغالبية العظمى للدول التي تكوّن منظمّة الأمم المتّحدة، ومن يخنقون شعوبا بأكملها كالشعب الكوبي ضحيّة حصار لا إنساني، ومن يقصفون ويقتلون بقنابل النابلم كما في الفيتنام، ومن ينهبون ويسلبون أرضا وبلدا بأكمله كما حدث سنة 1947 مع الشعب الفلسطيني.
يقترح بعضهم تنقيح ميثاق الأمم المتحدة. إنّ هذا التمشّي لا ينقص في شيء من الهيمنة والسيطرة التي يمارسها حكام واشنطن على المنظّمة الأممية. إنّ ميثاق الأمم المتحدة هو ككل دساتير الدول، إذ يمكننا بنفس الدستور أن نفعل الأحسن والأسوأ. ذلك أن تطبيق كل دستور هو عمل سياسي بشري. فإذا كنّا نريد في مجال العلاقات الدولية أن ننقص أو نمنع الأعمال السلبية والمضرّة وجب أن يكون للشعوب ممثّلون في الأمم المتحدة، متشبّعون بقيم العدل والإنصاف والديمقراطيّة والاحترام المتبادل. ومن أجل ذلك يجب أن لا تظلّ البلدان الصغيرة والمتوسطة، مداسة من طرف الحكّام الفرديّين والدكتاتوريين الذين يدينون بوجودهم لحماية الولايات المتحدة الأمريكية لهم. ينبغي أن نواجه «الشرعية الدّولية» و»القانون الدّولي» للامبريالية بمجابهتهما بالقيم الإنسانية المحدّدة بدقّة من طرف الأمم المتحدة نفسها في ميثاقها وإعلاناتها. تلك القيم التي ينبغي أن تستفيد منها كلّ الشعوب والبلدان دون أيّ تمييز أو تفريق. فمن واجبنا شرح ما حدث سنة 1947، والكشف عن الدوافع الحقيقية للحكّام الغربيين، وفضح مقاصدهم غير المعترف بها، وكذلك التنديد بانتهاك الدولة الصهيونيّة عشرات اللوائح الصادرة عن مجلس الأمن وعدم تطبيقها. هذه الدوافع والمقاصد غير المعترف بها، كان أدانها بقوّة قائد غيتو فرصوفيا «آرك ادلمان» (Arek Edelman)الذي صرّح علانية :»
تمّ إنشاء إسرائيل بفضل اتفاق بين بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، لا لغاية التكفير عن الستّة ملايين من اليهود الذي قتلوا في أوروبا، إنّما من أجل اقتسام المصالح في الشرق الأوسط.

يؤكد أشهر خبراء السياسة في عالمنا أن من أنجع الأسلحة وأكثرها فاعلية في بداية هذه الألفية الثالثة هي الدعاية أو كما نسمّيها اليوم الاتصال، يعني العمل من أجل الإقناع واستعمال لغة جديدة من خلال بيانات وشروح وشعارات طريفة ومفعمة وحاملة لرسائل واضحة. لكن يبدو في هذا المجال أن المسؤولين الفلسطينيين والعرب يشكون من عجز على مستوى اللغة الملائمة والمنتجة والقادرة على الإقناع وعلى اكتساح فضاءات الرأي العام في أوروبا وفي أمريكا والذي له قيمة كبرى في تحديد الوضع الراهن في هاتين المنطقتين من العالم. إنّ شعوب آسيا وإفريقيا ما وراء الصحراء وأمريكا اللاتينية ليسوا ضدّنا، بل بالأحرى معنا، لذلك يجب علينا تحديد بعض النقاط القويّة في دعايتنا، وفي اتصالنا وعلينا تطويرها بشكل واضح وبمهارة وهدوء، دون تشنّج أو ثرثرة عديمة الجدوى. واسمحوا لي أن أعرض عليكم بعض الأمثلة التي أعتبرها هامّة جدّا. لقد جاء الصّهاينة إلى فلسطين بدعوى أنّهم منحدرون مباشرة من شعب كنعان. غير أنّ أتباع موسى ينحدرون في الحقيقة من شعوب قديمة، ومناطق مختلفة ومحددة بدقّة، وبعيدة جدّا عن القدس ونهر الأردن. وقد قام عديد المؤرخين والباحثين الشهيرين بتحقيقات، ووضعوا فرضيات حول هذا الموضوع يجب التعريف بها، ونشرها، واستعمال الحجج التي قدّموها. فالمؤرخ «ليون بولياكوف» (Léon Poliakov الذي شغل منصب مدير شرفي بمركز البحوث العلميّة الفرنسي كتب في مؤلفه «تاريخ معاداة السامية»Histoire de l'antisémitisme» (باريس / كالمان ليفي (1961 صفحات يمكن أن يكون لها صدى قويا وتدفع للتفكير كثيرا من النساء والرجال. فقد قام من الوهلة الأولى بتصفية حساب «الشتات» المزعوم ..»:
عندما أخذ اليهود يتشتّتون بأعداد كبيرة في العالم، فإنّهم وجدوا في إفريقيا الشمالية أفضل استقبال وهذا التشتّت، خلافا لأسطورة لم تعمّر بسهولة، حتّى أنه يجب التذكير بها دائما، سابق لحرب مملكة يهودا وقبل هدم الهيكل (ص 11).
وكتب بولياكوف من ناحية أخرى، في معرض حديثه عن تهويد المغرب البربري :»...
لقد عاش يهود إفريقيا الشمالية فترات مجيدة. ومن المفيد الحديث عن تاريخهم غير المعروف كثيرا، والمختلف عن تاريخ اليهود في كافة المناطق الأخرى، فهو يعود إلى عصور فجر التاريخ أيام انتصاب الفينيقيين بإفريقيا وتأسيس مدينة قرطاج (ص 10). ومن الأرجح أنّ يهودًا قدموا منذ الأزمنة القديمة للإقامة في إفريقيا الشمالية على خطى الفينيقيين قصد التّهيئة لنشر الديانة اليهودية.» (ص.11)» ثمّ إنّ مدى انتشار الديانة اليهودية في هذه المناطق بفضل الوثنيين حديثي العهد باعتناق اليهودية يضاهي مدى انتشارها عن طريق الهجرة، إن لم يكن يفوقه (ص 11). وبالأساس فإن يهود تونس والجزائر والمغرب هم من أصول محلية بشكل تام وينحدرون من قبائل بربرية قديمة ذات أسماء رنان ة : جراوة، فندوليا، مديونة، بتر، برانس (ص 13).
إنّ هذه التأكيدات القطعيّة لبولياكوف تهدم كل النظريات والدعاوي الصهيونية القائمة على ما يسمّى شعب الشتات «diaspora» والعودة إلى أرض الأجداد الكنعانيين المزعومين .ومن ناحيته يؤكد عالم الاجتماع والمؤرخ «بول سباغ (Paul Sebag) كتابه «تاريخ يهود تونس» (لارمتان / باريس(L'Harmattan / Paris / 1991) ، نظريات بولياكوف، وأقدم لكم فيما يلي مقتطفا من هذا الكتاب :»
وجد في عهود مبكّرة في إفريقيا الرومانية كما في مناطق أخرى من الإمبراطورية الرومانية يهود آخرون غير اليهود المحليين، قدم أجدادهم من مملكة يهودا خلال تواريخ مختلفة. وقد اعتنق رجال ونساء من أجناس وأوضاع اجتماعية مختلفة الديانة اليهودية، التي برهنت خلال القرون الأولى من العصر المسيحي على قدرة كبيرة على النّفاذ (ص 24) وهكذا تعززت اليهودية بعناصر من أصول مختلفة وخاصة من الأهالي القرطاجنيين أو البربر (ص 25) ومع الغزو العربي لإفريقيا الشمالية كان جزء من البربر قد اعتنق الديانة اليهودية ويقدم لنا ابن خلدون في مؤلفه الشهير «تاريخ البربر» أسماء القبائل البربرية المتهودة ويحدد المناطق التي أقامت بها، من شرق المغرب إلى غربه، ذاكرا منها نفوسة في جنوب افريقية وجراوة في جبال الأوراس (ص 35).
ويقترح الخبير السياسي الايطالي المولود في تونس «لوريس كاليقو» (Loris Gallico) إعطاء البربر المتهودين لقب «القبيلة الرابعة عشرة» مثل الخَزَر الذين لقّبوا ب»القبيلة الثالثة عشرة» من طرف «آرتر كوستلار» (Arthur Koestler) وهذا الأخير هو كاتب انكليزي من أصل مجري عاش وعمل في فلسطين قبل القرار الذّي اتّخذته الأمم المتحدة سنة 1947، كتب سنة 1976 كتابه «القبيلة الثالثة عشرة («كالمان ليفي / باريس (Calman Lévy / Paris / 1976 / يستعرض فيه تاريخ أجداده الخزر. لنرى مع بعضنا بعض الأسطر من هذا الكتاب الهام :»
كانت بلاد الخزر وهو شعب من أصل تركي، تحتل موقعا استراتيجيا بين بحر القزوين والبحر الأسود حيث الممرات الكبرى التي تتنازع عليها القوى العظمى الشرقية في ذلك العصر (ص 14) وبعد مضيّ بعض السنوات، نحو سنة 740 اعتنق الملك وحاشيته والطبقة العسكرية الحاكمة الديانة اليهودية التي أصبحت الديانة الرسمية للخزر (ص 15) وعلى كلّ، إذا كانت المصادر تختلف حول بعض الجزئيات إلا أنّ الوقائع الكبرى ثابتة، وما يكمن مناقشته في المقابل هو مصير الخزر اليهود بعد تدمير مملكتهم في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر. وحول هذا الموضوع، المصادر هزيلة جدّا، إلاّ أنّها تشير إلى وجود عديد المنشآت الخزرية في نهاية القرون الوسطى في بلاد القِرْم وأكرانيا والمجر وبولونيا ولتوانيا . ومن المعلومات المتفرقة يظهر مشهد متكامل، هو مشهد هجرة قبائل ومجموعات الخزر في ربوع أوروبا الشرقية-روسيا وبولونيا بالخصوص- أين سنجد في فجر العصور الحديثة أكبر تجمعات لليهود. وانطلاقا من ذلك طوّر عديد المؤرخين الطرح القائل بأن جزءا هاما، إذا لم نقل أغلبية يهود أوروبا الشرقية -وبالتالي يهود العالم أجمع- هم من أصل خزري وليس سامي (ص 16) وهذا يعني أن أجداد هؤلاء اليهود لم يأتوا من ضفاف نهر الأردن، ولكن من سهول الفولغا، لم يأتوا من كنعان ولكن من القوقاز، مهد الجنس الآري. وراثيا قد يكون هؤلاء اليهود أقرب إلى أقوام الهون (Huns) والويغور (Ouigours) والمجريين (Magyars) وليس من سلالة إبراهيم وإسحاق ويعقوب. وإذا كان الأمر كذلك فعلا فإنّ عبارة «معاداة السامية» تصبح بلا معنى. هذه الكلمة تدلّ على خلط وقع فيه في نفس الوقت الجلادون والضحايا، وقد تواصل هذا الخلط طويلا مما جعل تاريخ إمبراطورية الخزر يشبه أشدّ المهازل قساوة في التاريخ البشري (ص 18) .
وقد نشر «لوريس كاليكو» (Loris Gallico) الذّي تحدّثت عنه دراسة مطوّلة تحت عنوان «شعب غير موجود (Un popolo introvabile) في Prospettive settanta (Naples 1984 n! 2/3) والتي أعيد نشرها في مجموعة مقالات ودراسات تحت عنوان «المتوسط الآخر بين السياسة والتاريخ» (L'autre méditerranée entre politique et histoire) (Vecchio Faggio-Chieti 1989)وأعرض عليكم هذا المقتطف المتعلق بأصل يهود أوروبا الوسطى والشرقية
بالاعتماد على أعمال H.F.Von Kutschera وM.Mieses و P.E.Kahle وA.N.Poliak وD.M.Dunlop وArthur Koestler، لم يعد يمكننا التشكيك في أنّ غالبية يهود أوروبا الوسطى والشرقية هم من أصل ناتج عن تشتت واختلاط الخزر بسكان آخرين في بلدات (Shtetl) على صلة بالعالم الفلاحي، حسب التقاليد المتغيّرة لتجمّعات الخزر...في هذه المناطق الجديدة تمّ شيئا فشيئا التخلي عن اللهجات الخزرية وظهرت اللهجة اليهودّية التي تكونت على قاعدة روعة الثقافة الألمانية اللائكية أو الدينية (ص 257) وأعطى المستشار والوزير الأول النمساوي «برونو كرايسكي» (Bruno Kreisky) الضربة القاضية للإيديولوجية الصهيونية بتصريحه الشهير سنة إنّ هذه الخزعبلة المسماة الشعب اليهودي هي من أكبر أكذوبات الحياة...إنّ الحديث عن شعب يهودي لا معنى له..فلولا هتلر، لما وجدت إسرائيل كبلد أبدا...» (نوفال أبسرفاتور، / باريس-(Nouvel Observateur / Paris /
:» نحن نساء ورجال من جنسيات وديانات وأراء مختلفة، نعلن رسميا بمناسبة مائوية المؤتمر الصهيوني بمدينة» بال» أنّه لا وجود ل»شعب يهودي» ول»أمة يهودية» و ل»جنس يهودي». لا وجود ل»اليهود» ولكن هناك فرنسيون وبولونيون وروس ومغاربة ويمنيون وأثيوبيون ومواطنون من الولايات المتحدة الأمريكية أو يابانيون من ديانة عبرية أو من أصول عباديّة عبرائية. بعضهم مثل البولونيين، والبلطيقيين والروس أو المجريين ينحدرون من القوقازيين الخزر المتهودين. آخرون مثل المغاربة أو التونسيون ينحدرون من البربر المتهودين أو مثل اليمنيين الذين ينحدرون من العرب المتهودين «.
وإذا بحثنا أكثر سوف نجد عددا كبيرا من النساء والرجال يندّدون هم أيضا بالصّهيونية أو يشجبونها أو ليست لهم أيّة علاقة بها. سوف نجد هؤلاء في كل البلدان. وهم من ديانات مختلفة وانتماءات سياسية متعددة ومذاهب فلسفية متنوعة ذلك أن النضال ضدّ الصهيونية لا يجب أن يكون قضية يهودية-يهودية أو يهودية-فلسطينية أو يهودية-عربية. فمقاومة الصّهيونية، ينبغي أن تتنامى لدى كل شعب وداخل كل شعب.
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.