الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى وبعد يعد الفقه السياسي في الإسلام أو السياسة الشرعية من المباحث الشرعية الفقهية الأصولية الهامة ومن الموضوعات الحركية التي تتميز بالدقة والحساسية والتي تحتاج إلى عمق في الفكر ورسوخ في الفهم إذ بمعرفته تتحدد السياسة الشرعية بين الراعي والرعية وبه ترسم الملامح الدقيقة والعلاقة الوثيقة بين الحاكم والمحكوم وعلى قواعده تستقر أعمدة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة الإسلامية حيث الحقوق والواجبات التي تجمع الرعية شعوبا وحكاما في مناخ من الحرية والإيجابية والثقة المتبادلة والشعور بالمسئولية الفردية والجماعية نحو هذه الأمة الواحدة لنحقق جميعا أفرادا وحكاما تقرير القرآن الكريم ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) الأنبياء آية92 ويعد تناول مبحث السياسة الشرعية أو الفقه السياسي كما نسميه من أهم المباحث الفقهية قديما وحديثا لأمرين أولهما: أن الاستقرار السياسي للدولة الإسلامية يؤدى بدوره إلى تحقيق العدل والقسط بين الناس فتسرى وتتولد روح الأمن في جسم عالمنا الإسلامي الذي أنهكته النظم المستبدة جيلا بعد جيل فصار جسدا بلا روح وقلبا بلا نبض ونفسا بلا أمل فالظلم والخوف لا يعيشان أبدا ولا يتنفسان الحياة إلا من خلال رئات عفنة آسنة ولا يجدا لهما مدا وعونا إلا من حكومات مستبدة طاغية وشعوب مستكينة ذليلة حتى ولو كانت هذه الشعوب وتلك الحكومات تدعى الإيمان إذ ساعتها يلبسون الظلم لباس العدل ويسوقونه للجماهير المغفلة على أنه حلم الأمان والحقيقة الصارخة تقول أنه لا إيمان ولا أمان في ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم القهر والموشحة بسواد الظلم لأن نعمة الأمن النفسي والإجتماعى والمعيشي تكون نتاجا طبيعيا لبذور الإيمان الصادق الذي لا يلوث بمعصية ولا يلبس ثياب القهر والظلم والاستبداد قال تعالى: ( الذين آمنوا ولم لبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام آية 82 ثانيا : بعد حدوث الاستقرار السياسي الذي ننشده وشيوع العدل والحرية التى نحلم بها لا شك يتعافى جسد الأمة من وهنه وأوجاعه وآلامه وتبدأ الأمة في تحقيق رسالتها العالمية التي خلقت وأخرجت من أجلها فتتبوأ مكانتها من الريادة والسيادة والخيرية التى رسمها لها الله عز وجل ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران آية 110 لهذين السببين الرئيسين السابقين كان مبحث الفقه السياسي مبحثا غاية في الأهمية لحاجتنا الملحة إليه ومن المؤسف أن أقول إن هذا النوع من الفقه لم ينل حظا وفيرا من البحث والتحليل والتنظير في إنتاجنا الفكري والفقهي الحديث - إلا نذرا يسيرا من كتابات العلماء المعاصرين الذين لا يخشون فى الله لومة لائم _ رغم أهميته وحيويته ورغم حاجتنا إليه لمواكبة تطور العصر الذي يعج بالتغير الدائم والمطرد في الآليات والوسائل والمفعم بالأفكار والتيارات والنظريات المختلفة والمتنوعة. وعلى هذا شرعنا في الكتابة في هذا الموضوع على حلقات مستعينين بالله سبحانه متلمسين الإخلاص منه فمنه العون والرجاء وعليه التكلان واليه يرجع الأمر كله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم أشرف تركي