رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احمل المصباح في بياض النهار وأفتش عن الإنسان:الشيخ خالد احمد مهنا

***ذكر رجل يسمى ابن جدعان وهذه القصة حدثت منذ أكثر من مائة سنة تقريبًا فهي واقعية, يقول: خرجت في فصل الربيع, وإذا بي أرى إبلي سمانًا يكاد أن يُفجَر الربيع الحليب من ثديها, كلما اقترب ابن الناقةمن أمه دَرّت وانفجر الحليب منها من كثرة البركة والخير, فنظرت إلى ناقة من نياقي وابنها خلفها وتذكرت جارًا لي له بُنيَّات سبع, فقير الحال, فقلتُ والله لأتصدقن بهذه الناقة وولدها لجاري, والله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [آل عمران:92] وأحب مالي إلي هذه الناقة, يقول: أخذت هذه الناقة وابنها وطرقت الباب على جاري وقلت خذها هدية مني لك.. يقول: فرأيت الفرح في وجهه لا يدري ماذا يقول, فكان يشرب من لبنها ويحتطب على ظهرها وينتظر وليدها يكبر ليبيعه وجاءه منها خيرٌ عظيم.
فلما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه, تشققت الأرض وبدأ البدو يرتحلون يبحثون عن الماء والكلأ, يقول شددنا الرحال نبحث عن الماء في الدحول,( والدحول: هي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض يعرفها البدو,) يقول: فدخلت إلى هذا الدحل لأُحضر الماء حتى نشرب وأولاده الثلاثة خارج الدحل ينتظرون فتهت تحت الدحل ولم أعرف الخروج.
وانتظر أبناؤه يومًا ويومين وثلاثة حتى يأسوا قالوا: لعل ثعبانًا لدغه ومات, لعله تاه تحت الأرض وهلك, وكانوا والعياذ بالله ينتظرون هلاكه طمعًا في تقسيم المال والحلال, فذهبوا إلى البيت وقسموا الميراث فقام أوسطهم وقال: أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها لجاره, إن جارنا هذا لا يستحقها, فلنأخذ بعيرًا أجربًا فنعطيه الجار ونسحب منه الناقة وابنها, فذهبوا إلى المسكين وقرعوا عليه الدار وقالوا: اخرج الناقة, قال: إن أباكم أهداها لي, أتعشى وأتغدى من لبنها. فاللبن يُغني عن الطعام والشراب كما يُخبر النبي , فقالوا: أعد لنا الناقة خيرٌ لك, وخذ هذا الجمل مكانها وإلا سنسحبها الآن عنوة, ولم نعطك منها شيئًا.

قال: أشكوكم إلى أبيكم, قالوا: اشكِ إليه فإنه قد مات, قال: مات, كيف مات؟ ولم لا أدري؟
قالوا: دخل دِحلاً في الصحراء ولم يخرج, قال: اذهبوا بي إلى هذا الدحل ثم خذوا الناقة وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم, فلما ذهبوا به وراء المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفي ذهب وأحضر حبلاً وأشعل شعلةً ثم ربطه خارج الدحل فنزل يزحف على قفاه حتى وصل إلى مكان يحبوا فيه وآخر يتدحرج, ويشم رائحة الرطوبة تقترب, وإذا به يسمع أنينًا, وأخذ يزحف ناحية الأنين في الظلام ويتلمس الأرض, ووقعت يده على طين ثم على الرجل فوضع يده فإذا هو حي يتنفس بعد أسبوع من الضياع, فقام وجره وربط عينيه ثم أخرجه معه خارج الدحل وأعطاه التمر وسقاه وحمله على ظهره وجاء به إلى داره, ودبت الحياة في الرجل من جديد, وأولاده لا يعلمون, قال: أخبرني بالله عليك أسبوعًا تحت الأرض وأنت لم تمت.

قال: سأحدثك حديثًا عجبًا, لما دخلت الدُحل وتشعبت بي الطرق فقلت آوي إلى الماء الذي وصلت إليه وأخذت أشرب منه, ولكن الجوع لا يرحم, فالماء لا يكفي.
يقول: وبعد ثلاثة أيام وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ, وبينما أنا مستلقٍ على قفاي سلمت أمري إلى الله وإذا بي أحس بلبن يتدفق على لساني فاعتدلت فإذا بإناء في الظلام لا أراه يقترب من فمي فأرتوي ثم يذهب, فأخذ يأتيني في الظلام كل يوم ثلاث مرات, ولكن منذ يومين انقطع لا أدري ما سبب انقطاعه؟ يقول: فقلت له لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت! ظن أولادك أنك مت جاءوا إلي فسحبوا الناقة التي كان يسقيك الله
****
ويروي لنا الرواة: أن رجلا جاء ذات يوم إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم يسأله عن وسيلة تزيل قسوة قلبه وغلظة كبده ، فيقدر النبي حاله ويهتم بالجواب عن سؤاله لأهميته البالغة،لأنه سؤال كل مؤمن بلا استثناء فيقول للسائل والمستمع: أتحب ان يلين قلبك وتدرك حاجتك؟؟؟ وهو سؤال له ما بعده ، يجلب انتباه الرجل ويشوقه إلى ما سيرشده إليه كما علمه عز وجل ولسان حال الرجل يقول نعم أحب ذلك من أعماق قلبي فيقول له الرسول صلى الله: (ارحم اليتيم،وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك)...........
...2
فيا أيها الرجل القوي بغناه والذي يشكو دائما من وجع البطن كما يشكو الفقير من وجع بطنه ، وإذا كان الثاني يشكو من الألم بسبب الجوع فإن صاحب الثراء والنعمة يشكو من الألم بسبب ألبطنه والتخمة، ولو أن الثاني أعطى الفقير ما فضل من حاجته من الطعام ما شكا واحد منهما سقما ولا ألما………………….... ما اظلم الأقوياء منا، وما اقسي قلوبهم،كيف ينام أحدهم ملء جفينه على فراشه الوثير،ولا يقلقه في مضجعه انه يسمع أنين جاره وهو يرعد بردا وقرا والقوي الغني يجلس أمام مائدة حافلة بأصناف الطعام قديده وشواءه، ولا ينغص عليه علمه أن من أبناء شعبه وامته ، ومن بين أقربائه وذوي رحمه من تتواثب أحشاؤه شوقا إلى فتات تلك المائدة الفاخرة المذهبة، ويسيل لعابه تلهفا على فضلاتها..بل إن بينهم من لا يقعد الحياء لسانه ،فيضل يسرد على مسامع المحرومين أحاديث النعمة وقصص أطاعمه، وخزائنه من الجواهر ليكسر قلوبهم وينغص عليهم عيشهم ،ويبغض إليهم حياتهم.. وكأنه يعير الفقير بفقره.. واحسب ان بعض الأقوياء لولا أنهم بحاجة الى الضعفاء يستخدمونهم في مرافقهم وحاجاتهم وحواكيرهم.. ولولا أنهم يؤثرون الإبقاء عليهم (ليجعصوا) على حسابهم وليمتعوا أنفسهم بمشاهدة تسخيرهم لهم، لامتصوا دماءهم كما اختلسوا أرزاقهم، وهؤلاء هم الذين عناهم الفيلسوف اليوناني ديوجين الكلبي)حينما سئل ما يفعل بمصباحه، وكان يدور به بياض النهار فقال: افتش عن إنسان).... وأنا شخصيا كما لا أستطيع أن أتصور إنسانا يحب القدس حتى يقول:أنا مقدسي، فإني كذلك لا استطيع أن أتصور أن الإنسان إنسان حتى يكون محسنا.........
3
أيها الرجل القوي بخزائنه وكنوزه وماله، ما بك تشكو من الهم والمال بين يديك؟ ما بك تشكو من الاكتئاب وكل شيء متاح بين يديك؟ أطعم الجائع والملهوف.... أكس العاري...عز المكروب... فرج كربة المهموم..يكن لك من هذا المجموع البائس خير عزاء يعزيك عن همومك وآلامك وأحزانك واضطراباتك النفسية، ولا تنتظر أن يأتيك النور من سواد الحلك، فالبدر لا يطلع إلا إذا شق رداء الليل والفجر لا يخرج إلا من مهد الظلام.
إن منظر الشاكر- والشكر لا يتم إلا بالإحسان- منظر جميل جذاب ونغمة ثنائه وحمده أوقع في السمع من العود في هزجه ورمله،وأعذب من نغمات الرحباني وعماد رامي، فأحسن ايها الميسور الى المحتاجين.أحسنوا إلى المعوزين و إلى الفقراء والبائسين وأعدك وعدا صادقا أنك ستمر في بعض لياليك على بعض أحياء القدس القديمة فتسمع من يحدث جارك عنك من حيث لا يعلم بمكانك أنك أكرم مخلوق،وأشرف ما انجبت النساء، ثم يعقب الثناء عليك بالدعاء لك أن يجزيك الله خيرا بما تصنع وتقدم فيدعو صاحبه بدعائه ويرجو برجائه,وهنالك تجد من سرور النفس وحبورها بها الذكر الجميل في هذه البيئة ما يجده الصالحون إذا ذكروا في الملأ الأعلى بدموعك, لان الدموع التي تنحدر على خديك في مثل هذا الموقف إنما هي سطور من نور. تسجل لك في ذلك الكتاب المسطور انك إنسان كريم. ...
إن السماء تبكي بدموع الغمام...ويخفق قلبها بلمعان البرق...وتصرخ بهدير الرعد, وان الأرض تئن بحفيف الريح...وتضج بأمواج البحر, وما بكاء السماء ولا أنين الأرض الا رحمة وإحسانا بالإنسان....... السنا أولى من الطبيعة ان نبكي ونجاريها في بكائها وأنينها؟ ان اليد التي تصون الدموع وتمسح على رأس المحتاجين,أفضل من اليد التي تهرق الدماء, وان اليد التي تشرح الصدور اكثر قبولا عند الله من التي تبقر البطون, وتحز الرؤوس, ولست ابالغ اذا ما طالبت الفقهاء ان يبحثوا ايهما اشرف يد المحسن ام يد المجاهد؟ وبحسب رايي واجتهادي انها اشرف يد فكم البون شاسع بين من يحيي الميت. ومن يميت الحي؟"ولو تراحم الناس فيما بينهم لما كان بينهم جائع ولا مغبون ولا مهضوم, ولما كان هناك حاجة ليتقاتل الناس فيما بينهم, لان الرحمة قمة العدالة......... لو أحسن الناس إلى بعضهم البعض لأقفرت الجفون من المدامع, ولاطمأنت الجنوب في المضاجع ،ولمحت الرحمة الشقاء من المجتمع كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام.......................
4
. أن من الناس من تكون عنده المعونة الصالحة للبر والإحسان فلا يفعل, فإذا مشي مشى مندفعا متبخترا لا ينظر لشيء مما حوله ولا تؤثر فيه المناظر المحزنة, وإذا وقع نظره على بائس لا يكون نصيبه منه إلا الإغراق في الضحك سخرية به وببذاءة ثوبه, وان من الناس من اذا عاشر الناس عاشرهم ليعرف كيف يحتلب درتهم, ويمتص دماءهم, (ولا يعاملهم إلا كما يعامل شويهاته وبقراته و إبله لا يسقيها ولا يطعمها الا لما يترتب من الربح في الاتجار به أو لبنها وأصوافها, ولو استطاع إن يهدم بيتا ليربح حجرا لفعل... وان من الناس لا حديث له الا الدراهم والدنانير والدولارات وأين مستقرها, يبيت ليله كئيبا حزينا لان خزنته لم يضف إليها كما تخيل في يقظته وكما حلم في منامه..
وان من الناس من إذا كشف لك عن انيابه رأيت الدم الأحمر يترقرق فيها, او عن أظافره رأيت تحتها مخالب حادة لا تسترها الا الصورة البشرية, أو عن قلبه رأيت حجرا صلدا من أحجار الغرانيت لا يسيل بقطرة من الرحمة, ولا تخلص اليه نسمة من العظة... فيا أخي الإنسان:
ارحم وأحسن إلى الفقير لا تتركه يقاسي وحده ويقاتل البؤس وحده.... ارحم الأرملة التي لم يترك لها زوجها غير صبية صغار زغب الحواصل, ودموع غزار.... ارحم المرأة التي تزين الشيطان لها, فلا تزين لها خلالها وخصالها المذمومة ولا تشتر منها عرضها علها تعجز عن أن تجد مساوما يساومها فيه فتعود به سالما الى كسر بيتها وحلس خابيتها.... ارحم الجاهل لا تتحين فرصة عجزه عن الانتصاف لنفسه فتجمع عليه بين الجهل والظلم, ولا تتخذ عقله العاجز متجرا تشتريه بثمن بخس.
ارحم الحيوان لأنه يحس كما تحس ويتألم كما تتألم ويجوع كما تجوع ويمرض كما تمرض ويبكي بغير دموع ويتوجع ولا يكاد يبين.
ارحم الطيور لا تحبسها في اقفاص صغيرة ودعها تهيم في فضائها حيث تحب, وتقع حيث يطيب لها التغريد والتنقير, اطلق سبيلها وأطلق سمعك وبصرك وراءها لتسمع تغريدها فوق الأشجار وفي الغابات, وترى منظرها وهي طائرة في جو السماء, فيخيل اليك انها أجمل من منظر الفلك الدوار والكوكب السيار.
أحسب أن الصخور الصماء لو سمعت شكاة المكروبين لأشكتهم وأرضتهم،ولو أن الوحوش ألمت بسريرة نفوسهم لرنت لهم وحنت عليهم،لأني لا اعرف مخلوقاً على وجه الكرة الأرضية يستطيع أن يملك نفسه ودموعه أمام مشهد البؤس والكرب والشدة والعذاب غير الإنسان.
ألا تلتقوا بهم لتروا ترقرق مدامعهم وذبول أجسامهم لتعلموا أنهم في كرب فترحموهم.
أأقفزت البلاد منهم؟
اللهم لا هذا ولا ذاك،فالخيرات كثيرة ومواضع الخلات والحاجات بادية مكشوفة يراها الراءون ويسمع صداها السامعون ولكن الأمة التي ألفت ألا تبذل معروفها إلا في موقف شراء الذمم والأصوات والمفاخرة والمكاثرة والمباهاة،والتي لا تفهم من معنى الإحسان إلا أنه الغل الثقيل الذي يوضع في رقاب المكروبين لاستعبادهم واسترقاقهم،لا يمكن أن ينشأ فيها إلا قلة من المحسنين المخلصين الذين يحملون بين جنونهم قلوباً رحيمة.فمن لنا بتلك السعادة التي أثكلتها إياها أنانيتنا فانقلبت حتى المعيشة البيتية اجتماعية فردية محضة فالأخوان متناكران ،والزوجان متنافران،،والولد شقي بابيه ،والأب شقي بولده وكأن ساحة المنزل ساحة الحرب والوغى؟؟؟؟؟؟؟؟.
5
أخي المتعاقد على صفقة إدخال السرور على إنسان أو الكشف عن كربة مسلم والمشي في حاجاته ..أما علمت أن كم من بلية غائبة في رجم الغيب أجهضها ومحاها معروف بذلته أو هم فرجته او محنة زحزحتها، واسمع إلى محمد بن الحنيفة حين يجزم بان (صانع المعروف لا يقع ، وان وقع لا ينكسر)
بل يقسم على بن أبي طالب رضي الله عنه في كلمات تلمح فيها بريق الوحي وتشم فيها رائحة النبوة،فيقول:"والذي وسع سمعة الأصوات.. ما من أحد أودع قلباً سروراً إلى خلق الله تعالى من ذلك السرور لطفاً،فإذا نزلت به تائبة جرى إليها كالماء في انحداره،حتى تطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل".
فإذا أعياك مرضك وحار الأطباء في علاجك،وبدأ اليأس زحفه المريع نحو قلبك فتذكر هذا الدواء الناجح،وجربه كما جربه عبد الله بن المبارك مع أحد مرضاه فعوفي وشُفي.
سأل رجل ابن المبارك فقال:يا أبا عبد الرحمن،قرحة خرجت من ركبتي من سبع سنين،وقد عالجت بأنواع العلاج،وسألت الأطباء فلم أنتفع به:قال فاذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس للماء فاحفر هناك بئراً،فإنني أرجو أن ينبع هناك عين،ويمسك عنك الدم،ففعل الرجل فبرأ.
وأي قيمة للإنسان اذا تساوى مع البعوض والهاموش في صفة الإيذاء ،بل قد يكون البعوض أعلى مروءة لأنه إن آذى الإنسان أو الحيوان في جسمه فلأنه يطلب بهذه الأذية عيشه وقوته الذي يحيا به ، وهذا هو طريقه الطبيعي الذي لا يعرف له طريقا سواه ولو استطاع لعافت نفسه أن يكون كالإنسان...
واني بعد إن حملت المصباح فلم أجد إلا القلة بل وجدت شبها متقاربا بين المنان والبخيل وبين البعوض ، فالبعوض خفيف في حركته وثقيل في لدغته ، وكذا الصاحب الذي يسرك منظره ويسوءك مخبره يتقرب إلى الناس ويلقاهم بابتسامة هي العذب الزلال رقة وصفاء وبين جنبيه في مكان القلب قلبا صلدا وصخرة صماء لا تنفذها أشعة الحب ، ولا يتسرب إليها سلسبيل الوفاء ....يقول للمحزون والمكروب أني احبك ليملك عليه نفسه ، فان تم له ما أراد سخرك له وأغراه بالسير في طريقه ليثلم شرفه ويسقط عنه مروءته ،فان فاته ما يشفي به نهمه وطمعه وداء بطنته ، لا يفوته ما يطفئ به نار موجدته بالمن والأذى...
أي قيمة معنوية تتبقى للإنسان حين ينفق الآلاف وعشرات الآلاف في بناء مسجد أو أمتار خيرية وفي مدينته أو كفره كثيرا من البائسين وذوي الحاجات، ينشدون مواطن الصلات لا أماكن الصلوات ، ولو اكنا منصفين لأسميناهم (المشاءون بالرياء) لأنهم يتسلحون بالسبح والمساويك وبناء مياه السبل المذهبة المساجد المنرمقة، ثم ان علا مقامهم وارتفع شانهم يسقطون على المكروبين والمحتاجين سقوط الجراد على المزارع ، فلا يتركون صادحا ولا باغما ولا خفا ولا حافرا ، ولا شيئا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ....إلا أتوا عليه...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.