استمع الجزائريون إلى المتحدثين الفلسطينيين باهتمام، وصفقوا بحرارة، ومسحوا براحة يدهم دمعة فلسطين طوال جلسات الملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال، ولكن عندما جاء دور الجزائر للحديث عن تجربتها، وتضحياتها، وصمودها، وتصديها للعدو الفرنسي الغاشم، تقدم للكلام شيوخ المجاهدين الجزائريين، أولئك الرجال الذين حكم عليهم بالإعدام، أو أولئك الذين تمكنوا من الهرب من السجون الفرنسية... أو أولئك الذين أمضوا عدة سنوات في السجن، والملفت أن جميعهم نطق بلغة واحدة، وإن تعددت أصوات المتكلمين، قالت لغة الشيوخ الجزائريين: أيها الفلسطينيون، من يريد وطنه حراً عليه أن يضحي، البكاء والدموع لا تسترجع وطناً، البكاء والدموع والتوجع قد يثير غباراً من التعاطف الدولي، ويستدُّر الشفقة، ولكنه لا يعيد وطناً سليباً، لأن الذي يعيد الأوطان هو الدم والجرح وعذاب السجن، والمقاومة دون توقف. كان آخر المتحدثين من الجزائر عبد السلام بوشارب، الذي هرب من سجون فرنسا، واختصر تجربة الجزائر بالأرقام الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاء، وفي كلام الرجل غمز على تفاخر المتكلمين الفلسطينيين بتضحياتهم، وصمودهم خلف القضبان، وكثرة شهدائهم، ونضالهم، فقال الرجل العجوز: أيها الفلسطينيون، أوصيكم بالوحدة، واعلموا أن الجزائر لم تنل استقلالها إلا بعد أن قدمت في كل صباح 557 شهيداً لمدة سبعة أعوام، لقد قدمت الجزائر كل شهر 17 ألف شهيد تقريباً، لقد بلغ عدد الشهداء مليون ونصف، وكان شعارنا: نعم للمفاوضات ولكن مع استمرار المقاومة المسلحة، ولهذا فرضنا على العدو الفرنسي إرادتنا، ونالت الجزائر استقلالها. بعد أن أنهى الرجل العجوز كلمته، توجهت إليه، صافحته بحرارة، وشكرته، وسألته: كم بلغ عدد الأسرى الجزائريين، فقال: ثلاثة ملايين جزائري بين أسير ومفقود. نعم؛ حق للجزائر أن تفخر بماضيها وتجربتها، وقد نالت استقلالها بالقوة.