تستقبل الأمة الإسلامية عام هجري جديد و لا اظنها أفضل في أحوالها عن عامها السابق . و قبل أن تودع الأمة عامها السابق جاءتها البشري بفوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 , و هي الدولة الحاضنة لأكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط و تعقد بقطر الكثير من مؤتمرات الديمقراطية و حقوق الإنسان و علي مقربة منها تقع مهازل يندي لها جبين الإنسانية و هي رأس حربة في التطبيع مع إسرائيل و تتصدر لكثير من مشاكل الأمة و تتطرح حلول لها دائماً تتسم بالنجاح و التوفيق خاصة و هي حلول تكاد تتطابق مع وجه نظر العالم القابع في الشاطي المقابل من البحر المتوسط , و خاصة و أن الأمير المبجل ذهب لشراء محلات هردوز البريطانية و يستعد أخر من العائلة الحاكمة للزواج من جانيت جاكسون ويكفي هذا . و قبل توديع عام راحل و إستقبال أخر أبت الحكومة المصرية إلا أن تضيف لوناً من الحزن علي الشعب الحزين بإنتخابات لا ترقي في مستواها إلي إنتخابات القبائل الإفريقية في العهود السابقة لتفرز برلمان بلا لون و لا طعم و لا معارضة و بحزب واحد سيطر علي كل مقاعدها و تم دفن الحرية في مقبرة من مقابر الفراعنة و ألقي بمفتاح المقبرة في النيل . و السودان في عامها السابق إنتخابات مزورة اتت برئيس يدعي حكم الإسلام و هو خائن لأمته و لبلده و هو مجرد دمية تحركها امريكا لتفيذ مخطط التفتيت الذي سوف يتم مطلع العام الميلادي القادم و ستتغير خريطة السودان بفضل البشير و يصبح السودان سودنات متعددة . هذا ما انتهت إليه الحالة السودانية من خطر داهم شبه محقق، خطر الانفصال وربما تذرّر البلد جملة ، و هذا شاهد على فشل الإسلام السياسي الغير مبني علي إطارحقيقي للتغيير ، وسيمثل وصمة في جبين الحركة الإسلامية: تسلّمت دولة تعاني تمردا محدودا ، قادته باسم الشريعة إلى تمزق، لدرجة الحديث عن الخيار بين الوحدة والشريعة وكأن الوحدة ليست مقصدا عظيما من مقاصد الشريعة. و في أرض العراق مازال الصراع مستمر سواء علي المستوي الميداني بين القاعدة و أخواتها و الميليشات الشيعية أو علي المستوي السياسي لتشكيل حكومة و الصراع كله بحدث تحت سلطة الإحتلال الأمريكي القابع في الأرض التي تم تحويلها من دولة عربية قوية إلي دولة من دول النكبات خاصة بعد العمليات التي تمت ضد نصاري العراق و التي من شأنها أن تهدد الأوضاع في العراق أكثر و أكثر . وفي ليبيا رغم الخطوات التي قطعها الإصلاح على صعيد الحوار مع الجماعات الإسلامية أفضى إلى إطلاق سراح المئات وعودة مهجرين، فإن "مشروع ليبيا الغد" الإعلامي الانفتاحي لا يزال يتعرض لغارات الشد إلى الوراء. و الرئيس القابع في كرسي الحكم خلف نظام فاشل للحكم يسميها حكم الجماهير و هي الجماهير التي لا تملك من أمر نفسها شيئاً , و مازال أولاده ينفقون أموال المسلمين سدي مرة علي الفنانات الماجنات و مرة علي إنتاج فيلم في هيوليوود . وفي تونس لا يزال الوضع العام يتسم بالانسداد والاحتقان والتأزم وإحكام قبضة البوليس وجماعات النهب للمال العام على رقاب الناس، لم يغير من ذلك شيئا إطلاق سراح أقدم سجين نهوضي صادق شورو، الرئيس السابق للنهضة، فقد انضم إلى آلاف من إخوانه إلى السجن المفتوح محروما من جملة حقوقه، بل إنه في نفس يوم إطلاق سراحه انطلقت غارة جديدة على عدد من السجناء النهضويين القدامى وتعرضوا لضروب قاسية من التعذيب. وليس حال آلاف سجناء شباب الصحوة أفضل حالا بل أسوأ، إلى جانب سجناء صحفيين كالسيد الفاهم بوكدوس.. و هي عيّنة مما يجري في المسالخ العربية لبلدان لا تزال تحظى أنظمتها بأزهى التزكيات ووافر المساعدات من قبل أعرق الديمقراطيات الغربية و في المغرب مازالت سبتة و مليلة محتلين و إن كانت المغرب تشهد صحوة في المطالبة بهم إلا أنها لا تكفي , خاصة في ظل إستمرار مشكلة الصحراء . و في اليمن المشتعل و معاركه السابقة مع الحوثيين و ألان مشكلة القاعدة و الذي اتخذها الأمريكان سبباً لتطبيق نفس إستراتيجية وزيرستان في باكستان و التواجد داخل اليمن و التي ستفشل كما فشلت في باكستان و لكن الرئيس عبدالله صالح لا يواجه مشاكل اليمن إلا بالطريق القبائلية : السلاح أو الجلسات العرفية و التي لا تحل مشكلة و الكلام يدور عن توريث للسلطة في الأروقة الخلفية . و في المملكة السعودية التي تعاني من غياب عائلها للعلاج و الكلام يشتد عن خلافات التوريث المحتملة خاصة في ظل ظهور الأجيال الجديدة من اولاد عبد العزيز , و مازالت صفقة الأسلحة السعودية – الأمريكية حديث يملأ العالم من حيث تأثيرها و إستخدمها في حرب ضد إيران أو غيره و مدي أهميتها للمملكة التي تعاني من ضعف شديد في تكوين جيش قوي فلماذ إنفاق المليارات و البنية التحتية من الجيش السعودي غير مأهولة خاصة علي مستوي الجنود و الضابط و التدريب . وفي سوريا ما زالت التصريحات القوية من جانب الرئيس الأسد تملاْ إذاعات العالم و لكنها لم تحرر شبراً و لم تفك أسيراً , و مازالت حقوق الإنسان تنتهك بشكل متفرد علي مستوي العالم للإسلاميين و العلمانيين . و الحال في لبنان ليس بعيدأ عن المشهد المأساوي فالتدخل الدولي في شئون لبنان هو السبب الحقيقي وراء كل أزمات البلد التي لا نستطيع التنبوء بما تسفر عنه الأيام القادمة . أما قضية الأمة فلسطين المسلوبة فالأوضاع كل يوم تقودنا إلي مأسوية أكثر من غيرها و مع فشل المفاوضات الفاشلة و استمرار الصراع المحتدم بين فتح و حماس يستمر المخطط اليهودي في التنفيذ سواء بالإستيطان أو بهدم المسجد الأقصي من خلال الحفريات و تحويل القدسالشرقية إلي عاصمة للدولة العبرية و سط تؤطأ و صمت عربي رهيب يفرح بتنظيم الكاس العالم في دولة عربية . و المشهد في باقي العالم الإسلامي لا يختلف كثيراً , الهند يئن المسلمون فيها تحت ضربات الهندوس داخل كشمير , و باكستان الحليف القوي لكشمير أصبحت مستعمرة أمريكية أشعلت فيها الحرب الأهلية بين طالبان و الحكومة تحت زعم محاربة الإرهاب و في كل يوم يسقط ضحايا مدنيين بطيران أمريكي و اخرين بعمليات تفجيرية تقوم بها طلبان باكستان و دماء المسلمين في الشوارع إرضاء للراعي الأمريكي , الذي مازالت قوته تعربد في أفغانستان و تقتل من المدنيين العشرات و ترعي حكومة زائفة و برلمان مزور و الحرب في افغانستان أظنها في سجالها الأخير فلن تتحمل واشنطن الكثير من النعوش القادمة من أفغانستان , و مأساة المسلمين في تركستان الشرقية لا تقل عن مثيلاتها في الفلبين و بلغاريا و في نيجيريا والصومال و الكميرون و هي نفس الوضع المأساوي في جمهوريات الإتحاد السوفيتي , و أوزبكستان علي سبيل المثال تشهد هجوماً حاداً من الرئيس كريموف و أبنته علي كل من يتحرك للإسلام و السجون تصرخ من التعذيب و القتل المنظم و البلد منهوب و أمريكا تدعمه بشده من باب الحرب علي الإرهاب (الإسلام) هكذا خريطة العالم في مطلع عام هجري جديد لا تضع إصبع علي منطقة و إلا تجد فيها جرح ينزف و دماء تسيل و سط مؤامرات لا حصر لها من التنصير أو التهويد حتي خارج فلسطين . هذا ما يبدو في الأفق الإسلامي ، لا حديث إلا عن توريث ومحاكمات وسجون وتعذيب ونهب للمال العام من قبل الأسر المالكة، جمهورية وملكية. و قد يكون الإيجابي في هذا المشهد الكالح أن سنة الله سبحانه اقتضت أنه كلما اشتد الميل والتطرف في اتجاه، إلا وكان ذلك إيذانا بانبعاث قوة جديدة أو تيار في الاتجاه المعاكس يعدّل الموازين. إن انسداد آفاق إصلاح النظام العربي و هو المفترض أن يكون الحاضن الرئيس لقضايا الإسلام وتبنيه للعنف والنهب في الداخل وتآكل شرعيته، وتهالكه على استرضاء الخارج ولو بالتفريط في ما تبقى من استقلال البلد، أخذ يعزّز موقف المطالبين بالتغيير ونفض اليد نهائيا من مطلب إصلاح أنظمة فات أوان إصلاحها بعد أن نخرها الفساد حتى العظم وسدّت كل منافذ التهوية شأن البناء المهتز يخشى عليه من كل محاولة إصلاح أن تسرع بانهياره فوق رؤوس أهله. فأنى يرتجى له إصلاح ؟ وبأي وجه على قطرة من حياء، يمكن الدفاع عن مثل هذه الأنظمة؟ و لم ينتهي العام قبل أن تكشف و يليكس وثائقها التي أكدت زيادة علي تبعية الحكام العرب و لم أراها ذات شأن واضح , فالتاكيد علي المؤكد لا يفيد . أنا لم أريدأن أسجل هنا كل ما لحق بالمسلمين من هزائم خلال عام مضي و لكن ما اختزنته الذكراة من ذلك . لقد كان المسلمين في العهد الأول من الإسلام أقل عدداً من الآن , و لكنهم كانوا أكثر إيماناً و أعز ديناً , بيد أن المسلمون اليوم عدد أكثر و لكن لا هيبة و لا عزة , فعدد المسلمون اليوم يقارب عدد الصين و قد جمعتهم الشيوعية في دولة , فلماذا لا تقوم للمسلمين دولة تجمع شتتاتهم و تلملم جراحهم و تقيم عزتهم . إن الحل الأمثل هو في إقامة خلافة إسلامية , و لكن يجب أن تدرس الخلافة من خلال تعاليم الإسلام و ليس من خلال كتب التاريخ , فقد تم تصوير الحكم الإسلامي تصويراً شنيعاً , و علي أنه نظام إستبدادي مطلق يحكم باسم الله علي الأرض , و قد قرأت كتب و أبحاث تصور نظام الإسلام في الحكم علي أنه نظام يتوافق في كل شيء مع القوانيين و الشرائع الغربية و فريق آخر أفرط في تصوير الإسلام علي أنه حكم ديكتاتوري لا علاقة له بالشوري . و بين هؤلاء و هؤلاء ضاعت فكرة الخلافة الإسلامية . هكذا خرج المسلمون في العالم من عام هجري سابق ليستقبلوا عاماً جديداً و نفس مأسيهم و مشكلاتهم و جراحهم لم تتغير بل تزيد . ورغم تصاعد موجات التعصب الديني ضد الإسلام التي بلغت حد قطع أعناق المساجد وحظر الحجاب والتهديد بتحريق القرآن، فإن شعائر الإسلام آخذة في تلوين الحياة بلونها، وصنّاع السياسة والفكر مستيقنون أن الإسلام هنا ليبقى شريكا في صنع المصائر والإسهام في إنقاذ الحضارة، بما يؤكد ارتباط المستقبل بالإسلام وأن خيوط شمسه في امتداد "والله متمّ نوره ولو كره الكافرون"و لعل هذا العام يكون أفضل من سابقة , اللهم استجب