مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير اسرائيلي: نحن بصدد احتلال غزة وعلى الإسرائيليين تقبّل كلمة "الاحتلال"    الرابطة المحترفة الاولى : برنامج الجولة 29    سليانة: 2735 تلميذا وتلميذة من 22 مؤسسة تربوية يشرعون في إجراء اختبارات البكالوريا التجريبية    عاجل/ قتلى في اصطدام سيارة تونسية بشاحنة ليبية    عاجل/ حملة أمنية في سيدي حسين تُطيح بعناصر خطيرة مفتّش عنها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    تونس تتلقى هبة يابانية تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي    رفض مطلب الإفراج عن النائب السابق وليد جلاد في قضية فساد مالي    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول احداث سيدي بوزيد : محمد نجيب وهيبي


ما حدث في بوزيد؟
لقد وضعت الحركة الاحتجاجية في سيدي بوزيد أساسا وحركة المساندة في باقي تراب الجمهورية أوزارها أو تكاد وهدات العاصفة ، مما يضع على عاتق الجميع في تونس مسؤولية وواجب التفكر فيها بعمق أسبابها ،وتنظيمها وتوجهها ، ومختلف التكتيكات التي أحفت بها ..الخ وربطها بكل الأحداث السياسية والاجتماعية السابقة لها بعيدا عن العاطفة والتشنج ، من اجل استخلاص الدروس والعبر ورسم ملامح البرامج السياسية والاجتماعية المستقبلية خدمة لمصالح جماهير الشعب .
هل هي انتفاضة تم اجهاضها ؟
ارتأيت ان أنطلق من هذا التساؤل حول ماهية التحرك نظرا للحيز الاعلامي الذي اخذته الاحداث ، وحدة الشعارات التي انطلقت معها وصاحبتها وتتالي التحليلات من هنا وهناك حول ضعف النظام التونسي واهترائه والتبشير بسقوطه ، كما كثرت دعاوي باقالته وتغييره جذريا والاستعداد الى اقامة " جمهورية ثانية" " ومؤسسات حكم جماهيرية" .. الخ . حتى ذهب الحديث بالبعض من الحالمين الى التباحث حول البديل لقيادة تونس ، مع العلم ان الكثير من هذه الآراء صدرت عن اناس يعتبرون من العالمين بالاوضاع في تونس وممن لا يمكن رميهم بالجهل بحقائق من قبيل : أن الحركة في انطلاقتها في سيدي بوزيد لم تتعدى حالة الغضب الشعبي للحظة مأساوية قام فيها اخد شبان الجهة باحراق نفسه علنا وامام مقر سيادة ، وهو عمل صادم للذهنية العامة ( فالانتحار ليس شائعا في عاداتنا وهو امر غير مقبول عندنا ثقافيا) شكل رجة لدى المحيطين به مع ما حمله من رمزية (أمام الولاية ) الاحتجاج على الدولة ، مما يوحي بأن الحكة كانت ردة فعل ظرفية مردها الحزن والالم أكثر من الاحتجاج والرفض ، كما ان حركات المساندة في اغلبها ( في أغلب المناطق الاخرى) والتي قادها او دعى اليها نقابيون وناشطون بالأساس ظلت مقتصرة على التعاطف والمساندة ولم تشهد انخراطا شاملا لقوى الشعب بمختلف شرائحه وفئاته ، فرغم حدة الشعارات والمواجهات العنيفة مع البوليس والحملة الاعلامية الشرسة ، والتبشير بالانتفاضة والتغيير الشامل على صفحات" الفايس بوك" لم تتجاوز هذه المسيرات والتجمعات مثيلاتها التي يدعو اليها نقابيون في كل الأحداث العالمية ولم يتعدى رد فعل المواطن تجاهها المساندة السلبية أو الموافقة "الفرجوية "، وفي أحيان قليلة انخرط فيها دفاعا عن مصلحة مباشرة نظرا لكونه "فردا او مجموعة " معنيا بالمسألة " صيادو قرقنة" ، "صغار التجار ببن قردان" ،"بعض أصحاب الشهائد المعطلين " ..الخ.
ان هذه الوقائع حسب رايي ، واذا ما أضفنا اليها حقيقة ان الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بتونس متشابهة ومتقاربة بين كل الجهات ( وهذا لا يلغي التفاوت بين المدن الرئيسية والداخلية ) مما يعني أن القضايا المطروحة هي نفسها واهمها قضية البطالة والفساد ، يدفعنا للتساؤل حول عدم المشركة النشيطة في التحرك من قبل مواطني مختلف ولايات الجمهورية في هذا التحرك خاصة المدن الرئيسية حيث الحراك النقابي والسياسي متقدم نسبيا والتجمعات البشرية والعمالية اكبر ؟ وفي تقديري لم يحدث هذا لأربع أسباب أساسية تلغي كلها فرضية " الانتفاضة الشعبية " أو " الثورة الجماهيرية ":
* أولا : لا وجود لازمة سياسية ،واقتصادية شاملة في تونس اليوم ، فالنظام الاقتصادي التونسي بتوجهه الاجتماعي الحالي مستقر نسبيا رغم الهزات التي تحف به .
* ثانيا : المعارضة المنتظمة وغير المنتظمة بتونس لا تزال عاجزة عن الاتصال العريض بجماهير الشعب حتى تمكنهم من التنظم في حركة رفض أو احتجاج سياسية او اجتماعية واعية وموجهة ، وهي لم تخرج بعد من مرحلة التعاطي السلبي مع الاحداث " ردود فعل " وليس لها عقل أو" عقول" سياسية مستقلة تضع برامج وتكتيكات تعكس حالة الواقع وتسعى الى تغييره ، فهي تتاثر بوسائل الإعلام والدعاية والتحريض مثلها مثل المواطن العادي ولم تخرج عن طور اصدار الجمل والشعارات الثورية والحالمة .
* ثالثا : تمكنت السلطة في تونس خلال السنوات الماضية من فرض وجود أديولوجيتها ونشرها بين مختلف شرائح وفئات الشعب لتخلق ثقة بينها وبينه مفادها " الاستقرار مقابل الخبز" ، وقد نجحت سياستها تلك الى حد بعيد كما فعلت البرجوازية الغربية في أكثر الدول تقدما و"ديمقراطية" ( مع ملاحظة غياب الديمقراطية الفعلية هنا) ، فالتونسي ورغم كل شيء يضع ثقته بشكل رتيب في مؤسسات السلطة القائمة وسياساتها ،وينضبط لخياراتها وينخرط في برامجها بشكل سلبي ( أي انها لا يرفض ولا يوافق = موافق على ما يوجد عموما) .
* رابعا : اتخذت السلطة تدابير سياسية وأمنية ذات رؤية بعيدة المدى قامت على عنصرين ثلاث عناصر اساسية : أولها وحدة جهاز الامن وسطوته واعلاء رمزية شخوصه ومسؤوليه ساعده في ذلك انخراطها في منظومة الحرب على الارهاب ، وثانيها وجود جو حزبي تعددي في ظاهره ونقابات وجمعيات محدودة الوجود والحركة تعاني من أنقسامات وأزمات ليها وثالثها ضرب الثقة بين المواطن وأحزاب المعارضة والنخب ساعدها في ذلك انحسار هذه الاخيرة وتشتتها وعلاقات بعضها المشوهة بالدوائر الامبريالية ...الخ .
اذا فان ما حدث في ديسمبر 2010 بتونس لم يكن يأي حال من الاحوال عملية لتقويض نظام الحكم أو ثورة شعبية " الا في اذهان بعض الحالمين " ولم يتعدى كونه حالة غضب وجب التعاطي معها على ذلك الأساس حتى لا تحمل ما لا طاقة لها به وتنتهي الى عملية انتحار جماعي

التكتيكات السياسية التي أحفت بالحدث
لئن اتفق الجميع أول الأمر على أن الأحداث كانت عفوية ، ولئن بان على الجميع الارتباك تجاهها بداية وعدم قدرة أي كان على التحكم فيها وقيادتها أو توجيهها ولكن هذا لم يمنعهم من التحرك واصدار الخطب والبيانات ومحاولة الالتصاق بالحدث والظهور معه ، وللانتباه انا لا أدعو هنا الى الاكتفاء بالفرجة ولا أجرم محاولة الفاعلين السياسيين الاحاطة بالأحداث وتأطير تحركات الجماهير أو ما يدعوه البعض " بالتوظيف" فذلك هو واجبهم الأساسي ، ولكني سأبحث هنا في طرق ومآلات هذا التوظيف .
لقد انقسم الفاعلون الأساسيون الى ثلاث معسكرات لكل منها تكتيك سياسي تجاه الأحداث يسعى الى توجيهها وفق قراءاته للأوضاع ومصالحه أو وفق تصوره لمصالح الشعب والوطن .
* تكتيكات السلطة : لقد فاجئت الأحداث بسرعتها وتفردها السلطة السياسية بتونس من حيث التوقيت والحدة وسرعة تناقل الخبر ، حيث شهدت تونس استقرارا أو هدوءا شبه عادي وروتيني منذ احداث الحوض المنجمي والانتخابات الأخيرة واتخذت مؤسساتها ومؤسسات الحزب الحاكم اجرائات للاستعداد للاستحقاقات السياسية القادمة وأهمها التمديد لرئيس الجمهورية فترة نيابية اخرى (وما يفرضه ذلك من ترتيب للأوضاع الداخلية والخارجية إعدادا لاستفتاء شعبي) وانطلقت حملة المناشدات لتهيئة اجماع شعبي ، ووضعت اللبنات الأولى في تسوية ملف الرابطة ..الخ كما لا ننسى ما احدثته تقارير ويكيليكس من رجة وما صاحبها من تاويلات حول مؤامرة تحاك ضد النظام التونسي ، ولكنها سرعان ما تداركت الأمر وتحركت الآلة الأمنية بقوة لفرض النظام في منطقة الحدث الرئيسي أولا دون تحركات المساندة في مرحلة أولى وفي الخطوة الثانية وامام فشل تحركات المساندة في جذب زخم شعبي قامت بضربها بقوة أيضا، كما تحركت الآلة الحزبية لاستنفار هياكل التجمع في كامل تراب الجمهورية ، وفي نفس المستوى تعاملت وسائل الاعلام الرسمية مع الأحداث كأنها غير موجودة وكان ما يحدث لا علاقة له بتونس ، ثم الحقت ذلك بتحركات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي ارتكزت فيه على دعم حلفائها من الخارج من ناحية وعلى اسناد رأسالمال المحلي من جهة اخرى . وقد نجحت في ذلك الى حد بعيد وبخرت شبح الثورة المزعومة .
* تكتيكات المعارضة :
تعاملت المعارضة ( وهنا اقصد المنتظمة وغير المنتظمة ، الحزبية وغير الحزبية : باختصار كل الناشطين والفاعلين السياسيين خارج فلك السلطة ) بتكتيكين مختلفين مع الاحداث :
سعى الفريق الاول بعد ان استفاق من دهشته الى محاولة ركوب الأحداث وإسقاط شعاراته ورهاناته عليها ، فحبرت البيانات والنداءات كما صورت المقاطع والكلمات التحريضية التي تنادي باسقاط النظام والإعداد إلى التغيير الشامل وتسابق الزعماء الظهور لدعوة الشعب الى الالتحاق بالثورة ، كل هذا دون ان يلتفتوا لحظة الى قرائة الاحداث قرائة موضوعية ودون تقييم لحالة موازين القوى الحقيقية و لمآلات الحركة ونتائج الخطاب التحريضي ومدى التماسك السياسي لجهاز الحكم وما يقابله لغياب وحدة الصف بين الجماهير والقوى السياسية أو باختصار دون ايلاء أي اهتمام للمقدمات الموضوعية التي يقوم عليها تكتيك ما ، لقد اكتفوا بترديد العبارات الثورية الكلاسيكية المنمقة والجذابة بغض النظر عن ما تفرضه الأحداث ، فكان خطابهم متحجرا ومثل دعوة صريحة الى الانتحار الجماعي بالنسبة للغاضبين وتعبيرا عن عجزهم اما تصفية باكورة الصحوة الجماهيرية لم يقدمو للحركة ولتونس غير محاولة يائسة لتجميل انفسهم وفرض أطروحاتهم البالية عليها والتكسب من آلام أبنائها . فذهب الأمر ببعضهم الى تزييف الحقائق بشكل قذر وادعاء قيادته للحركة وتحكمه فيها ولكن تعرت تكتيكاتهم لما لم يقابله التونسي الا كما يفع عادة ومنذ سنين بالتأييد الايجابي لا لشيء الا لأنها براقة ولكن ليت حقيقية والواقع أصدق .ويمكن ان نطلق على هذا التمشي "بالانتهازية اليسارية "أو "الثورجية" أو" اليسراوية" وكفى كما وصفها فلاديمير لينين.
أما الفريق الثاني وأغلبه من النقابيين و اليساريين عموما وبعد الارتباك الذي شهده فقد سارع الى لملمة مواقفه وانخرط في التحركات الاحتجاجية مثله مثل الاول ، على قاعدة عقلنة الشعارات والتكتيكات و"تسقيف" كما يحلو للبعض تسميتها ، مطالب الحركة وحدودها وفق قواها الحقيقية ، من اجل فك الحصار عن منطقة الاحداث ومحاولة حماية نشطائها والدفاع على حق الاحتجاج والتظاهر ، ودعوة الجميع الى تشكيل جبهة للعمل الديمقراطي تؤصل مكاسب الحركة الجماهيرية منذ أحداث الحوض المنجمي الى أحداث سيدي بوزيد مرورا بكل ما شهدته تونس من حراك نقابي وطالبي ..الخ بعيدا عن الانتهازية وركوب الاحداث وقد توجهت للناس وللسلطة ولمختلف الناشطين على حد السواء بخطاب خال من الأوهام حول " الثورة الشعبية " و"الانتفاضة" يدعو الى مراجعة الخيارات السياسية و الاقتصادية وتوجيهها وجهة الانفتاح والتعدد الفعلي وبناء اقتصاد تضامني قائم مراجعة حصص وآليات توزيع الثروة بين الوطنية بين الجهات والافراد ،من ناحية ، ومن ناحية اخرى الى ضرورة توحيد المعارضة الديمقراطية بصفة عامة وقوى اليسار خصوصا على ارضية برنامج سياسي شامل وواضح ذو آليات عملية للانتقال الديمقراطي يضع هدف اساسيا يتمثل في اكتساب ثقة الجماهير وتدريبها على ممارسة مواطنتها والمشاركة في إدارة الشأن العام .
الاستخلاصات :
ان "التاريخ لا يعيد نفسه الا في شكل مهزلة" ،هذا ما وجب علينا ان نتعلمه عوض التهليل والتبشير بتكرار أحداث جانفي 84 وكأني بالقائلين بهذا لا يريدون للتاريخ ان يسير قدما ، او انهم يريدون تبرير جملهن الثورية الجاهزة عبر استحضار الماضي بوقائعه كما هو ، أن تاريخ تجارب الشعوب وذاكرتهم وجدت لنتعلم منها لا لنجترها ونعيدها كما هي .

ان التحرك الشعبي والاحتجاج والرفض أو ما يمكن ان ندعوه "بعنف الجماهير" أمر مشروع وهو حق يجب الدفاع عنه والتمسك به ولا مصلحة للوطن في التصدي له وقمعه بشكل شرس ، كما أنه على السلطة ان تعي ان حالات العنف المفرط ( الاعتداء على ممتلكات عامة وخاصة ) وانفلات الجماهير نتيجة حتمية لحالة الانغلاق السياسي وعدم تمكن الاحزاب السياسية من الاتصال بها وتأطيرها لتدربها على الممارسة المدنية والاحتجاج السلمي ولا يمكنها بالمرة المحاججة بها لضرب المحتجين بشدة ، كما عليها أن تعلم ان الاعلام الوطني يمثل عنصرا مهما في رفع الحس المدني لدى المواطنين وفي الدفاع عن مكاسب النظام الجمهوري وتطويرها لذا عليه ان يخرج عن رتابته المعهودة ويواكب التطورات التقنية والاتصالية ويكف عن ترويج ثقافة الاستهلاك واللامبلات وبث الاوهام وان يلتفت الى حقيقة اوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فسياسة التجهيل والتصحير الحضاري لم يعد لها مكان امام الانفتاح الاعلامي والاتصالي الذي يشهده العالم اليوم والنتيجة لا تزال ماثلة امامنا اليوم .
ان المجتمع المدني والسياسي بتونس لم يتجاوز بعد في أغلب مكوناته مرحلة المراهقة السياسية ( وهذا ليس شتما) فهو لم يخرج من دائرة الرفض وردود الفعل العفوية والعاطفية ، وفي أفضل الحالات من مرحلة التفكير والمطارحات النظرية بعيدا عن متطلبات الواقع والمصالح الحقيقية والمباشرة لشعبنا ، فضلت نضالاته وتحركاته معزولة غلب عليها طابع الفردانية والزعاماتية والبطولات الشخصية اليائسة وثقافة الانتحار والنضال الجسدي واضرابات الجوع ، التي وان كانت تحقق مكاسب محدودة لأفراد أو لمجموعات فانها عموما تهدد وحدة الحركة ووحدة مصالحها ، بينما المطلوب منه القيام بواجب تاطير جماهير الشعب والتعلم منهم وتعليمهم وباختصار أن يكون معهم وحدة سياسية واعية برهاناتها ووواقعها ومصالحها المشتركة وبمهماتها التاريخية بعيدا عن النمطية والأدلجة السلبية . وفي هذه المرحلة عليه التعلم من الاحداث والتجارب والتحلي بالجرأة اللازمة للتقدم خطوة في اتجاه تصحيح علاقته بواقعه والجماهير وتصحيح أدواة تفكيره ومرجعياته النظرية للاستجابة الى التطورات الفلسفية والفكرية والتغييرات السياسية والاجتماعية التي شهده العالم منذ تسعينات القرن الماضي ، فادراك العالم وحده لايكفي ولكن محاولة تغييره دون ادراك تؤدي الى كارثة.
ان تونس أخرى ممكنة
يمكن لنا ان نصدق الارقام التي تقدمها السلطة والدوائر العالمي حول نسب النمو والاستثمار والبطالة ، كما يمكن ان تكون هي صحيحة في حد ذاتها ، ومسألة الأرقام والمؤشرات لا تاتي في المرتبة الاولى من الاهمية حسب رأيي بقدر ما لطرق تحليلها والدعاية المرتبطة بذلك ، لذا وجب ان أوضح ان هناك اختلافا جوهريا بين مسألتي النمو والتنمية ، لان الاول يعني فقط تطورا في مستوى الثروات المنتجة والكفائة الانتاجية دون ان يدخل في تفاصيل هذا التطور ودون ان يلقي الضوء على طرق توزيعها بين مختلف القطاعات المنتجة وشرائح الشعب وفئاته فعناصر النمو متعددة ويمكن لاي منها تحقيقه على حساب الاخريات (الاستهلاك النهائي للناس والدولة والمؤسسات ، التكون الصافي للراسمال الثابت ،ميزان التجارة الخارجية) ومن هنا يصبح لمصدر النمو وطبيعته أهمية تضاهي اهميته نفسها أو تفوق ، بينما التنمية هي فعل ارادي وواعي ناتج عن سياسة واضحة توجه الاقتصاد ومختلف الفاعلين الاجتماعيين ليس لتطوير الثروات الناتجة فحسب بل الى احداث تغييرات جذرية في الهيكلة الاقتصادية وهيكلة الناتج وتوزيعه بين مختلف الفئات والقطاعات وحتى في العادات الاقتصادية والاجتماعية ، بهدف البحث عن عدالة اكثر تحقق الاستقرار وتضع في اعتبارها اختلاف احتياجات الافراد والجهات جنبا الى جنب مع مصالح المجموعة او التجمعات ، وهذا في رأي ما نحن بحاجة اليه . ولتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تستجيب لطموحات التونسيين أر أن لزاما على الدولة أن تقرن سياستها الاقتصادية بانفتاح سياسي و"تنمية ديمقراطية " لتحقيق التكامل بين مختلف مكونات المجتمع التونسي ،وذلك عبر اجراءات عاجلة و جوهرية تبدأ ب :
* إشاعة حرية التعبير والتنظم والصحافة لبناء مؤسسات رقابة مدنية .
* احترام استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ورفع القيود المفروضة على نشاطها واعتبارها شريكا للسلطة في ادارة الشان العام .
* اشراك المواطن في تحمل مسؤوليتي بناء برنامج تنموية جهوية متكافئة والتصدي لظاهرتي المحسوبية والرشوة ، عبر انتخاب مجالس تنمية وتشغيل جهوية .
* اصلاح المجلات الجبائية ومجلة التشجيع على الاستثمار بما يخفف الضغط الجبائي وشبه الجبائي (الضريبة على الدخل والمساهمات في الصناديق الاجتماعية ) على الاجراء ويعطي للمجموعة الوطنية قدرة اكبر على مراقبة جدوى الامتيازات الجبائية المقدمة لرأسالمال .
* تغيير مقاييس اجتياز المناضرات الوطنية للتشغيل عبر اعطاء أولوية لذوي البطالة المزمنة او الطويلة (تفضيلهم بنقاط حسب سنوات البطالة مثلا ).
* وفي ما يخص تشجيع المبادرة الخاصة وبعث المشاريع أعتقد ان سياسة تقديم القروض من بنك 26-26 وحدها لا تكفي اذ على الدولة أن تسعى لحماية هذه الاستثمارات الصغرى عبر في مرحلة أولى لتجاوز واقع المنافسة اللامتكافئة والموارد المالية المحدودة (فرض اشراك الباعثين الجدد جزئيا في كل المناقصات العمومية مثلا )
ويلي هذا العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتعزيز النظام الجمهوري وتقوية ركائزه .
كلمة أخيرة
ان الشعب التونسي بكل فئاته وشرائحه يتعلم كل يوم ومنذ احداث الحوض المنجمي وفي شكل دروس مكثفة كيف يحتج وكيف يتجاوز أسوار الحجب والحجز ، ويبتدع كل يوم أساليب تنظم أكثر فأكثر وحدته في الدفاع عن مصالحه ، والسلطة في كل يوم لا تريد ان تتعلم انها لن تستطيع بعد الآن لجم الأفواه وان لا مصلحة لتونس في محاولتها تلك ، وفلول المعارضة وأشباه الزعماء لم يتعلمو بعد ان النواح لم يعد يجدي وان الدفع بالشعب الى الانتحار لن يبوئهم أية مناصب قريبا وان الاوهام تبخرت منذ أمد وأن الغرب لن يكون لنا اي سند ....
ان الشعب ليس جبانا ولكنه مسالم فحسب فاحترمو صمته عندما يكون واحذروا غضبته لما تقوم والاهم لا تهينوا ذكاؤه.فليس أمام الجميع اليوم سوى الاستجابة الى متطلباته وحالة وعيه .
من اجل الجمهورية الديمقراطية .
نعم للحق في الاحتجاج لا للانتحار والحلول الفردية.
الكاتب : محمد نجيب وهيبي :طالب مرحلة ثالثة علوم محاسبة
عضو بالهيئة الادارية للاتحاد العام لطلبة تونس
ناشط بالحزب الاشتراكي اليساري التونسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.