تونس بشير الحامدي الفجرنيوز:منذ 17 ديسمبر 2010 وهو تاريخ إنطلاق الإحتجاجات في مدينة سيدي بوزيد ضد البطالة والتفقير والتهميش ومصادرة الحريات والأحداث في تونس تتصاعد وبسرعة مؤشرة لولوج تونس مرحلة جديدة من تاريخها تقطع مع وضع الإستكانة والخوف الذي ساد في صفوف الشعب منذ إنقلاب 7 نوفمبر 1987 بفعل سياسة القمع المعمم التي فرضتها دكتاتورية زين العابدين بن علي على المجتمع . ففي ظرف أسابيع ثلاث عمت الإنتفاضة كامل البلاد برغم القمع الأسود الذي ووجهت به التحركات ومنذ إنطلاقتها والذي بلغ حد إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وعلى المواطنين حتى وهم أمام منازلهم والذي خلف عشرات القتلى والجرحى خصوصا بعد أن توسعت الإنتفاضة وإنتقلت من سيدي بوزيد إلى ولاية القصرين وبلدة تالة لتعم فيما بعد أغلب والولايات والبلدات خصوصا في الوسط وفي جهة الشمال الغربي الكافجندوبةسليانة . توسع الإنتفاضة اليوم وبلوغها الأحياء المفقرة في المدن الكبرى سوسة وخصوصا العاصمة تونس وإنخراط أغلب شرائح المجتمع المفقرة والمهمشة في الإحتجاج إضافة للمساندة الكبيرة التي تلقاها هذه الإحتجاجات من الهيئات والجمعيات المستقلة كالمحامين والصحفيين والكتاب الأحرار والنساء الديمقراطيات والفنانين إضافة للنشاط الكبير الذي لاشك سيكبر والذي يقوم به النقابيون المناضلون في كل الجهات سواء في تنظيم التجمعات والمسيرات المساندة أو في إنطلاق إضرابات جهوية متتالية هو الذي سيعطي للإنتفاضة طابعها العمالي الشعبي غير البارز منذ إنطلاقتها وهو تطور كبير في الوضع سيطيح بكل الأكاذيب التي ترددها السلطة في أنها مجرد عمليات شغب وتخريب. إن الطابع العمالي والشعبي والذي سيكون أكثر وضوحا بإلتحاق الخدامة وشغيلة الدولة بالإنتفاضة هو الذي سيعطي للإحتجاجات وللإنتفاضة تعبيرتها السياسية العمالية الشعبية وسيمركز شعاراتها في مطلب سياسي مركزي ليس أدني من إسقاط حكومة الفساد ورحيل الدكتاتور. نعم نقول هذا لأننا وبرغم إيماننا بأن الإنتفاضة إنطلقت في ظل أوضاع وموازين قوى مختلة ولصالح الدكتاتورية إلا أنها وبمرور الوقت وبفعل توسعها و جذرية مطالبها ونشاط وإرادة الفئة الشبابية الناشطة فيها وبمزيد من إنخراط الشغيلة والطلبة والتلاميذ فيها ستؤسس لبداية وضع تنقلب فيه موازين القوى لصالح الشعب المنتفض. إن الإنتفاضة الحالية والتي تمثل أرقى نشاط للفئات الشعبية التي سحقتها سياسات السلطة على إمتداد أكثر من عشريتين سوف لن تتوقف دون أن تبلغ مداها الذي سيفتح على أفق أوسع لم تكتمل عناصره وصورته اليوم نظرا لغياب عدة عوامل ذاتية وسياسية ولكن وفي كل الحالات سيكون كل تغيير لصالح الشعب سواء من الناحية الإقتصادية أو من الناحية السياسية لأن السلطة ولئن حاولت في البداية محاصرة الإنتفاضة ومنع توسعها بأي ثمن وذلك بالإمعان في نهج التصلب والقمع وإطلاق الرصاص إلا أن ذلك قد بان وبالملموس أنه نهج لا أفق له فالحزم والحزم الذي نادى به الدكتاتور والذي لم يكن يعني غير إطلاق الرصاص الحي على المواطنين لم يفلّ من عزيمة المنتفضين بل أدى إلى نتائج عكسية حيث تأججت الإحتجاجات وعمت بعد دعوة الحزم والحزم أكثر المدن والبلدات التي لم يعد المواطنون يحتجون فيها مساندة لمواطني سيدي بوزيد بل أصبحوا يحتجون على ظروفهم هم أنفسهم والتي لم تكن تختلف كثيرا عن أوضاع المواطنيين أين إنطلقت الشرارة الأولى للإنتفاضة. إن الإحتجاجات اليوم لابد أن تتواصل وأن تبلغ مداها والذي هو قلب موازين القوى لصالح قوى الشعب إن ذلك لن يتأتي دون ضرورة إدراك المنتفضين أنه لابد من تنظيم إحتجاجاتهم أي لابد من تطوير الأشكال الجنينية للتنظم الذاتي التي برزت أثناء الإحتجاجات وأنه لابد للنشاط الثوري الجماهيري من أن يرتقي ويتوجه إلى شل حركة الإنتاج . إن دخول الشغيلة اليوم في حركة إضرابات وإحتجاجات ومسيرات وإحتلال الساحات والشوارع والمرابطة فيها وتكوين لجان حماية للتحركات وعدم القبول بالحلول الترقيعية والوعود الكاذبة أو بمحاولة إمتصاص الغضب بإقالة وزير أو غيره أو بإطلاق سراح الموقوفين هي الكفيلة بتحقيق هذه النقلة في مزازين القوى. إن مثل هذا الوضع لن يتأتى من فراغ طبعا فحركة الصراع الطبقي اليوم تكشف عن تجذر في الوضع لابد أن يتجاوزفي تطوره وضع العفوية الذي إنطلقت فيه الأحداث. إن المهمة اليوم ملقاة على عاتق طيف قوى الجناح اليساري الديمقراطي الجذري المعارض هذه الكتلة السياسية التي عليها أن تعي دورها اليوم في تسييس الإنتفاضة ومركزة مطالبها وتنظيمها والإلتحام بهؤلاء الفاعلين الجدد الذين كشفت عنهم الإحتجاجات كما كشفت عن مدى جذريتهم وإرادتهم الصلبة والفاعلة والتي تجاوزت قدرات المعارضة التقليدية العاجزة إلى اليوم برغم ما بلغته الأحداث من تجذر. إن الفرز الطبقي اليوم يحدث على الأرض وعلى أرضية الشعارات والمطالب التي ترفعها الجماهير والتي بينت بالملموس أنها دفعت وتدفع حياتها ثمنا لها. إن على قوى اليسار أن تعي ذلك وأن تفك إرتباطها بالإصلاحية واليمينية من كل صنف. إن الإنتفاضة أشرت إلى ضرورة الإستقلال عن البرجوازية واليمينة والإصلاحية بكل تلويناتها فالصراع اليوم ولأن كان غير ظاهر بما فيه الكفاية إلا أنه يظهر أن الكتلة الشعبية هي كتلة معادية للطبقة للبرجوازية ولكل سياساتها كتلة غير مساومة في فرض التغيير الجذري وكنس الدكتاتورية. إن بلوغ هذه المرحلة لن يكون بإرادة إلاهية أو بفعل أفراد أو أحزاب أو بإنقلاب عسكري إن الواقع يؤكد اليوم أنه لن يكون إلا إذا توطدت الإنتفاضة وتعمق طابعها الكفاحي المهدد بالإحتواء من القوى الوسطية التي لا تدفع لغير أن تكون شريكا سياسيا للسلطة أو من الدولة عبر زرع الأوهام المقترنة دوما بالقمع. إن دور اليسار الجذري ودور المناضلين الجذريين وترابط وإندماج النضالات الشعبية بنضالات الشبيبة الطلابية والتلمذية والمعطلة وبنضالات الهيئات المستقلة وبالنضال النقابي هو الإمكانية الوحيدة التي ستدفع بالإنتفاضة لتتجاوز بعض ضعوفاتها وهو الطريق الوحيد لتحقيق مطالب الكتلة الشعبية اليوم والتي ليست أقل من إسقاط حكومة الفساد ورحيل الدكتاتور. بشير الحامدي