ان يعترف الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بان البطانة السيئة المحيطة به قد ضللته وزودته بالمعلومات الخاطئة عما يجري من اوضاع سيئة في بلاده، فهذا امر جيد وغير مسبوق، ولكن هذا الاعتراف ربما جاء متأخرا، علاوة على كونه لا يعفي الرئيس نفسه من المسؤولية، المسؤولية عن اختيار هؤلاء واعطائهم السلطات كاملة، والمسؤولية عن الاستماع اليهم وحدهم دون غيرهم، وتصديق ما يقولونه في اذنه، والأخذ بتوصياتهم بل ودسائسهم، واحتقارهم للشعب ومطالبه. تونس ظلت طوال السنوات العشرين الماضية تعيش احلك ايامها سوادا على صعيد الحريات الديمقراطية والتعبيرية، حيث تغولت اجهزة القمع البوليسية في البطش بالمعارضة والرأي الآخر، وتكميم الافواه ومصادرة كل رأي حر يريد الخير لبلاده. الاجهزة القمعية في تونس مارست البطش بانواعه كافة وحظيت بغطاء من الدول الغربية لانها كانت تقول بانها تخوض معركة ضد 'الارهاب الاسلامي'، على اعتبار ان مكافحة هذا 'الارهاب' هي جواز المرور الى قلوب الحكومات الغربية وخزائنها، ولكن الآن وبعد ان ثارت الجماهير على طول تونس وعرضها وبشكل عفوي، وبمشاركة الليبراليين والعلمانيين واليساريين والقوميين، اسقط في يد النظام وداعميه في الغرب والشرق، وتبخرت كل الادعاءات السابقة حول مكافحة الارهاب الاسلامي. فالشاب محمد البوعزيزي الذي احرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد لم يكن عضوا في حزب النهضة الاسلامي، والذين انتفضوا تضامنا معه لم يكونوا كذلك، واذا كان من بينهم اسلاميون، فان هؤلاء لم يشاركوا في الاحتجاجات بهذه الصفة وانما كمواطنين طحنهم القمع والجوع والاضطهاد الرسمي والفساد العائلي في السلطة وبطانتها. وعود الرئيس باطلاق الحريات والتعددية السياسية، ورفع الرقابة بالكامل عن الاعلام وأدواته ووسائله، والغاء مبدأ الرئاسة مدى الحياة، كلها مطالب الشعب التونسي التي استشهد من اجل تحقيقها اكثر من ستين شخصاً، والمهم ليس اطلاق الوعود، وانما توفير الضمانات بتطبيقها، وبما يؤدي الى انقاذ البلاد من الانزلاق الى العنف وعدم الاستقرار. الرئيس التونسي يجب ان يحل البرلمان فوراً، وان يدعو الى انتخابات حرة نزيهة تشارك فيها كل الوان الطيف السياسي، وبما يؤدي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تفتح ملف الفساد، وتقدم كل الفاسدين ومضطهدي الشعب وسافكي دمائه الى المحاكمة العادلة في ظل نظام قضائي مستقل. خطاب الرئيس التونسي، وما تضمنه من تنازلات كبيرة، وتجاوب مع المطالب الشعبية هو الدليل الأبرز على نجاح الانتفاضة الشعبية، وتأكيد اضافي الى ان دماء الشهداء الذين سقطوا فيها لم تذهب سدى. الدولة الامنية في تونس سقطت، وسياسة تكميم الافواه ثبت افلاسها، والبطانة السيئة الفاسدة التي نهبت ثروات البلاد تواجه غضب الشعب والرئيس معا. تونس لا يمكن ان تعود الى الوراء، ولا يجب ان تعود، تونسالجديدة يجب ان تبرز من وسط الدماء الطاهرة التي سالت من اجل الاصلاح والتغيير واعلاء كلمة الشعب. رأي القدس العربي 2011-01-14