تونس:كأن التونسيين كانوا في حاجة إلى انقلاب على نظام زين العابدين بن علي لاكتشاف بعدا إنسانيا جديدا لديهم وتضامنا بين أفراد الشعب لم يكونوا على علم به...مظاهر جديدة من التآزر والتعاون قطعت مع الصورة المعهودة لدى التونسي. التونسي اليوم استبدل المقولة الشعبية الشهيرة " أخطى راسي واضرب" ما معناه : "دعني في حالي وافعل ما تريد" ، بمثل شعبي قديم جديد هو " حمل الجماعة ريش"... في هذا الظرف الصعب طالعنا على صفحات فايس بوك ومن خلال شهادات حية مشاهد ومواقف كانت قبل مدة قصيرة غير مألوفة بين التونسيين... من بينها، تشكيل لجان أحياء شعبية منذ أول يوم تلا سقوط نظام بن علي، لجان شكلت بشكل عفوي للحفاظ على أمن السكان بعد فرار الشرطة من مراكزها وشيوع الفوضى وتزايد المخاوف من دخول البلاد نفقا يصعب الخروج منه.. ويقول محمد وهو من بين الناشطين في لجنة حي بالكرم الغربي، إن مجموعة من السكان شكلت عفويا لجنة لحماية أمن المواطنين في حيه المتاخم لمنطقة قرطاج حيث القصر الرئاسي، وذلك للتصدي في البداية إلى عمليات النهب والسلب التي تفشت في الحي ولمنع الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة. وكذلك للتصدي إلى الميليشيات المحسوبة على بن علي. وأقامت لجنة الحي حواجز للتأكد من هوية راكبي السيارات وإبلاغ الجيش الوطني حال الوقوع على بعض أفراد الميليشيات الإرهابية. ويؤكد محمد أن لجنته كانت تضم في البداية 10 أفراد ليصبح قوامها الآن حوالي 200 شخص. وبعد مرور عاصفة الأيام الأولى من سقوط النظام، اضطلعت لجان الأحياء بمهام أخرى منها التنسيق مع لجان الأحياء المجاورة، وإزالة الآثار التي خلفتها المواجهات بين الأمن والمحتجين ومخلفات اعتداءات البعض على الممتلكات من حرق لمتاجر، والإدارات ومؤسسات الدولة. ويؤكد محمد أن الأولوية اليوم هي إعادة تأهيل مؤسسات الدولة الإدارية كمقر البلدية والشرطة ومركز الضرائب ..فالمواطن اليوم في حاجة لهذه الإدارات لتصريف أموره اليومية ويفيد محمد بأن اللجان اتصلت بشركة مقاولات للمساهمة في القيام بعمليات البناء والدهن للمتاجر التي حُرقت وهُدمت. هيكل التليلي صحفي تونسي، يقول إنه فوجئ منذ سقوط النظام بتغير كبير في تعامل الناس بين بعضهم البعض، فغابت الخصومات بين الأفراد أو غُيّبت..لتعلو الابتسامة محيا الناس أينما حلوا ، وكأن الشعب لا يستطع إخفاء فرحته بالثورة على نظام بن علي رغم الظرف الصعب الذي تمر به البلاد ورغم ضبابية المشهد العام في البلاد . ويفسر التليلي ذلك بكون ما حدث في تونس كان أمرا غير مسبوق، وتخلص الشعب بين ليلة وضحاها من نظام بن علي الديكتاتوري مما أعاد إحياء آماله بمستقبل مشرق. هكيل قال إن مظاهر التضامن ومساعدة السكان لبعضهم البعض شملت الأحياء الشعبية والراقية على حد السواء وانتفت الفوارق الاجتماعية بين المواطنين والتف التونسيون حول بعضهم البعض في مواجهة عصابات المخربين وميليشيات بن علي. ويبارك هيكل قرار مجموعة مبروك المالكة لمركز جيان التجاري الذي حُرق مؤخرا حين قررت دفع رواتب العاملين لشهر يناير/كانون الثاني رغم إغلاق المركز بسبب التخريب والحرق الذي أصاب المكان. حميدة وهي مدرسة في معهد ثانوي في مدينة تونس، أكدت لنا أنه ومنذ الجمعة الماضي عاشت عمليا هذا التضامن بين التونسيين، حيث اقترح عليها الجيران ضمان أمن عائلتها ووفر لها البعض منهم مواد غذائية مجانا في وقت فقدت فيه من الأسواق. وتستشهد حميدة بفيديو انتشر على فايس بوك لرجل من مدينة صفاقس قام بجلب كميات كبير من الخضر والغلال وتوزيعها بالمجان على المواطنين في هذا الظرف الطارئ الذي تعيشه تونس. وتتفق حميدة مع هيكل في أن التونسي أصبح اليوم أكثر بشاشة وانفتاحا وكرما..فالفرحة بإزاحة بن علي لم يخفها المواطن العادي الذي يكتشف اليوم عبر وسائل الإعلام حجم السرقات والظلم الذي عاشه التونسيون طيلة 23 عاما تحت وطأة نظام بن علي... مظاهر التضامن والتآزر انتشرت أيضا على فايس بوك حيث ظهرت مجموعات ضمت أعداد كبيرة وصلت إلى 11 ألف عضو، ويطالب الأعضاء بجمع تبرعات مالية، تتراوح بين 5 و10 يورو . لإعادة بناء تونس في عهد ما بعد الثورة وإعمار المناطق التي طالها التخريب، كما يطالبون الأعضاء التونسيين في الخارج باستهلاك مواد محلية وعدم جلب مقتنيات من الخارج حين يعودون إلى تونس، لما في ذلك من دعم للاقتصاد الوطني واسترجاع للنسق الاقتصادي القديم . كما أنشأوا صفحة خاصة على فايس بوك تدعو للتبرع بالدم خاصة أن المستشفيات في بعض المدن تسجل نقصا في كميات الدم لمواجهة الحالات الطارئة. وأنشأوا أيضا صفحات لجمع ما زاد عن الحاجة من ملابس وأدوية لتوزيعها على من فقد كل شيء في الحرائق التي التهمت منازل البعض وممن وجد نفسه عرضة للعصابات المسلحة التي سطت خاصة في الليلة الأولى على الممتلكات الخاصة عماد بنسعيد