الجزائر- عبد الرحمن أبو رومي:"من فضلكم ترجموا كلمتي إلى الغة العربية وليس الفرنسية".. ليس هذا مطلب مسئول أو خبير عربي في دولة أجنبية، ولكنه مطلب محاضر إيطالي وجهه للمسئولين عن الترجمة في ملتقى دولي عقد بالجزائر. فبرغم إلقاء أغلب المشاركين في الملتقى الدولي الذي نظمته "الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان" الجزائري، تحت عنوان "البرلمان، والديمقراطية والمجتمع المدني" بالجزائر العاصمة الأحد 27-4-2008، كلماتهم باللغة الفرنسية، رفض الدكتور ريكاردو ترويز من جامعة لاسا باييترا الإيطالية ترجمة كلمته إلى هذه اللغة. وقال بعض المشاركين في الملتقى لصحيفة "الشروق" الجزائرية الإثنين 28-4-2008: إن هذا المطلب أثار الدهشة والاستغراب في جنبات القاعة، غير أن ترويز سارع بتبريره قائلا: إن اللغة العربية هي اللغة الأم واللغة الرسمية بالجزائر التي يتحدث على أرضها. طالع أيضا: ساركوزي: فرنساوالجزائر نواة الأورومتوسطي
وأثار طلب ترويز امتعاض محمود خودري الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان طيلة فعاليات الملتقى، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مشاركين. ليست المرة الأولى وهذه ليست المرة الأولى التي يحرج فيها أجانب أطرافا جزائرية؛ بسبب تفضيل هذه الأطراف اللغة الفرنسية على اللغة العربية في المناسبات الرسمية. فقد سبق أن رفض وفد ألماني التوقيع على نص اتفاقية مع طرف جزائري؛ لأنه كان مكتوبا باللغة الفرنسية، مشترطا صياغتها باللغة العربية؛ باعتبارها اللغة الرسمية للجزائر، وهو ما حدث بالفعل. وقبل نحو شهر رفض وفد برلماني موريتاني المصادقة على اتفاقية بين شركة "سوناطراك" والحكومة الموريتانية، يسمح للشركة الجزائرية باستغلال حقول نفط موريتانية، ورضخت الشركة لمطلبهم بإعادة صياغة الاتفاقية باللغة العربية. تعميم العربية "دار لقمان لا زالت على حالها" (أي لم يتغير الحال).. هكذا علق مراقبون جزائريون على واقعة المحاضر الإيطالي التي وصفوها بأنها "درس للجزائريين في كيفية احترام اللغة العربية". واعتبروا أنها تكشف في الوقت نفسه عن جهود دوائر رسمية جزائرية، تسمى "الفرنكوفونية التغريبية" لعرقلة تطبيق قوانيين تعريب العمل بالدوائر الرسمية، بدلا من لغة المستعمر السابق. فقد صدر قانون تعميم استخدام اللغة العربية يوم 5-7-1998 بتوقيع الرئيس السابق الأمين زروال، وجاءت المصادقة على هذا القانون بعد سنوات من تجميد قانون سابق لتعميم اللغة العربية كان البرلمان قد صادق عليه عام 1990. وتستخدم معظم الإدارات الجزائرية اللغة الفرنسية، عدا بعض القطاعات كالعدالة، حيث استطاعات أن تعرب مصالحها بنسبة 100%. ولا يقتصر تفضيل استعمال الفرنسية على العربية على الإدارات الجزائرية فحسب، بل إن جزءا معتبرا من الجزائريين يستعملون الفرنسية في تعاملاتهم. ومرارا حاول النواب المحسوبون على التيارين الإسلامي والوطني إعادة بعث الروح في قانون استعمال اللغة العربية، من خلال مساءلة الحكومة حول عدم التزام بعض المؤسسات الإدارية باستعمال العربية في معاملاتها، غير أن جهودهم لم تكلل بالنجاح حتى الآن. ويتححج المشرفون على بعض الإدارات على عدم تطبيقهم لقانون استخدام اللغة العربية؛ بنقص الكفاءات التي بمقدورها القيام بهذه المهمة. وتشكل قضية تعميم اللغة العربية إحدى حلقات الصراع الدائر بين التيارين الإسلامي والوطني من جهة، وبين التيار العلماني الفرانكوفوني من جهة أخرى. وسبق للرئاسة أن أنشئت عام 1998 "هيئة" تعنى باللغة العربية أطلق عليها اسم "المجلس الأعلى للغة العربية"، لكن وجهت له انتقادات من قبل بعض المدافعين عن التعريب؛ بسبب عدم قيامه بالدور المنوط به في التمكين للغة العربية. الفرنكوفونية وبرغم الانتشار الواسع للغة الفرنسية بالجزائر، فإن البلد العربي لم ينضم بعد لمنظمة الفرانكوفونية للدول التي تتحدث اللغة الفرنسية. لكن سبق وأن شارك الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة بصفة ملاحظ فى قمتين لهذه المنظمة في عامي 2002 و2004. ويبلغ عدد أعضاء الفرانكوفونية 55 دولة، وتسعى فرنسا لضم الجزائر، وفى هذا الإطار دعا الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزي مؤخرا نظيره الجزائري للمشاركة في قمة المنظمة بكيبيك في كندا خلال شهر أكتوبر المقبل. ويتوقع مراقبون ألا يكتب النجاح لمساعي باريس لضم الجزائر إلى الفرانكوفونية هذا الوقت بالذات، حيث لم يتم حسم قضيتين هامتين، أولاهما العهدة الرئاسية الثالثة لبوتفليقة، أما الأخيرة فتتعلق بإصرار فرنسا على عدم تقديم اعتذار رسمى عن استعمارها للجزائر، وما ارتكبته من مجازر ما بين عامي 1830 و1962.