قرى "آس أو آس" تجمع تبرعات بقيمة 3 ملايين دينار.. #خبر_عاجل    اتفاق تونسي–سعودي لتسهيل إجراءات العمرة والزيارة للتونسيين    الكمبيالات تفوّت الشيكات: استعمالها يرتفع ب155٪...هاو علاش    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    دورة سانت تروبي للتحدي للتنس: معز الشرقي يتاهل الى الدور الثاني    نقابة الصحفيين تطالب البرلمان بالإسراع في تنقيح المرسوم 54    القيروان : وفاة شيخ يعاني من إعاقة بصرية تناول مبيدا حشريا على وجه الخطأ    غار الدماء: امرأة تُضرم النار في جسدها داخل معهد    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    الحماية المدنية: 528 تدخلا منها 80 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يدينون الاجتياح البري لغزة    الرئيس الفنزويلي يتهم واشنطن بالإعداد لعدوان عسكري على البلاد    غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وروبيو يعطي "مهلة قصيرة" لحماس لقبول اتفاق    عاجل/ انفجار يهز غرب باكستان..وهذه حصيلة الضحايا..    عاجل - تحذير للتوانسة : رد بالك من الأقلام المضيئة وهذه النوعية من البراية ...خطر و مرض    لمحبي الرياضة : تعرف على الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد ومارسيليا    عاجل: دوري الأبطال يتغيّر.. شنوة التغيير الجديد؟    الاتحاد المنستيري يتعاقد مع اللاعب الجزائري سامي بوعلي    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    شنوّا تعمل البنوك بفلوسك؟    وزارة المرأة تنتدب    عاجل - يهم التوانسة : التمديد في الصولد الصيفي    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    هشاشة الأظافر: مشكلة جمالية أم مؤشر صحي خطير؟    خطر كبير على ذاكرة صغارنا: الوجبات السريعة تدمّر المخ وتسبّب ضعف الذاكرة!    ال'' Vape'' في الكرهبة: خطر كبير على السواق والركاب...علاش؟    الزهروني: يتسلح بسكين ويطعن المارة والامن في الموعد    بوحجلة: وفاة العرّاف "سحتوت" بعد تناوله مبيد حشرات عن طريق الخطأ    تصفيات كأس العالم لكرة القدم فتيات U20 : تونس تستضيف غانا بملعب صفاقس يوم 20 سبتمبر    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    علاش تمّ إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود الCIVP؟    سحتوت ''العراف'' ...يتوفى بمبيد الحشرات في بوحجلة...شنوا حكايتوا ؟    نيران تلتهم الهشيم بزغوان.. 1000 متر مربع من الغابة تضرروا...شصار؟    الكرة الطائرة....خسرنا ضد إيران أما الأمل مازال قدام المصري..كيفاش؟!    طقس الثلاثاء: سحب قليلة وحرارة مرتفعة تتراوح بين 30 و39 درجة    ترامب يطلب تعويضا خياليا عن "كذب" بحقه    أعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين    إيران تعلن عن ملاحظاتها على بيان قمة الدوحة أمس    همسات من قوافي الوطن...إصدار جديد للمربي توفيق الجباري    الكوتش وليد زليلة يكتب...حتى تكون العودة المدرسية رحلة آمنة لا صدمة صامتة؟    خواطر من وحى العودة المدرسية .. تخفيف البرامج والمواد واللوازم المدرسية وملاءمة الزمن المدرسي مع المحيط والبيئة    تراجع في عائدات تصدير زيت الزيتون رغم زيادة في الكمية…    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    طقس الليلة    وداع المدرسة: كيفاش نخليوا أولادنا يبداو نهارهم دون خوف؟    إنتخاب "معز الناصري" رئيسا للجنة الإستئناف التابعة للإتحاد العربي لكرة القدم    الرابطة الأولى: البرنامج الجديد لمواجهات الجولة السادسة ذهابا    عاجل/ القبض على منفذ عملية السطو على فرع بنكي في بومهل..وهذه التفاصيل..    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قام بها الشباب ..لكنها ثورة أمة:نوال السباعي
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 02 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
بارك الله في شباب الأمة ، هذا الجيل الأبيّ ، الذي أبى الرضى باستمرارالذل والمهانة ، ومعاملة الإنسان على أنه دابة أو جرثومة في أرض الحضارات والرسالات السماوية ، وأبى أن تستمر الأحوال في هذه الأمة على ماكانت عليه ، من التعامل مع المواطن وكأنه مخلوق في قطيع يتوارثه الطغاة أباً عن جد ، لارأي ولامشورة ولا مشاركة ولاحرية ولاكرامة ، وأبى أن يسكت على الظلم والفساد ، وسرقة مقدرات وأموال منطقة تعتبر من أغنى مناطق الأرض ،بينما تعيش الغالبية العظمى من مواطنيها تحت خط الفقرفي ذل وتخلف وإقصاء وعبودبة ، ويستمر نزيفها البشري هجرة ونزوحا طلبا للخلاص ، كما استفاد من الثقافة العالية التي توفرت لمن أراد ، في عصر العولمة والمعلوماتية ، وجمهوريات الأمن المقامة في العوالم الانترنيتية.
لاينبغي ونحن نحيي هذا الشباب المتألق الشجاع المجاهد ، الذي أدرك أدوات العصر ومفاهيم العصر وملابسات العصر، أن ننسى الفضل الكبير ,والضخم لمن سبقوه وعلموه وثقفوه ، وأمضوا زهرة حياتهم ، في الثبات على الحق ، وتسليمه أمانة للأجيال اللاحقة ، بعضهم قضى شطرا من عمره في سجون الطغاة ، آخرون قضوا نحبهم تحت آلات التعذيب الرهيبة التي لاتعرف إنسانية ولاأخلاق ، وفئة ثالثة أخرجت من أرضها راغمة أو مرغمة ، فروا بما يحملون من أمانة ، ماهانوا ولااثاقلوا وهم ينوؤون بحملها يوما إثر يوم ، وساعة بعد ساعة ، على الرغم من الأعاصير والدياجير والأهوال التي انتابتهم في الطريق .
أجيال كاملة من القيادات البديلة ، عملت السلطات الطاغية في مشارق المنطقة ومغاربها على استئصالها وإبادتها ، كيما تبقى ملتصقة في كراسي الحكم ، هي وأبناؤها وأبناء أبنائها إلى أبد الآبدين، أجيال كاملة من القيادات السياسية والفكرية والدينية ، من الكتاب والمفكرين وأساتذة الجامعات والصحفيين وصناع الرأ ي ، اجتُثت بكاملها من المجتمعات في المنطقة العربية ، قتِّلت وذبُِّحت، عُذبت وسُجنت ، نفيت أو خرجت هائمة على وجهها بما تحمله من أمانة في أعناقها ، وماإن استقر بهؤلاء المقام في أنحاء الأرض حتى بادروا باستئناف الدور الحضاري الثقيل الذي كان ملقيا على أعتاقهم جماعات أو أفراداً في تبليغ الأمانة للجيل اللاحق ، وقد فعلوا .
لقد عاشت المنطقة العربية مرحلة انتفاضة الشعب الفلسطيني مابين القرنين ، والتي جاءت نتيجة مباشرة للصحوة الإسلامية الشاملة التي شهدتها الأمة ، والتحديات الكبيرة جدا التي واجهتها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في أرضها ، ولدى الجاليات المهاجرة في الغرب ، والتي تعد بعشرات الملايين ، ولقد بدا واضحا للمراقب والباحث أن الشعوب في المنطقة العربية بدأت بتجاوز الحركات الإصلاحية بكل حساسياتها ، الدينية منها والقومية والعلمانية ، وشبّت عن الطوق ، وذلك لما عانته هذه الحركات من عجز عن تطوير نفسها ، وتجاوز أمراض الاستبداد التي أصيب بها الإنسان حاكما ومحكوما في المنطقة العربية ، ولكن هذا الواقع لاينبغي أن يجعلنا ننكر الدور الأساسي والكبير جدا الذي لعبته ، وخاصة الحركة الإسلامية في ميدان التربية الفردية والتنظيم الاجتماعي ، والحركات العلمانية والقومية في ميادين الفكر والتنظير، في طول المنطقة وعرضها وفي المهاجر ، في إيقاظ الضمير العام ، والحض على تنمية إرادة التغيير ، وتربية كثير جدا من العناصر التي أصبحت نهضة الأمة همها وهاجسها ، مع الأخذ بعين الاعتبار ماأخطأت به كل منها وماأصابت.
كما لاينبغي أن ننسى الدور الهائل لصحوة الإعلام الناطق بالعربية ، وخاصة في قطر التي تسلمت اللواء بعد القاهرة وبيروت ، وكانت ولادة مؤسسة الجزيرة بكل قنواتها وخاصة الناطقة بالانجليزية ، بدء عصر جديد للأمة ، لأمة لاتقرأ ، وفّرت لها القناة توعية كاملة بكل مايحدث في أرجائها ، كما وفرت للغرب ولأول مرة في تاريخنا المعاصر صوتا عربيا ناطقا بلغته ، قادرا على محاورته بما يفهم ، وقد تماشى ذلك مع ولادة قناة اقرأ الاسلامية ، التي لعبت في حينه دورا لايقل أهمية عن دور الجزيرة الإخبارية ، في نقل الثقافة والفكر الاسلاميين لمن لايقرأ من أمة اقرأ ، ثم ولدت الكثير من القنوات الشبيهة ، منها من استطاع أن يقوم بأدوار مشابهة كقناة الحوار والعربية والرسالة ، ومنها الكثير من الغث الذي كان له أدوار تدميرية في مجال الفكر والدين والسياسة والمجتمع.
وإذا ماتحدثنا عن الإعلام ، فلابد من الحديث عن الصحافة المقروءة ، والتي شهدت حركة بعث وتصحيح هائلين ، في أنحاء واسعة من المنطقة ، وخاصة في قطر ، حيث استضافت الصحافة القطرية مجموعة هائلة من مختلف شرائح الكتاب الصحفيين العرب ، وفتحت لهم أبواب صحفها الرئيسية ليقوموا بالتحليل والتركيب والنقد ، في حرية لم تشهد مثلها المنطقة من عقود ، وكان دور الصحافة المغربية على الرغم من التضييق والحرب وإرهاب الدولة ، دورا استثنائيا في الصمود والتحدي ، ومثل ذلك يقال عن الصحافة المصرية الالكترونية ، التي لعبت إلى جانب المدونات والمواقع الاجتماعية ، دورا مصيريا في ولادة ثورة الشعب المصري ، وقبله ثورة الشعب التونسي الرائدة.
إنها إذن ثورة أمة ،هذه الثورة بدأت من تونس ومصر، وإن قام بها وقادها الشباب ، ولاينبغي أن يلغى دور أجيال من القيادات السابقة ، والأجيال السابقة ، والمؤثرات الكثيرة التي كانت تصب في هذا الاتجاه من تحريك مستنقع حياتنا الراكد ، وقد وجب استذكار كل هذه المؤثرات في هذه الأيام المباركة ، التي قام فيها شباب الأمة باسترداد كرامتها ، وتركوا الطريق معبدا أمام الجماهير لاسترداد حريتهم وأمنهم وحاضرهم ومستقبلهم.
لقد استعملت السلطات في مصر هذه "الصياغة"- من امتداح الشباب والهجوم على القيادات البارزة- لتثبيت القطيعة بين الشباب قي ميدان التحرير ، وبين نخبة المجتمع المصري من كبار رجالاته في مصر وفي المهجر ، ولتبقى الثورة دون رأس ، ودون قيادة نخبوية حقيقية ذات وزن واحترام في الداخل والخارج ،تستطيع أن تأخذ بيد المجتمع المصري في مرحلة التغيير بالغة الخطورة هذه ، وسط أوضاع سياسية عالمية رهيبة الضغط ، لكننا نرجو أن لايكون الشباب قد وقع في هذا الفخ ، وان يتنبهوا الى ان المعركة الحقيقية قد بدأت الان ، معركة التعاون ، معركة التكامل ، معركة تحديد الأهداف بوضوح ، ورسم الطريق لتحقيقها في مرحلية ووضوح ، مصر هي ثلث المنطقة من حيث التعداد السكاني ، وهي بوابة الأمة نحو المستقبل ، وفيها مفتاح نهضة الامة ، وتحديد معالم العلاقة مع الغرب وربيبته إسرائيل ، التي زرعها في أرضنا ، والتي ملات الدنيا صراخاً بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ، المنطقة التي خنقت إرادات شعوبها ، ودمرت كرامتهم وحرياتهم ، واقتصادهم وبلادهم ، من أجل أن تبقى إسرائيل حارسة لمصالح الغرب فيها .
المعركة الآن هي معركة البناء ، هي معركة تنظيف حدائق مصر الداخلية والخلفية ، هي معركة إعادة بناء المجتمع وهياكله وبناه التحتية ومؤسساته المدنية ، هي معركة الإنسان ، مع الفقر ، مع التخلف ، مع الوهن ، مع الارتكاس ، إنها المعركة الحقيقية والتحدي الحقيقي الذي ينتظرنا جميعا.
لايمكن لأمة ان تحدد معالم المستقبل مالم ترسم خارطة الواقع ، ولايمكن لأمة ان تنظم علاقاتها مع الآخرين ، مالم تنظم العلاقات بين مكوناتها الإنسانية ، ولايمكن لأمة ان تنتصر على عدوها ، مالم تحقق انتصاراتها على نفسها في معارك التربية والأخلاق والنمو والبناء.
مصر اليوم بحاجة إلى شبابها وشيبها ، نسائها ورجالها، كبارها وصغارها ، عسكرها ومدنييها ، مسلميها وأقباطها ، أحزابها اليمينية واليسارية ، الدينية والعلمانية ، مثقفيها وجماهيرها ، مصربحاجة إلى رجالها في المهجر ، وكبار عقولها المهاجرة ، كما الذين صبروا ورابطوا ثلاثين عاما بانتظار الفجر ، مصر بحاجة إلى القرضاوي والعوا وعمرو خالد ، كما هي بحاجة إلى هيكل والهويدي ، والسعداوي والنقاش ، ورضوى عاشور ، ورجالات الأزهر ، ورجالات الفكر الإسلامي واليساري والليبرالي ، ممن نعرف ولانعرف ، من آلاف الجنود المجندة ، الذين انهمكوا ربع فرن في شق الطريق .
مصر بحاجة إلى الطليعة الشبابية المكافحة بالعلم والمستقبل والأمل وأدوات العصرالسلمية الشريفة ، كما "البلطجية" ، الذين جاهدت هذه الطليعة وصمدت وصبرت وقدمت الضحايا من أجل خلاصهم من نير العبودية ، وهم الحريصون على استئصالها واجتثاثها من فوق الأرض، لقد كان شباب مصر وتونس يسقطون قتلى وجرحى في ميادين الشرف ، على يد العبيد الذين تربصوا بهم واغتالوا شبابهم وثورتهم وكفاحهم في سبيل تحريرالعبيد من أدرانهم.
مصر اليوم بحاجة إلى الأمة ، والأمة اليوم بحاجة لمصر ، إنها المعركة ، إنها المعركة التي قادها وقام بها الشباب ، ولكنها معركة أمة مافتئت مرابطة في شرفات الصبر تنتظر الغد ، وقد هلت تباشيره من سيدي بوزيد ، احترق البوعزيزي لينير دياجير القهر ، ومزق جسد خالد سعيد ظلما وعدوانا ، وسالت دماؤه وكسرت أسنانه ، واقتلعت أظافره ، كالمئات من مظلومي هذه الأمة ، كل ذلك بانتظار هذا الفجر ، وقد جاء ، ماظننا أنه يأت ، ولكنه جاء ، حثيثا تقدم يمتطي عربات السلام ، والنور ، والصبر ، ليكتب التاريخ صفحة بيضاء ناصعة نقية ، من تاريخ أمة قدمت للعالم درسا في القيامة ، قيامة الشعب ، عندما يعرف أبناؤه كيف يقفون بشجاعة المقاتل في وجه الطغيان الأعمى ، وليس لديهم من أسلحة ، إلا إيمانهم بالله ، وإيمانهم بأن الصبح مازال يتنفس ، وإن كنا جميعا قد أعلنا موته ، وظننا أنه بعيد.
** كتبت نصف هذا الموضوع يوم الاربعاء 9.2 وأتممته يوم السبت 12.2.2011
نوال السباعي- مدريد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.