عاجل/ خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    عاجل/ روسيا تحذّر من كارثة نووية وشيكة في الشرق الأوسط    هيونداي تونس تطلق النسخة الثانية من جولتها الوطنية المخصصة للنقل الجماعي    مأساة في المهدية: العثور على جثة الطفلة المفقودة وضحايا الغرق يرتفعون إلى ثلاثة    عاجل/ تقلبات جوية منتظرة: وزارة الفلاحة تحذّر مراكز تجميع الحبوب    مكتب نتنياهو يعلن حصيلة أضرار الصواريخ الإيرانية وأعداد النازحين حتى اليوم    عاجل: ''الضمان الاجتماعي''يُكذّب منحة ال700 دينار ويُحذّر من روابط وهمية    النادي الإفريقي: مرشح جديد لرئاسة الفريق .. في إنتظار التأكيد    وزارة الداخلية: تنفيذ 98 قرارا في مجال تراتيب البناء ببلدية تونس    عاجل/ وفاة أب وابنته غرقا والبحث جارٍ عن ابنته المفقودة    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    عاجل: وزارة الشباب والرياضة تفتح باب الترشح لانتداب أساتذة ومعلمين لسنة 2025... تعرّف على الروابط وطريقة التسجيل    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    خامنئي: الكيان الصهيوني ارتكب خطأ فادحا وسيلقى جزاء عمله    غوارديولا: ''أحب تونس أقدر موهبة شمال إفريقيا''    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عاجل : انتداب جديد في النادي الافريقي    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    بطولة برلين للتنس: "أنس جابر" تواجه اليوم المصنفة الخامسة عالميا    9 فواكه تناولها يوميًا لطرد السموم من الكبد والكلى..تعرف عليها..    كأس العالم للأندية: التعادل يحسم مواجهة إنتر ميلان الإيطالي ومونتيري المكسيكي    تونس تحتضن بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية للناشئين تحت 17 سنة بمدينة الحمامات    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    ب50 مقاتلة.. إسرائيل تكشف تفاصيل هجوم "ليلة الأربعاء"    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    نسبة امتلاء السدود حاليا    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    العرب في قلب الحدث: أبرز مواجهات اليوم في كأس العالم للأندية ...التوقيت    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    علاش يلسعك إنت بالذات؟ 5 أسباب تخليك ''هدف مفضل'' للناموس!    لماذا رفضت وزارة العدل توثيق الطلاق لدى عدول الإشهاد؟    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    صاروخ ''فتاح'' يثر الرعب ...يتخفى و يناور ...شنية حكايتوا ؟    50 مقاتلة تشن غارات بطهران وصواريخ "فتّاح" تستهدف إسرائيل للمرة الأولى    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    انطلاق التسجيل بداية من يوم الخميس 19 جوان الجاري في خدمة الإرساليات القصيرة للحصول على نتائج البكالوريا    طقس اليوم: خلايا رعية محلية مصحوبة ببعض الأمطار بهذه المناطق    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرسل الكسيبي العائد إلى تونس بعد 17 سنة في المنفى ل (الراية) القطرية : المشهد السياسي التونسي يحتاج إلى كثير من الإنصاف والعدل في إطلاق الأحكام

مرسل الكسيبي المغترب العائد بعد غياب طويل إلى أرض الوطن،وفي جرابه من الحكايات و الأوجاع و "المراجعات" الشئ الكثير الذي دفعنا للاقتراب منه في هذا الحوار لاكتشاف حركة المدّ والجزر في عالم السياسة الذي طالما عرف بالتقلب وسرعة تغير الأحوال.
ركب الكسيبي سفينة السياسة منذ زمن فقادته بعيدا عن أرضه و حالت رياح عاتية دون عودته سريعا،17سنة قضاها في المنفى في ألمانيا. لكن مراجعة فكرية وسياسية جعلته، على حدّ قوله،"يميل إلى إنهاء حالة الصراع والاشتباك" خاصة مع تغير المستجدات الداخلية والخارجية.ممّا دفعه منذ سنة 2005 إلى الإعلان عن "انسلاخه" عن حركة النهضة المحظورة في تونس و التي كان من أبرز عناصرها، إلى حدّ أنّ البعض اتهمه بالخيانة والموالاة للسلطة. لكن الأستاذ مرسل الكسيبي يرى أن حركة النهضة لم تعد مشروعا ثقافيا وفكريا "بل إنها باتت مشروعا سياسويا" وهو ما جعله يحوّل وجهته عنها.
عن مرارة المنفى وحياة المهجر وأحكام السياسة بين المعارضة ونقد المعارضة وعودة اللاجئين السياسيين إلى أرض تونس ومقاييس الإعلام التونسي في الخارج.. كان لنا مع الأستاذ مرسل الكسيبي، رئيس تحرير صحيفة "الوسط التونسية" الالكترونية، الحوار التالي:
- يمكن القول إنّ المشهد السياسي التونسي سائر في اتجاه تطوري برغم ما يعوق هذا المشهد من منافسات حادة أحيانا أو انقسامات تعود في خلفيتها إلى عمق التباين الايديولوجي ...
عموما فإن المشهد التونسي في ظل اقتراب ساعة الاستحقاق التشريعي والرئاسي يحتاج الى كثير من الانصاف والعدل في اطلاق الأحكام، إذ أن المشهد في ظل مقارنته بتفاصيل الفصل السياسي العربي يعد تقدميا ومتدرجا في توسيع دائرة المشاركة السياسية وتعزيز مناخ الإصلاح وإزالة حالة الاحتقان التي اصطحبتها البلاد معها في ظل ماأفرزته أزمة التسعينيات من تحديات أمنية وسياسية خطيرة.
اليوم تقف تونس على مشارف إصلاحات منتظرة في ظل عزم الرئيس زين العابدين بن علي على تشريك أوسع لأحزاب المعارضة أو تعزيز دور الشباب في الحياة العامة، وهو ما يعني أن تونس مقدمة على تحولات أو تطورات قد تكون تاريخية في اثراء تجربة الإصلاح أو تحريك ماتعطل من قاطرات في ظل تحديات سياسية أملتها ظروف تاريخية سابقة.
وحينئذ فإنني أنظر للمشهد بعين متفائلة في ظل ما يبلغني من أخبار حول عزم القيادة السياسية على جعل موعد سنة 2009 موعدا متميزا بكل المقاييس، وهو ما يعني بالنسبة للتونسيين تواصل تجربة التغيير بنفس ونسق إصلاحي يواكب روح العصر كما تحديات العولمة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
- اعتبر ما ذكرت من خطوات مواصلة واستعادة لروح الحوار بين السلطة والمعارضة برغم عدم استعداد بعض أطراف هذه الأخيرة للمساهمة في إرساء مناخ حواري من شأنه تعزيز أجواء الوئام أو ترسيخ قيم المصالحة على أرضية طي صفحة الماضي والنظر للمستقبل من زاوية فقه الأولويات وتقدير ما تواجهه البلاد والمنطقة من تحديات سياسية وتنموية وأمنية لايمكن عزلها عن تفاصيل المناخ الدولي .
-المعارضة التونسية في الخارج تحوم حول تقديس الزعامات وتخلف روح المبادرة والعطاء لدى الجمهور الحزبي وهو ما حول جزءا منها الى مشاريع تسول للتعاطف الدولي أو استجداء للسند الحقوقي، ومن ثمة فإن شريحة واسعة منها باتت لا تقوم بالفرز بين متطلبات الفعل المعارض وضرورات الحفاظ على الانتماء الوطني بعيدا عن اغراءات الولاء السياسي للبلد المضيف.
غير أن هذا لا يمكن أن يجرد الكثير من أطراف المعارضة من انتمائها للوطن أو حملها لهمومه وهو ما يمكن رصده من خلال متابعة نشاط بعضها في إطار احترام قواعد الشراكة السياسية ومتطلبات الفعل الوطني المسؤول.
تحدثت العديد من المصادر الصحفية عن اتصالات بين مصادر شبه رسمية تونسية و المعارضة في الخارج .فهل هي بداية إصلاح سياسي أم فقط هي مساعٍ لإحداث شرخ في جدار المعارضة؟
- نعم هناك اتصالات شبه رسمية بين السلطات ومعارضيها خارج التراب الوطني وهو ما يعكس الإرادة السياسية السامية لمعالجة مخلفات بعض الأزمات السابقة أو احتضان المئات من الكفاءات التونسية المتواجدة بالخارج، وأحسب أن هذه الاتصالات تمثل انعكاسا لحكمة سياسية مثمنة ومسؤولية عالية من قبل القائمين على أجهزة الدولة..
أما بخصوص النوايا فأظن أن مجالها غير الوجهة السياسية، إذ لا شك بأن مثل هذه الاتصالات تعكس حسا رسميا ووطنيا مسؤولا وهي في تقديري خطوات ايجابية على طريق تثبيت مسار الإصلاح ومراجعة بعض ما اختل من توجهات أو سياسات سابقة.
- عودة اللاجئين السياسيين يمكن أن تتم في إطار تسوية ديبلوماسية وقانونية وسياسية ناجعة بعيدا عن توظيف هذا الملف في أطر اعلامية أو دولية قد تضع الأجندة الوطنية خارج دوائر الحسبان، ومن هذا المنطلق فإن ما تحتمله المرحلة هو عودة هادئة ومسؤولة تعزز من مناخ المصالحة والاصلاح اللذين يسعى اليهما الرئيس بن علي بصفته مسؤولا وطنيا أولاً.
- استبعد ذلك في الظرف الراهن وأعتبر أن السلطة قد حسمت موضوع الاعتراف بحزب ديني بنص الدستور، غير أن هذا لا يعني إعادة النظر في ملف النهضة من منطلقات إنسانية تشجع على اندماج هذا التيار في منظومتنا الاجتماعية والتنموية بعد الاستفادة عميقا من دروس وجب استخلاصها من تجربة مريرة عايشتها البلاد زمن التسعينيات.
- جاءت عودتنا ضمن مساعٍ رسمية حثيثة لاحتضان كفاءات تونسية ووطنية مقيمة بالخارج منذ فترة ليست بالقصيرة، وبالمقابل تجاوبنا مع هذه المساعي من منطلق اننا نشاطر هؤلاء الاخوان في المؤسسات الرسمية سعيهم الدؤوب للنهوض بهذا الوطن والحد من التسربات التي وقعت في إطار تاريخي تجاوزته تونس بحرص من قيادتها السياسية.
الكلمة الجامعة بيننا وبين سلطات بلدنا في هذه العودة هو خدمة الصالح العام وتقديم المصلحة الوطنية العليا عما سواها من مصالح، ومن ثمة فقد تهيأت لنا أسباب العودة في ظل مناخ وطني تغلب عليه إرادة الإصلاح في ظل أجواء سياسية صاحبها الاحتفال بالذكرى الواحدة والعشرين لتحول السابع من نوفمبر.
لقد كان الوطن جميلا بعد طول غياب ولقد كتبت عن هذه العودة في صحيفة الوسط التونسية حتى بكى البعض من فرط تفاعله مع لحظات تاريخية سجلتها بالقلم والدموع.
الوطن كان عظيما وأهله لم يفسخوا من ذاكرتهم حبهم لمواطنيهم الذين افتقدوهم لسنوات طوال ولدت فيها أجيال جديدة ونمت فيها تونس على أكثر من صعيد وحن فيها القلب والعقل إلى المشاركة في مسيرة البناء والتطوير بعيدا عن ملازمة مواقع الاغتراب الجغرافي أو التشكيك والاتهام من منطلقات سياسية مجحفة في أحيان ليست بالقليلة.
أما بخصوص تجربة المنفى بحسب تعبير المعارضين أو الاغتراب بحسب ما تميل اليه السلطة فإننا نقدر بأن التجربة قد استوفت أغراضها السياسية وبأن مشوار العودة الهادئة إلى الوطن قد بدأ منذ أشهر أو سنوات، وأظن أن مرارة الاغتراب لابد أن تتحول إلى طاقة إنجاز وتشييد وتحضر فاعل، ومن ثمة لابد من نقل كل ما حصلناه من خبرات وتجارب ناضجة الى الوطن والمواطن.
انها تجربة ثرية حصلنا فيها بفضل اللَّه ما نراه مساعدا على ترسيخ مسار أمن واستقرار ونماء تونس.
قلتم عن صحيفة الوسط إنها "شكلت محاولة أو اجتهادا مستمرا من أجل فرض واقع إعلامي جديد يتخلص من ثنائية المقص والرقيب".
- أود لفت نظركم الى أنه يمكن تصفح موقع صحيفة الوسط التونسية من داخل تراب الجمهورية التونسية وأن الجهات المسؤولة رفعت التباسا حصل حول طبيعة الموقع ومن ثم فإن الوسط لا تعاني حالياً من ثنائية المقص والرقيب، وأعتقد أن الرئيس بن علي قد عبر في أكثر من مناسبة عن اعتزازه بالدور الذي يلعبه الاعلام الحر في اثراء المشهد السياسي أو الثقافي في تونس، وهو ما دعاه الى التدخل الشخصي من أجل تثبيت وجود بوابة الفيس بوك على الشبكة العنكبوتية كما حض الصحف ووسائل الاعلام التونسية على التخلص من واقع الرقابة الذاتية، بل إنني أعلم حقيقة العلم بما يقدمه من دعم معنوي ومادي لشبكات إذاعية وتلفزيونية خاصة لم تر النور إلا بتشجيع شخصي منه.
أما بخصوص خطاب المعارضة بالمهجر فإنني أعتبر بعضه مجافيا للواقع ومبالغا في جلد الآخر ولاسيما الجهات الرسمية، بل إنه أحيانا ينتقل لا شعوريا أو ربما عن قصد وسابقية اضمار الى ابراز تونس بمظهر البلد المتخلف والقاصر عن تحقيق شروط النهوض والنماء ولاسيما على الصعيد السياسي.
خطاب بعض المعارضات المهجرية يبدو في أحيان كثيرة مغالطا أو مكتنزا للحقيقة أو محتكرا لها، وهو ما يعطيك الانطباع بأنك أمام روندا أو كونغو في أدغال القارة الافريقية، والحال أن الجمهورية التونسية تمتلك من عناصر النماء والتقدم والنهوض ما يجعلها مؤهلة لقيادة قطار التنمية على الصعيد العربي والاسلامي بل القاري أيضاً..
وحينئذ فإن هناك صورة قاتمة ومشوهة تعطيها المعارضة في الخارج عن بلد يزخر بمواطن الرقي والعطاء.
ان الخطاب المعارض بالخارج مغيب حقيقة عما تعرفه تونس من تطور على أكثر من صعيد ، ولاينبغي في هذا الموضع الخلط بين واجب المعارضة في النقد البناء وبين محاذير الوقوع في براثن شبكة سياسية وحقوقية تجعل من المصلحة الوطنية العليا آخر أجنداتها.
- مازلت والى حد هذه الساعة محافظا على أقدار عالية من الاستقلالية ففي مواطن تاريخية معينة مارست دور المعارض وفي مواطن أخرى قمت بنقد أداء المعارضة التونسية من منطلق الحرص على تطوير خطابها وممارستها، أما اليوم وفي ظل تقييم ميداني لواقع البلاد فإنني قمت بمراجعة فكرية وسياسية ملت من خلالها ميلا عظيما الى انهاء حالة الصراع والاشتباك بين مكونات الساحة الاسلامية والوطنية وسلطة قدمت كثيرا من أجل الحفاظ على عنصري الأمن والاستقرار وتطوير البلد على الصعيد التنموي في ظل امكانات مادية وباطنية محدودة.
مشوارنا السياسي يحاول أن يلتمس لأصحاب السلطان عذرا فيما يتحملونه من أعباء شاقة في الحقل العام، وهو ما يعني اننا نتفهم ما يواجهونه من تحديات ومسؤوليات ثقيلة في ظل واقع دولي وإقليمي وداخلي معقد، وبالتالي فإنه ليس من السهل على هؤلاء قيادة السفينة والحفاظ على ركابها دون دفع ثمن اكراهات السلطة وتعقيداتها ...
اذا كان البعض يتهمني بالولاء للسلطة فليفعل ذلك، إلاّ انني لن أسمح لأي كان بأن يحتكر صفة الوطنية أو يستعمل سلاح التخوين في مواجهة المخالفين في الرأي.
ينبغي الترفع اليوم عن منطق الاتهام والاتهام المضاد والتوجه على الصعيد الوطني الواسع إلى خدمة قضايا الناس وهمومهم اليومية، وأظن أن كثيرين في السلطة يفعلون هذا من منطلقات الولاء لتونس وشعبها وانتمائها لحياض هويتها العربية الاسلامية والمتوسطية وهؤلاء في تقديري أقرب الى قلوب الناس من أي جهة تزايد عليهم في حمل القيم الوطنية أو رفع لواء المشاريع الاصلاحية.
أفصحتم في مقالاتكم إنّكم" "انسلختم" عن حركة النهضة التونسية منذ سنة 2005 حين أدركتم بأن واقعها قد اختطف لفائدة مايسمى بالقيادة "التاريخية" في عواصم باريس ولندن".
ما معنى ذلك؟ كيف ترون خطاب حركة النهضة اليوم؟
- الجملة تكتفي بذاتها في التعبير عن حجم المرارة الذي أصابني تجاه الواقع الذي أصبح عليه واقع حركة النهضة، اذ أنها لم تعد معبرة عن تطلعات بريئة وصادقة حملتها معي أيام ريادتي لأبواب الجامعة التونسية، فالحركة لم تعد مشروعا ثقافيا وفكريا يهدف الى اشاعة مشروع اصلاحي وطني حمله الكثيرون أيام شبابهم بل انها باتت مشروعا سياسياً يحتكره قادة معروفون خارج التراب الوطني وقد ساهموا عن قصد أو عن حسن نية وسوء تقدير في تعكير المشهد العام وإدخال الاسلام في دائرة صراع مر كاد أن يضعف مكانة الهوية الوطنية ويرتد بآفاق الاصلاح ثلاثين سنة الى الوراء.
خطاب حركة النهضة يحتاج الى مراجعة جذرية شاملة وتبسيط المشهد بتحميل السلطة مسؤولية تراجع مربع الحريات يعد تجنيا على حقائق تاريخية ينبغي امتلاك الشجاعة في إماطة اللثام عنها.
هناك من يرى أنّ حركة النهضة في تونس جاءت كردّ فعل على علمانية بورقيبة، وأنها أصبحت حاليا تعيش انقساما .
فهل السلطة التونسية مسؤولة عن هذا الشرخ أم أنّ النهضة أصبحت عاجزة عن التوفيق بين عناصرها وإعداد خطاب متكامل وواضح وفقا لمستجدات المرحلة؟
- نعم النهضة أو حركة الاتجاه الاسلامي سابقا جاءت تاريخيا كردة فعل مدروسة على مغالاة بورقيبة في مقاربته لبعض الموضوعات الاسلامية - مع اقراري بتفوق الزعيم الراحل في مقارباته السياسية ومتانة قراءته للوضع الدولي - ، ثم عاشت بعد ذلك - أي النهضة- استصحابا لمشروع قديم كان من الواجب مراجعته في ضوء حرص الرئيس بن علي على تصحيح علاقة الدولة بالدين والهوية منذ مطلع التغيير وهو مالم يحصل من قبل النهضة في تلك الحقبة.
أما بخصوص انقسام الحركة إلى أفكار ومدارس فكرية وسياسية فأعتقد بأن الأمر حقيقة فعلية برغم مكابرة بعض قيادات النهضة في الاعتراف بهذا الواقع، وهو ما ترتب عنه تسرب بشري في جسمها الحزبي بشكل غير مسبوق ومن ثمة عزوف أغلب كوادرها عن معاودة النشاط لاسيما بعد الكارثة السياسية التي وقعت فيها الحركة مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
مسؤولية هذا التسرب البشري أو الانقسام السياسي الحاصل داخلها يتحملها رئيس حركة النهضة المقيم بلندن وجملة من الكوادر القيادية المحيطين به والمتموقع أغلبهم بين باريس ولندن مع عدد قليل داخل تراب الجمهورية، اذ أن هؤلاء مازالوا يتعاطون مع الوضع العام من موقع الاصرار على البراءة والطهرية في مقابل تأثيم السلطة وتحميلها مسؤولية كل ما وقع.
هناك واقع سياسي جديد في تونس ولابد من الاعتراف بأن المنتصر يملي قواعد اللعبة وبأن تكرار نفس الخطاب واعادة تسويقه سياسيا قد يقود الى اعادة افراز الكارثة.
باختصار مراجعات النهضة مازالت محدودة جدا بل انها بقيت حبرا على ورق وهو مايجعل السلطة تحترز عليها كحزب محظور أكثر ما يؤاخذ عليه هو الازدواجية بين الخطاب والممارسة
إلى أي درجة تبرز تونس بحاجة إلى حزب إسلامي ديني على غرار حزب العدالة و التنمية التركي؟ ونمو التيار الديني في تونس،هل يمكن أن يفتح المجال لعودة حركة النهضة وفق أطر قانونية وتشريعية محددة تتلاءم مع الدستور التونسي؟
- السؤال يطرح على سلطة الاشراف والجواب عليه يخضع لظروف كل قطر، وأعتقد أن السلطة وشرائح من النخبة مازالت مصدومة بسيناريو التسعينيات وتأزم الأوضاع في مرحلة سابقة لدى الأشقاء الجزائريين وهو مايجعل البت في مثل هذا الموضوع يخضع لأكثر من تدقيق سياسي وأمني على الصعيد التونسي.
أما بخصوص نمو التيار الديني في تونس فانني أحبذ رعاية هذا التيار من قبل مؤسسات رسمية ومستقلة معتدلة بدل اقحام هذا التيار في لعبة الشد والجذب بين المعارضة والسلطة وهو مايضعف مكانة الاسلام ويعيد أجواء الخوف إلى أمواج من المتدينين الذين يشكلون جزءا رئيسا من نسيجنا الاجتماعي.
المتتبع للأوضاع في منطقة شمال إفريقيا عموما يلاحظ تنامي التيارات السلفية التي أصبحت تهدد استقرار المنطقة من خلال الأعمال الإرهابية التي تم القيام بها في المغرب والجزائر وتونس(من خلال أحداث سليمان 2006).
كيف تفسرون ذلك ؟و ألا يدعو هذا الوضع إلى إعادة النظر إلى الحركات الإسلامية من أجل تيار إسلامي معتدل؟
- الظاهرة السلفية تعد افرازاً لثورة الفضائيات وجزءا من واقع منطقة الشرق الأوسط ولايمكن القطع بأنها بالضرورة مشروع مؤهل لحمل لواء العنف، فالسلفيون الأوائل والتيار الأصيل فيهم عرف بحمله لقناعات الولاء لأولي الأمر وعدم جواز الخروج عنهم، إلا أن المشكل يكمن في تسييس الظاهرة الاسلامية وادخالها في لعبة المعارضة من قبل البعض في ظل أجواء دولية مشحونة بواقع الاحتلال وهو ماأقحم مجموعات صغيرة ومحدودة عدديا في لعبة العنف الداخلي الخطير والمنبوذ بكل المعايير الأخلاقية والسياسية وحتى الدينية.
الحل يكمن في تقديرنا في اشاعة مناخ الوسطية والاعتدال وتحمل الدولة والمجتمع المدني لأعباء ترشيد الخطاب الاسلامي والسلوك الانساني ولعل افراز نسيج من المؤسسات الثقافية الاسلامية الحاملة للواء الاعتدال يعد خير سبيل لتحصين المجتمع من مخاطر الغلو والتطرف.
جلّ الخطابات السياسية العربية تدعو إلى فصل الدين عن السياسة.هل يستقيم ذلك في مجتمع له إرثه الثقافي و السياسي و الديني الذي طالما امتزج فيه الدين بالسياسة؟
- العلمانية لها جمهورها ونخبتها في المنطقة العربية وتمتين علاقة الدولة بالاسلام قراءة تحظى هي الأخرى باتساع متصاعد في المنطقة الاسلامية، وفي اعتقادي بأن الحل يكمن في التوازن بين الطرحين بما يبعد الدين عن التوظيف السياسي الرخيص في الحياة العامة وبما يعزز من مكانة الاسلام في ترشيد سلوكنا والتزامنا الحضاري وانتمائنا الديني.
الاعتدال مطلوب في إعادة النظر لعلاقة الدولة بالاسلام وأظن أن الموضوع لا يمكن الإجابة عليه بإيجاز واختزال تقتضيهما رسالة الصحافة.
احتضنت تونس مؤخرا المؤتمر الدولي حول الشباب و قضايا العالم الإسلامي (رهانات الحاضر وتحديات المستقبل)، ما هي حسب رأيكم السبل الكفيلة لحماية الشباب من ظاهرة التطرف والإرهاب؟
- حماية الشباب من ظاهرة التطرف والارهاب تمر حتما عبر مسؤوليات وطنية وأخلاقية لابد أن تتحملهما الدولة والمجتمع المدني على حد سواء، وأظن أن اعادة الاعتبار للمشروع الثقافي الوسطي المتوازن رسالة لابد أن نفهمها جميعا في تعاطينا مع الأجيال الصاعدة التي تستهويها ثورة العواطف والأحلام.
لقد كانت الزيتونة درعا حصينا ضد المدارس المغالية الوافدة واعادة الاعتبار لها في الاطار السمعي البصري يعد خطوة حكيمة من قبل رئيس الجمهورية التونسية السيد زين العابدين بن علي، وأظن أن ما ينتظره التونسيون من وسائل الاعلام ومن المنظومة التعليمية والتربوية أكبر بكثير في ظل التحدي الثقافي الذي أفرزه واقع العولمة.
وأنتم المقيمون في المهجر .كيف ترون وضعية المهاجرين العرب خاصة أمام المضايقات التي يعانون منها؟ وهل مازال الغرب يشكل مرفأ للبحث عن حياة أفضل؟
- واقع المهاجرين العرب يحمل في طياته الكثير من المخاطرات وأبرزها مستقبل الأجيال المولودة بالغرب على الصعيد الديني واللغوي والثقافي والسلوكي، وأظن أن واجب الحكومات العربية والاسلامية بهذا الصدد أكبر بكثير من إمكانات وحجم هؤلاء المهاجرين، ومن ثم فإنه من الواجب على المنظومة الرسمية التجند من أجل حماية طاقات انسانية واعدة لاينبغي خسرانها في معترك تحسين شروط الحياة المادية الصعبة.
هناك واجب ديني وأخلاقي رسمي تجاه تفوق ذهني ودراسي ينبغي احاطته بالرعاية الرسمية والاحتضان الوطني الصادق ، فأبناء الجيل الثالث أو الجيل المولود في ديار الغرب يحتاجون إلى عناية خاصة لم يقع التفكير فيها فيما سبق مع حلول الموجات الأولى للهجرة.
اليوم لابد من التفكير في وزارات ومصالح ومؤسسات أكاديمية وبحثية وتربوية خاصة تقوم على هذه المهمة.. وأظن أن عشر مواطني منطقة المغرب العربي يعيشون بهذه الديار وأن أبناءهم في حاجة ماسة الى سياسة علمية ووطنية تحتضن طاقاتهم الكبيرة الموزعة بين هذه الأمصار.. حفظ الدين واللغة لدى هؤلاء تعتبر أولوية الأولويات والحفاظ على ولائهم الثقافي يعد واجبا يستحق كبير العناية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.