يُضرب المثل, خصوصا في الصحافة العربية, بالرئيس الأفغاني حميد كرزاي لكونه دُمية تحركها قوات أمريكا وحلف الناتو التي تحتل بلاده. وإن سلطته كرئيس دولة لا تتعدى عتبات القصرالرئاسي الذي يقوم على حراسته علوج ومارينز جورج بوش. لكن حميد كرزاي مع ذلك, وخلافا لكرزاي عراقي آخر إسمه جلال الطلباني, يُبادر بين فترة وأخرى الى فتح فمه ويندّد وينتقد ويتذمّر من إنتهاكات وخروقات وجرائم حُماته الأمريكان.بحق أبناء شعبه. أما رئيسنا, كرزاي المنطقة الخضراء في بغداد, فلا يفتح فمه الاّ ليمدح ويتملّق ويشكرأسياده الأمريكان على جرائمهم بحق المواطنين العراقيين. بل إنه يُقدّم التعازي الحارة, كما حصل في أكثر من مناسبة, الى الجيش الأمريكي عندما يُقتل جنوده ومرتزقته في العراق على يد فصائل المقاومة العراقية الباسلة! حميد كرزاي يتصرّف كرئيس دولة, رغم علمه بأن الأمر والنهي في نهاية المطاف هو بيد أمريكا. ويُحاول قدرالمستطاع الاختلاط بالناس والتقرّب اليهم وكسب البعض منهم معرّضا نفسه للخطر. بينما يتصرّف جلال الطلباني, الذي يعيش وضعا شبيها بالاقامة الجبرية, كعميل لأمريكا بل كخادم مطيع يسكنه هاجس الخوف من فقدان منصبه, رغم رمزية ولا شرعية هذا المنصب. وأتذكّر إن الوزيرة كوندوليزا رايس في زيارتها السريّة الأخيرة الى بغداد شكرت جلال الطلباني, علنا وأمام الحضور وبصوت مسموع, على وجبة الطعام الفاخرة التي أقامها"فخامته" على شرفها. وتعاملت معه وكأنه رئيس طبّاخين وليس رئيس دولة. بل إن جلال الطلباني لا يفوّت أية مناسبة أو حديث, حتى وإن كان عن الطقس والأحوال الجوية, الاّ وشكر فيه أصدقاءه الأمريكان الذين حرّروه من النظام الديكتاتوري السابق, كما يدّعي. ولا يمرّ يوم دون أن يتوسّل فيه, طبعا بشكل مذلّ ومخزي ومنافي لموقعه الرئاسي, قوات الاحتلال الأمريكي بالاستمرار في إحتلالها للعراق خوفا على فقدان التقدّم المزعوم الذي تحقّق هناك, رغم مطالبة الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي ومعه الكثير من الساسة وكبارالشخصيات بالانسحاب من مستنقع العراق الذي يزدادا كلّ يوم إتساعا وعمقا. وتحوّل جلال الطلباني, برحابة صدر وبمحض إرادته, الى بوستر دعائي مجّاني في خدمة قوات الاحتلال, لا لشيء غيرالبقاء ملتصقا على كرسي رئاسي فقد قيمته الحقيقية منذ اليوم الأول لدخول القوات الأمريكية الغازية الى بغداد. وباالرغم عن كلّ ما يُقال عن الرئيس الأفغاني, الذي نجا باعجوبة من رابع محاولة إغتيال يوم الأحد الماضي, الاّ أن الرجل إمتلك بعض الشجاعة, وهي صفة مفقودة تماما لدى كرزاي العراق جلال الطلباني, وشنّ هجوما عنيفا على أسياده الأمريكان في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" منتقدا بشدة التصرفات والخروقات الأمريكية والبريطانية في أفغانستان والطريقة السيئة التي تدار بها الحرب هناك. وركّز بشكل خاص على سوء المعاملة التي يُعامل بها سجناء حركة طلبان في السجون الأمريكية وعمليات قتل المدنيين التي تقوم بها قوات أمريكا وحلف الناتو, تحت ذريعة محاربة الارهاب. إن كلاما من هذا النوع, حتى وإن شكّك البعض في الغاية أو الهدف منه, لم يصدرأبدا عن"الرئيس" العراقي جلال الطلباني, بالرغم من أن جرائم وإنتهاكات وخروقات قوات الاحتلال الأمريكية في العراق هي أضعاف أضعاف مثيلاتها في أفغانستان. وإذا كان ضمير حميد كرزاي الأفغاني أستيقظ, ولو بعد خراب أفغانستان, فان ضميرجلال الطلباني, رغم قناعتنا بعدم وجوده أصلا, نام نومة أهل الكهف. وقد لا يستيقظ حتى وإن تمّت إبادة العراقيين عن بكرة أبيهم على يد أرباب نعمته الأمريكان. [email protected]