بيروت:شهدت بيروت تجمعاً شعبياً حاشداً أمس، هو الأكبر بعد تظاهرة 14 آذار المليونية العام 2005 التي أطلقت «ثورة الأرز»، إذ احتشد مئات الآلاف من المواطنين في ساحة الشهداء وسط العاصمة اللبنانية، وفاجأوا قادة قوى 14 آذار أنفسهم، لاتساع نطاق الاستجابة لدعوتهم الى التجمع تحت شعار «رفض وصاية السلاح» احتجاجاً على ما يعتبرونه استخدام «حزب الله» السلاح في السياسة الداخلية اللبنانية. وإذ اجتازت المعارضة الجديدة المؤلفة من قوى 14 آذار اختبار القدرة على تأمين الدعم الشعبي لمواقفها بعد تحولها أقلية نيابية وإسقاط الحكومة التي كان يترأسها سعد الحريري قبل زهاء شهرين، فإنها وجّهت بذلك رسالة سياسية الى الرئيس المكلف تأليف الحكومة العتيدة نجيب ميقاتي، عبر تمسّكها بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والإصرار على حصر حمل السلاح بالدولة اللبنانية وفق ما شدد عليه خطباء المناسبة، في مقابل توجهات المكونات الرئيسة للأكثرية الجديدة وفي طليعتها «حزب الله» بالدعوة الى وقف الحكومة المقبلة تعاونها مع المحكمة والإصرار على بقاء سلاح «حزب الله» تحت عنوان مواجهة إسرائيل. ولبّى مناصرو قوى 14 آذار الدعوة الى التجمع وسط بيروت منذ الصباح الباكر أمس، لا سيما جمهور تيار «المستقبل» في المناطق السنية، عكار وطرابلس ومحيطهما، والبقاعين الغربي والأوسط وبيروت وصيدا والجبل، إضافة الى حضور مناصري حزبي «القوات اللبنانية» و «الكتائب» المسيحيين وسائر الأحزاب المسيحية بكثرة، الذكرى السادسة لانطلاق انتفاضة الاستقلال، فيما شارك بضعة آلاف من مناطق الجبل الدرزية على رغم انتقال الزعيم الأقوى فيها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى صفوف الأكثرية الجديدة بالتحالف مع «حزب الله» وحركة «امل» و «التيار الوطني الحر» وسائر التنظيمات الحليفة لسورية. وغلبت الأعلام اللبنانية، التي أصر منظمو التجمع على الاكتفاء برفعها، على أعلام الأحزاب اللبنانية، واختلطت الشعارات والأعلام التي رُفعت مع بضعة أعلام عربية ظهرت وسط الجموع، ترمز الى تماثل الاحتشاد الجماهيري في ساحة الشهداء مع الانتفاضات في عدد من الدول العربية، فرفع شبان ليبيون العلم الليبي الاستقلالي، وآخرون مصريون العلم المصري، وغيرهم العلم التونسي، كما حمل بعض المتظاهرين العلم السعودي وظهرت خلال المهرجان الخطابي صورة عملاقة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نصبت على طول أحد الأبنية. وغصت ساحة الشهداء بالجموع، كذلك الشوارع المحيطة بالساحة والمؤدية إليها، وقالت مصادر أمنية إن أعدادها فاقت تلك التي تمكنت من دخول ميدان التجمع. وانتشرت في الساحة شعارات عملاقة منها: «بوجه وصاية السلاح، الساحة أقوى سلاح»، كما انتشرت شعارات هي أقوال لكل من الزعيمين الروحيين الإمام المغيب موسى الصدر والإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين والزعيم الراحل كمال جنبلاط. وظهرت بضع لافتات أيدت رئيس الجمهورية ميشال سليمان كُتب على إحداها: «الجمهورية في خطر كلنا مع الرئاسة». وفيما قالت قيادات في قوى 14 آذار انها استعادت المبادرة خلال مناسبة أمس، بعد أن كانت امتنعت العام الماضي عن إحيائها في ظل حكومة الوحدة الوطنية التي كان الحريري يرأسها، وفي ظل المصالحة التي جرت مع سورية، فإن قيادات أخرى فيها رأت ان «نجاح التظاهرة بالشعارات التي نُظمت تحتها تشكل صحوة لقيادات قوى 14 آذار استعادت فيها جمهورها، بصلابة المواقف التي أعلنها رموزها اثناءها، إضافة الى استعادتها المبادرة بعد التحولات في المشهد السياسي لغير مصلحتها». وتميزت خطب المناسبة بكلمة الرئيس الحريري، الذي ألهب الجموع عندما صعد الى المنصة وتحدث باللغة العامية، فسأل: «هل تقبلون وصاية السلاح على حياتنا الوطنية؟ وهل تقبلون ان تتشكل حكومة مهمتها محاولة شطب المحكمة الدولية؟». وإذ طرح جملة أسئلة من هذا النوع، كان الرد يدوّي من الجموع: «لا». وأضاف: «إذا أردتم، لا يوجد مستحيل ونحن نطلب دولة لا يوجد فيها مواطن درجة أولى، يحمل سلاحه ليستعمله عندما يخطر بباله، ومواطن درجة ثانية يضع يده على قلبه وقلبه على أولاده... وهذا ليس مستحيلاً». وتابع الحريري: «إسرائيل أيضاً تريد أن يسقط السلاح من قمة الدفاع عن لبنان الى جورة الانتشار في الشوارع والزواريب وجحيم ضرب الشراكة اللبنانية». وحمل الحريري بشدة على تصريحات رئيس البرلمان نبيه بري من دون ان يسميه بقوله للمرة الأولى: «المستحيل أن يبقى شخص واحد 20 سنة في الموقع نفسه في السلطة ويعطينا دروساً في تداول السلطة، فقط لأنه كلما فكّر شخص بأن يترشح ضده يخرج السلاح الى الشوارع والسطوح...». وكان زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون قال في كلمه له أول من امس، إن «جريمة اغتيال الرئيس (رفيق) الحريري استغلت ولم يعد شهيد لبنان بل فقيد العائلة لكثرة استغلالهم لاسمه». ورد الحريري على كلامه من دون ان يسميه قائلاً: «لمن قال إن رفيق الحريري هو فقيد العائلة نقول: هذه عائلة رفيق الحريري، أنتم الموجودين هنا، وهو فقيدكم أنتم...». وتحدث خلال المهرجان الخطابي 10 خطباء وقال الرئيس السابق رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، إن «كُلَّ هَمِّ حزب الله هو بيروت وأزقتها وشوارعها ولاهاي. ونسي إسرائيل». وأضاف: «المشاريع الإقليمية ليست مشاريعنا ولعبة الأمم ليست لعبتنا وهي أكبر منا فلنكُفَّ عنها». وقال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إن «لا حياة لنا من دون دولة ولا دولة بوجود الدويلة»، معلناً «ثورة أرز ثانية لا ترتاح حتى زوال الدويلة». ودعا الى ترك الدولة تترجم خيار المقاومة. وفيما أطلق المنسق العام لقوى 14 آذار فارس سعيد على تجمع الأمس اسم «انتفاضة الكرامة»، اعتبر رئيس «حزب الوطنيين الأحرار» دوري شمعون، أن «الفريق الآخر يستمر في تخويننا ويرفض الاحتكام الى صناديق الاقتراع، معتقداً انه بسلاحه وبالتحاقه بالمحور السوري - الحريري يلقي كلمته.jpg الإيراني يسيطر على لبنان». وباستثناء إشارة شمعون هذه، فإن خطباء الأمس والشعارات التي رُفعت تجنبت الإشارة الى سورية كما سبق أن حصل في تجمعات قوى 14 آذار منذ العام 2005. وتميّز تجمع الأمس بتدابير أمنية شاملة أخذها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على طول الطرقات المؤدية الى ساحة وسط بيروت، وحلقت مروحيات للجيش اللبناني فوق ميدان التجمع، فيما انكفأ مناصرو «حزب الله» وحركة «أمل» في المناطق التي لهما نفوذ فيها في أحياء العاصمة، بناء لتعليمات من قيادتيهما لمنع الاحتكاكات، وهو ما لقي اشادة من مصادر قيادية في 14 آذار. وحصلت حادثة وحيدة حين نزل شبان بالعصي في منطقة بشارة الخوري لمواجهة العائدين من التجمع الشعبي بعد ارفضاضه، إلا ان القوى الأمنية حالت دون تطور الأمر الى تصادم. الإثنين, 14 مارس 2011