مجلسا النواب والجهات والأقاليم يشرعان في مناقشة مشروع ميزانية وزارة المالية لسنة 2026    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    تطاوين : السفير البريطاني بتونس يزور قصر "زناتة" ويتعرف على أعمال ترميمه باشراف باحثين تونسيين بالشراكة مع خبراء بريطانيين    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    المنتخب الجزائري: لاعب الترجي الرياضي لن يشارك في وديتي الزيمباوبوي والسعودية    مباراة ودية: المنتخب الوطني يواجه اليوم نظيره الموريتاني    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    عاجل/ بعد وفاة مساعد السائق: فتح تحقيق في حادث انقلاب قطار تابع لفسفاط قفصة..    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    أحكام بالسجن والإعدام في قضية الهجوم الإرهابي بأكودة استشهد خلالها عون حرس    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن وغرامة ب10 آلاف دينار لفتاة روّجت المخدرات بالوسط المدرسي    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    الأداء على الثروة ومنظومة "ليكوبا" لمتابعة الحسابات البنكية: قراءة نقدية لأستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    عاجل: امكانية وقوع أزمة في القهوة في تونس..هذه الأسباب    خالد السهيلي: "الطائرات المسيرة تشكل تحديا متصاعدا على "المستوى الوطني والعالمي    بعدما خدعت 128 ألف شخص.. القضاء يقرر عقوبة "ملكة الكريبتو"    مجموعة السبع تبحث في كندا ملفات عدة أبرزها "اتفاق غزة"    فريق تونسي آخر يحتج رسميًا على التحكيم ويطالب بفتح تحقيق عاجل    سلوفاكيا.. سخرية من قانون يحدد سرعة المشاة على الأرصفة    تصرف صادم لفتاة في المتحف المصري الكبير... ووزارة الآثار تتحرك!    طقس الاربعاء كيفاش باش يكون؟    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    كريستيانو رونالدو: أنا سعودي...    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    3 آلاف قضية    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الاستفتاء على تعديل الدستور: أ.د. عبد الرحمن البر
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 03 - 2011


أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر
وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمون
وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله رب العالمين، الذي نصر الأمة، وأزال عنا الغمة، وجمع لنا الكلمة، فله الحمد كثيرا وله الشكر بكرة وأصيلا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله أرسله ربه تبارك وتعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فهدانا به من ضلالة، وعلَّمنا به من جهالة، وبصَّرنا به بعد العَمَى، ولم يَدَعْ بابَ عزٍّ وخيرٍ وفلاحٍ إلا دلَّ الخلقَ عليه، ولا بابَ شرٍّ وفتنةٍ وفسادٍ إلا حذَّر الناسَ منه ونهاهم عن سلوك الطريقِ الموصلة إليه. فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
الفرح بفضل الله:
أما بعد أيها الأحبة الكرام، فإن المسلم يفرح بفضل الله ورحمته ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس/58] وقد كان فضلُ الله على الأمة عظيماً إذ بعث روح العزة والكرامة والحرية في نفوس شبابها، فثاروا على الظلم بشجاعةٍ فائقةٍ حتى أسقطه الله صريعاً بين يَدَيْ جهادهم، وجاء الحق وزهق الباطل ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام/45].
وها هي الأمة وقد تعافت من الطغيان تتلمس طريقها نحو العزة المفقودة، وترنو إلى النهضة الرائدة المنشودة، وتستشرف آفاق المستقبل الكريم، في ثقةٍ بالله ورجاءٍ في رحمته، على أساس من مرجعيتها الإسلامية الراسخة.
تحري الصواب ومعرفة الحكم الشرعي لكل عمل:
وإذْ تتقدم الأمةُ نحو هذا المستقبل فإنَّ من الواجب على كل مسلمٍ أن يعرف الحكمَ الشرعيَّ لكلِّ عملٍ يُقدِم عليه، وهو مطالبٌ بأن يُعْمِل تفكيرَه، ويعود إلى نفسه، ويراجع أهلَ العلم والبصيرة؛ ليصل إلى ما يراه صواباً في كل ما يَعْرِض له في حياته، والله تعالى يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل:43)
ومن واجب المسلم الذي يعيش في أي مجتمع أن يسهم إيجابيًّا في حلِّ قضايا هذا المجتمع، بحسب وجهة نظره الإسلامية، ولا بد أن يكون له دورٌ في إزالة بعض المنكرات، أو إشاعة بعض أنواع المعروف، أو رفع الظلم عمومًا عن الناس، ومنهم المسلمون، أو في إبعاد الفساد عن الأمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» (أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري.
الحكم الصالح ضرورة لا غنى عنها:
إن من أهم الوسائل لتحقيق ما سبق: وضعَ النظم التي تكفل صلاحَ المجتمعات والحفاظَ على الحقوق العامة والخاصة، وتمنع من شيوع الفساد في كثيرٍ من مناحي الحياة، وتأخذ على أيدي رجالِ الدولة ليقوموا بواجبهم في خدمة أمتهم ورعاية شعوبهم وكف الظلم عنهم. وقد اصطلحت أمم الأرض على وضع الضوابط الكفيلة بذلك من خلال صياغة دساتير تحمي حريات الشعوب، وتضع الأسسَ السليمةَ لعلاقةٍ متينةٍ بين الناس في المجتمع، وتؤكد على الشفافية في كل شيء، وتضع في يد الدولة فائض قوة أفراد الشعب لتقوم الدولة بحماية الضعيف من بطش القوي.
وقد سبق الإسلام إلى ذلك، وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم مهمةَ الحكم بالحق والقسط بين الناس أمانةً يُسأَلُ عنها الجميعُ، الحاكمُ في حكمه، والأبُ مع أولاده، والمدير مع عماله، والزوجة في بيتها، بل والعبدُ مع مخدومه، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» .
ومن هذا المنطلق تتداعى الأممُ الحيةُ القويةُ الظاهرةُ إلى التوافق المجتمعي على تلك الدساتير التي تنظِّم شؤونَها، وتضع الأسسَ للقوانين التي تحكم علاقاتِها، ويُدْعَى الجميعُ للمشاركة والإدْلاء برأيهم، حتى لا يُفْرَض عليهم ما لا يحبون وما لا يتوافق مع عقيدتهم ودينهم، وحتى لا يُتْرَك الأمرُ بيد الذين يبغونها عوجا، والذين يركزون جهودهم لمحاربة الإسلام، ومخالفة الشريعة، واستلاب حقوق الضعفاء والمحرومين، من أي ملة كانوا، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية والدينية والعلمية والاقتصادية.
وجوب المشاركة الإيجابية في الاستفتاء على التعديلات الدستورية:
لهذا كانت إيجابيةُ المسلم ومشاركتُه الجادة في صياغةِ هذه العلاقات والتصويت على الخيار الأمثل ثم اختيارِ الشخص الأفضلِ للنيابة عن الأمة أو لحكم الأمة ضرورةً ملحَّة، تفرضها اعتبارات كثيرة:
منها: الانتقالُ بالطرح الإسلامي ومفهوم الإسلام الشامل من المستوى النظري التجريدي الوعظي الخطابي إلى المستوى العملي الواقعي لقيادة الأمة في الاتجاه الصحيح.
ومنها: الحفاظُ على الوجه الإسلامي لبلادنا بأصالته ونقائه وخصائصه المختلفة من الشمول والمرونة والسعة والتوازن والاعتدال والوسطية، وقطع الطريق على الذين يسيئون لديننا من الغالين المتشددين أو الجافين المفرِّطين، وخصوصًا بعد أن أصابه تشويهٌ مفتَعلٌ متعمَّدٌ من أولئك الذين تكلموا باسمه، أو مارسوا تحت عنوانه ممارساتٍ شاذةً غيرَ صائبة وغير حكيمة.
ومنها: أن من واجبنا مِلْءَ الفراغ الذي خلَّفه سقوط التيارات العلمانية المختلفة، ولا يملأ هذا الفراغَ إلا حملةُ دعوة الإسلام ورسالة الإسلام، الذين يجب أن يفقهوا هذا الأمر، وأن يشاركوا في كل ما يعيد الأمةَ إلى طريقها السَّوِيِّ السليمِ المنبثقِ من عقيدتِها ودينِها، ومن واجبنا طرح المشروع الإسلامي للنهضة الشاملة كبديل حضاري وتشريعي وحيد، ليس للمسلمين فقط، بل للبشرية برمتها ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس/32].
ومنها: فتح الطريق أمام حملة رسالة الحق للمشاركة السياسية الجادة في صناعة المستقبل وفي البرلمان القادم، من خلال تقويم بعض السياسات التربوية والإعلامية والاقتصادية والأخلاقية، التي من شأنها أن تنعكس إيجابًا على تكوين أجيالٍ مسلحةٍ بالعلم والأخلاق، تبني مجدَها، وتستعيد مكانتها، وترفع لواء أمتها، ومن شأنها أن تحقق للأمة الكفاية والرفاهية والعيش الكريم، في التعليم والغذاء والعلاج والإسكان، وغير ذلك، إضافةً إلى الحدِّ من التداعيات الأخلاقية، وكبح جماح ظواهر العُهر والفجور والفساد والتحلل الأخلاقي، والتصدي لظاهرة تعاطي وتجارة المخدرات، ومن خلال تحصين الأجيال المسلمة بالعلم الصحيح النافع، والقضاء على الجهل والأمية التي أخرت أمتنا عن ركب الحضارة قرونا، ومن خلال دفع شباب الأمة إلى التمسك بالقيم الدينية والمكارم الأخلاقية، فضلا عن توفير الدعم القوي لمواجهة مشروعات العولمة التي تهدف إلى تغريب الأمة وبسط هيمنة الأجانب والصهاينة عليها، والتي يسعى النظام الدولي وقوى الاستكبار في العالم إلى فرضها على منطقتنا، حتى دعموا في سبيل ذلك نظما فاسدة، مثل النظام البائد الذي قايض بأمته وحقوقها وكرامتها وثرواتها وتاريخها في سبيل تحقيق مكاسب شخصية وعائلية.
ومن هنا أرى أن المشاركة العامة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية من جملة الواجبات، ومن جملة الممارسة العملية لمفهوم الشورى، وأراها أداءً عمليا لواجب النصيحة الذي أمرت به الشريعة، فلقد قرر الإسلام الشورى باعتبارها قاعدة من قواعد الحياة الإسلامية، وأوجب على الحاكم أن يستشير، وأوجب عن الأمة أن تتناصح، وعدَّ النصيحة هي الدين كله، وفي الحديث المتفق عليه عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» فقال الصحابة: لِمَنْ؟ قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
وإنما قلت بوجوب المشاركة انطلاقاً من واجب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو سرُّ خيرية هذه الأمة، أيًّا كان الرأي الذي يتبناه المشارك قبولا أو رفضا.
نعم للتعديلات:
من وجهة نظري فإننا يجب ألا نقف عند حدود الدعوة للمشاركة، بل ندعو جماهير الأمة للموافقة على هذه التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء في التاسع عشر من هذا الشهر، وذلك للأسباب التالية:
1- أن هذه التعديلاتِ لم تتعرض للمادة الثانية مِن الدُّستور -التي تَنُصُّ على أنَّ دينَ الدولة هو الإسلام، وأن اللغةَ العربيةَ هي اللغةُ الرسميةُ وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع- مما يؤكد على هوية الأمة، ويقطع الطريق على العابثين الذين كانوا يريدون إيقاد الفتن بدعوتهم لإلغاء هذه المادة التي تعد ضمانةً أساسية لحماية وحدة الأمة.
2- أن هذه التعديلاتُ تضمنت إيجابيات عظيمةً كثيرة :
- منها: التأكيد على الأصول المصرية الوطنية لرئيس الجمهورية وزوجته، ليكون ولاؤه كاملاً لهذا الوطن، وغير مرتبط نفسيا أو شعوريا بأي ولاء لوطن آخر.
- ومنها: إلغاءُ القيود الكثيرة التي كانت حجر عثرة أمام ترشيح ذوي الكفاءة ممن يمكنهم قيادة سفينة الأمة إلى شاطئ النجاة، حيث كانت المادة 76 التي وضعها النظام البائد تضع شروطاً مجحفةً لا تعطي فرصة لرئاسة الجمهورية إلا للرئيس المخلوع أو ابنه أو من يرضى عنه، حتى سماها فقهاء الدستور بالخطيئة الدستورية، وكان في ذلك حرمان لكثير من الكفاءات الوطنية العظيمة من الوصول إلى هذا المنصب، كما كان ذلك حرمانا للوطن من الاستفادة من هذه الكفاءات المشهود لها محليا وعالميا.
- ومنها: إعادة الإشراف القضائي الكامل على مجمل العملية الانتخابية، ووضع قضاة على كل صناديق الاقتراع، بحيث لا تكون إدارة العملية الانتخابية في أيدي ضباط الداخلية أو موظفي الدولة الذين كان يتم تهديدهم من أجل التزوير أو إغراؤهم من أجل العبث بأصوات المواطنين ورغباتهم، فتضمنت التعديلات أن يكون على كل صندوقٍ انتخابيٍّ قاضٍ نزيهٌ، مما يضمن أن الصوت لن يذهب إلى غير صاحبه، ويمنع من التزوير بإذن الله، ومن ثم فلا حجة لمن كان يتقاعس عن المشاركة بحجة أن العملية سيتم تزويرها.
- ومنها: إلغاء تلك المقولة البغيضة (المجلس سيد قراره) التي صادرت دور القضاء في الفصل في النزاعات، والتي كان المفسدون في النظام السابق يستغلونها للإبقاء على المزورين وفي تحدي أحكام القضاء، فقد تضمنت التعديلات إلغاءَ هذه المادة وجعلت الأمر للمحكمةِ الدُّستوريةِ العُليا في الفصل في صِحَّةِ عُضوية أعضاء مجلس الشعب، و للقضاءِ الحرِّ النزيهِ في الفصل في أية شكاوى تتعلق بصحة الانتخابات.
- ومنها: تحديدُ مُدَّةِ حكمِ رئيس الجمهورية بمُدَّتَيْنِ رِئاسيَّتَيْنِ؛ كل منهما أربع سنوات، ولا شك أنَّ هذا يُعَدُّ نقطةً إيجابيةً تماما، بعد أن كان النظام السابق يَسمح باستمرار السُّلطة إلى مُدةٍ غيرِ مُحَدَّدة؛ مما أدى إلى تسلُّط الطُّغاة والظَّلَمة وجَمْعِ كُلِّ الصلاحيات والسُّلُطات في أيدي حَفْنَةٍ مِن المفسدين من أتباعهم، فأحدثوا أنواعٍا مِن الفساد المادي والأخلاقي لا يحصيها إلا الله، ونهبوا ثروات الأمة وضيقوا على المصلحين، وأفسدوا الضمائر، ولا تزال الأمة تكتوي بنيران هذا الفساد حتى الآن وإلى حين.
- ومنها: إلزامِ رئيس الدَّولة بتعيين نائبٍ له، بما يحمي البلاد من الأخطار لدى حصول أي عارض يمنع رئيس الجمهورية من مباشرة مهام منصبه، بعد أن ظلت مصر أكثر من ثلاثين عاما ليس فيها نائب لرئيس الجمهورية.
- ومنها: إلزام رئيس الجمهورية بعَرْضِ إعلانِ حالةَ الطوارئ – عند حصول ما يقتضي إعلانها- على مجلس الشعب خلال سبعة أيام لأخذ موافقته على ذلك، وعدمِ تَجاوُزِ مُدَّةِ حالة الطوارئ ستةَ أَشهُرٍ إلا باستفتاءٍ شَعبيٍّ عام تشارك فيه الأمةُ كلها، بما يحمي الأمة من تسلط الحكام عليها أو فرض حالة الطوارئ إلى ما لا نهاية كما فعل النظام البائد.
- ومنها: إلغاء المادة (179) الخاصَّة بمكافحة الإرهاب، والتي كانت سَيفًا مُصْلَتًا على كل مشتغل بالعمل الإسلامي برُمَّته وعلى كل مهتم بخدمة الناس تحت مظلة الإسلام الحنيف، والحمد لله.
3– أن هذه التعديلات أضافت مادة مهمة، وهي دعوة مجلس الشعب القادم إلى انتخاب جمعية تأسيسية من أهل الخبرة لوضع دستور جديد للأمة، يحقق طموحاتها، ويلبي تطلعاتها نحو الحرية والعدالة والكرامة والعيش الآمن في وطن آمن مستقر، حتى تنطلق لبناء المستقبل الزاهر بإذن الله .
لِكُلِّ ما سبق أيها الأحبة قلت: إنه يجب على عموم الشعب المِصريِّ عامَّةً المشاركةُ الإيجابيةُ في هذا الاستفتاء؛ وأقترح على المشاركين التصويتَ بالموافقة على هذه التعديلات؛ لما فيها من مصالح ظاهرة وواضحة.
وإنا لندعو الله تعالى أنْ يُهَيِّئَ لأُمَّتنا أمرَ رُشدٍ؛ يُعَزُّ فيه أهلُ طاعته، ويُذَلُّ فيه أهلُ عداوته، ويُهْدَى فيه أهلُ معصيته، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكَر، وأنْ يُوَلِّيَ أمورَنا خيارَنا، ولا يُوَلِّيَ أمورَنا شِرارَنا، وأنْ يَجعلَ وِلايتَنا فيمن خافه واتَّقاه واتبع رضاه، وأن يجعل عواقب أمورنا كلها إلى خير، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.