تونس:من بين أبرز الأسماء المستقلة المشاركة في مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والديمقراطي, المفكر والسياسي مصطفى الفيلالي أحد أعضاء المجلس التأسيسي لسنة 1956 ومن الشخصيات السياسية البارزة للفترة البورقيبية, التقته "الصباح" في بيته بالضاحية الجنوبية للعاصمة, أين تحدث رفقة صورة الشهيد فرحات حشاد.. عن انضمامه للهيئة والاقتراحات التي لديه بشأنها والنقاط التي على المجلس التأسيسي الحالي اجتنابها وعدم الوقوع فيها في المرحلة القادمة..الى جانب تقديمه لتقييم نقدي ولو نسبيا للفترة البورقيبية ومواطن فشلها وكيف مهدت لنظام بن علي؟..دون أن ينسى الوقوف على المرحلة الحالية والنظام التشريعي المناسب لتونس الثورة. قبل الانطلاق في الحديث أوضح السيد مصطفى الفيلالي أن انتماءه للهيئة لم يقرره بعد وهو متوقف على تحديد صلاحية هذه الهيئة والقضايا التي ستعالجها كما يرى أن الاندفاع العاطفي لا يكفي لمعالجة المسائل العالقة فالمترشح إلى جانب الصدق في المقاصد عليه أن تكون له القدرة على معالجة القضايا والإحاطة بمكوناتها. كما بين أن المجلس التأسيسي والهيئة هما هيكلان مختلفان لكل منهما دوره, فالأول منتخب من قبل كل القوى السياسية مسؤول عن صياغة دستور جديد للبلاد والثاني هيئة تشرف على الانتخابات وضمان الشفافية والمصداقية . أصل الشرعية... اعتبر الفيلالي أن المجلس التأسيسي هو قانون القوانين وأصل التشريع, وفي تكوين المجلس الحالي يجب الانتباه الى عنصرين . التكوين: ويرى أن عدد الأحزاب (38 الى الآن)من شأنه أن يعقد مهمة الانتخابات بالنسبة للمتواجدين على سبيل المثال في نصر الله وسيدي بوزيد والحامة وتكلسة وحتى المثقفين المتسيسين أيضا فوضع 30 ورقة أمام المقترع يجبره على الاختيار بطريقة اعتباطية وبالتالي على الأحزاب أن تعاود تنظيم نفسها وفقا لثلاثة أو أربعة تيارات أو تكتلات سياسية فقط مع الابتعاد على الشخصنة والسعي إلى إنشاء الحكم الراشد للحاضر والمستقبل والتفريق الصادق بين السلط. الممارسة:"الخطر الأساسي الذي يجب أن يتجنبه المجلس التأسيسي المقبل هو أن يكون غير قادر من ناحية تركيبته على أن يحقق الوفاق بين مكوناته دون انفصال واضاعة وقت"... ويعتبر محدثنا أنه اذا كان المجلس التأسيسي متعدد التركيبة بحسب الخارطة السياسية الموجودة في البلاد فسيجد صعوبة كبيرة في عمله نظرا الى أن كل حزب سيتشبث بموقفه ويعمل على تمريره, فمثلا مسألة الهوية "الاسلام" أعتقد أنه لن يحصل الاجماع حولها الا بعد جولات نظرا لتواجد اللائكية والاسلاميين. ويضيف أن من واجبات المجلس التفرقة بين شرعية القانون ومثاليته ويستحضر في السياق مناقشات مجلس الخمسينات واختلافه مع الباهي الأدغم حول التنصيص على الحق في العمل وتكفل الدولة بتوفير مواطن الشغل حيث رأى الأدغم أن الدولة لا تملك من الاستثمارات ما يمكّنها من الاستجابة الدائمة للمطالب المقدمة بالتالي لايمكن تمرير هذا الفصل من الدستور, في حين اعتبر الفيلالي أن القانون الدستوري يعلو على القوانين الوضعية ويتطلب في صياغته تقديم أشياء ممكنة يقع تطبيقها بحسب الممكن, فالتنصيص على الحق في العمل يجعل هاجس توفير مواطن الشغل بالنسبة للدولة مسألة دائمة تسعى الى تحقيقها ويضمن في نفس الوقت حقا شرعيا للمواطنين وهو العمل. وبالنسبة للمدة الكافية لصياغة دستور جديد يرى العضو السابق للمجلس التأسيسي أن تركيبة المجلس هي المحدد، فالكفاءة الفكرية لعناصره ومدى فهمهم للقضايا المستجدة وانتماءاتهم الحزبية ومدى وطنيتهم وعلو أخلاقهم لها أن تؤخر أو تضغط على المدة وعموما مدة ستة أشهر في نظره كافية لتقديم دستور جديد للبلاد التونسية. "لا" هي الكلمة التي أجاب بها مصطفي الفيلالي عن الفرضية القائلة أن فترة بن علي كانت امتدادا للنظام البورقيبي ورأى أن الظروف هي التي جعلت من زين العابدين بن علي يرتقي في مدة وجيزة بين مراتب متعددة. وأوضح أن الفترة البورقيبية امتدت ل30 سنة غير متجانسة، فترة أولى كانت لبناء الدولة تميزت بوجود حكم رشيد لبورقيبة لم ينفرد بالرأي اهتم بالمصلحة العامة وراهن على العنصر البشري والتعليم وخصص له 30 بالمائة من ميزانية الدولة. وفترة ثانية كانت مرحلة لتأليه بورقيبة من طرف من حوله تحول خلالها إلى دكتاتور و"تغيرت بيئته إلى بيئة خبيثة نشأ فيها بن علي وظهر كمنقذ للنظام الجمهوري". وأضاف الفيلالي أنه في نفس المرحلة عرفت النخبة التي كانت تشارك في صنع القرار حالة استقالة فكرية... واتخذوا حالة تجميد للفكر واستقالة الضمير مع الخوف من الاختلاف مع الرئيس ونسوا أن :"بورقيبة كان "حيوانا سياسيا" يقف عندما يجد من يصده خاصة اذا كانت مجموعة لا فردا" ويعترف "بورقيبة نحن الذين خبرناه وجيله من صنع منه ديكتاتورا". ويرى أن تونس اليوم لا يمكنها أن تكون عودة عن بدء الى الفترة البورقيبية والدستور الجديد عليه أن يحمل كثيرا من الإبداع وفتح الآفاق بمفهوم إنشاء شيء عن غير سابقة. النظام التشريعي من ناحية النظام التشريعي أفاد مصطفى الفيلالي أنه لم تثبت أي من الأنظمة نجاعتها، فالنظام الرئاسي في البلدان العربية يعود بالضرورة الى شخصنة النفوذ والتفرد بالقرار والاستبداد كما أثبتت التجربة الفرنسية في الجمهورية الرابعة في فترة "ديغول" أن اختلاف الأحزاب وتكتلها يجعل الأغلبية تسيطر وتغير الحكومة وتخلق بالتالي عدم استقرار في السلطة التنفيذية وتصنع تنازعا بين الاختصاصات، ولذلك يرى ان:"حسن التسيير موكول لقيم البشر" والصيغة عليها أن تضمن تشريك كل القوى السياسية والجهات في اتخاذ القرار. وينهي حديثه بالقول: "نحمد الله على وضعنا مقارنة بالشعب الليبي "حضرّنّا سيدي محرز" كما أننا خرجنا من المأزق السياسي واتخذنا القرارات الصائبة وسيتكون عما قريب مجلس تأسيسي ومن الأكيد لن يسمح شباب الثورة بمرور البذرة الطيبة للمستقبل ...وانا متفائل دينيا وسياسيا وستضرب مرة أخرى تونس المثل الديمقراطي". الصباح