منذ سنوات وهناك ثورة في تكنولوجيا المواصلات حول العالم قلبت معالم الميديا في الغرب وبدأ رذاذها يصل الينا، وقد تغيرت وسائل الإعلام العربية شكلاً، إن لم يكن موضوعاً أو محتوى، في السنوات الأخيرة، فالتكنولوجيا متوافرة لكن الحرية تظل غائبة. وان كان غياب الحرية ليس قيداً كافياً فهناك «فقر الدم» المالي، فالإعلام العربي كله من المحيط الى الخليج أقل من جريدة أميركية كبرى واحدة (2.1 بليون دولار لإعلامنا السنة الماضية و2.2 بليون دولار ل «نيويورك تايمز»). ودخل مجموعة نيوز كورب التي يرأسها روبرت ميردوخ كان السنة الماضية 29 بليون دولار أي ما يزيد على الموازنة السنوية لدولة نفطية عربية. بعض الكلمات والعبارات يردد ويكرر الى درجة ان يستهلك ولكن يبقى صحيحاً. وثورة تكنولوجيا جعلت السلطة الرابعة أقوى من السلطات الثلاث التقليدية في الغرب، أو العالم المتقدم، ولعلنا نلحق بالركب يوماً فنحن دائماً وراء بقية العالم خمس سنوات أو عشراً، وأحياناً عشرين سنة. عندي مثلان على نفوذ الميديا، ففي ايطاليا عاد سيلفيو بيرلسكوني الى الحكم بعد أن رأس الوزارة مرتين في السابق ووجهت اليه كل تهمة ممكنة من فساد أو علاقة بالفساد وتلاعب بالانتخابات. وأساس نفوذه انه يسيطر على أقوى أجهزة الميديا الإيطالية. أما روبرت ميردوخ، الاسترالي الأصل، فيكاد يكون أقوى شخصية في بريطانيا وأميركا، عبر فوكس نيوز، وسكاي، وجرائده الكبرى من نوع التايمز اللندنية وأخيراً «وول ستريت جورنال». وأقدّر ان تلفزيون بلومبرغ سهّل لمايكل بلومبرغ ان يفوز برئاسة بلدية نيويورك. في مطلع التسعينات لم يكن هناك في أي بلد عربي من محطات التلفزيون غير المحطة الرسمية أو محطتين. الآن هناك مئات المحطات العربية، وألوف المحطات الأخرى متوافرة للقادر أو الراغب. كنت خلال إقامتي في الولاياتالمتحدة رأيت صحون التلفزيون في الريف الأميركي في السبعينات والثمانينات، وعدت الى بريطانيا، وتبعت أوروبا أميركا في الثمانينات، ثم جاءت التسعينات وأصبحت الفضائيات في كل بلد. وأذكر ان بريطانيا نفسها كان فيها ثلاث محطات تلفزيون عندما أقمت فيها بعد 1975 زادت محطة رابعة في الثمانينات. التغيير ليس في التلفزيون فقط، فالآن هناك 100 مليون بلوغ (مدونة) وربما أكثر، وأقرأ انها تزيد 120 ألفاً كل يوم. والنتيجة أن الأخبار لم تعد جريدة نقرأها في اليوم التالي أو نشرة أخبار الراديو أو التلفزيون في الساعة التاسعة مساء، بل هي أخبار 24/7، كما يقولون بالإنكليزية، يعني سبعة أيام في الأسبوع على مدار الساعة. وكتبت قبل 20 سنة لمؤشر الرقابة ان الميديا العربية تعاني من أمرين، نقص المال ونقص الحريات، ولا يزال كلامي صحيحاً اليوم. هذا يذكرني بشعر قديم عن الشعر أراه ينطبق اليوم على الصحافة العربية: قالوا تركت الشعر قلت ضرورة / باب الدواعي والدوافع مغلق لم يبقَ في الدنيا كريم يرتجى / منه النوال ولا مليح يعشق ومن البلية انه لا يشترى / ويخان فيه مع الكساد ويسرق لو كانت سرقة فقط لهان الأمر، والصحافيون يسرقون الأخبار من بعضهم بعضاً، إلا أنه حرمان من حريات، وأحياناً قتل، وسأعود الى الأرقام بتفصيل أكبر، أما الآن فأسجل الهجوم على ميديا موالية للحكومة اللبنانية، وإحراق صحف ومبنى لتلفزيون، فالصحافة «لا مع سيدي بخير، ولا مع ستي بخير»، وان لم تضطهدها الحكومة فهناك المعارضة التي تنتظر دورها في الحكم لتعامل الصحافة بالطريقة نفسها التي كانت تشكو منها المعارضة.