من المجاهدين الأفغان إلى الجولاني ... «الجهاديون»... خدم للإمبريالية!    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    موفى أكتوبر 2025: العجز التجاري لتونس يبلغ 18435,8مليون دينار    فيديو لقصر يهشمون منزل عمهم و يعتدون على زوجته يثير غضبا ... زوجة العم تروي التفاصيل    مع الشروق : ترامب ... وسياسة الأبواب الخلفية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): اسراء بالطيب تهدي تونس الميدالية الذهبية الثانية    عاجل: النيابة العمومية تأذن بفتح أبحاث تحقيقية ضد ثلاثة محامين    أنس بن سعيد تتألّق في "ذو فويس" وتعيد للأغنية التونسية بريقها    وزير الدفاع يلتقي قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    عاجل/ الزهروني: "دقبونة" و"ولد العيارية" و"العروسي" في قبضة الامن    قابس: انطلاق فعاليات الصالون الأوّل للتقنيات الزراعية الحديثة والتكنولوجيات المائية    عاجل/ رشق هذا القطار بالحجارة ووقوع اصابات    مشروع السدّ يتحرّك: مفاوضات جديدة لإنهاء ملف انتزاع الأراضي بجندوبة!    كاس افريقيا للامم لكرة اليد - المنتخب التونسي في المستوى الاول    عاجل/ تونس تطرح مناقصة دولية لشراء القمح الصلب والليّن    عاجل/ صدور أحكام سجنية في قضية هجوم أكودة الارهابي    مدير المركز الوطني لنقل الدم: هدفنا بلوغ 290 ألف تبرّع سنوي لتلبية حاجيات البلاد من الدم ومشتقاته دون ضغوط    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    القصرين: 126 ألف شتلة جديدة لتعزيز الغطاء الغابي خلال موسم التشجير 2025-2026    مباراة تونس وموريتانيا الودية : وقتاش و القناة الناقلة ؟    الإعلان عن الهيئة المديرة للدورة الجديدة لأيام قرطاج المسرجية    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يطالب بصافرة أجنبية في الكلاسيكو    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    انقلاب سيارة في جسر بنزرت..#خبر_عاجل    الهند: ارتفاع حصيلة انفجار السيارة إلى 12 قتيلا    أطباء بلا حدود تكشف: الأوضاع الإنسانية بغزة ما تزال مروعة..    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    عاجل: هزة أرضية بقوة 5.36 ريختر تُحسّ بها عاصمة بلد عربي    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    أعضاء مجلسي نواب الشعب والجهات والأقاليم يناقشون مهمة وزارة الشؤون الخارجية    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    المهد الوطني للرصد الجوي: ظهور ضباب محليا كثيف صباح غد الأربعاء    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام في إفريقيا.. تاريخ محرف وواقع مجهول
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 05 - 2008

لم يقف أي حاجز أمام زحف الإسلام بإفريقيا، فقد انتشر بالشمال فى وقت مبكر، ثم تخطى الصحراء وزحف خلفها، وعبر من الجزيرة العربية للساحل الشرقي منذ عصره الأول، وتخطى هذا الساحل إلى المناطق الداخلية إلى كينيا وتنجانيقا، واقتحم نطاق الغابات
فى قلب إفريقيا، ونفذ إلى هضبة البحيرات وتدفق إلى الهضبة الحبشية وانتشر على طول الساحل الغربي ودخل جنوب إفريقيا مع المهاجرين المسلمين من سكان شبه القارة الهندية وماليزيا ولا زال ينتشر حتى اليوم إلى أفاق جديدة".
(ه. ديشامب، الديانات في أفريقيا السمراء، برس اونيفرستار دي فرانس، باريس 1963)
Deschamps H., Les Religions de l'Afrique Noire, Presses Universitaires De France, Paris, 1963،
مقدمة:
يلاحظ الناظر لخريطة توزيع المسلمين في إفريقيا أنها تأخذ شكلا دائريا كما لو كان الإسلام يحتضنها ويحتويها فاستحقت أن تكون بحق قارة الإسلام، تبدأ أولى الحلقات بجنوب إفريقيا حيث توجد أقلية مسلمة لا يستهان بها، وهي من أصول آسيوية، ثم تمتد خيوط هذه الدائرة جهة الشمال الشرقي لتشمل موزمبيق وتنزانيا وأوغندة وكينيا والصومال وإريتريا، وتستمر حلقات هذه الدائرة لتصل الشمال بالغرب الإفريقي متضمنة السودان ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، بعدئذ تنحدر جنوبا صوب غرب إفريقيا لتشمل دولا ذات أغلبية مسلمة وهي: موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد ونيجيريا والسنغال وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وسيراليون وإلى حد ما كوت ديفوار، أما دول غانا وبنين وتوجو وليبيريا فهي تشهد وجود أقليات مسلمة مهمة.
ومن المعلوم أن الإسلام يعد أحد المكونات الرئيسية للموروث الحضاري الإفريقي، وقد حسبه علي مزروعي أحد أبعاد ثلاثة تشكل الميراث الثلاثي لإفريقيا، وعليه فإن التأكيد على الذات الحضارية الإفريقية يمثل خطوة واعية لوضع إفريقيا على طريق النهضة والتعامل الصحيح مع واقع ومتغيرات العالم من حولها، أليست إفريقيا بحق كما وصفها مفكرنا الأشهر جمال حمدان هي: "جبهة زحف الإسلام واحتياطي توسعه في المستقبل"؟!.
إشكاليات النموذج المسيطر
ليس بخاف أن حال إفريقيا والمسلمين بها وإن كانت له خصوصية غير منكرة إلا أنه لا يخالف المشكلات والعوائق التي تواجه المسلمين في مناطق العالم الأخرى، وقد خضعت عملية تحليل الظاهرة الإسلامية في إفريقيا لعملية دعاية في الكتابات الأوروبية المتخصصة حيث بدأ الحديث منذ نهاية القرن التاسع عشر عن ظاهرة الإسلام الأسود.، إنه إسلام خضع لعملية إعادة صياغة وتفسير فأضحى أكثر توافقا مع الخصائص النفسية للأجناس السوداء، وقد تجاوب بعض المفكرين الأفارقة ولا سيما في إفريقيا الفرانكفونية لهذه الدعوة وقالوا بوجود مصادر محلية للإسلام أو ما أطلق عليه أفرقة الإسلام، ولعل ذلك يدفع بنا إلى طرح عدد من الإشكاليات المنهجية التي تعترض البحث الموضوعي في حقيقة وطبيعة المجتمعات الإسلامية في إفريقيا، ومنها:
- لعل الملاحظة المهمة المرتبطة بتقاليد دراسة الإسلام والمجتمعات الإسلامية في إفريقيا منذ أعوام الستينيات من القرن الماضي أنها مثلت في مرحلة معينة ما يمكن أن نطلق عليه اسم الموضة الفكرية في حقل الدراسات الإفريقية؛ إذ لا يخفى على الباحث أن دراسة الظاهرة الإسلامية اكتسبت أهمية ومكانة بارزة بين أدبيات دراسة الواقع الإفريقي الكلاسيكية، ومن أبرز تلك الدراسات ما قدمه ثلة من المؤرخين أمثال سبنسر ترمنجهام، ولويس برنير، ومارفين هيسكت، وديفيد روبنسون، والأمين سانح، ولانسانى كابا،
وقد استخدم هؤلاء المؤرخون أدوات واقترابات تحليلية معينة لفهم الإسلام وطرق انتشاره في إفريقيا، ولا تزال مثل هذه الاقترابات تؤثر بشكل ولو جزئيا على طريقة تناولنا ودراستنا المعاصرة للمجتمعات الإسلامية في إفريقيا، فالاتجاه السائد في الدراسة يؤكد دوما على محورية الطرق الصوفية بحسبانها البعد الأبرز والأكثر أهمية في الممارسة الإفريقية للإسلام، على أن تناول الظاهرة الإسلامية في إفريقيا من خلال المنظور الصوفي، رغم أهميته لا يخلو من مخاطر جمة، فالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات الإسلامية في إفريقيا منذ الاستقلال تفرض ضرورة تبني مناهج أخرى وطرائق مختلفة للتحليل.
تاريخ كتبه الآخرون
- وإذا كان تاريخ المسيحية وانتشارها في إفريقيا قد سجل وتم تدوينه "من الداخل" أي من خلال كتاب وباحثين ينتمون إلى المسيحية عقيدة وثقافة فإن تاريخ الإسلام في هذه القارة -على النقيض- قد سُجل من خارجه؛ أي من خلال باحثين غير مسلمين بالأساس، بل إن هؤلاء المؤرخين الغربيين الذين تعاملوا مع قضية الإسلام في إفريقيا قد جاءوا من تقاليد غربية تنظر إلى الإسلام بحسبانه "الآخر" الحضاري، ومن اللافت في هذه التقاليد الغربية في دراسة الإسلام في إفريقيا -وبغض الطرف عن مدى موضوعيتها- أنها اعتمدت على النصوص العربية العتيقة، وإن شئت فقل الكلاسيكية، ومحاولة الربط بين الإسلام جنوب الصحراء وشمالها، بيد أن بعضا من هذه التقاليد نظر إلى الإسلام في إفريقيا بمعزل عن التيار الأساسي السائد في شبه الجزيرة العربية وامتداده الحضاري في الشمال الإفريقي، ويبدو ذلك من محاولة المزج بين الإسلام كعقيدة وبين التقاليد الإفريقية المحلية، الأمر الذي دفع بهؤلاء إلى القول بوجود إسلام إفريقي أسود.
- وقد هيمن اقتراب البنية الاجتماعية علي دراسة الإسلام في إفريقيا خلال العقود الأربعة الماضية حيث نظر إلى المتغير العقيدي باعتباره مسألة ثانوية، وربما تأثر هذا التيار الفكري الذي ميز الدراسات الاجتماعية الإفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال بدراسة إيفانز برتشارد عن السنوسية في ليبيا عام 1949، وكذلك دراسة إيرنست جلنر عن أولياء جبال الأطلس في المغرب عام 1969، ففي عام 1979 قدم عالم السياسة دونال كروز أوبراين دراسته الرائدة عن المريدية في السنغال والتي مثلت طرحا مهما وقراءة واعية للممارسة الصوفية في المجتمع السنغالي، إذ يرى أوبراين أن الإطار التنظيمي للطرق الصوفية قد ساعد على إيجاد نظام سلطوي بعد انهيار دولة الولوف مع مقدم الاستعمار الفرنسي، على أن بعض الاتجاهات الحديثة بدأت تركز على ديناميات المجتمعات الإسلامية في إفريقيا من خلال دراسة أوجه الالتقاء والصدام بين مختلف جوانب التدين الإسلامي في الواقع الإفريقي، ولعل المؤلف الذي حرره كل من إيفا روزاندر وديفد وسترلند بعنوان: "الإسلام الإفريقي والإسلام في إفريقيا " الصادر عام 1997 يمثل إحدى الدراسات الهامة في هذا الاتجاه، ويشير العنوان الفرعي لهذا المؤلف: "المواجهة بين الصوفية والإسلاميين" إلى التركيز على القضايا الخلافية والأمور المرتبطة بالعقيدة، أما مصطلح الإسلام الإفريقي فإنه يعني المعتقدات والممارسات التي طورها الأفارقة عبر السنين ولاسيما تحت تأثير الطرق الصوفية، ومن جهة أخرى فإن مصطلح الإسلام في إفريقيا يعني على النقيض من ذلك تماما أيديولوجية الإصلاح الديني التي عادة ما يرفع لواءها الإسلاميون بغرض تطبيق الشريعة الإسلامية.
عوائق الزحف الإسلامي
يلاحظ أن الزحف الإسلامي صوب الجنوب الإفريقي قد اعترضنه عوائق جمة منذ خمسينيات القرن الماضي، وربما يعزى ذلك لأكثر من متغير واحد، أولها يتمثل في قيام السلطات الاستعمارية بفتح الباب واسعا أمام الحركات التبشيرية للنفاذ إلى المناطق التي لم يصلها الإسلام، كما أنها سمحت لأبناء المسلمين بالالتحاق بمدارس الإرساليات التبشيرية الحديثة بغرض تعليمهم العلوم العصرية وإبعادهم عن المعارف والعلوم الإسلامية، وعليه فقد تم إبعاد هؤلاء عن جذورهم الثقافية والحضارية.
وثانيا: خلق نخبة إفريقية مثقفة ومتشبعة بالتقاليد الغربية العلمانية حتى إذا صار الحكم إليها في مرحلة ما بعد الاستقلال عمدت إلى الحفاظ على هذا الإرث الاستعماري في الحكم والإدارة، وقد أدى ذلك إلى نجاح هذه النخبة الحاكمة الجديدة المتغربة فيما فشل فيه المستعمرون من قبل، ولعلنا نتذكر هنا حالات السنغال في عهد سنجور، والصومال في عهد سياد بري، وجزر القمر في عهد على صويلح.
ثالثا: ضعف دور مؤسسات العمل الدعوي والأهلي العربية والإسلامية في إفريقيا، إذ إن هذا الدور على محدوديته افتقد إلى التنسيق والتكامل وانشغل بإثارة قضايا ذات حساسية مفرطة في الواقع الإفريقي مثل الاصطدام بالصوفية، وطرح قضايا فقهية خلافية مثل استخدام المسبحة أو السدل والقبض، وهو ما أشعل الفتنة بين أبناء المسلمين عوضا عن دعوة غيرهم لدخول الإسلام، ولعل ذلك ساعد الكنيسة ومؤسساتها التبشيرية على استغلال هذه الأوضاع لصالحها، وهو ما يعني تعضيد الحركة التبشيرية في إفريقيا، ولذلك أصبح من الشائع لدى بعض الباحثين الغربيين أن يشكك اليوم في مقولة إن إفريقيا هي قارة الإسلام!.
ولعل ما يثير الخوف والفزع حقا أن مؤتمر التبشير الأشهر الذي عقدته الكنيسة في كلورادو الأمريكية عام 1978 قد وضع خطة محكمة الحلقات لغزو العالم الإسلامي كما أن مجلة "التايم" الأمريكية في أوائل الثمانينيات تنبأت بأنه في نهاية القرن العشرين سيكون واحد من كل اثنين في إفريقيا مسيحيا!.
نحو نموذج بديل
واستنادا إلى ما سبق فإن أبعاد التصور الذي نطرحه في هذا السياق لدراسة واقع إفريقيا الإسلامية لابد أن يشتمل على العناصر الثلاثة التالية(1):
قضية التاريخ والتأريخ: إذ لا يخفى أن إعادة قراءة التاريخ الإفريقي نظما وثقافات وطرائق حياة أمر لازم لاستنهاض مكنونات إفريقيا الحضارية والتخلص من عمليات التشويه المستمرة التي تعرض لها، لقد دخل الإسلام إفريقيا منذ أربعة عشر قرنا، وإذا أخذنا بتعريف جغرافي معين يرفض انتهاء حدود إفريقيا عند البحر الأحمر لأمكن القول بأن الإسلام ولد في إفريقيا، وعلى أي الأحوال فقد دخل الإسلام إفريقيا حوالي عام 615م تقريبا حينما هاجر نفر من مسلمي مكة إلى الحبشة فرارا بدينهم إلى أحضان ملك عادل.
وتشهد إفريقيا اليوم ونحن في بداية الألفية الثالثة من الميلاد أكبر عدد من المتحدثين باللغة العربية، وإلى جانب ذلك فهي تمثل بحق دون سائر قارات الأرض الأخرى القارة المسلمة، وقد كان تأثير الإسلام على التطور الاجتماعي في إفريقيا عظيما وملموسا على الرغم من تجاهل ذلك في دراسات العالم الإسلامي، ولا يخفى تأثير الإسلام على المجتمعات الإفريقية في نواحي اللغة والعادات والملبس والسلوك الاجتماعي والفنون والموسيقى والمعمار والفلسفة والأخلاق وما شاكل ذلك، ألم تمثل المدن الإسلامية العريقة مثل: تمبكتو وكانو وزاريا وسوكوتو مراكز للتجارة ومنارات للتعليم، لقد كانت جامعة تمبكتو في أوج عزها خلال القرن السادس عشر الميلادي تضم مائة وخمسين مدرسة ومكتبة ضخمة تضم العديد من المقتنيات العامة والخاصة.
لقد كان من أبرز علماء تمبكتو الشيخ أحمد بابا الذي ألف ما يربو على أربعين كتابا باللغة العربية لا يزال بعضها مقروءا حتى اليوم، وفى القرن الثامن عشر قدمت لنا تمبكتو أيضا أحد أعلام الصوفية المعدودين وهو سيدي المختار الكونتي الذي قدم للمكتبة الإسلامية نحو ثلاثمائة مجلدة، وعلى صعيد آخر أسهمت سوكوتو في أواخر القرن التاسع عشر بدور بارز في نهضة إفريقيا الإسلامية، فقد قام الشيخ عثمان بن فودي بتأسيس الخلافة الإسلامية في مدينة سوكوتو، كما أنه أسهم بتقديم نحو مائة وخمسين مؤلفا ومخطوطا.
إننا لا يمكن أن نفهم الواقع الراهن دون عودة إلى الجذور التاريخية، فمع مقدم الاستعمار الأوروبي بذلت محاولات منظمة لاجتثاث الإفريقي من جذوره وإبعاده عن تراثه تحت دعاوى متعددة منها الحداثة والتحضر وتجاوز التخلف وما شاكل ذلك.
وعلى الرغم من رحيل المستعمر بردائه العسكري وتحقيق الاستقلال السياسي الذي نادى به كوامي نكروما فإن فترة ما بعد الاستقلال شهدت ترديا واضحا وصل إلى حد الانهيار في كثير من الحالات حتى أضحت مشكلة الفهم بالنسبة للواقع الإفريقي تستعصي على كافة المقتربات والأطروحات النظرية التي قدمها النموذج المعرفي الغربي من أجل التفسير والتحليل.
واستنادا إلى ذلك فإن هذا المكون التاريخي يمكن أن تتم معالجته من خلال العناصر الآتية:
خبرة ما قبل الاستعمار ولاسيما الممالك الإسلامية كتلك التي تأسست في غرب إفريقيا (غانا ومالي والصنغاي).
الاحتكاك الأوروبي بإفريقيا وغزوها عسكريا وأثر نظم الإدارة الاستعمارية على المواريث الحضارية الإفريقية ولاسيما المناطق الإسلامية.
(ج) خبرة ما بعد الاستقلال وعلاقة الظاهرة الدينية بالظاهرة السياسية في الواقع الإفريقي، ويمكن في هذا السياق إبراز الرؤية المقارنة في إطار حركة الدولة والمجتمع والتاريخ.
2- قضية العوامل الدولية والخارجية: حيث يتم التركيز على الدور الذي قامت به القوى الدولية المختلفة عبر مراحل زمنية طويلة من أجل التخلص من التراث الحضاري الإفريقي وذلك عبر أساليب وأدوات متعددة يمكن أن نميز في إطارها بين مستويين:
المستوى الأول: وهو المستوى الرسمي حيث يبرز في هذا الخصوص دور القوى الاستعمارية السابقة (فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا) بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
المستوى الثاني: وهو المستوى غير الرسمي وفيه يتم تحليل دور المنظمات والجمعيات غير الحكومية والتي تقوم بدور رئيسي في عمليات الإحصاء الثقافي للمجتمعات الإفريقية وتغيير طرائق حياتها ومن أمثله ذلك جمعيات التنصير والتبشير المختلفة، ومجلس الكنائس العالمي.
3- قضايا النظام الدولي الجديد ومدلولاتها، وهنا تطرح مجموعة من الإشكاليات مثل:
-العولمة في السياق الإفريقي
-قضايا التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان
-قضايا الهوية الثقافية والنظام الإفريقي الأمثل
-أبعاد العلاقة بين الداخلي والخارجي
أضف إلى ما سبق أن دراسة واقع المسلمين في إفريقيا لا تخلو من صعوبات منهجية وإجرائية، ولعل أبرز تلك الصعوبات ما يرتبط بتحديد نماذج الدراسة: هل نتحدث عن مجتمعات إسلامية أو جاليات إسلامية أو ربما أقليات إسلامية إن صح التعبير، وتحديد هذه النماذج يعتمد بدرجة كبيرة على المعيار العددي والإحصائي، وهو الأمر الذي يجعله محفوفا بالمخاطر؛ فالواقع الإفريقي يعانى من عدم دقة الإحصاءات السكانية وربما عدم توافرها في كثير من الأحيان، وكذلك تغاير نسب السكان سواء بالزيادة أو النقصان في الدول الإفريقية، ومن الناحية الإجرائية يمكن القول بأنه إذا زادت نسبة المسلمين عن 50% في أي دولة إفريقية اعتبرت دولة إسلامية حتى لو وقفت السلطات الحاكمة في هذه الدولة من الدين موقف الحياد أو بمعنى آخر تبنت العلمانية، هذا التحديد الإجرائي للدولة الإسلامية في إفريقيا يقودنا إلى وجود ثلاثة نماذج للظاهرة الإسلامية في علاقتها بالسلطة الحاكمة في الدول الإفريقية:
النموذج الأول: وهو يتمثل في وجود أغلبية مسلمة تعيش في ظل دولة إسلامية.
النموذج الثاني: وهو يبرز عندما يكون المسلمون أغلبية في المجتمع بيد أن النخبة الحاكمة تأخذ بالمفهوم العلماني للدولة.
النموذج الثالث: ويتمثل في وجود المسلمين كأقلية في الدول الإفريقية.
وعليه فإنه يمكن الحديث عن ضرورة تحقيق النموذج البديل للواقع المعيش في إفريقيا اليوم والذي يعتمد على الخبرة التاريخية ويأخذ السياق الحضاري والديني لهذه المجتمعات بعين الاعتبار، وتأتي أهمية هذا النموذج في أنه يستند إلى مرجعية تخلق لدى الإفريقي الإحساس بالثقة في الذات، فالإسلام بطبيعته يشعر من ينتمي إليه بأنه أكثر سموا ونبلا من ذلك الذي لا ينتمي إليه، يعني ذلك أنه لا مجال للنزاعات العرقية والطائفية في إطار هذا النموذج الحضاري، فهل يمكن طرح ذلك البديل في إطار الرؤية الاستشرافية لواقع المسلمين في إفريقيا خلال القرن الواحد والعشرين؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.