لا شك أن اتفاق الدوحة كان كبيراً بكل المقاييس ، فقد أعاد القافلة اللبنانية إلى مسار الوحدة بعد مرحلة بائسة من التصعيد متعدد المستويات ، والذي وصل حد الاحتكام للسلاح. وفي حين يمكن للبعض القول إن الاتفاق هو نتاج ما جرى في بيروت ، فإن ذلك لم يحدث على قاعدة أن طرفاً قد هزم وآخر قد انتصر ، بل على قاعدة إدراك الجميع لحقيقة الأزمة وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات ، إضافة إلى تحولات أخرى ذات صلة بالوضع العربي وعلاقته بالولايات المتحدة إثر زيارة بوش الأخيرة للمنطقة ، وأخرى ذات صلة بالوضع الإقليمي والدولي. من المؤكد أن لقطر دورها الكبير في تحقيق الإنجاز ، فهي من منطلق علاقتها الخاصة بقوى المعارضة والموالاة كانت مؤهلة للوساطة ، والأهم بسبب علاقتها الجيدة مع سوريا وإيران ، فضلاً عن تحولات علاقتها الجيدة بالمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة. في الجانب العربي لا يمكن القول إلا أن الاتفاق كان في جوهره نتاج توافق بين المحاور الكبرى ذات التأثير في الملف اللبناني ، فما كان للموالاة أن تمرر الاتفاق لولا الموافقة السعودية ، وكذلك المصرية إلى حد ما ، وما كان للمعارضة أن تمرره بعيداً عن لعبة الاستقواء بالحسم العسكري الذي تحقق في بيروت من دون دعم سوري إيراني. ثمة بالتأكيد ظرف موضوعي داخلي وخارجي سهّل الإنجاز ، وهو الظرف الذي نتج عن الحسم العسكري في بيروت إثر قراري مجلس الوزراء بشأن شبكة اتصالات حزب الله ومدير أمن المطار ، والذي أنتج بدوره الأجواء المناسبة للحرب الأهلية في ظل حشد طائفي استثنائي ، الأمر الذي أدركه حزب الله ، وكذلك قوى الموالاة وعموم الوضع العربي. في الاتفاق ما يمكن للموالاة أن تراه جيداً ، لا سيما ما يتعلق بعدم استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية ، والأهم بسط سيادة الدولة على سائر الأرض اللبنانية ، مع تفصيلات مهمة في هذا الشأن ، في حين يمكن للمعارضة أن ترى إنجازات مقابلة تتعلق بقانون الانتخاب وبالثلث المعطّل في الحكومة. من المؤكد أن الأجواء التي صنعتها زيارة بوش إلى المنطقة ، واستخفافه بالهواجس العربية ، لا سيما في الملف الفلسطيني قد ساهمت في إنجاز الاتفاق الذي كان في حاجة إلى قدر من التمرد على الإملاءات الأمريكية التي كانت تدفع في اتجاه التصعيد وليس التهدئة ، على اعتبار أن الطرف الثاني في أزمة لبنان (حزب الله) عدو ينبغي أن يختفي بحسب الوعد الذي قدمه بوش للإسرائيليين في احتفالهم بالذكرى الستين لإنشاء كيانهم. في أي حال ، وبعيداً عن حقيقة التوافق الذي تم في الدوحة ، فإن الذي جرى كان شكلاً من أشكال الانتصار لجبهة المقاومة والممانعة ، وليس العكس ، أكان في الجانب المتصل بذات الاتفاق ، أم ما يتعلق بتمريره من قبل دول الاعتدال بعد إدراكها لمخاطر استمرار التأزيم الداخلي وتداعياته الأوسع على المنطقة برمتها ، مع عبثية المراهنة على المواقف الأمريكية. على أن ما جرى لا يعني دفن الأزمة برمتها ، فما جرى ترك ندوبا كبيرة في الواقع الداخلي اللبناني ، من حيث الحشد المذهبي والطائفي ، وسيحتاج لبنان الكثير من الوقت لتجاوز الأزمة واستعادة قدر معقول من الوحدة الداخلية ، الأمر الذي سيرتبط بدوره بتحولات المحيط العربي والإقليمي من جهة ، كما سيرتبط بشكل ما بنهج تيار الموالاة في التعاطي مع سوريا ، وما إذا كان سيواصل نهج العداء ، أم سيعيد النظر في عموم خطابه السياسي ، إضافة بالطبع إلى سلوك حزب الله في الداخل عبر الكف عن روحية الاستخفاف بمؤسسات الدولة اللبنانية. خلاصة القول إن ما جرى في الدوحة يشكل مؤشراً إيجابياً ، ليس بالنسبة للأزمة اللبنانية وحدها ، وإنما لعموم الوضع العربي الذي يعيش لحظات حرجة ، لا سيما الملف الفلسطيني الذي سينتظر كثيرون أن يشهد مصالحة داخلية بعد وضوح التوجهات الأمريكية الإسرائيلية بشأن التسوية. التاريخ : 22-05-2008