الصور الواردة على شاشات التلفزيون تظهر علاقات حميمة بين المفاوضين الفلسطينيين وعلى رأسهم رئيس السلطة عبّاس وبين "نظرائهم" الصهاينة الثابتين على مبادئهم القائلة بمحاربة ما يسمّى لدى سكّان العالم "المتحضّر" بالإرهابيين. وقد أفلح الصهاينة – في ما أزعم - في استقطاب المفاوض الفلسطيني القابل مبديّا للانضمام إلى محاربة "الإرهابيين" من حماس والجهاد وغيرهم وجعله رهن البنان. وقد تجلّى ذلك في ما عرف بمؤتمر أنابوليس وما تبعه من انفراد إجرامي دموي بأهلنا في غزّة ممّا جعل بعض المصريين - كما قرأت - يشعرون بالذنب وينبّهون عبّاس إلى ضرورة الاعتدال في إبغاض غزّة وأهلها، كي لا يكون أكثر صهيونية من الصهاينة ولا أكثر يهوديّة من اليهود... أحسب أنّ الفلسطيني قد بات يخشى المفاوضات أكثر من خشيته الطائرات النفّاثة المقنبلة، فما من جلسة إلاّ وصحبت بالاستهدافات النوعيّة، ممّا يثبت أنّ سيطرة حماس في القطاع ليست كاملة "خانقة" كما يريد أن يسوّق متشيّعو الصهيونيّة من الفتحويين وبعض الليبيراليين العرب. فالقوّاد لا زال في غزّة بخير واختياره للأهداف المهداة لأمّه إسرائيل لا يزال على درجة عالية من "الصواب"، وهو ما يعني بالنسبة لي أمان هذا القوّاد الفاسد الديوث وقدرته على امتلاك وسائل المراقبة والاتّصال المتطوّرة التي قد تسلّم له حتّى من خلال جلسة مفاوضات... الجرح الغزّاوي جرح غائر في الجسم الإسلامي ونشترك جميعا في تعفينه، بعدم التحرّج من الجلوس مع الصهاينة والتطبيع معهم في شتّى المجالات، بقبول استضافات مناصري الصهاينة إلى مؤتمرات شأنها دائما الإنساء (أن ننسى أصل القضيّة، أن ننسى الاتّفاقات الدوليّة، أن ننسى أصلنا بالانضمام إلى "الإنسانيّة"، أن ننسى شهامتنا وعلويتنا ورجولتنا)، بتصديق السلطة الفلسطينية في كلّ اتّهاماتها لحماس أو لغيرها من الفصائل الكادحة المجاهدة في فلسطين، بالانصياع إلى الأوامر الإسرائيلية أو بالاستجابة إلى طلباتها كما تفعل مصر الآن مع الحجّاج الفلسطينيين الذين تريد إدخالهم من غير الباب الذي أخرجتهم منه كي يكونوا لقمة سائغة للصهاينة المعتدين، بعدم النّجاح في تطوير طرق ووسائل المقاومة التي من شأنها أن تحدّ من سطوة المعتدي الجشع... ولو نظرنا إلى عدوّنا وحاولنا سماعه وفهمه لاستنبطنا منه الوسيلة النّاجعة!... فها هو يعلن بوضوح - مُسنَد من رعاة البقر - أنّ دولتهم يهوديّة أو لا تكون، وقد حاولوا بذلك عدم تقليد العرب المتخلّفين الذين حاربوا هُويتهم من أجل إرساء هوايتهم (حاربوا الهويّة الإسلامية من أجل إرساء هواية الحكم المذهب للأنفة والعزّة، ولقد استأت كثيرا لهرولة الرّئيس المصري العجوز إلى مقابلة يهود باراك بشرم الشيخ، فقد كان يمكن الاكتفاء بوزير الدّفاع أو مَن دونه من الشخصيات ذات الاتصال بموضوع اللقاء حتّى نُبقِي على بعض الرمزيّة لدينا، وإن كانت رمزية فاسدة)... أقول بأنّ الدولة اليهوديّة المأمولة لا بدّ أن تُقابَل بالدّولة الإسلاميّة التي خُبِرت من قبل اليهود وأرشدها ربُّها إلى كيفية التعامل معهم. وقد شهد اليهود الصادقين بعدل الإسلام وقدرته على كفالة غير المسلمين وقد شهد الله سبحانه وتعالى أنّ هؤلاء القوم أهل غدر وخيانة وقتل. أمّا أن تترك اليهوديّة تُغتصَب من طرف صهاينة لا علاقة لهم باليهود ولا بربّ اليهود، وأمّا أن يترك شأن فلسطين لأحلاس نسبوا أنفسهم إلى العرب وحاربوا الإسلام والمسلمين إقتداء بأعداء الله في محاربة" الإرهابيين"، فهذا ما سوف يؤبّد المعضلة الفلسطينيّة الإسلاميّة... ولعلّي - اقتداء بالصهاينة - أقول لا بدّ لنا من دولة إسلاميّة توقّر الله ورسوله والمؤمنين وتُفهم أنذال هذا العالم الماشي على رأسه بأنّ الإرهاب قد فقد معناه لمّا عمل بتعاليمه مَن لا يخاف الله سبحانه وتعالى. ويوم تَرهَبُ السائبة المسلمينَ (تخاف غضب المسلم وليس سطوته، فالمسلم لا يعتدي أبدا على غيره) يعمّ الأمنُ والأمانُ الصحيحان التّامّان في فلسطين وفي غيرها من البلاد...