غزة - بعد قرابة عام ونصف من الشد والجذب، نجح وفد للأمم المتحدة برئاسة القس ديزموند توتو الحاصل على جائزة نوبل للسلام في دخول قطاع غزة للتحقيق في المجزرة التي ارتكبتها "إسرائيل" في بلدة بيت حانون شمال القطاع في نوفمبر 2006، وراح ضحيتها 19 شهيدًا، بينهم 13 من عائلة واحدة معظمهم من الأطفال. ولدى وصوله، وصف توتو ما تتعرض له غزة من حصار بأنه "غير مقبول" وأضاف: "سمعنا عن غزة الكثير حتى الآن، وما سمعناه يكفي لأن يصل بنا الحد للبكاء الشديد". وفي عددها الصادر اليوم الأربعاء، قالت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية: إن القس توتو دخل للقطاع أمس الثلاثاء من خلال معبر رفح الحدودي على رأس بعثة من الأممالمتحدة تضم أعضاء من المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، من بينهم البروفيسير كرستن شينكن من مركز دراسات حقوق الإنسان بكلية لندن، وعدد من الحقوقيين. وحظي الوفد باستقبال حار من قبل مسئولين بوزارة الداخلية التابعة لحكومة إسماعيل هنية، حيث رحبوا بأعضاء الوفد وطالبوهم بدور دولي أكثر فعالية للتحقيق في المجازر المتواصلة التي ترتكبها قوات الاحتلال في الضفة والقطاع. والتقى الوفد بالسيدة كارين أبو زيد المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين الدولية "الأونروا" في غزة، بعدها عقد اجتماعا مساء الثلاثاء مع هنية، ناقشوا خلاله ما يعانيه القطاع من حصار خانق، تسبب في موت حوالي 170 شخصًا حتى الآن نتيجة نقص الغذاء والدواء، فضلا عن القتلى الذين يسقطون تباعًا بسبب القصف "الإسرائيلي" المتواصل، والذي يكون أكثر ضحاياه من المدنيين. وعقب لقائه بهنية بقصر الضيافة بغزة، عقد الوفد مؤتمرًا صحفيًّا، تحدث فيه عن الصعوبات التي واجهته لفترة قاربت العام ونصف، كما أعلن بدء التحقيق في الحادث. وخلال المؤتمر، قال توتو: "منذ تعييني وأنا أريد الاجتماع بجميع الأطراف المعنية، وأردنا بشدة أن نذهب إلى "إسرائيل" لنسمع منهم تقييمًا لمقتل عائلة العثامنة.. في الواقع لم يسمح لنا "الإسرائيليون"؛ ما جعلنا ننتظر سنة ونصف تقريبًا". وأعلن توتو –الجنوب إفريقي- حرصه على الاجتماع مع كافة الأطراف، وهذا ما جعله يجتمع مع قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس). من جانبه، صرح هنية أنه أوعز لكل الوزراء ذوي الصلة ب"التعاون الكامل مع لجنة تقصي الحقائق الأممية وتقديم كافة التقارير والمعلومات المتوفرة واللازمة لتتمكن اللجنة من تقديم تقرير واضح عن مجزرة بيت حانون للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون". تعنت "إسرائيلي" ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن الأممالمتحدة أرادت إرسال توتو ومرافقيه بعد أيام من الحادث الذي وقع في نوفمبر عام 2006، وأودى بحياة 19 مدنيًّا فلسطينيًّا، بينهم 13 من عائلة العثامنة، لكن إسرائيل رفضت منحه تأشيرة دخول. وأضافت أن "إسرائيل" لم تكتف بالمنع، لكنها انتقدت مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية الذي يقف وراء التحقيق، واتهمته بأنه ينتقد "إسرائيل" ويتحامل عليها. وشرع القس توتو اليوم الأربعاء في مقابلة عدد من ذوي ضحايا الحادث في بيت حانون وشهود عيان وناجين؛ للوقوف على شهاداتهم والاستماع إليها، ومن ثم عرضها في اجتماع المجلس الأعلى لحقوق الإنسان في مقر الأممالمتحدة في سبتمبر المقبل. وأكد رئيس لجنة تقصي الحقائق الأممية في تصريحاته أن "الحدث الذي كلفنا بتقصيه هو حادث انتهكت من خلاله حقوق الإنسان حيث استهدفت "إسرائيل" فيه المدنيين العزل، وقلنا لرئيس الوزراء هنية إننا نريد أن نذهب إلى مكان الحدث ونتحدث مع الناس والشهود". وأدى قصف المدفعية الإسرائيلية في 8 نوفمبر 2006، إلى استشهاد 19 مدنيا من بينهم خمس نساء وثمانية أطفال من عائلة العثامنة قضوا في منازلهم، وأثارت الجريمة حينها إدانات واسعة حول العالم. وأعلن جيش الاحتلال وقتها أن الحادث نجم عن "خلل تقني نادر وخطير في نظام رادار المدفعية". وتقول الأممالمتحدة: إن اللجنة التي يترأسها توتو تهدف إلى تقديم توصيات حول كيفية حماية المدنيين الفلسطينيين من أي هجمات "إسرائيلية" لاحقة. صواريخ غزة من جهة أخرى، قال توتو –الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1984- إنه أبلغ إسماعيل هنية خلال اجتماعهما بأن الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة على سديروت في جنوب "إسرائيل" "هي في حد ذاتها انتهاك لحقوق الإنسان"، بحسب تقديره. وأشار إلى أنه واللجنة كانوا يريدون الذهاب إلى سديروت أيضًا، وقال: "كل الناس تهمنا، وقلنا للمسئولين في حماس: نتمنى منكم أن تكفوا عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل.. هل تساعدوننا بذلك؟". ودعا كل الأطراف المعنية إلى التهدئة ولفت في هذا الإطار إلى "تجربة جنوب إفريقيا والتي جرى فيها جلوس الأعداء على طاولة المفاوضات ليحل السلام في بلادهم، الأمر الذي يجب أن يتبعه أطراف الصراع في الشرق الأوسط". وتقبع غزة تحت الحصار الخانق منذ سيطرة حماس على القطاع في يونيو 2007، الأمر الذي تعالت بسببه الصيحات الحقوقية لإنقاذ أهالي القطاع.