ماخسرناه من بيع المثقف و تهميش الثقافة بقلم : عامر عياد تلعب الطبقة المثقفة دورا يحوّل معظم أفرادها إلى عبء على أمتهم بدل أن يكونوا قوة هادية تسير أمامها و تدلها على طريق مواجهة وحل المشاكل المزمنة التي تعاني منها الأمة و تعوق مسيرتها و الواقع أننا نتردد كثيرا في استخدام وصف "الطبقة العربية المثقفة" لأن من يعملون في الحقل الثقافي يعدون " مثقفين "بالمعنى ألاتفاقي للكلمة الذي يقسم المجتمع إلى قوتين تجريديتين: القوة المكونة من العاملين بأيديهم و القوة الأخرى التي تشكل الجهاز المعرفي و نريد أن نطلق عليها في هذا السياق تعريفا سلبيا محضا بان نرى فيها جموع غير العاملين بأيديهم رغم ما بينهم من تباين و تفاوت... و بوصفهم جزءا من الجهاز المعرفي للمجتمع يلعب المثقفون دورا بالغ الحيوية والفاعلية أو يفترض بهم و ينتظر منهم لعب دور كهذا، و بما أنهم لا ينخرطون في صيرورة الإنتاج الاجتماعي من مواقع مباشرة ، بل يشكلون قوى تلعب دورا غير مباشر فيها ، بدلالة الدور الذي تلعبه المعرفة في الحفاظ على المجتمع و على الإنتاج، فأنهم يمتلكون القدرة على اتخاذ مواقف مستقلة نسبيا عن الاعتبارات الطبقية الآنية و المباشرة ، التي تلزم العمال على سبيل المثال بالنظر إلى العالم من خلال مصالحهم الاقتصادية .. و هكذا فان الاستقلالية النسبية للعاملين في الحقل المعرفي و الحراك الاجتماعي المميز لوضعهم و حاجة المجتمع إليهم من اجل إعادة إنتاج توازنه ، و هي تتجاوز حاجة الطبقات الاجتماعية التي انحدروا منها مباشرة أو قرروا الانتماء إليها طوعا ، تتيح لهم صياغة خطابهم باسم فئات و طبقات اجتماعية متنوعة ..و تضع على عاتقهم مهمة النظر إلى مصالح المجتمع ذاته ، وليس العكس .و هذا ما يعطيهم القدرة على البروز كأصحاب رؤى و أفكار تتجاوز الحقل السياسي المباشر لكل طبقة من الطبقات، لتقيم منظورا سياسيا في الحقل الاجتماعي العام الذي تتقاطع عنده المصالح الطبقية ، و تتخذ فيه نوعية خاصة، بصفتها مصالح فوق طبقية ، مصالح اجتماعية عامة،و بقدر ما تقنع شرائح و فئات و طبقات و مصالح اجتماعية متنوعة بأنها تعبر عنها و بأنها أداتها في تغيير الواقع الذي قد تعاني منه أو تقاومه..بمعنى أخر الثقافة الثورية ليست تلك الثقافة التي تقزم العالم و المجتمع و تحشرهما في الرؤية الضيقة لطبقة من الطبقات و إنما هي الرؤية التي تفرد مصالح و أفكار و معارف طبقة من الطبقات فوق الرقعة الاجتماعية بكاملها ، و تقنع قوى اجتماعية مختلفة..لكنها متفقة المصالح في المنظور النهائي بأنها المعبر الحقيقي عنها و بأنها مالكة الأجوبة على تساؤلاتها ، التي يطرحها عليها الواقع و تطرحها على نفسها. نقول هذا الكلام لا لنجعل من المثقف جامع التناقضات ، وساحر قادر على القفز فوق الواقع و من فوق خياله الخاص ، بل لنذكر بحقيقة كثيرا ما ترددت في الأدب السياسي العربي النقدي الحديث ..و خلاصتها أن المثقف العربي لم ينجز مهمته و لم يحمل مشروعه الخاص القادر على مساعدة المجتمع في التحرر من أساري الأمراض الكثيرة التي عاني منها و ما زال. بل التصق التصاقا امتثاليا بحزب من الأحزاب و حول نفسه إلى بوق ينفخ في العراء الاجتماعي و جعل الثقافة كبش فداء و خادما ادواتيا لبرامج الحزب وتكتيكاته ، أو اغتراب عن واقعه باسم ثقافة عالمية متقدمة ..جعل منها اقنوما وصنما يعبده قبل أن يقرن به مختلف الأوصاف التحسينية و بمجتمعه سائر الصفات التحقيرية ، و قبل أن يرى مهمته في رفع الواقع إلى مستوى الثقافة الرفيعة و بالتالي تغريبه عن ذاته لصالح برنامج ثقافي الجوهر ، مع انه كان يعلم علم اليقين أن المعضلات الأساسية لمجتمعه ليست جميعها ذات جذر ثقافي . وان حل المسالة الثقافية ليست بمزيد تأسيس جمعيات الدفاع عن اللائكية أو منتديات أصحاب العقول النيرة و كأن باقي الناس من فاقديها؟؟؟. هذا لا يحل مشكلة الثقافة أو معضلات المجتمع.فالثقافة تحولت إلى متاع فردي و فئوي لحاملها وإذا بالمجتمع يضرب أكثر فأكثر في متاهات التأخر التي نذر هؤلاء "المتثاقفون " أنفسهم لتخليصه منها كما يقولون دوما .. ثم هم مساهمون واقعا وفعلا في دفعه باضطراد إلى دروبها الوعرة. إن الحركات السياسية العربية لم تستطع بالطريقة التي جسدها بها " مثقفوها" أن تفصل المعرفة عن السياسة و لم تميز بين الثقافة الموجهة إلى حقل أوسع بكثير من السياسة بمعناها الحزبي الآني و بين الحقل السياسي..فتحولت المعرفة عن وظيفتها ، و فقدت الثقافة مهمتها التغيرية المستقلة عن السياسة و السابقة لها .. و التي يعد انجازها شرطا لا غنى عنه لإقامة السياسة فوق أرضية اجتماعية واسعة تتجاوز العلاقات الحزبية المباشرة و الضيقة ن و قد ترتب على هذا الواقع نتائج شديدة الخطورة في الواقع العربي ، السياسي و الحزبي الثقافي: *1خسر المثقف الدور التاريخي الذي كان حريا به آن يتصدى له و انجازه ، دور العامل الكيميائي الفكري الذي يلقي خميرته الفكرية المعرفية في ارض الواقع ، و يشرع في الصراع ضد معوقات التغيير و استقبال الجديد القائمة في الوجدان و الوعي ، سواء لدى النخب أو لدى الشعب، لتستطيع التيارات السياسية و الاجتماعية التبلور لاحقا، تيارات اجتماعية أو تاريخية تتجسد في هذا البرنامج أو ذاك دون أن تصبح مجرد استراتيجيات أو تكتيكات سياسية بالمعنى الضيق، دون أن تفقد صفتها الأساسية كتيارات عامة تظم السياسة فيما تضمه ، و تصوغها بوصفها الذروة العليا لمجمل معارفها و للحركة الفعلية للواقع المجتمعي و التاريخي في نطورهما ..لذلك فان الثقافي لم يسبق السياسي و إنما تبعه ثم تبع له ..فتحولت الثقافة و المعرفة عن طابعها التحرري للإنسان العارف إلى طابع جديد ..امتثالي. و هذا ما جعل الطابع الادواتي للثقافة هو طابعها الأساسي المميز في نظر المثقفين العرب المسسيسين .. هذا الطابع ألامتثالي لهذه الثقافة حول المثقف إلى فرد امتثالي فحرص على عدم الوصول إلى معارف تتناقض و خط الحزب أو تهدد موقعه ألامتيازي في الجهاز الحزبي القائم إلى أن فقد صفته كمثقف و تحول إلى مجرد عضو في الجماعة التي ينتمي إليها ، و تدهور موقعه إلى المكان الذي سبق له أن دفع الأمور إليه، أو ترك حزبه و انزوى في بيته تطارده الشائعات و لعنات حزبه و الجهاز الذي ساهم هو في الماضي في النزول بمستواه المعرفي إلى حالة فظيعة من الامتثالية تجعله يصدق أي شيء يقال له دون محاكمة عقل أو مساءلة ضمير لانه فقد القدرة على التفكير أصلا. لم تلعب الثقافة إذن الدور الذي كان من شانه ان يجعلها حرة و محررة و الذي كان من شأنه إعطاء المثقف صفته الفعلية كرجل طليعي و مناضل و لم يجعل المشروع السياسي ينبثق عنها .. بل تبعت هي الخط السياسي و البرنامج الحزبي ففقدت طابعها كثقافة و فقدت صلتها بالمجتمع ، وتحولت إلى تابع بائس للسياسة و القيادات الحزبية و حكمت على نفسها بالانحسار في حلقات ضيقة لا صلة لها بالواقعين الاجتماعي و الشعبي لوطنها و أمتها، فإذا بها تحول هذه المأساة إلى امتياز و تتحدث عن الشعب الغبي و الرجعي المغيب ، وترى في نفسها الطليعة المستنيرة و الواعية و إذا بالمثقف يصبح شاتما لشعبه يرى فيه العقبة أمام التغيير و التقدم و الإصلاح. ثم يشرع ويبني برامجه السياسية على أساس غياب الشعب او تغييبه عند العمل السياسي ، فتصبح السياسة عندئذ مجرد الأعيب تشبه عمليات السمسرة تشوبها سائر انواع الكذب و الدجل و التزوير الرخيص و التظاهر و الانتفاع و التكسب و التقرب من ذوي السلطان ، حتى لو كانوا غارقين في دماء شعبهم إلى أعناقهم ، و تصير السياسة فن الممكن ليس بالمعنى البيسماركي للكلمة بل بالمعنى التجاري و الارتزاقي الوضيع. *2غياب المشروع الثقافي جعل العمل السياسي يتصدى لحل إشكاليات الثقافة و تحول رجل السياسة إلى رجل ثقافة بعدما التحق رجل الثقافة به و أصبح المبرر لإعماله .. و بالنظر إلى تباين و طبيعة كل حقل منهما فقد تم دمج و إلحاق الثقافة بالعمل السياسي بوصفها العبء الثقيل الذي لا بد من حمله ، و عندما تكون الثقافة ملحقة بأي شيء آخر فإنها تفقد خصوصيتها و حساسيتها و تغدو شيئا لذاته و مناهضا لطبيعته. لقد تعاطى الساسة مع الثقافة بطريقة متميزة ، فهم لم يعترفوا لها بالاستقلالية عن العمل السياسي الآني ، و لم يملكوا الوقت الكافي لتحصيل معرفة شمولية تتجاوز كمستلزمات العمل الحزبي، فقرروا إن الثقافة الوحيدة الضرورية هي الثقافة المفيدة " للقضية" فاخرجوا بذلك معظم الثقافة الإنسانية من " ثقافتهم" ثم أعلنوا أن الثقافة المفيدة بدورها تابعة للمتغيرات الآنية و الظروف السياسية لذلك يصعب تحديدها و وضع هيكلتها بصورة مسبقة ، ويجب العمل على جعلها متبدلة ، متغيرة ، كالسياسة التي تخدمها..و شرعوا يتعاملون مع الثقافة من خلال القرارات و الفتاوى السياسية و الحزبية منطلقين من بديهية أن " أن أعلى الناس منصبا سياسيا هو أيضا أكثرهم ثقافة". ألغى المثقفون دورهم و أوكلوه للسياسيين ، فالغي هؤلاء بدورهم الثقافة و السياسة ، و حولوا محازبيهم إلى أنصار و أتباع لهم ، و أحزابهم إلى حلقات أقلوية معزولة عن شعبها و أمتها ، تزداد عزلتها بازدياد عدد أعضاءها ، و يزداد عجزها بقدر ما ينتسب إليها من " المناضلين" فهل هناك مفارقة أكثر من هذه المفارقة؟ و هل هناك مأساة اكبر من هذه المأساة؟ *3بخروج السياسة من عالم الشعب و تغييب الثقافة على يد المشروع السياسي انحصر فعل الأحزاب السياسية في مجالين محددين : التطلع إلى السلطة ، و التنافس فيما بينهم حول بعض المسائل الصغيرة و الآنية في معظم الأحيان. وهذا لا يعني إننا نعيب على احد تطلعه إلى التأثير في السلطة أو تغيير علاقاتها . ونرى أن من واجب العاملين في الحقل السياسي تغيير علاقات السلطة بحيث تصبح أكثر استجابة للطلبات الشعبية ، لكن التطلع إلى السلطة بمعزل عن الحركة الاجتماعية ، وبعيدا عن تغطية شعبية جدية و مناسبة ، وفي أجواء ازدراء المعرفة و الثقافة لا يمكن أن يكون تغيير علاقات السلطة، و لا يمكن أن يكون أكثر من إحلال علاقات تسلطية محل علاقات السلطة. السياسة بمعزل عن الحركة الشعبية لا يمكن أن تكون عامل تقدم و تغيير نحو الأحسن. جل ما تفعله هو إعادة إنتاج العالم القائم وفق حاجيات ومستلزمات أخرى ، تركبه و تعيد خلط عناصره لتخدم هذه الحاجات و المستلزمات. هذا التحفظ يضعنا أمام نقدنا للسياسة التي تمارسها قيادات و أحزاب تعتبر نفسها " طليعية و تقدمية حداثية´"فهي سياسة استهدفت إقامة علاقات تسلطية محل علاقات السلطة و حصرت و ضيقت مفهوم السلطة ليقتصر على واقع التسلط. و السلطة كما هو معلوم ليست هي التسلط و إنما يجب أن تكون نقيضه. فالسلطة تقوم على شكل من أشكال الإجماع أو التمثيل أو التفويض أو التكليف ، بينما التسلط يلغي هذه الإشكال جميعها و يعيد إنتاج السلطة من فوق أي من السلطة ذاتها ، بعيدا عن الهيئة الاجتماعية ، من خلال القوة و الإكراه و الاضطهاد و الاستغلال و التفرد و الشمولية الدولتية بينما يمكن لمفهوم السلطة إن يتضمن إرادة شعبية أو طبقية أو فئوية تمثل مرحلة من مراحل العمل السياسي . و تسعى إلى إعادة إنتاج نفسها بوسائل لا تنحصر أصلا في الإكراه و القسر و الاضطهاد و الاستبداد و إنما تتضمن أيضا وسائل سياسية واجتماعية و اقتصادية تستهدف خلق حد من الإجماع تبرر به ذاتها. لم تقم سياسة الأحزاب إذا على الوصول إلى السلطة مفهومة بهذا المعنى ولم يكن منتظرا لها آن تحقق هذا الوصول حتى لو أرادت و خططت له ، فالواقع الموضوعي لا ينبثق عن الرغبات و النوايا بل قامت على الأخذ بمبدأ التسلط التي وجدت له من يزينه لها" بنظريات سياسية" تستند جميعها إلى أفكار تحترف احتقار الشعب و ترى فيه تكوينا غير سياسي و غير جدير بالعمل السياسي و تقول بالحاجة للحفاظ على السلطة بوسائل تسلطية ، بل تعتقد انه من الفضيلة تحويل السلطة إلى تسلط رغم كل الدعاوى الفوقية " بالديمقراطية" و "الحداثة " و المناداة المستمرة بالحرية". و بديهي آن الحزب أو التيار السياسي الذي أمينه العام هو اكبر المثقفين لن يعدم آن يجد وسيلة تبرر ثقافيا تسلطه.في هذه الحالة تصبح السياسة هي فن الوصول إلى وضع تسلطي وفن الحفاظ عليه ضد إرادة الشعب و فن تحويل الدولة من أداة للإرادة السياسية –الاجتماعية و الاقتصادية إلى أداة لإلغاء الحياة السياسية و حذف الشعب منها حذفا مطلقا و تاما وكليا ، بحيث تتم إعادة صياغة الحياة السياسية من اعلي الهرم التنظيمي للفئة المتسلطة من لدن الأمين العام ، و ليس من المستوى الأدنى. إن الثقافة العربية اليوم تختنق في المؤسسات الرسمية التي تحاول تهميش الثقافة وتدجينها و تطويعها لخدمة واقع الأمر في كل قطر..و الأمر لم يقف عند حدود استتباع المجتمع المدني للمجتمع السياسي و العسكري ، بل تسعى السلطة إلى ابتلاع الثقافة و إلحاق الفكر بالدولة و العقل بالسلطة ليصبح مجرد صدى و أداة تبرير و تسويغ و تجويز للممارسات السياسية المختلفة ، فالثقافة الرسمية هي في الأساس ثقافة تبرير و ثقافة تسيير الأمر الواقع ، تفتقد البعد النقدي و التحليلي الذي يسم كل ثقافة لا تسير في ركاب السلطة. كما شهدت الثقافة العربية في العقد الأخير خسوف الاتجاهات العقلانية و تراجع العقلاني في الفكر العربي ن هذا المشروع الذي عمل على استيعاب مقومات الحضارة الحديثة دون تنكر لمقومات و أصالة هذه الأمة. وقد عملت اليوم أصوات لا عقلانية في كل مكان تدعو غالى العيش في الماضي الموروث و إلى الوقوف عندهما دون نقد واجتهاد. ولعل واقع التعليم في الوطن العربي خير دليل على انتعاش هذه اللاعقلانية سواء فيما يخص البرامج المقررة أو فيما يخص أساليب التربية و التلقين أو فيما يخص مردو ديته و نسب انتشاره. و على العموم فان هذا التعليم لم يحقق المهام الإستراتيجية المنوطة به و المتمثلة في التقليص من نسب الأمية و تثقيف المواطنين و تنوير العقول ، بل لعل الهدف الأساسي للتعليم هو إمداد الدولة بالكوادر التقنية و الإدارية وتكييف المواطن لتفعيل الواقع العربي الحالي ، فرغم الميزانيات المرصودة و التي تشكل نسبة هامة من ميزانية كل بلد ، فان هذا التعليم يبدو و كأنه غير ذي مردود ايجابي و غير خاضع لتخطيط محكم كما يدل على ذلك تراكم أفواج الخرجين و عدم قدرة المجتمع على استيعاب طاقاتهم و توظيفها في اتجاه تنمية الواقع و تطويره. و القطاع الثاني الذي تنعكس فيه هذه الصورة بجلاء هو الإعلام العربي الذي يظل إلى الآن إعلاما تابعا و مستهلكا و غير قادر على التحرر .و الوظيفة الأساسية التي يبدو أن هذا الإعلام يكرّسها و يسخرها هي تدجين المواطن و تزويده بثقافة استهلاكية لجعله مواطنا ممتثلا و طيعا. و على العموم فان السياسة الإعلامية العربية لا تخدم المشروع الحضاري التحرري الذي يصب في أفق التغيير الاجتماعي و تحويل الذهنيات و تربية الشخصية القومية للمواطن بقدر ما وضعت الإنسان العربي في إطار خدمة الأمر الواقع. إن مثل هذا التردي يطرح على كاهل المثقفين مهام تاريخية جسيمة و لا بد للمثقف العربي أن يتدارك الوضع التي آلت إليه الحركة الفعلية للواقع العربي الناجم ، و عند تخليه التاريخي عن القيام بمهامه –بما هو حامل مفترض للوعي الاجتماعي و مرشح للقيام بدور طليعي لمهمة التغيير و التحديث و العصرنة ، بعد أن أثبتت التجربة إن أحدا لن يقوم باه سواه، وان التصدي لهما بعيدا عنه و بدون حضوره المباشر و الملموس لن يفضي إلى التغيير و إلى الأحسن، و إنما سيقود حتما إلى إنتاج القيم و الوقائع القديمة في صورة وحشية تهدد وجود الشعب و الدولة و الأمة و مستقبلهم جميعا.